«الآثار المصرية» تلجأ للقضاء لاستعادة تمثال «توت عنخ آمون»

دار كريستيز: تواصلنا مع السلطات المصرية

«الآثار المصرية» تلجأ للقضاء لاستعادة تمثال «توت عنخ آمون»
TT

«الآثار المصرية» تلجأ للقضاء لاستعادة تمثال «توت عنخ آمون»

«الآثار المصرية» تلجأ للقضاء لاستعادة تمثال «توت عنخ آمون»

في تصعيد جديد من جانب الحكومة المصرية في مواجهة إصرار دار كريستيز للمزادات على بيع مجموعة من القطع الأثرية المصرية في مزاد أوائل الشهر المقبل، من بينها تمثال رأسي منسوب للفرعون الأكثر شهرة توت عنخ آمون، تقدمت وزارة الآثار المصرية ببلاغ للنائب العام المصري بشأن عرض 32 قطعة أثرية تنتمي للحضارة المصرية للبيع ‏بدار كريستيز بالعاصمة البريطانية لندن.
وقالت وزارة الآثار المصرية، في بيان صحافي أمس، إنها «تقدمت ببلاغ إلى النائب العام المصري طالبت فيه بإرسال مساعدة قضائية إلى السلطات ‏البريطانية لوقف بيع والتحفظ على هذه القطع واستردادها، وفقاً لقوانين حماية الآثار المصرية ‏والاتفاقيات الدولية ذات الصلة»، مشيرة إلى أن «النيابة العامة المصرية أرسلت إنابة قضائية إلى نظيرتها البريطانية لوقف ‏بيع هذه القطع والتحفظ عليها تمهيداً لاتخاذ إجراءات إعادتها إلى مصر».‏
جاء القرار عقب اجتماع طارئ للجنة القومية للآثار المستردة، يوم الثلاثاء الماضي، دعا إليه الدكتور خالد العناني، وزير الآثار المصري، حضره الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية السابق، والسفير محمود طلعت، مساعد وزير الخارجية ‏للعلاقات الثقافية، وممثلو وزارة العدل، والنيابة العامة، وكل الجهات القضائية، والأمنية، والرقابية ‏بالدولة.
وناقشت اللجنة المشكّلة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1306 لسنة 2016، خلال الاجتماع الإجراءات التي تم اتخاذها لوقف بيع واستعادة 32 قطعة ‏أثرية تنتمي للحضارة المصرية، من بينها رأس تمثال منسوب للملك توت عنخ آمون، رصدتها ‏إدارة الآثار المستردة بوزارة الآثار ضمن كتالوج دار مزادات كريستيز بالعاصمة البريطانية لندن، من المقرر عرضها للبيع في مزاد علني ‏ يومي 3 و4 يوليو (تموز) المقبل.
وبدأت المعركة بين مصر ودار كريستيز بعد نشر معلومات عن بيع تمثال رأسي للإله آمون على هيئة توت عنخ آمون يبلغ عمره نحو 3000 سنة في مزاد علني، ضمن مجموعة خاصة لجامع مقتنيات يدعى ريساندرو، لتطلب مصر مستندات ملكية التمثال، وبعدها بأيام تطالب بوقف بيعه وترسل خطابين للخارجية البريطانية بهذا الشأن ومنظمة يونيسكو للمطالبة بوقف بيع التمثال قبل أن تلجأ للقضاء، وتتسع القضية لتشمل 31 قطعة أثرية مصرية أخرى معروضة للبيع في الفترة نفسها.
من جانبها، قالت دار كريستيز للمزادات، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني: «إن القطع الأثرية، لا يمكن - لطبيعتها - تتبعها عبر آلاف السنين»، وأضافت: «لن نعرض للبيع أي قطع يُشَك في مستندات ملكيتها أو تصديرها». ولفتت إلى أنها ملتزمة بالاتفاقيات الثنائية، والاتفاقيات الدولية وتحترم التراث الثقافي.
وأشارت إلى أن «تمثال توت عنخ آمون معروف وموثق علمياً، وعرض على نطاق واسع، وقد تواصلنا مع السلطات المصرية، وهم على علم بعملية البيع». على حد تعبير الدار التي أوضحت قائلة: «هناك سوق واسعة معروفة وشرعية للتجارة في فنون العالم القديمة، و(كريستيز) شاركت فيه لأجيال». ووصف خبير الآثار المصري، الدكتور بسام الشماع، تحرك وزارة الآثار المصرية الأخير بـ«الإيجابي»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لو استطاعت وزارة الآثار تعطيل ووقف البيع فهذا أمر يحسب لها، ولو استطاعت استعادتها فهذا أمر يستحق تنظيم احتفالية كبيرة عند عودتهم».
وأضاف الشماع إن «هذه القضية هي حلقة في سلسلة الولع ببيع الآثار المصرية في مزادات علنية»، مشيراً إلى أن «مصر فشلت في السابق في وقف بيع تمثال سخم كا، الذي باعه متحف تورثامبتون البريطاني عام 2014، حتى أن هناك من اقترح أن تشتري مصر التمثال، وهو أمر مرفوض فلن ندخل مزادات لشراء آثارنا».
في سياق متصل، أعربت اللجنة الدائمة للآثار المصرية في اجتماعها مساء الأربعاء برئاسة الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، عن «اعتراضها الشديد على إعلان دار كريستيز بلندن عن بيع 32 قطعة أثرية مصرية، من ضمنها رأس تمثال الملك توت عنخ آمون»، مطالبة «بوقف البيع واستعادة جميع القطع الأثرية التي خرجت من مصر بطريقة غير شرعية».
وتقدم النائب أكمل قرطام، رئيس حزب المحافظين المصري، وعضو مجلس الشعب بسؤال برلماني إلى وزير الخارجية، حول تمثال توت عنخ آمون، وقال، في بيان صحافي، إن «مصر كانت تسمح ببيع تراثها الثقافي منذ عام 1835، حتى صدور قوانين لحماية التراث 1983»، متسائلاً: «عن دور الدبلوماسية المصرية في استرداد الآثار المصرية بالخارج».
ويحظر القانون المصري الصادر عام 1983 بيع والاتجار بالآثار المصرية، واستطاعت السلطات المصرية على مدار السنوات الأخيرة استعادة الآلاف من القطع الأثرية التي ثبت خروجها بطريقة غير شرعية.


مقالات ذات صلة

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري اجتماعاً، الأحد، لاستعراض إجراءات الطرح العالمي لتخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)