برلين تنقذ مستقبل «سيل الشمال ـ 2» وتستثنيه من معايير الطاقة الأوروبية

تعميم صلاحيات قانون الطاقة الأوروبي على مشروعات «غاز بروم» البحرية

برلين تنقذ مستقبل «سيل الشمال ـ 2» وتستثنيه من معايير الطاقة الأوروبية
TT

برلين تنقذ مستقبل «سيل الشمال ـ 2» وتستثنيه من معايير الطاقة الأوروبية

برلين تنقذ مستقبل «سيل الشمال ـ 2» وتستثنيه من معايير الطاقة الأوروبية

بددت نتائج التصويت في مجلس أوروبا المخاوف على مصير شبكة أنابيب «سيل الشمال - 2» لنقل الغاز من حقول الإنتاج في روسيا إلى المستهلكين في السوق الأوروبية. مع ذلك لا تزال هناك عقبات «مرحلية» يواجهها هذا المشروع، تعود بصورة رئيسية في هذه المرحلة إلى موقف الدنمارك بشأن مراعاة مسار شبكة الأنابيب لمعايير البيئة.
وكان مجلس أوروبا، قرر أخيراً، وبعد نقاش طويل ومعقد، إدخال تعديلات على القوانين الأوروبية للطاقة، توسع «ولاية تلك القوانين»، وبعد أن كانت محصورة بتنظيم العمل داخل الدول الأوروبية، باتت تشمل شبكات نقل الغاز من المنتجين الخارجيين (الأجانب)، بما في ذلك الشبكات البحرية، والتي تمر عبر الدول الأوروبية. أي أن مشروع «سيل الشمال - 2» الذي يربط روسيا مع ألمانيا عبر قعر البلطيق بات خاضعا للقوانين الأوروبية في مجال الطاقة، لكن دون أن يتم حظره.
وشهدت المؤسسات التشريعية والتنفيذية الأوروبية نقاشات حادة خلال الأشهر الماضية بشأن هذا المشروع، الذي يفترض أن يتم نقل الغاز الروسي عبره إلى ألمانيا، ومنها إلى المستهلكين الأوروبيين. إذ حذر البعض من أن شبكة الأنابيب الجديدة ستعزز من نفوذ روسيا، وبصورة خاصة شركة «غاز بروم» الحكومية في أسواق الطاقة الأوروبية، بينما أصر آخرون، وفي مقدمتهم المستشارة ألمانية أنجيلا ميركل على الجدوى الاقتصادية للمشروع، وأنه مهم لأسواق الطاقة الأوروبية. ويبدو أن الطرفين قد توصلا في نهاية المطاف إلى «حل وسط»، دون إلغاء متطلبات الحزمة الثالثة من قوانين الطاقة الأوروبية، والتي تشترط في حالة «سيل الشمال - 2» أن تكون هذه الشبكة مستقلة عن سيطرة «غاز بروم» الروسية، وأن يتم تخصيص 50 في المائة من قدرة ضخ الشبكة ليستفيد منها منتجون مستقلون، و50 في المائة تبقى لصالح قدرات إنتاج «غاز بروم».
ومن شأن تلك الشروط أن تعرقل إنجاز شبكة أنابيب الغاز التي تعلق روسيا الآمال عليها بتوفير بديل عن شبكة نقل الغاز عبر الأراضي الأوكرانية، وتأمل أوروبا بالمقابل أن تساهم في تعزيز أمنها الطاقي. والعقبة الأولى تتصل بتقاسم قدرات الضخ عبر الشبكة، إذ أن الغاز سيتم نقله من الأراضي الروسية فقط، ومعروف أن «غاز بروم» تحتكر سوق الغاز، وهي الوحيدة التي تملك حق تصديره من روسيا، ما يعني عدم وجود شركات أخرى يمكنها أن تستفيد من قدرة ضخ بحجم 50 في المائة من إجمالي قدرة الشبكة.
إلا أن الموقف الألماني ساهم بوضع أرضية مناسبة لتجاوز تلك العقبة، حين تم إدخال نص في الصيغة النهائية من التعديلات على قوانين الطاقة الأوروبية، يسمح للدولة التي يصل أنبوب الغاز أراضيها أن تمنح، «بعد مشاورات مع بروكسل» استثناء لمشروعات الغاز من شرطي (الاستقلال عن «غاز بروم» وتقاسم قدرات الضخ مناصفة مع مصدرين مستقلين). ما يعني أن المشروع تخلص من عقبات كانت تهدد بوقف العمل به. وفي أول تعليق على هذه المستجدات، قالت شركة «نورد ستريم - 2» الشركة المشغلة للمشروع، والتي تسيطر عليها «غاز بروم»، إن رد الفعل سيكون بعد نشر التعديلات في الصحيفة الرسمية الأوروبية، وأكد المكتب الإعلامي في الشركة أن عملية مد الأنابيب مستمرة بالتزام صارم بالجدول الزمني المحدد.
في غضون ذلك تواصل «غاز بروم» مساعيها للحصول على موافقة من الدنمارك لمد الأنابيب عبر مياهها، على قعر بحر البلطيق. وكانت الشركة الروسية اقترحت بداية مد الأنبوب في المياه الإقليمية الدنماركية جنوب بورنهولم، إلا أن الدنمارك أدخلت في مطلع العام 2018 تعديلات على قانون الجرف القاري الدنماركي، منحت بموجبها وزارة الخارجية صلاحية استخدام «حق النقض» على بناء خطوط أنابيب الغاز في المياه الإقليمية لأسباب سياسية. وتعترض الدنمارك حاليا على الخط المقترح لسير الأنابيب لأسباب تتعلق بـ«المخاطر البيئية».
وقالت وكالة الطاقة الدنماركية أخيرا إنها تلقت من الجانب الروسي اقتراحات لمد الشبكة عبر الجرف القاري، في المنطقة الاقتصادية الخالصة في الدنمارك، إلا أنها لم تتمكن من تحديد الموعد الذي سترد فيه على تلك الاقتراحات، بينما قالت الشركة الروسية إنها قدمت اقتراحات مناسبة، وتتوقع الحصول على رد إيجابي في وقت قريب. وقال خبراء إن أي تعديل على خط سير الشبكة قد يطيل مدة تنفيذ المشروع، وهو ما تخشاه «غاز بروم». ويفترض وفق الجدول الزمني المعتمد الانتهاء من إنجاز أعمال مد «سيل الشمال - 2» بحلول نهاية العام 2019.


مقالات ذات صلة

كرّس حياته للسلام... رحيل ناجٍ من قنبلة ناغازاكي النووية عن 93 عاماً

آسيا شيغمي فوكاهوري أحد الناجين من القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناغازاكي عام 1945 (أ.ب)

كرّس حياته للسلام... رحيل ناجٍ من قنبلة ناغازاكي النووية عن 93 عاماً

توفي شيغمي فوكاهوري، أحد الناجين من القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناغازاكي عام 1945، والذي كرَّس حياته للدفاع عن السلام، عن عمر يناهز 93 عاماً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
العالم جنود يشاركون في عرض عسكري لإحياء الذكرى السبعين لهدنة الحرب الكورية في بيونغ يانغ بكوريا الشمالية 27 يوليو 2023 (رويترز)

قوات كورية شمالية قد تشارك باحتفالات روسيا في الانتصار بالحرب العالمية الثانية

قال مسؤول روسي كبير إنه يعتقد بإمكانية مشاركة جنود كوريين شماليين في العرض العسكري في الساحة الحمراء العام المقبل، في ذكرى الانتصار بالحرب العالمية الثانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري رجل يقف أمام الشرطة ويحمل لافتة كُتب عليها: «يون سوك يول... ارحل» في سيول (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

فجأة اصطخبت مياه البحيرة الكورية الجنوبية وعمّت الفوضى أرجاء سيول وحاصر المتظاهرون البرلمان فيما كان النواب يتصادمون مع قوات الأمن.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.