يقتفي العلماء أثر العشرات من الطرق والوسائل لعلاج مرض الإيدز، إثر التقارير الأخيرة التي تفيد بتحرر مريض آخر، على ما يبدو، من كارثة الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة، الفيروس المسبب لمرض الإيدز.
ولكن الآن، يتعين على الباحثين الأخذ في الاعتبار العوائق طويلة الأمد؛ نقص عدد النساء في التجارب الإكلينيكية المحتملة لإجراءات، وعلاجات، ولقاحات فيروس نقص المناعة المكتسبة.
وتشكل النساء نسبة تزيد قليلاً على نصف عدد البشر البالغ 35 مليون نسمة من المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة على مستوى العالم، ويعتبر الفيروس من الأسباب الرئيسية في الوفاة بين النساء من سن الإنجاب. وفي أفريقيا، وأجزاء من أميركا الجنوبية، وحتى في الولايات الأميركية الجنوبية، تساعد حالات الإصابة الجديدة بالعدوى بين الشابات في استمرار شيوع الوباء.
وتختلف استجابة النساء عن الرجال حيال الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة، لكن التجارب الإكلينيكية تواصل الاعتماد وبشكل كبير على مشاركة الرجال. وتعتبر تجارب العلاجات المحتملة طفيفة بصورة خاصة في هذا السياق.
وخلص تحليل صادر عام 2016 بواسطة مؤسسة «أمفار»، إلى أن النساء يمثلن متوسط 11 في المائة من تجارب العلاج.
وهناك اختلافات معروفة علمياً في أنظمة المناعة لدى الرجال والنساء. على سبيل المثال، يؤدي لقاح الإنفلونزا إلى استجابة عالية لدى النساء بأكثر من الرجال. ويبدو أن الاستجابة إلى العدوى بفيروس نقص المناعة المكتسبة مختلفة كذلك. إذ يستجيب نظام المناعة لدى النساء في بداية الأمر بقوة ملحوظة، ويمارس سيطرة صارمة على نشاط الفيروس لمدة من 5 إلى 7 سنوات. ولكن مع طول المدة، فإن حالة التأهب المناعية الشديدة لها سلبياتها. وتتحرك النساء على مسار الإصابة بمرض الإيدز بوتيرة أسرع من الرجال، وهن أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية عن الرجال.
تقول الدكتورة مونيكا غاندي، أستاذة الطب لدى جامعة كاليفورنيا فرع سان فرنسيسكو: «هناك كل أوجه الاختلاف بين الرجال والنساء، وربما تدور الاختلافات حول وساطة جزئية عن طريق الآثار الهرمونية».
على سبيل المثال، يبدو أن هرمون الإستروجين الأنثوي يدخل فيروس نقص المناعة المكتسبة في حالة خمول واضحة. وربما يبدو ذلك تكتيكاً جيداً، ولكن الفيروس الخامل هو أصعب ما يمكن القضاء عليه بواسطة النظام المناعي أو العقاقير المعالجة.
بعض الاختلافات قد تكون واضحة حتى قبل سن البلوغ؛ ففي إحدى الدراسات، كان جميع الأطفال الـ11، باستثناء واحدة فقط، من الفتيات من «مجموعة النخبة الضابطة» - الناس الذين يبدو أنهم يخمدون فيروس نقص المناعة المكتسبة بعيداً عن العقاقير.
وتستجيب النساء كذلك بصورة مختلفة تماماً عن الرجال بالنسبة لبعض العلاجات الدوائية الأخرى.
النساء المصابات بفيروس نقص المناعة المكتسبة يملن إلى الانعزال، وربما لا يدافعن عن حقهن في الحصول على العلاج. وربما يحتجن إلى المساعدة في رعاية الأطفال أو الانتقال، أو التعامل الأكثر راحة مع الطبيبات من النساء - وهي المرافق التي قلما توفرها التجارب الإكلينيكية. وهناك عقبة أخرى قائمة في وجه النساء الملونات: وهي عدم الثقة الناشئ عن تاريخ طويل من الاستغلال على أيدي الباحثين في المجال الطبي. تقول أوبلانكا آدامز (60 عاماً) التي تعيش بفيروس نقص المناعة المكتسبة في مدينة كونكورد بولاية كاليفورنيا: «لا تزال وصمة عار كبيرة أن تعيش بهذا الفيروس في مجتمعنا وتسعى وراء الأبحاث المعالجة».
وأضافت: «لا يبدو أن العلماء يعرفون كيف يحوزون على ثقة المرضى. إن الطريقة التي تخرج بها المعلومات إلى مجتمعنا ومعارفنا ليست طريقة شاملة ولا هي دعاية إيجابية لأحد».
وفي الحالات النادرة التي يبذل العلماء فيها جهوداً خاصة لتسجيل النساء، فإنهم يواجهون مزيداً من الانتقادات من إدارة الأغذية والأدوية الأميركية، وهي الإدارة التي تفرض القواعد الصارمة للغاية على إدراج النساء من سن الإنجاب. ويتجه أغلب الباحثين إلى الطريق الميسورة من إدراج الرجال بدلاً من ذلك، ويجمعون البيانات من النساء فقط بعد ظهور عقار جديد في الأسواق.
وحققت تجربتان حديثتان للعقاقير المضادة للفيروسات الرجعية - تلك التي تؤخذ بطريق الحقن وليس بالتناول الفموي اليومي - نسبة نجاح أفضل في جذب أعداد كبيرة من النساء بواقع 33 في المائة من المشاركين في إحدى الدراسات، و23 في المائة في دراسة أخرى. ولكن بسبب وعود العلاج النهائي الأقل تكراراً، كانت تلك التجارب شائعة للغاية، وكانت ذات وقت أسهل كثيراً في اجتذاب النساء أكثر من غيرهن.
تقول الدكتورة كيمبرلي سميث، رئيسة قسم الأبحاث والتطوير لدى مؤسسة «فييف هيلث كير» التي قادت الأبحاث المشار إليها: «كان المرضى مصطفين في طابور خارج العيادة».
وبصفة عامة، ورغم كل شيء، لا تزال التجارب في الولايات المتحدة تعاني من ضعف مشاركة النساء، نظراً لأن نحو 75 في المائة من المصابين من الرجال.
وتنبؤاً بالحاجة إلى اختبار العلاجات على النساء الشابات، أسس بروس والكر وزملاؤه في معهد روغان التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد، مجموعة أطلق عليها اسم «الجدد في جنوب أفريقيا». وخضعت ما يقرب من ألفي امرأة شابة من بلدة أوملازي مرتين في الأسبوع للفحص من فيروس نقص المناعة المكتسبة.
وبصفة عامة، فمن الصعوبة إجبار العلماء على اعتبار الحاجة إلى مشاركة النساء على محمل الجدية، كما تقول الدكتورة إيلين سكالي الأستاذ المساعد للطب في جامعة جونز هوبكنز، التي قالت: «بعض العلماء المتشددين يرفض هذا النوع من المناقشات ويصفها بأنها من المحددات الاجتماعية، أو أمر من الأمور المتعلقة بتحرير المرأة».
وقادت الدكتورة إيلين سكالي: «تجربة العلاج الوحيدة التي ركزت فقط على النساء، وأجرت الاختبار بما إذا كان العقار الذي يوقف عمل هرمون الإستروجين يسهل الأمر للقضاء على فيروس نقص المناعة المكتسبة، أم لا. ومنذ البداية، كان على فريق البحث أن يقدم بعض التنازلات».
وللالتفاف على القيود التي تحدد من مشاركة النساء في سن الإنجاب، طلبت الدكتورة سكالي من فريقها البحثي استقدام النساء بعد انقطاع الطمث لديهن. ولكن هؤلاء المشاركات لديهن مستويات متدنية من هرمون الإستروجين في الدم، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشويه نتائج الأبحاث.
نصف المصابين بالإيدز نساء... والأبحاث تركز على الرجال
هن أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية
نصف المصابين بالإيدز نساء... والأبحاث تركز على الرجال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة