«المنقوشة» اللبنانية تلتحق بالعصر الإلكتروني

آلة مبتكرة تقدمها ساخنة ولذيذة في أقل من دقيقتين

منقوشة الزعتر أشهر الوجبات السريعة في لبنان
منقوشة الزعتر أشهر الوجبات السريعة في لبنان
TT

«المنقوشة» اللبنانية تلتحق بالعصر الإلكتروني

منقوشة الزعتر أشهر الوجبات السريعة في لبنان
منقوشة الزعتر أشهر الوجبات السريعة في لبنان

يحصد حاليا المطبخ اللبناني شهرة واسعة في العالم بحيث صارت أطباقه مطلوبة في دول مختلفة عربية وأجنبية. وتعدّ منقوشة الزعتر واحدة من الأكلات اللبنانية الأكثر طلبا في لبنان والعالم. فالمغترب اللبناني يحن إليها ويحملها معه من لبنان بالكميات ليثلجها. فتكون بمتناول يده عندما يخطر على باله تذوقها. أما السياح الأجانب الذين يزورون بيروت فأول طبق يتذوقونه فيها عند الصباح هو «المنقوشة». فتراهم يتحدثون عنها بحماس ويتلذذون بتناولها في كل مناسبة. ونظرا للنجاح التي تحققه المنقوشة قرر شابان لبنانيان وهما المهندسان الميكانيكيان عبد جوهر وهادي بستاني ابتكار آلة إلكترونية «تيم تاستيك» (Thyme tastic) تصنع المنقوشة حسب طلب الزبون فيحصل عليها بكبسة زر.
«الفكرة معروفة وعادة ما تطبق على برّادات المشروبات الغازية والشوكولاته وحتى على طبق البيتزا الذي أصبح يقدم بهذه الطريقة مؤخرا في مدن إيطالية وأميركية». يوضح عبد جوهر في حديث لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «ولكنها بالطبع جديدة بتقنيتها وبمنتجها لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بإحدى أكلاتنا الشهيرة في لبنان ألا وهي المنقوشة. فما يسري على الماكينة التي تقدم طبق البيتزا لم يتوافق مع شروط صناعة المنقوشة ولذلك ابتكرنا ماكينة خاصة بها».
وتعد هذه الآلة التي تم تصميمها من قبل جوهر وصديقه، ابتكارا حديثا من شأنه أن يوصل المنقوشة إلى العالمية أخذا بعين الاعتبار ضمان الشروط الصحية والنظافة والطعم الأصيل لها. إنها بمثابة خراطيش ندكها في الآلة وتكتمل طبختها فيها إثر كبسة زر يحدد الزبون من خلالها نوع المنقوشة التي يرغب في تناولها. فتخرج منها ساخنة وأحيانا محمصة وذلك حسب الطلب، والأهم بأنها تحافظ على نفس الطعم لأنها مؤلفة من المكونات نفسها دون إجراء أي تغيير عليها. كما أنها تطبخ دائما بالأسلوب ذاته مما يجعلها تحافظ على النكهة ذاتها في أي زمان ومكان توجد فيه هذه الماكينة والتي أطلقنا عليها اسم «تيم تاستيك» والمأخوذة من كلمة زعتر بالأجنبية (THYME).
وصحيح أن هذه الماكينة تقدم طبقا لبنانيا معروفا إلا أنها وفي الوقت نفسه تحمل توقيع «صنع في لبنان» من ألفها إلى يائها، لأنه تم ابتكارها لتتلاءم تماما مع طلبات الزبون العربي عامة واللبناني خاصة.
«ليس هناك من مصنع ينفذ هذه الماكينة بل نحن من يقوم بهذه المهمة فنجمعها ونركبها هنا في لبنان». يوضح عبد جوهر المتخصص في الهندسة الميكانيكية وإدارة الأعمال. وهذه الآلة التي يمكن تعديل أي من مهماتها حسب طلب الزبون بحيث يمكن زيادة تحميصها أو انتقاء الجبن والكشك والزعتر التي تؤلف مكوناتها.
أما الخلطة المؤلفة منها مكونات هذه المنقوشة فهي ناتجة عن أبحاث دقيقة قام بها فريق العمل المؤلف من 5 شباب بينهم فتاة واحدة. «لقد قمنا بتجارب حثيثة في هذا الشأن ولحقنا بمنقوشة الضيعة وتلك الخاصة ببيروت فاخترنا مكونات طازجة وموافقة للشروط الصحية، وذات جودة عالية أن من ناحية الزعتر والسمسم والزيت، وكذلك المتعلقة بمكونات مناقيش أخرى إضافة إلى تمتعها بنسبة نظافة عالية بعيدا عن اللمس». يقول عبد جوهر في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط».
في الأسبوع المقبل ستنتصب هذه الماكينة في منطقة «بيروت ديجيتال ديستريكت» لتكون التجربة الرسمية الأولى لها في الأسواق اللبنانية بعدما شاركت في معارض عدة. فالشركة المصنعة لها (akel tech) تسعى لبيعها في مختلف دول العالم مع إمكانية إجراء أي تعديلات عليها يطلبها الزبون في الخليج العربي وفي أوروبا.
شاشة كبيرة بقياس 32 بوصة تنشر صورا للأطباق التي تقدمها «تيم تاستيك» ووفقا لعبارات «اختر» و«ادفع» و«تسلم» تسير حركة الطلب لتنزل منها المنقوشة المطلوبة على صحن (من القصدير) مع غطاء يحفظ حرارتها ونظافتها معا. أما الوكلاء الراغبون في الحصول عليها فباستطاعتهم إدراج أي تعديلات عليها لتتناسب مع متطلباتهم. سعر منقوشة الزعتر الإلكترونية هذه بقياسها المعروف (24 سنتمترا) هو 2000 ليرة لبنانية و4000 آلاف ليرة لبنانية إذا ما كانت مصنوعة من الجبن. ويخطط فريق العمل لشركة «akel tech» لابتكار ماكينات تقدم وجبات سريعة لبنانية أخرى كالشاورما والفلافل وغيرها. «إننا سنبذل جهدنا لنشر المطبخ اللبناني عن طريق هذه الماكينة عالميا، ويمكننا أن نعدّل في صناعة الأطباق التي تقدمها لتطال أطباقا خليجية ككبسة الأرز والـ(برياني) وغيرها إضافة إلى أطباق لبنانية مشهورة». يختم عبد جوهر حديثه.
إذن المنقوشة تلتحق بدورها بالعصر الإلكتروني وصار حضورها ممكنا في المدارس والجامعات والمستشفيات والأسواق وغيرها من الأماكن التي يختار الطالب أو الموظف فيها أي طبق طعام لوجبة سريعة يمكن أن يتناوله. فهي ستوازي بطعمها تلك التي تعد في المخابز، والتي اعتاد اللبناني أن يتناولها كـ«ترويقة» لذيذة صباح كل يوم وهو يتوجه إلى عمله. ولكنها بالتالي ستشكل إضافة عصرية وحديثة على طبق أشهر من أن يعرف عنه في لبنان.


مقالات ذات صلة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

تكنولوجيا «غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة لتعزيز الخصوصية ومشاركة البيانات الصحية (غوغل)

«غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة

أطلقت «غوغل» النسخة التجريبية الأولية من آندرويد 16 للمطورين، وهي خطوة تمهد الطريق للتحديثات الكبيرة المقبلة في هذا النظام.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا «أبل» تؤكد مشكلة اختفاء الملاحظات بسبب خلل بمزامنة (iCloud) وتوضح خطوات استعادتها مع توقع تحديث (iOS) قريب (أبل)

اختفاء الملاحظات في أجهزة آيفون... المشكلة والحلول

وفقاً لتقرير رسمي من «أبل»، فإن المشكلة تتعلق بإعدادات مزامنة الآيكلاود (iCloud).

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا تمكنك «دورا» من تصميم مواقع ثلاثية الأبعاد مذهلة بسهولة تامة باستخدام الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لأي معرفة برمجية (دورا)

صمم موقعك ثلاثي الأبعاد بخطوات بسيطة ودون «كود»

تتيح «دورا» للمستخدمين إنشاء مواقع مخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر إدخال وصف نصي بسيط.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص يحول الذكاء الاصطناعي الطابعات من مجرد خدمة بسيطة إلى أداة أكثر ذكاءً واستجابة لحاجات المستخدمين (أدوبي)

خاص كيف يجعل الذكاء الاصطناعي الطابعات أكثر ذكاءً؟

تلتقي «الشرق الأوسط» الرئيسة العامة ومديرة قسم الطباعة المنزلية في شركة «إتش بي» (HP) لفهم تأثير الذكاء الاصطناعي على عمل الطابعات ومستقبلها.

نسيم رمضان (بالو ألتو - كاليفورنيا)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)