منذ نحو 500 عام، تحديداً عام 1518 أو 1519. جلس الرسام الفلمنكي بيرنارد فان أورلي ليرسم بورتريهاً لمارغريت دوقة سافوي، واحدة من أقوى الشخصيات النسائية في أوروبا خلال عصر النهضة. في سن الـ3. أصبحت ملكة فرنسا. وفي الـ27. أصبحت الحاكمة الوصية على هولندا. ورسم فان أورلي، مارغريت كسياسية صارمة وهادئة في بورتريه يمكن محاكاته لشخصيات مشابهة بمختلف أرجاء أوروبا.
في اللوحة، بدت شفاه مارغريت مزمومة ويداها مستقرة في هدوء وثبات وتبدو عيناها محدقتين في المجهول وكأنها تحلل شيئاً. على رأسها، التف حول رأسها خمار من القماش الأبيض. ويمتد الخمار من فوق رأسها ليغطي أذنيها ورقبتها، في تعبير عن الوفاء لزوجها الراحل، والأهم من ذلك أحقيتها في السلطة السياسية. في الواقع، اعتمدت كامل شرعية حكمها على هذا الحجاب ـ فهو رمز التقوى والقوة، حسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
واليوم تشهد مدينة بورغ أون بريس التي تضم ضريحاً فخماً لمارغريت، معرضاً بعنوان «محجبة وغير محجبة» والذي يتخذ بضع خطوات إلى الخلف بعيداً عن هوس فرنسا المعاصرة بملابس المسلمات، للنظر في الاستخدامات الكثيرة لغطاء الرأس في الحياة العامة والخاصة. يضم المعرض أكثر عن 100 عمل فني تتنوع ما بين العصور الكلاسيكية القديمة حتى الحاضر. ويكشف المعرض كيف أن للحجاب أغراضاً متنوعة، بل ومتعارضة بعض الأحيان، سواء كانت لإعلان الحداد على وفاة شخص أو إغواء آخر أو حماية الجسد أو إظهار ولاءات المرء.
في الواقع، يمكن أن يكون الحجاب دينياً أو علمانياً، وقد يشكل دليلاً على الهيمنة الذكورية أو مؤشراً على التميز الفردي. الأهم من ذلك أن المعرض يوضح أن الحجاب أبعد ما يكون عن كونه عنصراً أجنبياً مقحماً على الحياة في أوروبا ـ خطأ سقط فيه كتاب بارزون مثل ميشال ويلبك، بجانب مجموعة كبيرة من الشعبويين والمتطرفين والعنصريين. ويكشف المعرض أن الحجاب يعتبر أحد بقايا الفن والأدب في أوروبا وثقافات حوض البحر المتوسط ـ وإعادة اكتشاف مكانته في العصور القديمة والأديان الغربية الثلاث الكبرى ربما يقلل بعض الشيء من التركيز المفرط داخل فرنسا بالحجاب.
تجدر الإشارة إلى أنه منذ عام 1905، أصبحت فرنسا رسمياً دولة علمانية وحظرت على جميع الموظفين العموميين ارتداء أي قطع واضحة تحمل دلالات دينية. إلا أن الحجاب على وجه الخصوص أثار جدالاً كبيراً في فرنسا منذ عام 1989 عندما جرى حظر ثلاثة أطفال من ارتياد مدرسة إعدادية بسبب رفضهن خلع الحجاب، الأمر الذي أثار شهوراً من الغضب والجدل المحموم. ومررت حكومات فرنسية متعاقبة قوانين بخصوص الحجاب، بينها قانون صدر عام 2004 يحظر الحجاب وآخر عام 2010 يحظر تغطية الوجه بصورة كاملة في الأماكن العامة، بما في ذلك ارتداء النقاب.
وتجدد الجدل هذا الأسبوع خلال موجة الحر التي ضربت فرنسا عندما تحدت مجموعة من السيدات الحظر المفروض على «البوركيني» وارتدينه أثناء الاستحمام في مسبح عام. وعن هذا، قال وزير شؤون المساواة إن «البوركيني» يبعث برسالة مفادها: «غطوا أنفسكن».
تاريخ طويل للجدال حول الحجاب في فرنسا
معرض يضم أكثر عن 100 عمل فني لغطاء الرأس ما بين العصور
تاريخ طويل للجدال حول الحجاب في فرنسا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة