«يورو فتوى»... مطالب دولية بالحظر

اتهامات للتطبيق الإلكتروني بـ«تقديم محتوى يدعو للتطرف»

التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
TT

«يورو فتوى»... مطالب دولية بالحظر

التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)

يؤكد الخبراء والباحثون أن «(يورو فتوى) تابع لـ(الإخوان)، والأوروبيون بدأوا ينتبهون له، خصوصاً عندما اتجه أخيراً إلى التعامل مع بعض القضايا التي تدعم الإرهاب بشكل غير مُباشر، ما أثار حفيظة بعض الأوروبيين والمسلمين في الغرب، الذين قدموا تقريراً بأن هذه النوعية من الآراء تحض على الكراهية».
وظهرت مطالب رسمية من ألمانيا وفرنسا وبعض الدول تدعو لحظر «يورو فتوى» بين الشباب المسلم. ففي ألمانيا؛ حذرت هيئة حماية الدستور «الاستخبارات الداخلية» في وقت سابق من التطبيق، باعتباره يقدم محتوى دينياً وفتاوى تحض على التطرف. ودعت النائبة الفرنسية ناتالي جوليه، مطلع يوليو (تموز) الحالي، إلى «منع التطبيق»، مؤكدة أن «تنظيم (الإخوان) هو من أطلق التطبيق بقيادة يوسف القرضاوي».

- مواجهة فكرية
و«يورو فتوى» تابع للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ومقره كلونسكي في العاصمة الآيرلندية دبلن. يقول عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «(يورو فتوى) تابع للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، التابع لـ(الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي كان يرأسه القرضاوي (ويشار إليه أنه الأب الروحي لتنظيم الإخوان)، وهو أحد المشروعات الفكرية التي تُمول من قطر»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأوروبيين بدأوا ينتبهون إلى المواجهة الفكرية أكثر من المواجهة المسلحة خصوصاً بريطانيا وفرنسا، وهناك كتاب وثائقي نشره صحافيان فرنسيان استطاعا أن يخترقا أكثر من 15 مؤسسة تابعة لـ(الإخوان)، بالإضافة إلى حصولهما على أكثر من 300 وثيقة، تُثبت الدعم القطري للمؤسسات الدعوية والتعليمية والتثقيفية التي يديرها التنظيم في أوروبا».
وكانت النائبة الفرنسية ذاتها قد تمكنت بمساعدة بعض زملائها البريطانيين من إزالة التطبيق من على «غوغل»؛ لكنها قالت إنه «لا يزال موجوداً على متجر (آبل)». واستشهدت ببعض فتاوى التطبيق المتشددة؛ مثل تحريم العمل في مطاعم تقدم لحم الخنزير، وتحريم العمل كأفراد شرطة.
فيما وصف الدكتور مقبل فياض، خبير الاتصالات في مصر، «خطوة المطالبة بحظر (يورو فتوى) بالجيدة جداً، التي سيكون لها مردود كبير حال تطبيق الحظر على باقي التطبيقات، التي تبث فتاوى وآراء تدعو إلى العنف والقتل»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من الممكن أن نرى خطوات من دول أخرى كثيرة خلال الفترة المُقبلة، تُطالب بحظر التطبيق، للحد من دعوات الكراهية».
الآراء السابقة اتسقت مع تحذيرات لمؤشر عالمي للفتوى تابع لدار الإفتاء المصرية، أطلقها مطلع الشهر الحالي، من «يورو فتوى» باعتباره يبث أفكاراً وفتاوى وآراء متطرفة تُنمي ظاهرة «الإسلاموفوبيا». وقال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر لـ«الشرق الأوسط»، إن «التطبيق تضمن إشارات مُهينة للفئات غير المسلمة، تحض على العداء والكراهية للآخرين، فضلاً عن تداول فتاوى بالتطبيق تُحذر المسلمين في أوروبا من العمل ببعض الأماكن، مثل المطاعم والبنوك».
وكان المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قد دشن تطبيقاً عبر الهواتف الجوالة في أبريل (نيسان) الماضي، أدى إلى تزايد الاهتمام حوله، ومتابعة المستخدمين في الغرب لكل ما يصدره من فتاوى؛ بل ومراجعة أرشيف فتاواه، وكذا الشخصيات المنتمية له عبر تاريخه.
وسبق أن حذف «غوغل» في مايو (أيار) الماضي، تطبيقاً من على متجره يحتوي على فتاوى تحرض على الكراهية للقرضاوي... وجاء حذف الموقع للتطبيق لأنه «يحتوي على خطاب مُعادٍ يُحرض على الكراهية».
والقرضاوي، المقيم في قطر، مُدرج على قوائم الإرهاب مرتين؛ الأولى عندما أعلنت «مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين» في بيان مشترك إدراج 59 شخصاً و12 كياناً على قوائم «الإرهابيين»... والثانية من محكمة جنايات القاهرة وأدرج مع 1529 «إرهابياً»، فضلاً عن أن لجنة التحفظ على أموال «الإخوان» تحفظت على أموال جميع أفراد أسرته لـ«لاتهامهم بتمويل الإرهاب، بحسب تحقيقات النيابة العامة في مصر»، بالإضافة إلى أن «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي كان يرأسه القرضاوي مُدرج على قوائم الكيانات الإرهابية.
والقرضاوي صادر بحقه أحكام بالسجن المؤبد في قضية اغتيال عقيد شرطة بمصر، و«الإعدام» في قضيتي «اقتحام السجون»، و«غرفة عمليات رابعة»، وتُعاد محاكمته مع 28 من قادة «الإخوان» في «اقتحام الحدود الشرقية».

- فتاوى موجهة
وحول سبب المطالبة بحذف «يورو فتوى» من على «غوغل»، أوضح مؤشر الفتوى المصري في دراسة صدرت أخيراً، أن «رئاسة القرضاوي لـ(المجلس الأوروبي للإفتاء)؛ أثار الذعر والخوف في نفوس الغربيين، لما يصدر عنه من فتاوى تحمل توجهاً وآيديولوجية ذات أهداف ضيقة وبعيدة كل البعد عن مفهوم الوطن والمواطنة والعيش المشترك».
واستدل المؤشر ببعض فتاوى القرضاوي التي أسهمت في ازدياد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب، واتهام الإسلام بمُعاداة غير المسلمين. وعرض المؤشر لبعض آراء القرضاوي؛ من بينها أن «نشر الإسلام في الغرب واجب على كل المسلمين، واحتلال أوروبا وهزيمة المسيحية سيصبحان أمراً ممكناً مع انتشار الإسلام داخل أوروبا».
وذكر مؤشر الفتوى أن «القرضاوي سبق وأجاز في كتابه (فقه الجهاد) عام 2001 الأعمال التفجيرية للفلسطينيين ضد إسرائيل، ثم تراجع. وقال: (نحن أجزنا ذلك للضرورة، والضرورة انتهت)، الأمر الذي جعل المواقع الإسرائيلية تحتفي بذلك بعدما قال (إن العمليات الإرهابية ضد إسرائيل حرام)... كما دافع القرضاوي عن الأعمال الانتحارية في سوريا».
من جهته، أكد العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي لـ«الشرق الأوسط»، أن «طرد (يورو فتوى) من على (غوغل) سوف يحد من الكراهية، ويحمي الشباب الذين يتم تجنيدهم عبر الفتاوى والآراء التي تبث على بعض مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي»، لافتاً إلى أن «حجب (غوغل) للفتاوى الإرهابية، سوف يحد من نشرها بشكل كبير بين الشباب والصغار خصوصاً في الغرب».
المؤشر العالمي للفتوى بمصر كان قد رصد أن تطبيق «يورو فتوى» احتوى على 265 فتوى منذ انطلاقه؛ 32 في المائة منها حول العبادات، و30 في المائة تمثل أحكام الأحوال الشخصية، و20 في المائة مُعاملات مالية، و18 في المائة خاصة بالمجتمع.

- دعم الإرهاب
وعلل المؤشر تصدر فتاوى العبادات عبر التطبيق، نظراً لتقاليد وعادات المجتمعات الغربية؛ إذ يتساءل المسلمون هناك عن عدد من الأمور التي تجبرهم التقاليد الغربية على معايشتها، كحكم الصلاة، وحكم الإفطار لطول ساعات الصيام في فصل الصيف.
وأوضح مؤشر الفتوى أن «أحكام الجواز سيطرت على 52 في المائة من مجمل فتاوى التطبيق، فيما شكلت أحكام عدم الجواز 29 في المائة، والوجوب 15 في المائة، و4 في المائة منها اشتملت على حكم (مكروه)». وأوضح عبد المنعم أن «تطبيق (يورو فتوى) معني بشكل أساسي بتعامل الأقليات المسلمة داخل المجتمعات الأوروبية، واتجه أخيراً إلى التعامل بشكل سريع مع بعض القضايا التي تخص تنظيم (الإخوان) في العالم العربي، والتي تدعم الإرهاب بشكل غير مباشر، ما أثار حفيظة بعض الأوروبيين والمسلمين في الغرب، الذين قدموا تقريراً عن هذه النوعية من الفتاوى أو المنتج الذي يحض على الكراهية والعنف»، لافتاً إلى أن «إحدى الباحثات في بريطانيا استطاعت عمل دراسة على (يورو فتوى) وأمدت السلطات الأمنية ببعض المعلومات عن تنظيم (الإخوان)، وأرسلت بعض الأسئلة عن المرأة إلى التطبيق، حول تعدد الزوجات وأمور أخرى، ولمست من الإجابات نوعاً من التشدد... في البداية كان هناك اعتراض على بعض الأسئلة لأنها تخص المسلمين؛ لكن فوجئت - أي الباحثة - أن بعض غير المسلمين يتعاملون مع هذا التطبيق... ويتردد أيضاً أن بعض (الإرهابيين) الذين مارسوا العنف في أوروبا وبريطانيا يضعون التطبيق على هواتفهم الجوالة».
وعن إمكانية حظر التطبيق عالمياً، قال عمرو عبد المنعم، إن «حظر التطبيق لا يعني عدم وجوده، لأن القائمين عليه يستخدمون بدائل أخرى لبثه من جديد، مثل مواقع (داعش) الإرهابي التي تبث على (تليغرام)، عقب حظرها على (تويتر) و(فيسبوك) و(إنستغرام)، فمن السهل على القائمين على تطبيق (يورو فتوى) تغيير اسمه وبثه من جديد»، موضحاً أن «قوانين التعامل مع الجرائم الإلكترونية موجودة في كثير من دول العالم؛ لكن تطبيقها هو المهم، ويجب أن تكون هناك بدائل لحجب هذه التطبيقات التي تثير القلق».


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟