الانقسامات الدرزية التاريخية تعزز الصراعات بين مكوناتها

ثنائي أرسلان ـ وهاب يسعى لحصة من الزعامة

TT

الانقسامات الدرزية التاريخية تعزز الصراعات بين مكوناتها

ليس الإشكال الكبير الذي اندلع يوم الأحد الماضي بين مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه وليد جنبلاط، ومناصري الحزب الديمقراطي اللبناني الذي يقوده النائب طلال أرسلان في منطقة جبل لبنان، إلا حلقة في سلسلة حلقات المواجهة بين الزعامتين الجنبلاطية والأرسلانية، والتي اتخذت منحى عنيفاً في السنوات القليلة الماضية.
ولم يقتصر الصراع الدرزي – الدرزي، الذي مر بمراحل متعددة، على أرسلان وجنبلاط؛ بل انضم إليه بقوة في السنوات الـ10 الماضية رئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب، المدعوم من دمشق و«حزب الله»، والذي خاض مواجهات شتى مع الزعيمين الدرزيين قبل أن يتصالح قبل أشهر معدودة مع أرسلان، بما وصفها البعض بالخطة لإضعاف جنبلاط وتقاسم الزعامة الدرزية معه.
وقد نجح رئيس «التقدمي الاشتراكي» رغم فشل مساعيه لتشكيل لائحة ائتلافية في الجبل، تضم كل المكونات لتفادي مواجهة انتخابية شرسة في الانتخابات النيابية الأخيرة، بحصد سبعة مقاعد درزية من أصل ثمانية في البرلمان اللبناني، بينما فاز أرسلان الذي تحالف مع «التيار الوطني الحر» بمقعد وحيد.
لكن وبمسعى لفرض تمثيل أرسلان بمقعد درزي من أصل 3 في الحكومة، أقدمت قيادة «الوطني الحر» بالتفاهم مع أرسلان، على تشكيل كتلة نيابية عُرفت بـ«ضمانة الجبل» يرأسها الأخير وتضم النواب: سيزار أبي خليل، وماريو عون، وفريد البستاني، ويحضر اجتماعاتها وزير المهجرين غسان عطا الله، ووزير شؤون النازحين صالح الغريب، وكلهم أعضاء في تكتل «لبنان القوي» الذي يترأسه باسيل. وقد أثار هذا التحالف الانتخابي حفيظة وهاب الذي اضطر لتشكيل لائحة مواجهة، ما حال دون فوزه بأي مقعد نيابي.
وبعد كثير من شد الحبال خلال عملية تشكيل الحكومة، نجح أرسلان في انتزاع أحد المقاعد الدرزية الـ3، فاختار صالح الغريب وزيراً لشؤون النازحين السوريين، وهو ما شكّل تحولاً كبيراً؛ خصوصاً أن هذه الوزارة كانت من حصة تيار «المستقبل» في الحكومة السابقة.
ولا يتردد نواب ووزراء «التقدمي الاشتراكي» في الفترة الأخيرة في التنبيه من محاولة لعزل جنبلاط بخطة من دمشق وحلفائها في لبنان، رغم تأكيدهم أن كل هذه المحاولات لن تفلح. وللمفارقة، فإن الانقسام السياسي في الساحة الدرزية يسري على الطائفة، إذ يتمسك «التقدمي الاشتراكي» بالشيخ نعيم حسن كشيخ العقل الرسمي للطائفة، المنتخب وفق قانون ينظم العملية صادر عن البرلمان اللبناني، فيما يتخذ أرسلان ووهاب ودروز آخرون الشيخ نصر الدين الغريب كشيخ عقل ومرجعية للطائفة.
وقد قاطع رئيسا «الديمقراطي اللبناني» و«التوحيد العربي» في سبتمبر (أيلول) 2018 انتخابات الأعضاء الجدد للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، لاعتبار الشيخ الغريب قانون مشيخة العقل الذي أقرّه المجلس النيابي سابقاً «قانون الفتنة»، وتأكيده أن «غالبية أهل التوحيد في لبنان لا يقرّون بشرعية المجلس المذهبي، وسئموا من قراراته»، ما أدى إلى فوز جميع المرشحين المنتمين للحزب التقدمي الاشتراكي.
ويُعدّ المجلس المذهبي الدرزي، مؤسسة منتخبة تضمّ ممثلين عن الهيئات الدينية والقطاعات والاختصاصات المتخلفة، بالإضافة إلى القضاة الدروز والنواب الحاليين والسابقين، وهو يعنى بإدارة شؤون الطائفة الدرزية وأوقافها وأملاكها، ويهتم بالملفات الاجتماعية والإنسانية والثقافية والاغترابية، وسائر الأمور العامة التي تهمّ الطائفة، وهذا المجلس ينتخب شيخ عقل الموحدين الدروز، الذي هو الرئيس الروحي للطائفة.
ويعتبر رئيس الفريق العربي للحوار الإسلامي – المسيحي وعضو اللجنة الوطنية الإسلامية – المسيحية للحوار، القاضي عباس الحلبي، أن الحزبية التقليدية داخل طائفة الموحدين الدروز يعود عمرها لمئات السنوات، ولا شيء يُنبئ أنها ستضمحل وتتلاشى، لافتاً إلى أنه لطالما كان هناك تنوع في الموقف السياسي بين المكونات الدرزية؛ لكن بالوقت عينه كان هناك سقف للصراعات؛ بحيث يُسمح في أوقات الرخاء السياسي بالانقسام، على أن يتم تجاوزه في حالات التوتر والخطر.
ورأى الحلبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن عدة أسباب أدت أخيراً للأزمة التي نحن بصددها في الشارع الدرزي، وأبرزها الحدة التي نشأت عن الحملات الانتخابية في مايو (أيار) الماضي، وما تلاها من محاولات لاجتذاب أرسلان إلى فريق سياسي بتوجهات سياسية مغايرة تماماً لتوجهات وليد جنبلاط.
ولطالما انعكست السجالات الحادة بين رؤساء الأحزاب الدرزية مباشرة في الشارع الدرزي. وقد تفاقمت المواجهات قبيل الانتخابات النيابية وبعدها. ففي مايو 2018 قُتل أحد مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي، في منطقة الشويفات (جبل لبنان)، خلال اشتباك مسلّح بين عناصر من الحزب الاشتراكي، وآخرين من الحزب الديمقراطي اللبناني على خلفية نتائج الانتخابات.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.