البشرية على بوابة البربرية

البشرية على بوابة البربرية
TT

البشرية على بوابة البربرية

البشرية على بوابة البربرية

ما الذي يحصل في تاريخنا المعاصر؟ هل يتخطى الأمر مداركنا العقلية والذهنية، فنقف عاجزين عن تحليله وفهمه، وبالتالي تجاوزه؟ أم إن الأمر متوقف على «عوامل موضوعية» تحرّك هذا التاريخ، ولا نملك إزاءها شيئاً؟ ولكن ما هذه العوامل الموضوعية، ولماذا تشكّلت الآن، وليس قبل؟ هل نحن قادرون على فهم قوانينها، ونحن لا نزال نتخبط في دوامتها؛ يميناً ويساراً؟
نعتقد أن المحللين والمفكرين سيملأون مكتباتنا في المستقبل درساً وتحليلاً لما حصل، ربما بعد فوات الأوان، فلحد الآن لا نلمس وعياً على مستوى جماعي بخطورة ما يحدث من تراجع مريع للقيم الإنسانية، ونمو مخيف لبربرية جديدة؛ أول أعدائها الإنسان، وكأن هناك عجزاً فكرياً ونظرياً في فهم هول ما يجري. وبالطبع؛ لا نعدم في أوروبا، بشكل خاص، أصواتاً تشير، وتحذّر، وتشخّص، ولكنها لا تزال أصواتاً ضائعة.
هل هي مرحلة طارئة هبطت علينا فجأة من السماء في غفلة منا، ومن التاريخ؟ أم إنها كانت كامنة في الأرض منذ أجيال طويلة، ونما عودها الآن، ثم استطالت لتظللنا ونحن لاهون؟
في روايته «الخنوع»، يفكك توماس مان روائياً الآليات التي تؤدي إلى هذه الغفلة؛ وأولها استلاب عقل ووجدان الجماهير عبر التضليل والكذب، حتى درجة الخضوع، الذي سيسكن في «لا وعيها» مع مرور الزمن.
وقبل ذلك، أطلق توماس مان عام 1930 تحذيره الشهير من «الديك الرومي الذي لا يرى إلا نفسه؛ عرقاً أفضل من الأعراق الأخرى»، داعياً لتشكيل جبهة عريضة لمواجهة اليمين المتشدد. بعد 3 سنوات فقط من تحذير مان، تحول الديك الرومي إلى أكبر وحش في القرن العشرين.
لم يدع مان إلى جبهة يسارية أو عمالية؛ بل إلى جبهة تضم «البرجوازيين والاجتماعيين الديمقراطيين»؛ أي، بعبارة أخرى، اليمين المعتدل، لأنه كان يعرف بحسّه التاريخي أن صعود اليمين المتطرف هو تهديد بالدرجة الأولى لقيم الطبقة الوسطى، التي حققت المنجزات الحضارية الكبرى منذ القرن الثامن عشر؛ قرن التنوير، ومن هذه القيم أن «لا عرق يعلو على عرق آخر»، وأن «الإنسان أخ للإنسان»، مهما كان لونه وجنسه ودينه، وأن «لا دم أنقى من الآخر».
هذه القيم تتعرض في هذه المرحلة الحرجة من عمر البشرية لخطر شديد، لا يقل عن صعود النازية والفاشية في تلك الفترة الحالكة من التاريخ، وفي غفلة منه أيضاً.
ومن هنا؛ يبدو أن دعوة توماس مان لا تزال صالحة لزمننا هذا، رغم مرور قرن إلا عشر سنوات.
لكن للأسف؛ مثل هذه الجبهة العريضة لا تزال حلماً لحد الآن في أوروبا وأميركا؛ اللتين تشهدان ولادة كثير من «الديَكة الرومية»؛ التي لا يعرف أحد متى تنتفخ حين تنضج الشروط المناسبة لتتحول إلى ذئاب بشرية، وإنْ بديكور مختلف، وثياب عصرية. التعويل على مجموعات حزبية، من اليسار واليمين في مواجهة هذا الانحدار المريع في القيم على يد الشعبويين، لم يعد مجدياً، لأننا لسنا أمام هيكل واضح المعالم لمصارعته في ساحة معلومة الأبعاد والزوايا، ولسنا أمام آيديولوجيا معينة يمكن محاربتها بسلاحها؛ بل هي ظاهرة سائلة جداً - إذا استعرنا تعبير عالم الاجتماع البولندي زيغموند باومان - سريعة الذوبان في حشايا الأفراد والمجتمعات حتى من دون أن يشعروا بأنها استقرت هناك لتستلب قلوبهم وعقولهم شيئاً فشيئاً.
ومن دون عمل اجتماعي وسياسي جبار ينجح في الوصول لهذه القلوب والعقول المستلبة، تبقى البشرية جمعاء واقفة على بوابة الدخول لبربرية عصور تَصَوَّرنا أنها صارت خلفنا، فإذا بها أمامنا فاتحة أفواهها الجائعة.



تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
TT

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)

تقام «أيام بنغلاديش» في حديقة السويدي بالعاصمة السعودية الرياض، والتي انطلقت لياليها، الثلاثاء، ضمن مبادرة تعزيز التواصل مع المقيمين التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية، بالشراكة مع الهيئة العامة للترفيه، تحت شعار «انسجام عالمي»، وتستمر حتى السبت، بهدف تعزيز التواصل الثقافي بين المجتمع السعودي والمقيمين، وإبراز التنوع الثقافي الغني الذي تحتضنه السعودية.

وتشهد الفعاليات عروضاً فنية متنوعة تقدمها الفرقة الشعبية، حيث تألق المشاركون بتقديم عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي، إلى جانب أغنيات مستوحاة من أعمال أبرز شعراء بنغلاديش.

عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي (الشرق الأوسط)

كما يضم الحدث منطقة مخصصة لعرض التراث البنغالي، حيث تُتيح للزوار فرصة استكشاف الجوانب الغنية للثقافة البنغالية عن قرب؛ إذ تشمل المنطقة معروضات للأزياء التقليدية المزينة بالزخارف اليدوية التي تعكس المهارة الحرفية والفنية المتميزة، حيث يتم عرض الساري البنغالي المصنوع من أقمشة الحرير والقطن الفاخرة، إضافة إلى الملابس التقليدية للرجال مثل البنجابي والدوتي، كما تعرض الإكسسوارات اليدوية التي تشتهر بها بنغلاديش، بما في ذلك المجوهرات التقليدية المصنوعة من المعادن والأحجار الكريمة، والحقائب والمطرزات التي تعكس ذوقاً فنياً عريقاً.

الفعاليات شملت استكشاف التراث البنغالي (الشرق الأوسط)

واشتملت الفعاليات على قسم مخصص للأطعمة من بنغلاديش؛ إذ يٌقدم للزوار فرصة تذوق أشهى الأطباق التقليدية التي تمثل المطبخ البنغالي المعروف بنكهاته الغنية وتوابله المميزة، وتشمل الأطباق المقدمة أكلات شهيرة مثل البرياني البنغالي، والداكا كاكوري كباب، وسمك الهيلشا المطهو بطرق تراثية، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الحلويات التقليدية مثل الروشا غولا والميزان لادّو.

وتضيف هذه المنطقة بعداً مميزاً للفعالية، حيث لا تقتصر التجربة على الفنون والعروض، بل تمتد لتشمل استكشاف التراث البنغالي بشكل متكامل يعكس الحياة اليومية والعادات والتقاليد، مما يجعلها تجربة غنية تُثري التفاعل الثقافي بين الزوار.

معروضات للأزياء التقليدية (الشرق الأوسط)

وحظيت الفعاليات منذ انطلاقها بإقبال واسع من الزوار الذين عبروا عن إعجابهم بجمال الفلكلور البنغالي وتنوع العروض الفنية المقدمة، كما أبدى العديد من الحاضرين تقديرهم لهذه المبادرات التي تسهم في تعزيز التفاهم والتفاعل بين الثقافات.

وأكّد المسؤولون أن هذه المبادرة تأتي جزءاً من سلسلة برامج ثقافية تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي في المملكة، بما يتماشى مع «رؤية السعودية 2030» التي تدعم التنوع والانفتاح الثقافي.