محمد عساف يحتفي بعبد الحليم حافظ في «بعلبك»

توليفة مبدعة للمايسترو المصري هشام جبر

مسرح مهرجان بعلبك وحفل المغني محمد عسّاف  -  المغني الفلسطيني محمد عساف يحيي ليلة عبد الحليم حافظ في مهرجان بعلبك الدولي (إ.ب.أ)
مسرح مهرجان بعلبك وحفل المغني محمد عسّاف - المغني الفلسطيني محمد عساف يحيي ليلة عبد الحليم حافظ في مهرجان بعلبك الدولي (إ.ب.أ)
TT

محمد عساف يحتفي بعبد الحليم حافظ في «بعلبك»

مسرح مهرجان بعلبك وحفل المغني محمد عسّاف  -  المغني الفلسطيني محمد عساف يحيي ليلة عبد الحليم حافظ في مهرجان بعلبك الدولي (إ.ب.أ)
مسرح مهرجان بعلبك وحفل المغني محمد عسّاف - المغني الفلسطيني محمد عساف يحيي ليلة عبد الحليم حافظ في مهرجان بعلبك الدولي (إ.ب.أ)

في عيد ميلاده التسعين عبد الحليم حافظ لا يزال حاضراً بقوة في الوجدان والقلوب، غناه الشباب والكبار بحماسة وحب كبيرين، أول من أمس في بعلبك، وكأنه نجم اللحظة، رددوا أغنياته مع النجم الفلسطيني محمد عساف، الذي أطلق العنان لصوته العذب النابض بالحيوية والممتزج بأحاسيس العشق والألم والشجن.
كان الاختبار الكبير مع أغنية «جبار» كلمات حسين السيد وألحان محمد الموجي، من فيلم «معبودة الجماهير» التي تعد واحدة من أصعب أغنيات الوسيم الأسمر. ليس مبالغة أنّ عساف أجاد أداءها على صعوبتها بما أبهر الحضور، في نهاية الجزء الأول من الحفل. ترك المدى لصوته الذي تردد صداه في القلعة، فملأ المكان طرباً، وسط تصفيق حار من الجمهور. ويمكن القول إنّه في هذا الحفل كان ثمة جبار آخر هو المايسترو المصري هشام جبر الذي عاد إلى بعلبك للسنة الثانية على التوالي بعد حفله الاستعادي لأم كلثوم العام الماضي. وقد أجاد المايسترو اختيار الأغنيات، وترتيب تسلسلها، وكذلك أبدع في توزيع الألحان وإدارة حفل أخذه على عاتقه، لأيقونة في الغناء العربي يتعذر عادة، إرضاء عشاقه أو إقناعهم بأن ثمة من يستطيع أن يقدم تراثه بما يعجبهم.
وقبل أن تبدأ «أوركسترا راديو رومانيا» وموسيقى «الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية» العزف، صدح صوت عبد الحليم بأغنيته البهيجة التي تحتفي بالنجاح «وحياة قلبي وأفراحه» من فيلم «الخطايا» الذي شاركته فيه نادية لطفي. ونشاهد العندليب يؤدي أغنيته في هذا الفيلم (إخراج حسن الإمام) وقد انعكست الصورة على جدران المعبد الروماني وأعمدته. ويدخل محمد عساف ليؤدي أغنية «الهوى هوايا» مع الفرقة الموسيقية ليكمل الشريط على الشاشات بث مشاهد من الأغنية الأصل التي وضع كلماتها عبد الرحمن الأبنودي، ولحنها بليغ حمدي وقدمت في فيلم «أبي فوق الشجرة».
أطلّ على المسرح في «معبد باخوس»، بديع آخر هو محمد شوقي والصوت المغناج نهى حافظ، المدربان والمتمرسان جيداً في «دار الأوبرا المصرية». أدى الاثنان معاً تلك الأغنية الشهيرة لعبد الحليم مع شادية «تعالي أقولك. حتقول إيه؟» من فيلم «لحن الوفاء»، وأخرى لا تقل شهرة عنها جمعت حافظ وعساف هي «حاجة غريبة». وغنى شوقي منفرداً «يا قلبي يا خالي» من ألحان محمد عبد الوهاب وببراعة أكبر «بلاش عتاب» التي لحنها كمال الطويل، وأدت حافظ منفردة للملحن نفسه «بيني وبينك». الحفل «سينمائي - موسيقي» بني على الإرث السينمائي الكبير لعبد الحليم. اختار المخرج أمير رمسيس أجمل المشاهد وأكثرها مناسبة لتتماشى مع الأغنيات التي تقدم على المسرح، ليجعل من القسم البصري متعة موازية. أكثر من ثلاثة آلاف شخص تابعوا الحفل الذي بدا قصيراً وسريعاً، مع أنّه استمر لساعة ونصف. سمع الجمهور نخبة مختارة من كلاسيكيات الموسيقى المصرية الحديثة التي رافقت رحلة عبد الحليم حافظ الغنائية. استرجعوا أفلام المرحلة الذهبية لأبطالهم المصريين الأكثر رومانسية. كانت تلك أيام لهم معها ذكريات، ويشدهم إليها الحنين. حقاً بدا محمد عساف الذي بدأ حياته الفنية في برنامج الهواة «آراب أيدول» بأغنيات العندليب الأسمر، أقرب إليه في بعلبك، في صوته وإطلالته، من أي وقت مضى، جاء أداؤه منعشاً للقلب وهو يغني «توبه» و«شغلوني» و«أهواك».
وبلغ الحفل ذروته وهو يقترب من النهاية، بأغنية «جانا الهوى» ليس فقط لأنّ عساف أداها بحب، ولكن لتلك المشاهد التي رافقتها من فيلم «أبي فوق الشجرة» الذي لا ينسى، ونحن نرى نادية لطفي تلتقط صوراً فوتوغرافية لعبد الحليم في بعلبك،
ويزوران معاً الأعمدة والهياكل الرومانية وهو يغني هذه الأغنية الشهيرة. بدت القلعة داخل القلعة، والتاريخ يعود إلى الوراء خمسين سنة، والجمهور يصفق لتلك اللحظات التاريخية التي خلدها فيلم «أبي فوق الشجرة» كان فيها نجما للشاشة في هذا المكان بالذات الذي يقام فيه التكريم الكبير لعبد الحليم حافظ. من القلعة إلى كل لبنان وفي القارب تحت أشعة الشمس يخوض النجمان الكبيران غمار البحر تحت صخرة الروشة.
سهرة من العمر جنّد لها المايسترو جبر مهاراته كلها، استعاد العبقرية الموسيقية المصرية، واستنفر الفنان الفلسطيني محمد عساف قدراته الصوتية وحنجرته التي بدت متمرسة حاذقة، مع موسيقيين لبنانيين وفرقة كوال «جامعة سيدة اللويزة» التي رافقت الغناء. إنّها عودة إلى فترة كان فيها التعاون بين الفنانين العرب مثمراً، والاحتفاء بها لا يزال مستمراً إلى اليوم. سهرة من العمر جنّد لها المايسترو جبر مهاراته كلها، استعاد العبقرية الموسيقية المصرية، واستنفر الفنان الفلسطيني محمد عساف قدراته الصوتية وحنجرته التي بدت متمرسة حاذقة، مع موسيقيين لبنانيين وفرقة كوال «جامعة سيدة اللويزة» التي رافقت الغناء. إنّها عودة إلى فترة كان فيها التعاون بين الفنانين العرب مثمراً، والاحتفاء بها لا يزال مستمراً إلى اليوم.
انتهى الحفل ولم تعد الفرقة الموسيقية إلى مكانها، لتغني «سواح» التي أصر الحاضرون على سماعها قبل مغادرتهم. تركوا المدرجات وفي قلبهم شوق إلى المزيد. أحد الباصات التي تقل الجمهور من بعلبك غادرت المدينة قافلة إلى بيروت، وصوت عبد الحليم حافظ يلعلع منها بأغنية «سواح» التي لا يريدون أن تنقضي السهرة من دونها. إحدى الحاضرات كانت غاضبة وتذكر لائحة طويلة لأغنيات تريد سماعها وتعتب لأنّ محمد عساف لم يؤدها. حقاً إنّ حفلاً واحداً لفتى الشاشة الأسمر لا تشفي الغليل، وما كان المايسترو باستطاعته أن يقدّم كل كنوز عبد الحليم لهؤلاء العطشى إلى الزمن الجميل.


مقالات ذات صلة

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

يوميات الشرق جوي تتسلّم جائزة «أفضل ممثلة» في مهرجان «بيروت للأفلام القصيرة» (جوي فرام)

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

تؤكد جوي فرام أن مُشاهِد الفيلم القصير يخرج منه وقد حفظ أحداثه وفكرته، كما أنه يتعلّق بسرعة بأبطاله، فيشعر في هذا اللقاء القصير معهم بأنه يعرفهم من قبل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق طاقم فيلم «سكر» على السجادة الحمراء (البحر الأحمر السينمائي)

«سكر»... فيلم للأطفال ينثر البهجة في «البحر الأحمر السينمائي»

استعراضات مبهجة وأغنيات وموسيقى حالمة، وديكورات تُعيد مشاهديها إلى أزمان متباينة، حملها الجزء الثاني من الفيلم الغنائي «سكر».

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق «سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

«سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

المفاجأة جاءت مع نهاية الفيلم، ليكتشف الجمهور أن «سلمى وقمر» مستلهمٌ من قصة حقيقية. وأهدت المخرجة عهد كامل الفيلم إلى سائقها السوداني محيي الدين.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق فيلم «الذراري الحمر» للمخرج لطفي عاشور (فيسبوك المخرج)

«الذراري الحمر» رحلة في أعماق العنف والبراءة

يحمل اسم «الذراري الحمر» رمزيةً مزدوجةً تُضيف عمقاً لمعاني الفيلم، فيتجاوز كونه مجرد وصفٍ للأطفال ليعكس روح القصة والرسائل الكامنة وراءها.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق «إلى عالم مجهول» يسلّط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين بأوروبا

«إلى عالم مجهول» يسلّط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين بأوروبا

يجدد الفيلم الفلسطيني «إلى عالم مجهول» للمخرج مهدي فليفل، تسليط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا.

انتصار دردير (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».