شواطئ المكسيك تواجه تهديد الطحالب البنية

بعد توصّلها إلى أساليب مبتكرة للتعامل معها

الطحالب البنيّة على شواطئ البحر الكاريبي
الطحالب البنيّة على شواطئ البحر الكاريبي
TT

شواطئ المكسيك تواجه تهديد الطحالب البنية

الطحالب البنيّة على شواطئ البحر الكاريبي
الطحالب البنيّة على شواطئ البحر الكاريبي

يهدد غزو الطحالب البحرية البنية، المزيج المثالي الساحر من أشعة الشمس ونسيم البحر ومياهه، الذي يجذب السّياح إلى شواطئ البحر الكاريبي.
ويلوث «السارجاسوم»، وهو عبارة عن طحالب بنية صغيرة تطفو على سطح الماء، المياه الصّافية والرّمال البيضاء في المكسيك وجزيرة بربادوس، وجنوب ولاية فلوريدا الأميركية، وقد أصبحت مشكلة متكررة في المنطقة.
ومن العوامل التي أدّت إلى هذه الظّاهرة، إزالة غابات الأمازون، واستخدام الأسمدة، والإفراط في العناصر الغذائية بالبحر.
ويبذل أصحاب الفنادق في المكسيك جهوداً مضنية لتطهير شواطئهم من «السارجاسوم»، وتصطاده السفن البحرية من البحر، في حين يحاول الباحثون فهم الأسباب وراء هذه الظاهرة، والتنبؤ بموعد ظهور أزهار «السارجاسوم»، وحتى السّعي لاستخدامها على نحو مفيد.
وثمة مشروعات تجريبية تسعى على نطاق ضيق للاستفادة من وفرة «السارجاسوم» واستخدامها، على سبيل المثال، في إنتاج الغاز الحيوي لقطاعي الزراعة والتشييد، وكبديل للورق، وفي صنع الأحذية الصديقة للبيئة، وفي صناعة الأدوية.
وفي العام الماضي، وفي الصباح الباكر قبل أن تبدأ الشّمس تلهب الرمال بأشعتها الحارقة، وصل فريق من العلماء إلى شاطئ بويرتو موريلوس، جنوب مدينة كانكن، المقصد السياحي الرئيس في المكسيك.
وأخذ الباحثون، تحت إشراف عالم الأحياء ألفونسو لارك (70 سنة)، عينات من «السارجاسوم» بمساعدة الطّلاب، ووضعوا الطحالب البحرية في صناديق، وحملوها على شاحنة وانطلقوا بها.
وكان لارك وزملاؤه في «مركز يوكاتان للفحوصات العلمية» يريدون معرفة ما إذا كان يمكن استخدام «السارجاسوم» كطبقة أساسية في زراعة الفطر الصالح للأكل، وتوصلوا إلى أنّه يمكن القيام بذلك، طالما استبعدت المعادن الثقيلة.
وصرح لارك لوكالة الأنباء الألمانية قائلاً: «استخلصنا من طن من (السارجاسوم)، 800 كيلوغرام من الفطر الصّالح للأكل. هذا أمر رائع»، مضيفاً أنّ «تكوين هذه الكتلة الحيوية في الطبيعة استغرق وقتاً طويلاً، ولذلك يجب علينا استخدام هذه الكتلة الحيوية الموجودة بالفعل، لحسن الطالع، وليس مجرد الشكوى منها».
وشيد رجل مكسيكي منزلاً باستخدام طوب مصنع من «السارجاسوم»، وخلط آخر يدعى خورخي كاسترو، «السارجاسوم» مع زجاجات بلاستيكية أُعيد تدويرها لإنشاء خط جديد لصنع أحذية صديقة للبيئة.
وقال كاسترو: إنّه «من كل طن من (السارجاسوم)، يمكننا إنتاج 10 آلاف زوج من الأحذية، ولكن يمكننا أيضاً زيادة عدد الغِرامات التي نستخدمها في صنع نعال الأحذية، وهذا ما نقوم به».
وصنّع كاسترو، الذي توجد شركته الناشئة لصناعة الأحذية في مدينة ليون بوسط المكسيك، نحو 50 زوجاً من الأحذية حتى الآن، يحتوي كل منها على 100 غرام من «السارجاسوم» المخلوط مع البلاستيك المعاد تدويره.
وفي الوقت الحالي، تتم هذه الجهود بمعزل عن بعضها بعضاً. وخط الجبهة في المعركة ضد «السارجاسوم» هو شواطئ المكسيك، التي يجب تطهيرها من «السارجاسوم» حتى لا تصبح طاردة للسياح، فالسياحة أحد أهم مصادر دخل البلاد، وأيضاً للحيلولة دون وقوع كارثة بيئية.
وتنتشر الطحالب البحرية فوق سطح الماء على طول السواحل، وكأنّها سجادة طافية، لتحجب الضوء والأكسجين، ما يشكل خطراً على الشّعاب المرجانية وعشب البحر. ومن هناك، يشق «السارجاسوم» طريقه إلى الرمال، حيث يتحلّل وتفوح منه رائحة كرائحة البيض الفاسد، وليتسبب في حدوث تعرية ويعرض مناطق تعشيش السلاحف البحرية للخطر.
وكانت كميات قليلة من «السارجاسوم» تزحف على الرمال في الماضي، وكان ذلك أمراً طبيعياً يمكن السيطرة عليه، فكان المرء يستطيع أن يزيحه جانباً ببساطة، ليستمتع بالغطس أو السباحة في البحر. غير أنه في عام 2011، تراكمت الطحالب البحرية بكميات هائلة في منطقة البحر الكاريبي وشرق أفريقيا في حدث غير مألوف وصفه العلماء بـ«الضخم». وفي عامي 2015 و2018، ومجدداً الآن، وصلت كتل الطّحالب البحرية التي جرفتها التيارات البحرية والرياح إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها.
وقال جورج زافالا هيدالغو، من مركز علوم الغلاف الجوي في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، إنّ «هناك عدداً من الأسباب وراء ذلك، أحدها وجود مواد غذائية في البحر بدرجة عالية بسبب إزالة الغابات في الأمازون واستخدام الأسمدة». وأضاف: «لكن يمكن ربط ذلك أيضاً بالتقلبات المناخية: سواء كانت طبيعية أو ناجمة عن التغير المناخي... هناك مجموعة من العوامل، ولكن هناك احتمال كبير بأن تكون الأنشطة البشرية أحد الأسباب». وثمة اعتقاد أنّ ملايين الأطنان من «السارجاسوم» ستجتاح شواطئ المكسيك وحدها خلال العام الحالي، إلّا أنّه من الصّعب التنبؤ بذلك، كما أنّه ليس حدثاً يقع على نحو مستمر. وغالباً ما ينتهي المطاف بالطحالب البحرية التي تم تطهيرها في مكب النفايات، الأمر الذي يشكل خطراً يتمثل في تلويث أبار المياه الجوفية، أو الكهوف المهجورة.
وهناك احتمال كبير لظهور كميات كبيرة من «السارجاسوم» في البحر الكاريبي وخليج المكسيك خلال الأشهر المقبلة، حسب توقعات عام 2019 لمختبر علوم المحيطات الضوئية في جامعة جنوب فلوريدا.
وتنشر شبكة رصد «السارجاسوم»، وهي مبادرة إعلامية مكسيكية، صوراً وخرائط للوضع على كل شاطئ، على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، ويمكن للسّياح الرّجوع إليها. وعلى الرّغم من ذلك، ليس هناك استراتيجية منسقة لمعالجة المشكلة على المستوى الإقليمي. من جانبه، قال المهندس والباحث في وحدة المواد بـ«مركز يوكاتان»، بيدرو جيسوس هيريرا فرانكو، إنّ «هذه الظّاهرة لا تحدث بشكل تلقائي. لقد ساهم النشاط البشري في أن تصبح أكثر سوءاً». وأضاف: «ما لم نتّخذ إجراءات صارمة لمنع إلقاء الملوثات، ستستمر هذه المواد الملوثة في النّفاد إلى البحر والمساهمة في تكاثر (السارجاسوم)».


مقالات ذات صلة

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

يوميات الشرق وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

يعرفه الجميع بوصفه الرئيس الأميركي الأسبق، لكنّ قلةً تعلم أن باراك أوباما دخل مجال الإنتاج التلفزيوني وبات يسجّل الوثائقيات بصوته، أحدث أعماله على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
الخليج الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي (الشرق الأوسط)

ولي العهد السعودي يطلق الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر

أطلق الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق روديغر كوخ في كبسولته تحت الماء (أ.ف.ب)

ألماني يعيش في كبسولة على عمق 11 متراً تحت الماء قبالة بنما

يعيش الألماني روديغر كوخ منذ شهرين داخل كبسولة على عمق 11 مترا في البحر الكاريبي قبالة سواحل بنما...

«الشرق الأوسط» (بنما)
يوميات الشرق السمكة المجدافية كما أعلن عنها معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

جرف البحر سمكة نادرة تعيش في أعماق البحار، إلى أحد شواطئ جنوب كاليفورنيا، بالولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
الاقتصاد د. خالد أصفهاني الرئيس التنفيذي لـ«المؤسسة العامة للمحافظة على الشعب المرجانية» وعدد من الشخصيات عند انطلاق المؤتمر

دراسة مع «البنك الدولي» لتحديد القيمة الفعلية للشعاب المرجانية في السعودية

تقترب السعودية من معرفة القيمة الفعلية لمواردها الطبيعية من «الشعاب المرجانية» في البحر الأحمر.

سعيد الأبيض (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».