قبل وقت ليس بالطويل، كانت مباريات كرة القدم تقام بين فريقين يقاتلان من أجل الحصول على الكرة، وبمجرد أن يحصل عليها أحدهما، فإنه يحاول أن يسجل هدفاً في مرمى الفريق المنافس، وكان لكل فريق طريقته المميزة في ذلك، فبعض الفرق كانت تعتمد على القوة، والبعض الآخر على السرعة أو المهارة. وكانت هذه الفرق تعمل على قطع الكرة في أجزاء مختلفة من الملعب، لكن الشيء الذي اتفق عليه الجميع هو أنه من الأفضل عدم السماح للفريق المنافس بالاستحواذ على الكرة، فترة طويلة، لأن ذلك سيسبب الكثير من المتاعب والمشكلات.
لكن الأمر تغير بمرور الوقت، وتغيرت اقتصاديات اللعبة، وتطورت الخطط الفنية والتكتيكية وفقاً لذلك. واتسعت الفجوة بين الأندية الغنية والأندية الفقيرة في الدوري الإنجليزي الممتاز للدرجة التي جعلت محاولة الأندية القريبة من القاع في جدول الترتيب للاستحواذ على الكرة أمام فرق المقدمة أمراً شبه مستحيل. وهناك إحصائية تتكرر بانتظام، لكنها تعكس ملامح لعبة كرة القدم في الوقت الحالي، حيث تشير شركة «أوبتا» إلى أنه خلال الفترة بين موسمي 2003 - 2004 و2005 - 2006، عندما بدأت الشركة في جمع البيانات لأول مرة، فإن 3 مباريات في الدوري الإنجليزي الممتاز وصلت فيها نسبة الاستحواذ على الكرة من جانب أحد الفريقين إلى 70 في المائة أو أكثر. وقبل موسمين، ارتفع عدد المباريات التي يستحوذ فيها نادٍ على 70 في المائة أو أكثر إلى 36 مباراة، وقفز هذا العدد إلى 63 مباراة الموسم الماضي، ثم إلى 67 مباراة هذا الموسم.
إنه تغيير جذري هائل، لأن ذلك يعني أنه خلال 15 عاماً ارتفع عدد المباريات التي يستحوذ فيها أحد الفريقين على الكرة بنسبة 70 في المائة أو أكثر بما يزيد عن 60 مباراة، وهو ما يعني أن مباراة من بين كل 6 مباريات الآن تشهد هجوماً كاسحاً من جانب فريق أمام دفاع بحت ومستميت من جانب الفريق الآخر. وتشير الإحصائيات أيضاً إلى أن الأندية الثلاثة التي هبطت لدوري الدرجة الأولى لم تحصل إلا على أربع نقاط فقط من الأندية الستة الأولى في جدول الترتيب، وكانت هذه النقاط الأربعة كلها أمام مانشستر يونايتد خلال الأسبوعين الأخيرين للمسابقة!
وفي الحقيقة، تعد هذه هي أكبر قضية تواجه كرة القدم الإنجليزية في الوقت الحالي، لأنها تلقي بظلالها على كل شيء. ويمكن القول إن هذا الأمر يعود في الأساس إلى عدم التوازن المالي بين الأندية الأكثر ثراءً والأندية الأقل ثراءً في الدوري الإنجليزي الممتاز. وقد شهد الموسم الحالي تحولاً طفيفاً في تركيز بعض أندية النخبة على الجوانب الدفاعية، حيث كانت دفاعات مانشستر سيتي تواجه بعض المشكلات بين الحين والآخر، في حين خفف ليفربول معظم فترات الموسم من هجومه الشرس، وبدأ يعمل على تأمين دفاعاته في المقام الأول، لكن الشيء المؤكد هو أن أندية النخبة ما زالت تعتمد على أسلوب الضغط والاستحواذ على الكرة أطول وقت ممكن.
ويتمثل الفارق الكبير خلال المواسم القليلة الماضية في أن أندية القمة في الدوري الإنجليزي الممتاز بدأت تطبق هذا الأسلوب الآن بطريقة أكثر قوة، أو بوتيرة أكثر سرعة من نظرائها في الخارج، وهو الأمر الذي مكن ليفربول وتوتنهام من الوصول إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا.
وكان من الصعب للغاية على المدير الفني لتشيلسي، ماوريسيو ساري، أن يفرض رؤيته الخاصة لكرة القدم في مثل هذه البيئة. ويعتمد ساري هو الآخر على الضغط المتواصل على المنافس والاستحواذ على الكرة، لكنه يعتمد على صانع ألعاب من خلف خط الوسط. وسيكون من الصعب للغاية فرض فلسفة جديدة على فريق اعتاد اللعب بطريقة معينة، خصوصاً في وقت يواجه فيه النادي عقوبة عدم التعاقد مع لاعبين جدد، بينما تستعرض الأندية الأخرى في الدوري الإنجليزي الممتاز عضلاتها المالية، وتدعم صفوفها بكل قوة. لقد تمكن ساري من قيادة نابولي الإيطالي لتقديم كرة قدم سريعة، لكن الوضع يختلف تماماً مع تشيلسي هذا الموسم، حيث يمكن التنبؤ بسهولة بما سيقوم به لاعبو الفريق، باستثناء النجم البلجيكي إيدن هازارد، في الوقت الذي عانى فيه الإيطالي جورجينيو كثيراً فيما يتعلق بالتكيف مع متطلبات كرة القدم الإنجليزية.
أما بالنسبة لآرسنال، فقد كان الفريق يقدم مستويات غير ثابتة إلى حد كبير، ومن الصعب للغاية استخلاص أي استنتاجات مؤكدة حول ما يحاول المدير الفني الإسباني أوناي إيمري القيام به، بخلاف القول إن قراره بالاعتماد على مهاجمين اثنين في الخط الأمامي قد أثر بالسلب على أداء خط الوسط. وبالنسبة لمانشستر يونايتد، يعد هذا موسماً انتقالياً، لأن الفريق كان يعاني من حالة من الفوضى.
وربما يكون الجانب الأكثر إثارة للدهشة هو الكيفية التي نجحت بها بعض الأندية في ترك الاستحواذ على الكرة للفريق المنافس، واستغلال ذلك على النحو الأمثل، ولعل خير مثال على ذلك هو نادي وولفرهامبتون واندررز الذي يشن الهجمات المرتدة السريعة بشكل رائع، وهو الأمر الذي مكنه خلال الدور الثاني من الحصول على نقاط أكثر من الأندية التي تحتل المراكز الستة الأولى في جدول الترتيب. وتشير الإحصائيات إلى أن احتمالات فوز وولفرهامبتون واندررز في المباريات التي كان يستحوذ فيها على الكرة بنسبة أقل من 40 في المائة كانت أكبر من احتمالات فوزه في المباريات التي كان يستحوذ فيها على الكرة بنسبة تزيد عن 55 في المائة. وقد أظهر كريستال بالاس سمات مماثلة، حيث حصد 29 نقطة من المباريات التي أقيمت خارج ملعبه، مقابل 20 نقطة فقط من المباريات التي أقيمت على ملعبه وبين جمهوره.
وحقق كريستال بالاس نتائج استثنائية في المباريات التي لعبها خارج ملعبه، حيث حقق الفوز في 9 مباريات (وهو عدد المباريات التي حقق فيها تشيلسي صاحب المركز الثالث الفوز خارج ملعبه)، وأحرز 32 هدفاً خارج ملعبه (8 أهداف أكثر من تشيلسي).
وكان كريستال بالاس هو النادي الوحيد الذي تمكن من تحقيق الفوز على مانشستر سيتي بطل الدوري على ملعب «الاتحاد»، عندما فاز عليه بثلاثة أهداف مقابل هدفين في شهر ديسمبر (كانون الأول)، كما فاز بالنتيجة نفسها على آرسنال على ملعب «الإمارات»، وأوقف مسيرة المدفعجية بالفوز المتتالي في 10 مباريات.
علاوة على ذلك، كان كريستال بالاس هو الفريق الوحيد الذي أحرز 3 أهداف في مرمى ليفربول على ملعب «آنفيلد»، ولولا الأداء السيئ من جانب حارس مرمى الفريق المخضرم جوليان سبيروني، لفاز كريستال بالاس في تلك المباراة التي خسرها بنتيجة أربعة أهداف مقابل ثلاثة.
ويمتلك وولفرهامبتون واندررز الموارد المالية التي تمكنه من تحسين أدائه ونتائجه خلال الموسم المقبل. وهذا هو الشيء الأهم في نهاية المطاف، إذ إن الموارد المالية هي التي تتحكم في كل شيء الآن. صحيح أنه دائماً ما كانت هناك أندية غنية، لكنها لم تكن أبداً بهذا الثراء، ولم يكن للفوارق المالية بين الأندية هذا التأثير الكبير على الطريقة التي تُلعب بها المباريات.
الدروس الخططية من الدوري الإنجليزي الممتاز في موسم 2019
أندية النخبة تعتمد على الضغط والاستحواذ... والأقل ثراءً لا يمكنها المنافسة
الدروس الخططية من الدوري الإنجليزي الممتاز في موسم 2019
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة