صباح كل يوم جمعة لا بد لي من إرسال نسخة إلكترونية من صفحة السينما التي أقوم بتحريرها في هذه الصحيفة إلى يوسف شريف رزق الله. بدأتُ ذلك بناء على طلبه منذ أكثر من ثلاث سنوات. المرّات القليلة التي نسيتُ إرسالها في الصباح بعث لي متسائلاً: «أين صفحتك يا محمد؟». وفي أعقاب كل مرّة بعثت بها صفحتي إليه ردّ عليّ شاكراً. في بعض الأحيان كان يؤكد أنها «أفضل صفحة سينما في العالم».
كان ذلك، بلا شك، يسعدني. ليس لأنه مديح، بل لأنه صادر من زميل تعرفت عليه سنة 1975 في أول زيارة لي للقاهرة. كنا فتياناً نلعب لعبة اسمها حب السينما، وها نحن كبرنا وما زلنا نلعب اللعبة. لكن اللاعبين، بغياب نقاد مثل فتحي فرج، ورفيق الصبان، وسمير فريد، وسامي السلاموني، يتناقصون.
أحب السينما باكراً، لكنه تخرج أولاً في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. الغريب أنني لم أسمعه يوماً واحداً يتحدث في الاقتصاد ولا في السياسة!
في مطلع السبعينات كان ناشطاً في «نادي السينما»، وفي نشرتها. كان النادي مركز ثقل لحركة ثقافة سينمائية كبيرة في القاهرة شارك فيها كل المذكورين أعلاه بالإضافة إلى أمير العمري وأحمد رأفت بهجت وأحمد الحضري وحسن عبد المنعم وأحمد عبد العال وآخرين (بعضهم رحل والباقي ما زال معنا). كانت القاهرة، بأسرها، عاصمة للسينما العربية، بشقيها التجاري والبديل، ويوسف شريف كان، بصمت دؤوب، أحد أبرز أركانها.
عُرف عنه اطلاعه على السينما العالمية الأميركية والأوروبية على حد سواء. هذا ما ساعده في أن يتبوأ وظائف مهمّة وفاعلة في إطار عمله، من بينها قيامه بتقديم وإعداد برنامج «نادي السينما» في التلفزيون المصري، و«سينما في سينما» و«الفانوس السحري» و«سينما رزق الله» (حتى عام 2010).
هذه المهام لم تكن وحيدة، إذ لعب دوره كاملاً ناقداً ومؤرخاً وإعلامياً من الدرجة الأولى في مجال تخصصه وشغفه؛ فهو تولى رئاسة جمعية الفيلم في القاهرة ما بين 1978 و1994، وشارك في لجان تحكيم مصرية ودولية، كما أصبح عماد مهرجان القاهرة السينمائي منذ سنة 1987 وحتى اليوم.
بدأ يعاني من تردي صحته قبل الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة. كان بلغ السادسة والسبعين، وهي سنوات كثيرة على كل من يركض في الحياة سعياً وراء عمل يحبه ويتمنى البقاء فيه للأبد. على المنصة، حيث تم الاحتفاء بسنوات خدمته في ذلك المهرجان الكبير، بدا واهناً، لكن ذهنه كان نشطاً ولم يتوقف عن العمل حتى أيام قبل يوم رحيله في الثاني عشر من هذا الشهر.
رحيله يأتي بعد أربع سنوات وبضعة أيام من رحيل صديقه المخرج محمد خان. ثلاثتنا كنا أصدقاء حميمين. كلما التقينا كنا ننزلق للعبة معلومات سينمائية: «من وقف أمام جون واين في فيلم (ريو لوبو)، أو (هل لك أن تعد خمسة أفلام للمخرج جوزف هـ. لويس)»... بالنسبة لكثيرين جداً كان هذا ترفاً لا طائل منه. بالنسبة لنا كان ترجمة لقدرة كل منا على التنافس فيمن يعرف أكثر من سواه عن السينما.
صباح أمس، بعثت إليه بصفحتي السينمائية. لم يصل إليّ جواب. أعلم أنها وصلت لكنه لم يقرأها.
الراحل ترك السياسة إلى السينما وأبدع
الراحل ترك السياسة إلى السينما وأبدع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة