«إنتي مين...؟» يتفوّق في دراما رمضان على الشاشة المحلية

بعد جولة على آراء نقاد وكتاب فنيين لبنانيين

مشهد من مسلسل {خمسة ونصف}
مشهد من مسلسل {خمسة ونصف}
TT

«إنتي مين...؟» يتفوّق في دراما رمضان على الشاشة المحلية

مشهد من مسلسل {خمسة ونصف}
مشهد من مسلسل {خمسة ونصف}

انتهى موسم الدراما التلفزيوني الرّمضاني مخلفاً وراءه آراء متشابهة إلى حدٍّ ما، في الأعمال الأفضل والأسوأ بينها. فالمشاهد أخذ استراحة المحارب بعد 30 يوماً من متابعة أكثر من عمل عرضته الشاشات اللبنانية. وبدّل في وضعيته لينتقل من أمام التلفاز إلى ما وراء خلفية كل عمل وما تركه عليه من آثار إيجابية وسلبية. وباتت غالبية الأحاديث في الصّالونات والتغريدات على «تويتر» والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالموسم. وفي جولة على بعض النّقاد والكتّاب الفنّيين لاستطلاع آرائهم في أعمال الدّراما الرمضانية التي شهدتها الشّاشات المحلّية، لوحظ شبه إجماع على تفوق مسلسل «إنتي مين...؟» لكارين رزق الله، على غيره من الأعمال. وهذا ينطبق أيضاً على كاميرا المخرج فيليب أسمر المبدعة. وفيما وضع البعض مسلسل «الهيبة - الحصاد» خارج المنافسة و«خمسة ونص» في عينها، إلّا أنّ مسلسلات أخرى كـ«أسود» و«بروفا» و«الكاتب» شهدت آراء مختلفة حولها بعد أن وضعها الغالبية في خانة الأعمال التي خانها نصُّها.
«في رأيي علينا استحداث سياسة منهجية جديدة للدراما في لبنان»، يقول الناقد والكاتب المسرحي عبيدو باشا، ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إنه من الضروري العودة إلى المضمون المضغوط والمركّز والمكتوب برشاقة. وإذا ما طبّقنا هذه السّياسة فإنّ الدّراما المحلية كما المشاهد اللبناني سيستفيدان منها خصوصاً أنّنا نملك مادة غنية جداً نابعة من واقع حياة نعيشه».
وبرأي باشا الذي رافق موسم الدّراما الرّمضانية عن كثب بتغريداته المكثفة عنها عبر حسابه على موقع «تويتر» الإلكتروني، «هناك تطوّر ملحوظ على الصّعيد التقني وحضور الممثل اللبناني في أعمالنا وكل ما ينقصنا هو مادة مقنعة. وحسب عبيدو باشا فإنّ الكاتبة والممثلة كارين رزق الله استطاعت إحداث الفرق على الساحة الرّمضانية في مسلسلها «إنتي مين...؟»، الذي عُرض على شاشة «إم تي في» اللبنانية. ويضيف: «(إنتي مين...؟) يأتي في المرتبة الأولى بين باقي الأعمال الرّمضانية التي عُرضت على شاشاتنا. فحلّق عالياً مع حبكة دراما متكاملة نابعة من واقعنا على الرّغم من اختلافي مع رزق الله في طريقة تناولها موضوع الحرب اللبنانية بهذه السّطحية». ويتابع: «لقد طرحت موضوعاً قد يخاف كثيرون من التطرق إليه، كما كتبت نصاً متماسكاً منذ بدايته حتى نهايته، عكس مسلسلات أخرى انتهت صلاحية نصّها في الحلقات 16 و17 منها. كما نجحت كارين كاتبة العمل وبطلته في عملية كاستينغ متقنة للممثلين الذين شاركوا في العمل فتابعنا أداءً محترفاً لممثلين رائدين أمثال نقولا دانييل وجوليا قصار وعايدة صبرا، وفاجأتنا بالممثلة أنجو ريحان وكذلك بصواب ثنائيتها مع عمار شلق. فحققت بذلك قفزة نوعية ناضجة أنستنا أعمالاً سابقة لها كانت ركيكة في عملية تنفيذها وأبطالها. كما استعملت جملاً رشيقة بعيداً عن المونولوجات المطولة إلّا للضرورة. حتى الموت لم يكن مفجعاً في (إنتي مين...؟)، بل حتمياً للبروفسور الذي يعاني قصوراً في عضلة قلبه. فجميع هذه التفاصيل الدّقيقة التي اشتغلت عليها من خلال أفكار بسيطة كعلبة الكارتون وشجرة والدتها، قرّبتها من المشاهد فجاءت من تربة تشبهه بعيداً عن مظاهر الفخامة والقصور التي شهدناها في (خمسة ونص) مثلاً، التي لا يمكن تطبيق أسلوبها الحياتي إلّا على قلّة قليلة من اللبنانيين. فجاء العمل غير مزور للواقع الذي نعيشه». ويشيد عبيدو باشا بمخرج العمل إيلي حبيب ويقول: «لم أكن أكنّ له الإعجاب قبل (إنتي مين...؟)، لا بل كنت أنتقده على مجمل أعماله. وأعتقد أنّه تألّق بسب نص كارين المتقن فجمعه مع خبرته في الإخراج ونجح».
ويجول عبيدو باشا على مسلسلات أخرى ليشبه «خمسة ونص» ولا سيما في حلقاته الأخيرة بقصص المجلات الرومانسية (فوتورومان)، التي اشتهر فيها فرانكو كاسباري بجماله وعرض عضلاته وثنائيته مع أورنيلا موتي. «أكنّ احتراماً كبيراً لبطلة العمل نادين نسيب نجيم التي اخترعت نفسها وأثبتت موهبتها وحدها من دون أي خلفية اختصاصية بالتمثيل. فالكاميرا تعشق نادين التي تعرف كيف تتعامل معها وبعفوية مطلقة. وأجدها (وحشة تمثيل) تجرف كل من يقف أمامها من دون رحمة، تمسك باللعبة وتشاغب في أدائها معاً. كما كان لأداء رلى حمادة ورفيق علي أحمد وقْعه على المشاهد المشتاق إلى هذه النوعية من التمثيل، ولن أنسى نوال كامل التي قدّمت في (خمسة ونص) أحد أجمل أدوارها». وعن مسلسل «الهيبة - الحصاد» يعلّق: «أعتقد أنّنا اكتفينا منه وعليهم أن يأخذوا ممثليه إلى مكان آخر. فتيم حسن صاحب الموهبة التمثيلية الكبيرة يستأهل الخروج من عباءة «جبل» الشّخصية الجاهزة التي حفظها عن ظهر قلب. فهو أكبر من هذه الشّخصية وبرأيي كبر عليها، ويجب أن يتركها خلفه». ويضيف: «أعتقد أنّ مخرجه سامر برقاوي قد تورّط في ثلاثة أجزاء، احتار كيف يجدّد كاميرته فيها، فماذا سيفعل في الجزء الرابع (الهيبة الانتقام) الذي أعلن عنه مؤخراً، سيّما أنّنا شهدنا في حلقته الأخيرة خسارة عدد كبير من ممثليه الذين ماتوا».
ويتابع باشا واصفاً «دقيقة صمت» بالممتاز وبأنّ عابد فهد برع فيه، وهو الممثل الاستثنائي، وكذلك الممثل فادي صبيح. فيما ستيفاني صليبا كانت في حالة انتظار دائمة ليسلمها عابد فهد الدفة. وكذلك أعجبه مسلسل «مسافة أمان»، فيما ينتقد «بروفا» لأنّه لم يقدّم الجديد لماغي بوغصن مع أنّها تملك الكثير في أعماقها ويجب أن تجد من يخرج منها طاقاتها المبدعة. أمّا «أسود» فاعتبر أنّ علّته تكمن في نصّه فيما بطله باسم مغنية كان جيداً في أدائه. ويقول، «إنّ مسلسل (الكاتب) جيّد، ولكن فكرته مستهلكة في أميركا وعلينا ألا نترجم ونقتبس كي ننجح». ويتابع: «في رأيي باسل خياط محترف يعرف كيف يخرج إلى الضّوء، فيما دانييلا رحمة لم تستفد من تجربتها السّابقة والنّاجحة في (تانغو)». وعن أسوأ الأعمال برأيه: «مسلسل (الباشا) كان الأسوأ بأداء مزعج وأجواء صراخ دائمة وعملية ماكياج نافرة على وجوه الممثلين».
ويوافق النّاقد الفني الصّحافي محمد حجازي رأي عبيدو باشا بنجاح مسلسل «إنتي مين...؟» وتفوّق كارين على نفسها فيه. «لقد شكّل مفاجأة الدراما اللبنانية بالنّص وفي عملية الكاستينغ، فجاء عمّار شلق مناسباً تماماً ليكمل ثنائيته مع كارين رزق الله». ويضيف حجازي: «هذا العمل يؤكد أنّ الدّراما المحلية أصبحت حاضرة وموجودة منذ اليوم في السّباق الرّمضاني المقبل، فأصبحنا مطمئنين عليها». ويشير إلى أنّ مسلسل «خمسة ونص» يوازي بنجاحه «إنتي مين...؟» ويقول في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «استطاعت نادين نسيب نجيم أن تسيطر على أجواء العمل لتنقض مقولة إن الخلطات الدّرامية تسهم في دعم الممثل اللبناني. فالمسلسل لعب على أوتار كاستينغ مناسب تألقت فيه نادين نسيب نجيم بامتياز. كما لفتتني بشكل ملحوظ كاميرا فليب أسمر وأعتقد أنّه من أهم اكتشافات كلوديا مرشيليان. فـ(خمسة ونص) توّجه المخرج الأفضل في الدراما الرمضانية». ويؤكد حجازي أنّ مسلسل «الهيبة - الحصاد»، نظراً إلى نجاحه على مدى ثلاث سنوات، لا يمكن إدخاله مجال المنافسة. «في رأيي هو بكفة والأعمال الأخرى بكفة ثانية، فتحوّل إلى مادة ناضجة تتكرّر وتملك خصوصيّة الصّدارة من دون منازع. ولكنّ السؤال المطروح: ماذا بعد؟ وماذا سيتضمن الجزء الرابع منه؟ وأنا متأكد أنّ المخرج والمنتج والكاتب لا تزال لديهم مادة تقنع المشاهد وإلّا لما فكروا بتكملة رابعة له». وعن رأيه بمشاركة سيرين عبد النور فيه يقول: «سيرين كانت مفاجأة العمل ولوّنته بأدائها الناضج والمحبب إلى قلوب المشاهدين فتألقت بخصوصيتها». وحسب حجازي فإنّ مسلسل «أسود» لم ينجح بسبب نص غير رشيق حمل البطء في بدايته ليتحسن في ربعه الأخير. أمّا مسلسل «الكاتب» فوصفه بالجيد خصوصاً أنّه يميل إلى موهبة باسل خياط الفذّة في التمثيل. وعن «دقيقة صمت» يعلّق: «إنه من الأعمال الممتازة التي تابعناها في هذا الموسم مع عملية كاستينغ لممثلين اختيروا لأدوار مناسبة» ويختم: «المهم في الموضوع أنّ جميع هذه الأعمال موقّعة من قبل شركات إنتاج لبنانية مما يدرجها في خانة الأعمال اللبنانية بغضّ النّظر عن المشاركين فيها. ولا يجوز بعد اليوم لصقها بقائمة الأعمال المشتركة».
من ناحيته يؤكد الكاتب شكري أنيس فاخوري أنّ مسلسل «إنتي مين...؟»، كان الأفضل في موسم دراما 2019 على الشاشات اللبنانية. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «إنه يمثّل نضج كارين، كتابةً وتمثيلاً، وهو من الأعمال الملتصقة التصاقاً وثيقاً بواقعنا اللبناني في ميلودراما تحتضن السخرية والكوميديا السوداء والرسالة معاً».
وعن «الهيبة - الحصاد» يقول: «منذ البداية وجدت شبهاً كبيراً بينه وبين فيلم (العراب)، ولكن بعيداً عن المنطق الذي ارتكز عليه الأول. واليوم مع الإعلان عن جزء رابع له، أعتقد أنّ هناك مبالغة في الأمر». ويصف مشاركة سيرين عبد النور فيه قائلاً: «سيرين تدخل إلى قلب المشاهد من دون استئذان، وقد أدّت دورها باحترافية كبيرة وبنضج ملحوظ فروت عطش شوقنا الكبير لها من بعد غياب».
وفاخوري الذي لم يتمكن من متابعة جميع الأعمال الرمضانية بصورة كاملة لم تقنعه بعض التفاصيل في مسلسل «خمسة ونص». «لم أجده منطقياً أن يكون رئيس حزب لبناني يتحدّث بالسورية ولو كانت شخصية عادية لربما اقتنعت. كما أن أحداث العمل التي تجري في القصور وفي سيارات فارهة لم تعزّز لديّ فكرة دراما واقعية تماماً عكس ما أحرزته كارين رزق الله في (إنتي مين...؟)». ويختم: «لم تتسنَّ لي مشاهدة جميع المسلسلات بصورة دائمة ولكنّي أهنئ الدّراما اللبنانية لما أحرزته في هذا الموسم في مجالات الإخراج والتمثيل والكتابة والإنتاج».


مقالات ذات صلة

أمل بوشوشة... «شوطٌ كبير» نحو الذات

يوميات الشرق تخرج أمل بوشوشة من ذلك الصندوق الذي يصوّر الحياة بحجم أصغر (حسابها في «فيسبوك»)

أمل بوشوشة... «شوطٌ كبير» نحو الذات

تعلم أمل بوشوشة أنّ المهنة قد تبدو جاحدة أسوة بمجالات تتعدَّد؛ ولا تنتظر دائماً ما يُشبع الأعماق. أتاح «المهرّج» مساحة لعب أوسع. منحها إحساساً بالخروج من نفسها.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري مصطفى شعبان (حسابه على فيسبوك)

مصطفى شعبان يخطف الاهتمام بالحديث عن كواليس زواجه

خطف الفنان المصري مصطفى شعبان الأنظار بعد حديثه للمرة الأولى عن كواليس حياته الشخصية وزواجه قبل أشهر عدّة.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق انطلق عرض الموسم الثاني من «Squid Game» قبل أيام (نتفليكس)

«الحبّار 2» يقع ضحيّة لعبته... المسلسل العائد بعد 3 سنوات يخسر عنصر الدهشة

بعض المسلسلات لم يُكتب لها أن تفرز مواسم جديدة، إنما عليها الاكتفاء بمجد الموسم الواحد. لكن يبدو أن فريق «لعبة الحبّار» لم يستوعب هذا الأمر.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق طه دسوقي من مسلسل «حالة خاصة» (الشركة المنتجة)

مصر: «البطولة المطلقة» تعانق فنانين شباباً للمرة الأولى في 2024

شهدت خريطة الفن المصري على مدار عام كامل في 2024 العديد من المتغيرات على مستوى بطولة الأفلام والمسلسلات.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق إنجي المقدّم قدَّمت أدواراً درامية عدّة (فيسبوك)

إنجي المقدم: «كاميليا» الشريرة في «وتر حساس» غيَّرت جلدي الفنّي

عن شخصيتها بعيداً عن التمثيل، أكدت إنجي المقدّم أن أسرتها تشكّل أولوية، فهي تحبّ البقاء في البيت، لكونها ليست اجتماعية أو منطلقة، فتفضل الطبخ وصنع الحلويات.

داليا ماهر (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».