القادة الأكراد يحاولون نفض غبار الهزيمة الأولية أمام «داعش» عن قوات البيشمركة

تعدد الولاءات والقتال في بيئة غير جبلية ونقص الجاهزية والتسليح من أبرز مشكلاتها

والدة عنصر في البيشمركة الكردية تودعه قبيل توجهه إلى خط المواجهة مع «داعش» قرب طوز خورماتو شمال شرقي تكريت الأحد الماضي (رويترز)
والدة عنصر في البيشمركة الكردية تودعه قبيل توجهه إلى خط المواجهة مع «داعش» قرب طوز خورماتو شمال شرقي تكريت الأحد الماضي (رويترز)
TT

القادة الأكراد يحاولون نفض غبار الهزيمة الأولية أمام «داعش» عن قوات البيشمركة

والدة عنصر في البيشمركة الكردية تودعه قبيل توجهه إلى خط المواجهة مع «داعش» قرب طوز خورماتو شمال شرقي تكريت الأحد الماضي (رويترز)
والدة عنصر في البيشمركة الكردية تودعه قبيل توجهه إلى خط المواجهة مع «داعش» قرب طوز خورماتو شمال شرقي تكريت الأحد الماضي (رويترز)

لعدة عقود من الزمن، كانت تسود في الأذهان صورة مخيفة عن قوات البيشمركة باعتبارهم قوات الجبال التي لا تُقهر، كما كان يُنظر إليهم باعتبارهم مقاتلي حرب العصابات، وأصبحت قوات البيشمركة هي القوات الرسمية المسؤولة عن المنطقة الكردية في شمال العراق. لكن عندما هاجم مقاتلو «داعش» إقليم كردستان في أغسطس (آب)، فرت قوات البيشمركة من خطوط المواجهة الأمامية، التي تبعد مسافة نصف ساعة فقط بالسيارة عن عاصمة الإقليم.
وقد أسفر انهيار قوات البيشمركة عن ترك عشرات الآلاف من إسكان العزل في مواجهة «داعش»، كما بدد أيضا تبديد الآمال الكبيرة حول إمكانية نجاح قوات البيشمركة في وقف زحف قوات «داعش» بعد أن فشل الجيش العراقي في ذلك، وأدى ذلك إلى إثارة التساؤلات حول أمن العراق.
وعلى الرغم من نجاح القوات الكردية في استعادة معظم الأراضي التي فقدتها خلال الأسبوعين الماضيين، بمساعدة حملة الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة، فإن هذه الخسائر الأولية أثارت تساؤلات كثيرة حول كيف لقوات البيشمركة أن تفشل في أكبر امتحان تواجهه منذ أكثر من 20 عاما.
ويسعى المسؤولون الأكراد جاهدين محاولين التغلب على سنوات من الخلاقات الداخلية السياسية والعسكرية لمواجهة هذا التهديد، وللحصول على المزيد من المساعدات العسكرية من الولايات الأميركية وإيران.
«قوات البيشمركة» تعني «القوات التي تواجه الموت»، ولكن كشفت مجموعة من المقابلات الشخصية التي أُجريت مع مسؤولين وقادة أمن أكراد أن التهديد الأكبر الذي واجه قوات البيشمركة في العقد الماضي كان يكمن في حالة الملل والاستياء. وتوقف الكثير من المحاربين المتمرسين عن العمل في صفوف البيشمركة وسعوا، بدلا من ذلك، إلى الاستفادة من الفرص الجديدة المتاحة أمامهم في خضم موجة من التنمية الاقتصادية.
وأصبح التدريب مسألة ثانوية، ولم يكن هناك شيء يُذكر يبعث على توحيد وحدات البيشمركة، التي ظلت منقسمة في الغالب وفق خطوط حزبية وسياسية؛ إذ تتلقى قوات البيشمركة تعليماتها من الحزب الذي تنتمي إليه، ولا تستجيب لقيادة مركزية، وهو ما أسفر عن اندلاع الحرب الأهلية الكردية عام 1996.
وقال فؤاد حسين، رئيس ديوان رئاسة الإقليم: «الذي حدث الآن يعلمنا أننا لا يمكن أن نلتزم الجلوس في مقاعدنا كما لو أن ليس لنا أعداء»، مضيفا: «إننا ما زلنا بحاجة إلى ثقافة المقاومة للدفاع عما وصلنا إليه، وللدفاع عن الحياة الهادئة، وللدفاع عما نحن بصدد بنائه»، وأردف: «وإلا فإننا سندمر كل ما حققناه».
ولتحقيق ذلك تتعين أولا إعادة تنظيم قوات البيشمركة. وفي هذا السياق صادق مسعود بارزاني، رئيس الإقليم، قبل أسبوع على تعديل من شأنه بناء جيش وطني. فبدلا من وجود قوة منقسمة إلى حد كبير يتوزع ولاؤها بين الحزبين الرئيسين، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، سيعمل المسؤولون على دمج الوحدات تحت راية وزارة البيشمركة.
وقال مسؤولون إنه من المقرر التركيز على أعمال تدريب منتظمة، موضحين أن الشباب والشابات سيتلقون قدرا من التدريب العسكري سواء التحقوا بالجيش أم لا. من جهته، قال مصطفى سيد قادر، وزير البيشمركة: «لقد فشلنا أثناء هذه الفترة الزمنية الطويلة في خلق قوات بيشمركة ذات صبغة وطنية»، وأضاف: «نعتزم إنشاء وإقامة جيش موحد ووطني ومنتظم». لكن لا يزال يتشكك الكثيرون في وجود الإرادة السياسية لإحداث تغيير جذري في بنية السلطة التي استمرت لعدة عقود. ويعتقد بعض المسؤولين أنه من أجل تشجيع البيشمركة على إجراء إعادة هيكلة، يتعين فرض شروط على أي مساعدات تمنح إلى الحكومة الكردية. وقال أحد المسؤولين الكرديين، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع محل النقاش: «كما نعلم في هذا الجزء من العالم، لا يتعلق الأمر فقط بقوانين على الورق، ولكنه يتعلق بالالتزام السياسي»، مضيفا: «يمكن تحقيق ذلك الأمر، ولكن من الممكن أيضا أن تسير الأمور نحو الأفضل أو الأسوأ».
وكما يبدو يعتقد الخبراء أن كلا من الحزبين لديه أكثر من 60 ألف جندي، بينما يمكن الزعم بأن وزارة البيشمركة لديها فقط 50 ألف جندي في صفوفها. ويقول مايكل نايتس، باحث في معهد واشنطن والمختص في شأن القوات الكردية: «الغالبية العظمى من البيشمركة تخضع لسيطرة الأحزاب السياسية الفردية».
وتعد الأعداد الدقيقة لمقاتلي البيشمركة من المسائل السرية في كردستان، لكن الخبراء، مثل نايتس، يرون أن عدد قوات البيشمركة بلغ نحو 175 ألف مقاتل منذ بدء هجوم «داعش» مع توجه شبان وكبار في السن إلى جبهة القتال، ونفضوا الغبار عن أسلحتهم القديمة من أجل الدفاع عن المنطقة الكردية.
لكن المقاتلين من الشباب يفتقرون لخبرة قتالية بينما انخرط الكثير من المقاتلين القدامى في الأعمال التجارية وعانقوا الوجه الجديد لكردستان. أما أولئك الذين بقوا ضمن البيشمركة فإنه يمكن اعتبارهم عمليا في حكم المتقاعدين، إذ يتلقون أجرا ثابتا مقابل عمل قليل.
وقال سيروان بارزاني، وهو رجل أعمال بارز ومن أقارب رئيس الإقليم والتحق مجددا بقوات البيشمركة للمساعدة في التصدي لـ«داعش»: «لقد بدأنا جميعا إعادة بناء دولتنا»، مضيفا: «كان هناك طريق آخر للقتال، وهو العمل على تحسين بلدك وجعله يبدو جميلا».
وسيروان بارزاني موجود الآن في قاعدة بالقرب من بلدة الكوير التي استعادتها قوات البيشمركة أثناء المرحلة الأولى من الغارات الجوية الأميركية. ولفت سيروان بارزاني إلى أن البيشمركة كانت متعطشة للموارد من بغداد، وأنه اضطر لدفع رواتبهم وإعالتهم. كما أنه زود البيشمركة بالسيارات والأسلحة والطعام من ماله الشخصي. وفيما يتعلق بالخسائر، كرر بارزاني بعض التبريرات التي قدمها مسؤولون أكراد ومفادها أنه لم يتوقع مثل هذا الهجوم السريع والحاسم من جانب «داعش» وأن المقاتلين الأكراد يواجهون أيضا مسلحين أفضل تسليحا، بما لديهم من أسلحة ثقيلة ومركبات يُزعم أنهم حصلوا عليها من الجنود العراقيين الذين انهزموا أمام تقدمهم. لكن آخرين يقولون إنه بينما كان يمتلك مقاتلو «داعش» أسلحة متطورة، كانت لدى قوات البيشمركة أسلحة ثقيلة لكنها لم تكن في المكان الصحيح عندما شن «داعش» هجومه.
ويشير سيروان بارزاني، صاحب شركة كورك لخدمة الهاتف الجوال، بالإضافة إلى أحد أكبر مراكز التسوق التجارية في أربيل، أيضا إلى الحدود التي يزيد طولها على 600 ميل التي يتعين على كردستان أن تدافع عنها الآن، وكذلك إلى بيئة القتال الجديدة بعيدا عن الجبال حيث يتمتع الأكراد بسمعة براقة.
وفي هذا السياق، قال «إننا نعرف كيف نقاتل في الجبال»، مضيفا: «لكن هذه صحراء. إنها حارة للغاية. إنها مختلفة تماما».
وبالنسبة للدعوات إلى تسليح البيشمركة، فإنها، حسب ما أوضحه المسؤول الاستخباراتي الرفيع في الإقليم مسرور بارزاني، قد استجيب لها جزئيا، مشيرا إلى أن قوات البيشمركة بدأت تستقبل شحنات من الذخيرة والمدافع الرشاشة وقذائف الهاون، التي صُنع أغلبها في دول شرق أوروبا، مما يعني أن أنظمة تلك المعدات تتوافق مع الأنظمة التي استخدمها الأكراد. وقال مسرور بارزاني: «إنها ليست أسلحة أميركية الصنع»، لكنها «شحنات قدمتها الولايات المتحدة لنا». كما نوه إلى أنه لم تتم الاستجابة بعد لطلبات الحصول على أسلحة ثقيلة، بما في ذلك عربات همفي والأسلحة المضادة للدبابات.
وساعدت في تسليح قوات البيشمركة دول أخرى منها ألبانيا وكندا وكرواتيا والدنمارك وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا.
لكن كما كان الحال في الماضي، يبقى السؤال: إلى متى سيكون بمقدور قوات البيشمركة الاعتماد على الدعم من الخارج؟ وإلى جانب حالة عدم اليقين، لا يبدو التنسيق مع العراقيين واضحا. ويقول بعض المسؤولين إنه رغم الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة، لم تكن بغداد على استعداد لتقديم الأسلحة أو المساعدات العسكرية الأخرى.
وبافتراض أنه من الممكن إبعاد مسلحي «داعش» بشكل دائم عن كردستان، هناك سؤال يلوح في الأفق حول؛ ماذا ستكون الخطوة التالية لقوات البيشمركة؟.
على قمة تلة صخرية تطل على فرع من فروع نهر دجلة بعد ظهر أحد الأيام، نظر اللواء في قوات البيشمركة زرار سيدا من خلال منظار إلى رقعة أرض جرى تطهيرها مؤخرا. اللواء زرار - كما هو معروف بين أقرانه وغيرهم - يقاتل، جنبا إلى جنب أولاده الأربعة وأربعة من أبناء إخوته وثلاثة من أبناء أعمامه وأحد أشقائه، ضد «داعش» منذ أن شن التنظيم هجومه على حدود إقليم كردستان. ويؤكد زرار أن حماس البيشمركة لا يزال موجودا.
في اليوم السابق كان مسلحو «داعش» محاصرين بقرية «تل خيم» وفي ذلك اليوم أُجبروا على الانسحاب من كامل تلك الأرض الكردية. وعلى مبعدة شوهدت سيارة تابعة لـ«داعش» تندفع إلى أسفل طريق ترابي، وكانت تقف بشكل دوري. قال اللواء زرار: «إنهم يزرعون الألغام على طول الطريق».
وبسؤاله عن السبب وراء عدم تدخل قواته لمنع «داعش» من زرع الألغام، أجاب «إنهم على أرض عراقية. هذه ليست مشكلتنا».
* خدمة «نيويورك تايمز»



حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.