تعتبر الأدوية المضادة للهسيتامين antihistamines من أكثر الأدوية التي يساء استخدامها في الأطفال بعد المضادات الحيوية. ويتم تناول هذه الأدوية بشكل مبالغ فيه سواء بناء على وصفة طبية أو لإمكانية شرائها مباشرة من الصيدلية وشهرتها بين الأمهات كعلاج فعال في الحد من الكثير من الأمراض مثل نزلات البرد والسعال وحساسية الجلد. كما أنها تلعب دورا فعالا أيضا في الأزمة الربوية بل تستخدم كعلاج للحساسية التي يمكن أن تتسبب فيها بعض الأدوية.
والحقيقة أن أي دواء يكون جيدا حينما يتم استخدامه وقت الاحتياج له فقط وأن الأفراط في تناوله يؤدي بالضرورة إلى مخاطر صحية وأعراض جانبية.
- مضادات الهسيتامين
وعلى الرغم من أن هذه الأدوية تعتبر آمنة إلى حد ما فإنه يجب ألا يستخدمها الأطفال ما قبل عمر 6 شهور خاصة تلك التي تحتوي على مواد مخدرة. كما أنها تستخدم بحرص في الفئة العمرية ما قبل عامين تبعا لتوصيات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال في عام 2008 وهو الأمر الذي أتى بثمار جيدة بالفعل.
وحسب أحدث دراسة أميركية قام بها علماء من جامعة نيوجيرسي بالولايات المتحدة وتم نشرها في شهر نهاية شهر يوليو (تموز) من العام الجاري في مجلة الرابطة الطبية الأميركية لطب الأطفال journal JAMA Pediatrics، فإن نسبة وصف مضادات الهسيتامين تناقصت بالفعل في هذه الفئة العمرية ما دون العامين ولكنها تزايدت في الفئة العمرية الأكبر وحتى عمر 12 عاما في علاج نزلات البرد على الرغم من الأبحاث التي تشير إلى أنها غير ذات جدوى في العلاج في الأطفال وتلعب دورا بسيطا في تخفيف الأعراض بالنسبة للبالغين.
أوضحت الدراسة أن الأمهات يلجأن إلى تلك الأدوية ظنا منهن في أنها تساعد الطفل على التحسن والشعور بأنه أفضل حالا وربما يكون السبب في ذلك أن معظم هذه الأدوية تسبب الإحساس بالنعاس Sedating effect وبالتالي في حالة استخدامها في الأطفال تقلل من فرط حركتهم الطبيعية وتجعلهم يخلدون إلى النوم وهو الأمر الذي يساعد في التحسن من أعراض البرد البسيطة بشكل حقيقي.
وتكمن المشكلة في أن مكونات هذه الأدوية موجودة بالفعل في معظم أدوية السعال ونزلات البرد ويندر أن يوجد دواء من هذه النوعية لا يحتوي على مضادات الهسيتامين وبالتالي فإن الأم حتى وإن كانت على دراية بالأعراض الجانبية لها ومنها النعاس لا تجد بديلا عن استخدامها فضلا عن أن هذه الأدوية خاصة الخالية من الكودايين codeine free موجودة بشكل قانوني في الصيدليات ويمكن الحصول عليها بسهولة.
قام الباحثون بتحليل بيانات الزيارات لأطباء الأطفال لأكثر من 3 مليارات زيارة للعيادات الخارجية في الفترة من عام 2002 وحتى عام 2015 وتبين أن الأطباء قاموا بوصف ما يقرب من 95 مليون دواء للسعال ونزلات البرد وكانت هناك نسبة من هذه الأدوية بلغت 12 في المائة احتوت على مادة الكودايين أو مواد مخدرة أخرى وذلك قبل صدور التوصيات الطبية من الأكاديمية وإدارة الغذاء والدواء FDA. وبعد التوصيات انخفضت النسبة إلى 56 في المائة بالنسبة لأدوية السعال التي لا تحتوي على مخدر وانخفضت بنسبة 68 في المائة بالنسبة للأدوية التي تحتوي على الكودايين خاصة بالنسبة للفئة العمرية تحت 6 أشهر. وفي المقابل وجد الباحثون أن وصف هذه الأدوية زاد بنسبة 25 في المائة في الأطفال ما دون عمر الـ12 خاصة في علاج أمراض الجهاز التنفسي.
- أدوية مطورة
أوضحت الدراسة أن الأجيال الجديدة من مضادات الهسيتامين أو ما يمكن تسميته (الجيل الثاني) لها أعراض جانبية أقل وتعتبر اختيارا أفضل بالنسبة للأطفال ومن أشهر هذه الأعراض جفاف الحلق وفي بعض الأحيان تسبب القيء والغثيان، وكذلك يمكن أن تسبب اعتلال المزاج في بعض الأطفال وفي أحيان نادرة يمكن أن تسبب عدم وضوح الرؤية.
وبالنسبة لأدوية السعال من الجيل الأول والتي تحتوي على كودايين في الأغلب تكون الأعراض الجانبية بسيطة مثل الشعور بالدوار أو الرغبة في النوم وعدم التركيز ولكن في بعض الأحيان النادرة يمكن أن تحدث أعراض خطيرة بحيث تسبب فشلا في الجهاز التنفسي، ويمكن أن يؤدي إلى حدوث غيبوبة تنتهي بالوفاة، وهو الأمر الذي حذرت منه الأكاديمية (هناك بعض الدول ما زالت تستخدم مضادات الجيل الأول في علاج الأطفال دون مراعاة التوصيات ومنها بعض الدول النامية).
أكدت الدراسة أن الأدوية المضادة للهسيتامين تعتبر من الأدوية الضرورية في الأطفال وأنه لا داعي لقلق الأمهات خاصة أن الأجيال الجديدة تم عمل الكثير من الدراسات عليها وتبين فاعليتها وعدم وجود أعراض جانبية خطيرة.
وفي نفس الوقت نصحت الدراسة الأمهات بضرورة الالتزام باستشارة الطبيب قبل تناول أي دواء وأن الأدوية تنقسم إلى عائلات متعددة وليس بالضرورة أن الدواء الذي نجح في علاج طفل يمكن أن يكون جيدا مع طفل آخر ويجب اتخاذ الاحتياطات الخاصة بتناول هذه الأدوية مثل إعطائها للطفل في المساء. وحتى الجيل الثاني يمكن أن يسبب نسبة بسيطة من الدوار وبالتالي لا ينصح باستخدامه في الصباح والطفل في الطريق للمدرسة وحضور الصف الدراسي.
وفي حالات نزلات البرد البسيطة يمكن اللجوء إلى تناول السوائل الدافئة بكثرة مع استخدام خوافض الحرارة وفي حالة ظهور أعراض جانبية يجب التحدث مع الطبيب بشأنها حتى يقرر إما تغيير الدواء وإما الاستمرار في العلاج.
- استشاري طب الأطفال