«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (6): ميريل ستريب لـ«الشرق الأوسط»: تمثيل شخصيات حقيقية لا يعني الاستنساخ

الممثلة الأميركية حضرت عرض أحدث أفلامها في فينيسيا

ميريل ستريب في لقطة من «المغسلة»  -  قبل عرض فيلمها «المغسلة» في مهرجان فنيسيا (رويترز)
ميريل ستريب في لقطة من «المغسلة» - قبل عرض فيلمها «المغسلة» في مهرجان فنيسيا (رويترز)
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (6): ميريل ستريب لـ«الشرق الأوسط»: تمثيل شخصيات حقيقية لا يعني الاستنساخ

ميريل ستريب في لقطة من «المغسلة»  -  قبل عرض فيلمها «المغسلة» في مهرجان فنيسيا (رويترز)
ميريل ستريب في لقطة من «المغسلة» - قبل عرض فيلمها «المغسلة» في مهرجان فنيسيا (رويترز)

‫لميريل ستريب دوران في فيلم «المغسلة»: هي الزوجة التي فقدت زوجها في حادثة انقلاب مركب في البحيرة خلال رحلة سياحية، وهي سكرتيرة حديثة العهد لدى المحامي الذي هو نموذج للفساد المالي الضارب أطنابه حول العالم.‬
الدور الأول هو الأكبر بعدد المشاهد المخصصة لها، وأيضاً بكونه أحد المحاور الدرامية التي تُسيّر الأحداث، لكنه ليس دور بطولة. هنا، في هذا الفيلم، ليس هناك بطولة إلا لحديث رأس المال، وكيف يتوزع منتقلاً بين الأيدي التي تصنعه وتخزنه. الدور الثاني لا تتبدّى فيه ستريب مثل ما عهدناها، بل يتم وضع ماكياج خاص على وجهها، وتكبير أنفها، وتغيير تصميم شعرها، واستبدال صوتها ولكنته. لكن من يتمعن قليلاً يستطيع أن يدرك أن هذه السكرتيرة التي تقلد صقور المؤسسة التي بدأت العمل فيها ليست سوى ميريل ستريب نفسها.
الممثلة التي احتفلت في الثاني والعشرين من شهر يونيو (حزيران) الماضي ببلوغها سبعين سنة لديها 62 دوراً سينمائياً منذ أن مثلت بصوتها في فيلم «كل واحد يركب الدوّار» (Everybody Rides the Carousel) سنة 1976. ما هي إلا سنوات قليلة حتى بدأت تترك بصمتها: في فيلم «جوليا» أولاً (تناصفت فانيسا ردغراف وجين فوندا بطولته سنة 1977)، ثم «صائد الغزلان» لمايكل شيمينو (1978)، و«مانهاتن» لوودي ألن (1979)، و«كرامر ضد كرامر» لروبرت بنتون (1979)، قبل أن تقدم الأداء المذهل في «زوجة الضابط الفرنسي» لكارل رايز (1981)، لتتبعه في العام التالي بأداء استحقت عليه كل الجوائز التي نالتها عنه، وهو «اختيار صوفي» لألان ج. باكولا.
فيلم يكشف الستار وهي إذ غادرت في اليوم التالي لإجراء هذه المقابلة بسبب ارتباطها بالتمثيل في فيلمها الجديد، ستدخل تصوير «حفلة التخرج» مباشرة، الذي سيكون من النوع الموسيقي.
وفيما يلي نص الحوار:
> هل ستقومين بالغناء في فيلمك المقبل؟
- سأغير صوتي قليلاً.
> في هذه الحالة، ستكون هذه ثاني مرّة في السنوات القليلة الماضية التي ستغنين فيها، بعد «ريكي أند ذا فلاش» قبل ثلاث سنوات.
- نعم، لكني لحنت وغنيت في أكثر من فيلم واحد؛ إنها هوايتي الخفية.
> أعرف أنك غنيت في «ماما ميا» وفي «فلورنس فوستر جنكينز»، وهما من أفلامك الأخيرة، هل كنت تودين أن تشقي طريقك في الغناء سابقاً؟
- كنت أريد الاثنين معاً، كنت أريد أن أمثل وأريد أن أغني وأكتب الموسيقى؛ كلاهما، وأقول هذا متعجبة، تواكبا معاً مثل خطي سكة حديد على المسرح أولاً ثم في السينما، لكن التمثيل غلب طبعاً. الباقي للتاريخ.
> هنا في «المغسلة»، يبدو لي أن اشتراكك في فيلم ينتقد المؤسسات الوهمية التي تدير شبكة عملاقة من المنافع وغسل الأموال والتهرب من الضرائب ليس مجرد دور آخر عُرض عليك وقبلت به؛ هو أكثر كإسهام منك في تأييد رسالته.
- لم أكن قد قرأت الكتاب الذي قام ستيفن (سودربيرغ، المخرج) بتحويله. لم أقرأ الكتاب إلا من بعد أن عرض علي المخرج الدور. وحين قرأته، أدركت أنه يعني ما يقوله، وأن عليّ أن أشارك في فيلم يقصد أن يكشف الستار عن أشياء كثيرة في حياتنا، من بينها أنني أدفع الضرائب والآخرين يتهربون (تضحك). عندما أطلعني ستيفن لاحقاً على بعض أفكاره بخصوص المشاهد التي سأقوم بتمثيلها، اكتشفت أن الفيلم لن يكون خطاباً، بل عملاً ترفيهياً في الأساس. وهو هكذا فعلاً، ألا تعتقد؟ هو فيلم جدي في موضوعه، لكنه ساخر سهل بأسلوب سرده.
> أهميته أيضاً أنه يتناول وضعنا اليوم.
- تماماً. لقد توقفت عن مشاهدة الأخبار أو قراءتها، أو حاولت ذلك أكثر من مرة. وفي كل مرّة، أجد نفسي بعد أيام قليلة أبحث عن مستجدات لما يحدث في أميركا والعالم. رهيب حجم المآسي التي تلف العالم، والحروب التي تمر بها الشعوب. لذلك شعرت بأنه من الأولى أن أشترك في هذا الفيلم لأنه مهم بحق.
> هل كانت لديك خلفية عن مسألة غسل الأموال؟
- مطلقاً. لم أكن أفهم ما تعنيه الكلمة عملياً. غسل الأموال هو خداع كبير يمارس، وندفع نحن ثمنه. كانت هناك صحافية من مالطا تتابع ما كشفه الكتاب من حقائق، ولا بد أنها اكتشفت أسراراً متصلة بما عرف باسم «أوراق باناما»، لأن المسكينة قضت في انفجار سيارة. نعم، هناك ضحايا متعددون.
> معظم أفلامك ليست من هذا النوع. أقصد أن «المغسلة» هو كوميديا سوداء، وأجاهد الآن لكي أتذكر أي فيلم كوميدي أسود مثلته، إذا كان هناك واحد.
- لا يوجد بين أفلامي ما هو شبيه بهذا الفيلم. لقد مثلت الكوميديا، ومثلت الدراما، وأنت تعلم، لكن لا شيء كان من هذا النوع، لأن هناك أسلوباً خاصاً عند ستيفن سودربيرغ لا يمارسه سواه.
> لكن هذا لا يعني أنك لم تمثلي في أفلام ذات قضايا. آخرها «ذا بوست»، لستيفن سبيلبرغ.
- أوه، أفلام القضايا وأنا نعود لسنوات طويلة. في نظري، «صائد الغزلان» و«اختيار صوفي» و«سيلكوود» و«صرخة في الظلام» كلها أفلام بمواضيع ذات قضايا اجتماعية، وأحياناً سياسية.
> بالتأكيد، لكن أي من أفلامك التي لا تحمل قضايا أو تتحدث عن مواضيع اجتماعية عريضة تحبين أكثر؟
- أوه، مثلت كثيراً، وربما لو ذكرت البعض سأهمل البعض الآخر. لكن مثلاً «الساعات» و«منزل الأرواح» و«جسور مقاطعة ماديسون» و«اقتباس».
> في «ذا بوست» لعبت شخصية حقيقية، هي شخصية مالكة صحيفة «واشنطن بوست»، لكن بطبيعة الحال معظم أفلامك الأخرى لا تقوم على تمثيل شخصية حقيقية. ما الذي يختلف في التحضير بين الحالتين؟
- أعتقد أن كل ممثل سيقول إن البحث والدراسة أمران مهمان في سبيل تمثيل شخصية واقعية. وهذا حقيقي بالطبع، لكن إلى حد. عندما مثلت دور كاي غراهام (في «ذا بوست»)، قرأت عنها، وقرأت تاريخ القضية التي يتناولها الفيلم (قيام الصحيفة بشراء ونشر وثائق حول الوضع المتدهور في فيتنام، رغم تحذيرات البيت الأبيض)، لكني مثلت الشخصية كما رأيتها في نهاية الأمر، لأن التقليد ليس مطلوباً، ولا هو شرطاً في مثل هذه الحالات. هذا أيضاً ما فعلته عندما مثلت شخصيات أخرى، مثل شخصية كارين في «خارج أفريقيا».
> هل تعتقدين أن السينما تستطيع تغييرنا صوب الأفضل؟
- هذا سؤال صعب الجواب عنه بنعم أو لا. هناك حالات كثيرة كشفت فيها الأفلام للناس حقائق كانت مخفية، وهناك أفلام مهمة مرّت من دون أن تثير الاهتمام الذي اعتقدت أنها ستثيره، لكن ما أؤمن به هو أن كل فيلم لديه شيء ما يطرحه، مثل هذا الفيلم، يقوم بعمل تمهيدي صوب التغيير؛ كل فيلم هو خطوة لكي يدرك الناس الحقيقة.
> هل هذا التأثير سهل اليوم أكثر مما كان عليه بالأمس أم أصعب؟
- لا. أعتقد أنه أسهل اليوم مما كان عليه بالأمس. «المغسلة» من إنتاج شركة «نتفليكس»، وهي ليست على غرار الشركات الأخرى في هوليوود التي لديها مكاتب كبيرة في باريس ولندن ومدريد ونيو مكسيكو وسواها؛ هي «غلوبال» موجودة حول العالم لأن «نتفليكس» تتوجه مباشرة للمنازل. لذلك رسالتها تصل إلى كل المشتركين من دون أن تخضع لعوامل التسويق المعتادة. وبوصولها إلى عشرات الملايين، أو ربما أكثر، تنشر الرسالة التي يتضمنها الفيلم.
> ألا تفضلين الشاشات الكبيرة على الصغيرة؟
- نموذجياً، نعم. لا شيء يضاهي أن تشاهد الفيلم في صالة بشاشة كبيرة، لكن التأثير الذي سألتني عنه أعتقد أنه أكثر وأسهل وصولاً إلى المشاهدين عبر الشاشات الصغيرة.
> ماذا عن تقنيات المشاهدة؟ الشاشة الكبيرة ضد الشاشة الصغيرة.
- ربما تهتم أنت بذلك، وربما أهتم أنا بذلك أيضاً، لكن غالبية الجمهور لم يعد يهتم كثيراً بحجم الشاشة. لا أعتقد، وإلا لما نجحت تجربة «نتفليكس» و«أمازون» وسواهما.
> أي أفلام تشاهدين حين تريدين أن ترتاحي من عناء يوم عمل؟
- أشاهد أفلاماً كثيرة؛ كلما سمعت عن فيلم يمدحه النقاد، أو ينصحني الأصدقاء بمشاهدته.
> هل تشاهدين أفلاماً غير أميركية؟ لنقل أفلاماً آسيوية أو عربية أو أوروبية؟
- عربية؟ سمعت عن أفلام، وأود أن أبدأ التعرف عليها، لكن من الطبيعي - أعتقد - أن تكون معظم مشاهداتي أميركية.
> لماذا قمت بتمثيل دورين في «المغسلة»؟ هل كانت فكرة المخرج أم فكرتك؟
- كانت فكرة المخرج، ووافقت عليها، لكني قبضت أجرى كشخص واحد (تضحك).
> لديك ذلك الوجه الذي تستطيعين إدارة تعابيرك عليه بنظام رائع. في هذا الفيلم، أنت في أكثر من موقف، لكن في مستوى واحد: أنت مفجوعة لفقدان زوجك، ثم مندهشة حيال ما يكشفه المحامي لك، ثم متوغلة في العمل لكشف الحقيقة، بأمارات من الهدوء والتعجب معاً. لن أسألك كيف تستطيعين ذلك، بل إلى ماذا تستندين حين تقررين استخدام تعبير ما؟
- استند فقط إلى قدراتي الخاصة. لقد مثلت كل التعابير الممكنة في أدواري (تضحك)، ليس هناك من جديد، ولا أحاول أن آتي بجديد. الجديد الوحيد هو الدور كاملاً وما يتيحه.
> قصدت أنك ما زلت تبدين ممثلة مختلفة تماماً، إذا قارنت دورك هنا بدورك في «ريكي أند ذا فلاش» أو في «أسود كحملان» أو «جوليا وجوليا»… هذا ليس بمقدور كل ممثل.
- أفهم ما تعنيه، لكني لا أعرف كيف أتحدث عن كيف أمثل الدور، وما الذي يشدني إلى ناحية معينة منه؛ عليّ أن أكتشف الدور، وليس العكس. ودائماً أحاول أن أرتديه، مثل ثيابي.
> شاهدت مؤخراً، وربما للمرة الثالثة، «اختيار صوفي». هل ما زلت تعتبرينه أحد القمم بين ما قمت بتمثيله؟
- نعم، أنا أيضاً أشاهده من حين لآخر… ليس كل سنة أو سنتين، لكن ربما كل ثماني أو عشر سنوات. ما يخطر ببالي فيه هو كيف أن السينما هي مرتع الحكاية والمعلومات الآتية من التاريخ، وكيف تتبلور إلى فيلم. لا يهم ما هي القصة، المهم هو أن الفيلم الجيد يمنحك الفرصة لكي تزداد معرفة. كلنا كذلك.


مقالات ذات صلة

ليوناردو دي كابريو يحذر الممثلين الشباب من خطأ واحد يضر بمسيرتهم

يوميات الشرق النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو (رويترز)

ليوناردو دي كابريو يحذر الممثلين الشباب من خطأ واحد يضر بمسيرتهم

أصدر النجم ليوناردو دي كابريو تحذيراً للممثلين الشباب، موضحاً سبب رفضه عروضاً ضخمة في بداية مسيرته الفنية الحافلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق ‎لحظة تاريخية لتكريم النجم البريطاني مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

مثل عادة المهرجانات، اتّجهت الأنظار نحو السجادة الحمراء، فامتلأت «الريد كاربت» الواقعة في منطقة البلد التاريخية بطيف نادر من نجوم السينما العالمية...

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات أنها استعادتها

«الشرق الأوسط» (ولينغتون)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، وسط حضور كبير لنجوم وصنّاع السينما، يتقدمهم الأمير

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان) play-circle 01:19

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة.

إيمان الخطاف (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».