ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس الجديد طمأن المودعين بأنه لن يتهاون في حماية أموالهم

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
TT

ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)

ما إن انتخب مجلس النواب اللبناني العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبلاد، بعد أكثر من عامين على الشغور الرئاسي، حتى عززت سندات لبنان الدولارية مكاسبها مسجلةً ارتفاعاً حاداً وسط تفاؤل بإجراء إصلاحات في بلد مزقته الحروب، وأنهكت اقتصاده الذي تناوله عون في خطابه بعد إدلائه بالقسم، حين شدّد على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر.

وقد شهدت سندات لبنان الدولية بآجالها كافة، الخميس، ارتفاعاً إلى أكثر من 16 سنتاً للدولار، من حوالي 13 سنتاً يوم الأربعاء، وذلك بعدما كانت وصلت إلى أدنى مستوياتها عند 6.25 سنت في عام 2022، رغم أنها لا تزال أدنى بكثير من أسعار سندات دول أخرى تخلفت عن سداد التزاماتها في العام نفسه.

جوزيف عون يسير بعد انتخابه رئيساً للبنان في مبنى البرلمان ببيروت (رويترز)

وكان لبنان أعلن التخلف عن سداد ديونه في ربيع عام 2020 بعد أن سقط النظام المالي في البلاد في أزمة اقتصادية عميقة في 2019.

وتأتي هذه الزيادة في قيمة السندات في وقت بالغ الحساسية، حيث لا يزال الاقتصاد اللبناني يترنح تحت وطأة تداعيات الانهيار المالي المدمر الذي بدأ في 2019، إذ يواجه أزمة مصرفية ونقدية وسياسية غير مسبوقة استمرت أكثر من ثلاث سنوات، أثرت بشكل عميق على استقراره النقدي، مما جعله واحداً من أكثر البلدان عُرضة للأزمات المالية في المنطقة. ومنذ بداية هذه الأزمة، شهد الاقتصاد انكماشاً حاداً ناهز 40 في المائة، مما أدى إلى تدهور ملحوظ في جميع القطاعات الاقتصادية. كما فقدت الليرة اللبنانية ما يقارب 98 في المائة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة معاناتهم. في الوقت نفسه، سجل التضخم معدلات غير مسبوقة، مما زاد من الأعباء المالية على الأسر. وفي الوقت ذاته، خسر المصرف المركزي اللبناني ثلثي احتياطياته من النقد الأجنبي، مما أضعف قدرته على دعم العملة المحلية وضمان استقرارها.

ويرى مراقبون أن الارتفاع القوي لسندات ما يعرف باليوروبوندز ينبع من التفاؤل بأن انتخاب عون رئيساً جديداً سيفتح الباب على تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية مطلوبة بشدة. ويعدون أن هذا من شأنه أن يمهد الطريق لإعادة هيكلة السندات الدولية في نهاية المطاف.

لكن التحدي هو في اختيار رئيس للوزراء، والإسراع في تشكيل حكومة تعمل على تمرير الإصلاحات بالتعاون مع مجلس النواب.

وقال سورين ميرش، مدير المحافظ في «دانسكي بنك» في كوبنهاغن الذي بدأ بشراء السندات اللبنانية في سبتمبر (أيلول): «إذا تمكن لبنان من انتخاب رئيس جديد، فأتوقع أن ترتفع السندات. فانتخاب رئيس يعني على الأرجح تعيين رئيس وزراء، وتشكيل حكومة فعّالة بدلاً من تلك القائمة بالوكالة»، وفق «بلومبرغ».

وتوازياً، شهدت الأسواق اللبنانية حالة من التهافت على شراء الليرة اللبنانية، حيث عدّ كثير من اللبنانيين أن انتخاب عون قد يُشكّل بداية مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، ما قد ينعكس إيجاباً على العملة المحلية. ومع الآمال التي علّقها البعض على تحسن الوضع الاقتصادي، يتوقع كثيرون أن تشهد الليرة تحسناً مقابل الدولار في ظل التفاؤل الذي صاحب هذه الخطوة السياسية المهمة.

الاقتصاد في خطاب عون

في خطابه الأول بعد انتخابه رئيساً، شدّد عون على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر، مؤكداً على أهمية بناء قطاع مصرفي يتمتع بالاستقلالية التامة، بحيث لا يكون الحاكم فيه سوى القوانين. كما بعث برسالة واضحة ومباشرة إلى المواطنين والمودعين، مؤكداً أن حماية أموالهم ستظل على رأس أولوياته، معلناً أنه لن يتهاون في هذا الملف الذي يمثل تحدياً كبيراً.

أعضاء من الجيش اللبناني يقفون خارج فرع «بنك بلوم» في بيروت (رويترز)

وأكد عزمه على بناء علاقات قوية مع الدول العربية، التي تُعد شريكاً رئيساً في إعادة الإعمار، ودعم لبنان اقتصادياً، لا سيما وأن تعزيز هذه العلاقات سيسهم في الحصول على الدعم المالي العربي، وتحفيز النمو من خلال جذب الاستثمارات، وفتح قنوات التعاون مع دول دعمت لبنان في فترات سابقة.

تحديات

إلا أن تحديات كبيرة تواجه الرئيس. فهل سيتمكن عون من تحقيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لانتشال لبنان من أزمته الراهنة وتحقيق الاستقرار المالي؟

يتصدر ملف الإصلاحات الاقتصادية أولويات الاستحقاقات الوطنية في لبنان، ويُعد البوابة الأساسية لاستعادة الاستقرار المالي والانطلاق نحو تعافي الاقتصاد المترنح. وتتجاوز أهمية هذه الإصلاحات تحسين الوضع الداخلي، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة إعادة الإعمار والحصول على الدعم المالي. وفي هذا السياق، يُتوقع أن يُعاد إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف التوصل إلى اتفاق ينص على تأمين الدعم المالي مقابل التزام الحكومة بحزمة إصلاحات هيكلية ومالية تشمل تحسين إدارة القطاع العام، ومكافحة الفساد، وتحرير الاقتصاد من القيود التي تعرقل نموه. وتُعد هذه الإصلاحات حجر الزاوية في عملية إنقاذ لبنان، حيث تشكل الأساس للحصول على الدعم الدولي بشتى أنواعه.

وفي ظل استمرار لبنان في معركته ضد الدين العام الهائل الذي بلغ نحو 140 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، سيواجه الرئيس الجديد مهمة شاقة تتمثل في إرساء الاستقرار المالي الذي من شأنه أن يعزز الثقة المتجددة في النظام الاقتصادي اللبناني، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الديْن العام، وبدء مفاوضات جادة مع الدائنين.

كذلك ستتجه الأنظار إلى آفاق جديدة في إدارة الاقتصاد اللبناني، لا سيما فيما يتعلق بإعادة استقرار سعر صرف الليرة، التي سجلت اليوم 89 ألف ليرة مقابل دولار واحد، بعد أن كانت عند 1500 ليرة في عام 2019. وتبدي الأوساط الاقتصادية أملاً كبيراً في تحسن الوضع المالي بفضل السياسات النقدية الجديدة التي سيقودها حاكم أصيل لمصرف لبنان. ومن هذا المنطلق، يعد انتخاب عون خطوة محورية نحو تحقيق بيئة سياسية أكثر استقراراً، وهو ما يسهم في تعزيز الثقة في النظام النقدي اللبناني المتأزم.

علاوة على ذلك، تقع على الحكومة المقبلة سياسات مالية تهدف إلى تقليص العجز في الموازنة العامة من خلال تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وزيادة الإيرادات المحلية. ويُعد التركيز على مكافحة الفساد والتهرب الضريبي من بين الأولويات الرئيسة التي يجب أن تسعى الحكومة إلى تحقيقها في الفترة المقبلة، في خطوة تهدف إلى استعادة الثقة بالمؤسسات الحكومية وتحقيق الشفافية المالية، خاصة وأن مسح البنك الدولي السنوي الأخير عن الحوكمة والإدارة الرشيدة لعام 2024 صنف لبنان في المرتبة 200 عالمياً من أصل 213 دولة، والمرتبة الـ16 بين 20 دولة عربية من حيث فاعلية الحكومة.

إضافة إلى هذه التحديات الاقتصادية العميقة، يواجه عون أيضاً صعوبة في تعزيز البنية التحتية المتدهورة للبلاد، مثل قطاع الكهرباء الذي يُعد من العوامل الأساسية التي تثقل كاهل الدين العام (حوالي 45 مليار دولار من إجمالي قيمة الدين العام)، وتستهلك جزءاً كبيراً من الموارد العامة دون أن تقدم تحسينات ملموسة في الخدمات المقدمة للمواطنين.

احتفالات شعبية بعد انتخاب قائد الجيش اللبناني جوزيف عون رئيساً للبنان (رويترز)

إن لبنان اليوم يقف أمام اختبار اقتصادي بالغ الأهمية في تاريخه الحديث، حيث تأمل البلاد في التغلب على أزماتها الاقتصادية الحادة، مدعومةً بدعم عربي ودولي حيوي يسهم في تحقيق الاستقرار وإعادة البناء.


مقالات ذات صلة

اقتصاد كوريا الجنوبية 2026: رهان «أشباه الموصلات» في مواجهة الحمائية العالمية

الاقتصاد منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)

اقتصاد كوريا الجنوبية 2026: رهان «أشباه الموصلات» في مواجهة الحمائية العالمية

مع توقع استمرار حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي وتأثيرها على رابع أكبر اقتصاد في آسيا خلال عام 2026، من المتوقع أن تسعى كوريا الجنوبية لمواجهة هذه التحديات.

«الشرق الأوسط» (سيول)
الاقتصاد قضبان نحاسية مكدسة داخل مصنع كابلات «ترونغ فو» بمقاطعة هاي زيونغ الشمالية في فيتنام (رويترز)

النحاس يبلغ ذروة غير مسبوقة مدعوماً بنمو الاقتصاد الأميركي

ارتفع سعر النحاس للجلسة السادسة على التوالي، مسجلاً أعلى مستوى له على الإطلاق قرب 12300 دولار للطن المتري يوم الأربعاء، مدعوماً بنمو اقتصادي أميركي قوي.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد متعاملون قرب شاشات تعرض مؤشر «كوسبي» وسعر صرف الدولار مقابل الوون ببنك «هانا» في سيول بكوريا الجنوبية (أ.ب)

تباين الأسواق الآسيوية بعد قفزة قياسية لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»

جاءت تحركات الأسواق الآسيوية متباينة، عقب إغلاق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» القياسي عند أعلى مستوى له على الإطلاق.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ)
الاقتصاد البرلمان التركي وافق على مشروع موزانة العام 2026 في خلسة عاصفة (الموقع الرسمي للبرلمان)

برلمان تركيا يقرّ مشروع موازنة 2026 مع توقعات بتراجع كبير للتضخم

توقعت الحكومة التركية انخفاض معدل التضخم السنوي خلال عام 2026 إلى ما دون الـ20 في المائة وإعادته إلى خانة الآحاد في عام 2027.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي يرحب بنظيره النيوزيلندي كريستوفر لوكسون في نيودلهي - 17 مارس 2025 (أ.ب)

تحت ضغط الرسوم... نيودلهي تعزز شراكاتها باتفاق تجاري شامل مع نيوزيلندا

أعلنت الهند ونيوزيلندا يوم الاثنين عن التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة، في خطوة تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية ودعم النمو في ظل تزايد حالة عدم اليقين.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

اقتصاد كوريا الجنوبية 2026: رهان «أشباه الموصلات» في مواجهة الحمائية العالمية

منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)
منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)
TT

اقتصاد كوريا الجنوبية 2026: رهان «أشباه الموصلات» في مواجهة الحمائية العالمية

منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)
منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)

مع توقع استمرار حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي وتأثيرها على رابع أكبر اقتصاد في آسيا خلال عام 2026، من المتوقع أن تسعى كوريا الجنوبية لمواجهة هذه التحديات من خلال الاستفادة من صناعة أشباه الموصلات في ظل الازدهار العالمي للذكاء الاصطناعي، وفقاً لما أشار إليه خبراء يوم الجمعة.

وواجه الاقتصاد الكوري الجنوبي تقلبات كبيرة في وقت سابق من هذا العام بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سلسلةً من الإجراءات الحمائية، بما في ذلك فرض رسوم جمركية على حلفاء اقتصاديين قدامى، وفق «يونهاب».

وبعد سلسلة من المفاوضات، أصدرت سيول وواشنطن في نوفمبر (تشرين الثاني) مذكرة توضح الاتفاق الأميركي على خفض الرسوم المتبادلة على المنتجات الكورية الجنوبية إلى 15 في المائة بدلاً من 25 في المائة، مقابل التزام سيول بالاستثمار بمبلغ 350 مليار دولار في الولايات المتحدة وعدة التزامات أخرى.

ومع الأخذ في الاعتبار هذا التقدم، رفعت بنك كوريا توقعاته لنمو الاقتصاد الكوري الجنوبي في 2026 إلى 1.8 في المائة مقارنةً بالتوقع السابق البالغ 1.6 في المائة، مشيراً أيضاً إلى الانتعاش القوي في صناعة أشباه الموصلات العالمية.

وارتفعت صادرات كوريا الجنوبية بنسبة 8.4 في المائة مقارنة بالعام الماضي في نوفمبر لتتجاوز 61 مليار دولار، مسجلةً الشهر السادس على التوالي من الزيادة.

ووصلت الصادرات المتراكمة في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى نوفمبر إلى 640.2 مليار دولار، وهو رقم قياسي لأول 11 شهراً من السنة، مما يزيد التوقعات بأن تتجاوز صادرات البلاد السنوية حاجز 700 مليار دولار لأول مرة في تاريخها هذا العام.

سفينة حاويات ميناء بوسان تغادر في مدينة بوسان (رويترز)

تحديات سعر الصرف والمنافسة

على الرغم من النظرة التفاؤلية والبيانات القوية، قال الخبراء إن كوريا الجنوبية تواجه تحديات واسعة، بما في ذلك تقلبات أسعار الصرف، وازدياد المنافسة في الصناعات الرئيسية، لا سيما من المنافسين الصينيين، وتباطؤ النمو في القطاعات المحلية.

وقال جو وون، اقتصادي في معهد أبحاث «هيونداي»، لوكالة «يونهاب»: «من المحتمل أن تحقق كوريا الجنوبية نمواً اقتصادياً بنسبة 1.8 في المائة، ليس لأن الأوضاع ستتحسن في العام المقبل، بل لأن الظروف كانت صعبةً للغاية هذا العام».

وأشار الاقتصادي إلى أن صناعة البناء في كوريا الجنوبية، التي تمثل أكثر من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، من المتوقع أن تستمر في الضغط على الاقتصاد بشكل عام.

وفيما يتعلق بالوضع الضعيف للون الكوري، قال إنه من المتوقع أن يتحسن الوضع تدريجياً في المستقبل، على الرغم من أن الدولار الأميركي سيظل قوياً في الربع الأول من عام 2026.

وقد تم تداول الدولار مقابل 1.483.6 وون يوم الثلاثاء، مقترباً من أضعف مستوى له منذ 9 أبريل (نيسان)، حين أغلق عند 1.484.1 وون. وكان الرقم في أبريل يمثل أدنى مستوى منذ 12 مارس (آذار) 2009.

وأضاف جو: «في الربع الأول، ستظل سوق الصرف الأجنبي غير مستقرة»، مشيراً إلى أن العديد من الشركات الأجنبية العاملة في كوريا الجنوبية تقوم بتحويل أموالها إلى بلدانها في مارس أو أبريل بعد نهاية السنة المالية، «ولكنه سيستقر بدءاً من الربع الثاني».

وأشار تشوي بيونغ هو، أستاذ الاقتصاد في جامعة بوسان الوطنية، إلى أن الاقتصادات المعتمدة على الصادرات مثل كوريا الجنوبية ستواجه تحديات أكبر في 2026 مع تباطؤ الاقتصاد العالمي الذي يؤدي إلى ضعف الشحنات الخارجية.

وقال تشوي لوكالة «يونهاب»: «الطلب المحلي ما زال ضعيفاً، والتضخم غير مستقر. ولا يمكن معالجة ذلك بإجراءات قصيرة الأجل، ويحتاج الأمر إلى جهود حكومية لتحسين الإنتاجية العامة ضمن رؤية طويلة الأمد».

وأضاف أن كوريا الجنوبية يمكنها، مع ذلك، الاستفادة من الازدهار العالمي للذكاء الاصطناعي وتوسيع الاستثمار في هذا القطاع.

التطور التقني والذكاء الاصطناعي

قال بارك جاي - جون، أستاذ متميز للهندسة الإلكترونية في جامعة هانيانغ، إن صناعة أشباه الموصلات في كوريا الجنوبية ستظل قوية طوال عام 2026 بدعم من الطلب القوي على الرقائق عالية الأداء، بما في ذلك ذاكرة النطاق العالي (إتش بي إم) من قطاع الذكاء الاصطناعي.

شعار شركة «سامسونغ إلكترونيكس» وملف كمبيوتر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

وأضاف: «في أوائل 2024، توقع البعض حدوث دورة هبوطية في قطاع الذاكرة، لكن حدثت فجأة زيادة كبيرة في الطلب من قطاع الذكاء الاصطناعي».

وتابع: «حتى مع خطوط الإنتاج الجديدة التي ستطلقها شركتا (سامسونغ إلكترونيكس) و(إس كيه هاينكس)، لن تواكب إمدادات الطلب.. سيؤدي النقص في المعروض إلى ارتفاع الأسعار، ونتيجة لذلك، ستشهد ذاكرة النطاق العالي دورة فائقة. وقد تم بيع معظم الإنتاج المستقبلي بالفعل».

وأشار بارك إلى أن قطاع أشباه الموصلات سيظل محركاً رئيسياً لكوريا الجنوبية في الوقت الراهن، مستبعداً إمكانية حدوث ما يُسمى فقاعة الذكاء الاصطناعي.

وقال: «الذكاء الاصطناعي هو اتجاه يجلب تغييرات اجتماعية كبيرة، والدول المختلفة تسعى لاعتماد نماذج ذكاء اصطناعي سيادية. وسيستمر هذا الاتجاه في النمو... قد تخف ضغوط النقص في الإمدادات بحلول 2028».

وأضاف أنه لتعزيز هذا الازدهار، تحتاج الحكومة إلى بذل جهود نشطة لضمان اكتمال بناء خطوط إنتاج «سامسونغ إلكترونيكس» و«إس كيه هاينكس» الجديدة في المواعيد المحددة.

وقال: «لا يمكن التعامل مع الكهرباء وإمدادات المياه من قبل الشركات فقط. وفي ظل المخاوف المتعلقة بنقص الطاقة، يجب على الحكومة مساعدة الشركات في بناء المصانع الجديدة وفق الخطة».

ورداً على المخاوف المتزايدة من أن استمرار صعود الصين في التصنيع سيستمر في الضغط على صادرات كوريا الجنوبية في 2026، قال الخبراء إن الشركات المحلية يجب أن تركز على تعزيز التنافسية من خلال الجودة بدلاً من السعر فقط.

وقالت جين أوك - هي، باحثة في جمعية كوريا للتجارة الدولية (KITA)، في تقرير صدر هذا الأسبوع: «بينما تتفوق كوريا الجنوبية على الصين في صناعة أشباه الموصلات، فإنها تواجه منافسة شديدة مع أكبر اقتصاد في آسيا في قطاعات أخرى، بما في ذلك الصناعات الكيميائية والصلب».

وأضافت الباحثة: «مع تحول صعود الصين في التصنيع إلى أمر طبيعي، يجب أن تركز صادرات كوريا الجنوبية على تقديم قيمة متميزة مقارنة بالمنافسين الصينيين».

ولمواجهة الصين في قطاع أشباه الموصلات، تحتاج كوريا الجنوبية إلى الجمع بين الأجهزة والذكاء الاصطناعي لتصدير حلول شاملة، وفقاً للباحثة.

وقالت: «يجب على كوريا الجنوبية الحفاظ على ريادتها في صناعة الرقائق من خلال اكتساب قدرات شاملة تشمل قطاع المصانع والتغليف المتقدم».

أما بالنسبة للصناعات الكيميائية والصلب، فقد نصحت جين الشركات الكورية الجنوبية باتباع ما يُسمى بالمنافسة غير السعرية من خلال الالتزام بالمتطلبات البيئية العالمية.

وأضافت: «يجب على صناعة الآلات، حيث أظهرت الصين بالفعل قيادة من حيث الكم والنوع، إعادة تنظيم محفظتها للتركيز على المنتجات عالية الدقة، بما في ذلك معدات أشباه الموصلات والبطاريات».


«توبكس» الياباني يسجل مستوى قياسياً مع تراجع المخاوف بشأن الديون

مشاة يمرون أمام شاشة إلكترونية تعرض حركة الأسهم في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
مشاة يمرون أمام شاشة إلكترونية تعرض حركة الأسهم في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
TT

«توبكس» الياباني يسجل مستوى قياسياً مع تراجع المخاوف بشأن الديون

مشاة يمرون أمام شاشة إلكترونية تعرض حركة الأسهم في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
مشاة يمرون أمام شاشة إلكترونية تعرض حركة الأسهم في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

سجل مؤشر توبكس الياباني، وهو المؤشر الأوسع نطاقاً للأسهم، مستوى قياسياً جديداً يوم الجمعة، مدعوماً بتراجع المخاوف بشأن ديون البلاد، مما أعطى الأسهم دفعة قوية.

وبلغ مؤشر توبكس أعلى مستوى له على الإطلاق خلال جلسة التداول عند 3436.75 نقطة في بداية الجلسة، قبل أن يفقد بعضاً من زخمه، ليغلق مرتفعاً بنسبة 0.2 في المائة فقط عند 3423.06 نقطة. وارتفع مؤشر نيكي للأسهم القيادية بنسبة 0.7 في المائة ليغلق عند 50750.39 نقطة، محققاً مكاسب بنسبة 2.5 في المائة خلال الأسبوع، ومتجهاً نحو تحقيق قفزة بنسبة 26 في المائة في عام 2025. وكان مجلس الوزراء قد وافق يوم الجمعة، على ميزانية قياسية للسنة المالية المقبلة، بهدف تحقيق التوازن بين السياسة المالية الاستباقية وإدارة الدين.

وارتفعت سندات الحكومة اليابانية القياسية بشكل طفيف، إذ أسهمت التوقعات بتقييد إصدار الديون في تراجع العائدات عن أعلى مستوى لها في 26 عاماً. وجاء هذا الانتعاش في سندات الحكومة اليابانية بعد أن سعت رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي، إلى تهدئة المخاوف بشأن خطتها التحفيزية الضخمة. وذكر تقرير لوكالة «رويترز» أن الحكومة ستُرجّح خفض الإصدارات الجديدة من السندات طويلة الأجل للغاية في السنة المالية المقبلة.

وقالت ماكي ساودا، استراتيجية الأسهم في شركة «نومورا» للأوراق المالية: «قد يُسهم هذا الانخفاض في أسعار الفائدة أيضاً بشكل إيجابي في سوق الأسهم اليابانية».

ومع تبقي 3 أيام عمل فقط، يتجه التركيز الآن إلى ما إذا كان مؤشر نيكي سيُغلق فوق مستوى 51 ألف نقطة. وشهد مؤشر نيكي ارتفاعاً في أسعار 104 أسهم، مقابل انخفاض في أسعار 117 سهماً.

• ضبط الإصدارات

من جانبها، ارتفعت عوائد السندات الحكومية اليابانية القياسية بشكل طفيف يوم الجمعة، حيث أسهمت التوقعات بضبط إصدارات الديون في تراجعها عن أعلى مستوى لها في 26 عاماً.

وانخفض عائد سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات بمقدار نقطة أساس واحدة، إلى 2.035 في المائة، متراجعاً من مستوى 2.1 في المائة الذي بلغه يوم الاثنين، وهو أعلى مستوى له منذ عام 1999. وارتفعت العقود الآجلة لسندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات بمقدار 0.03 ين، لتصل إلى 132.71 ين.

وشهدت عوائد سندات الحكومة اليابانية طويلة الأجل ارتفاعاً حاداً منذ أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، مسجلةً مستويات قياسية متتالية، وسط مخاوف بشأن حجم حزمة التحفيز التي أقرتها رئيسة الوزراء، والممولة بالديون.

بينما واجهت العوائد قصيرة الأجل ضغوطاً تصاعدية، مع إشارة بنك اليابان إلى استعداده لمواصلة رفع أسعار الفائدة. وسعت تاكايتشي، يوم الخميس، إلى تهدئة مخاوف السوق بشأن سياستها المالية التوسعية، مؤكدةً أن مشروع ميزانية الحكومة يحافظ على الانضباط من خلال الحد من الاعتماد على الديون.

وذكرت وكالة «رويترز» يوم الأربعاء، أن الحكومة ستُرجّح خفض إصدارات السندات طويلة الأجل للغاية في السنة المالية المقبلة. وقال يوسوكي ماتسو، كبير الاقتصاديين في شركة «ميزوهو» للأوراق المالية، في مذكرة: «من شأن هذا الخفض أن يُخفف، إلى حد ما، الضغط التصاعدي على عوائد سندات الحكومة اليابانية طويلة الأجل للغاية من منظور العرض والطلب».

وفي غضون ذلك، أظهرت بيانات يوم الجمعة، ارتفاع أسعار المستهلكين الأساسية في العاصمة اليابانية بنسبة 2.3 في المائة في ديسمبر (كانون الأول)، مقارنةً بالعام السابق، لتبقى أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة.

ورفع بنك اليابان أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، إلى أعلى مستوى لها في 30 عاماً عند 0.75 في المائة، وقال المحافظ كازو أويدا يوم الخميس، إن التضخم الأساسي في البلاد يتسارع تدريجياً، مؤكداً استعداد البنك المركزي لمواصلة رفع أسعار الفائدة.

وظل معظم عوائد سندات الحكومة اليابانية دون تغيير في بداية التداولات. وشهدت السندات طويلة الأجل للغاية ارتفاعاً ملحوظاً في الجلسة السابقة، حيث انخفض عائد السندات لأجل 30 عاماً إلى أدنى مستوى له عند 3.38 في المائة، بعد أن سجل مستوى قياسياً بلغ 3.45 في المائة يوم الأربعاء.


الأسواق الآسيوية تتباين مع نهاية الأسبوع

متداولون بالقرب من شاشات تعرض مؤشر «كوسبي» وسعر صرف الدولار مقابل الوون الكوري الجنوبي في بنك هانا بسيول (أ.ب)
متداولون بالقرب من شاشات تعرض مؤشر «كوسبي» وسعر صرف الدولار مقابل الوون الكوري الجنوبي في بنك هانا بسيول (أ.ب)
TT

الأسواق الآسيوية تتباين مع نهاية الأسبوع

متداولون بالقرب من شاشات تعرض مؤشر «كوسبي» وسعر صرف الدولار مقابل الوون الكوري الجنوبي في بنك هانا بسيول (أ.ب)
متداولون بالقرب من شاشات تعرض مؤشر «كوسبي» وسعر صرف الدولار مقابل الوون الكوري الجنوبي في بنك هانا بسيول (أ.ب)

تراجعت العقود الآجلة للأسهم الأميركية بشكل طفيف، فيما تباين أداء الأسواق الآسيوية في تداولات يوم الجمعة، مع اقتراب مؤشر «نيكي 225» في طوكيو من مستويات قياسية تاريخية.

في المقابل، قفزت أسعار الذهب والفضة إلى مستويات غير مسبوقة، مواصلةً مكاسبها القوية هذا العام، مدفوعةً بإقبال واسع من المستثمرين، بمن فيهم البنوك المركزية، على زيادة حيازاتهم من المعادن النفيسة التي تُعد ملاذاً آمناً في فترات الضبابية وعدم اليقين، وفق «وكالة أسوشييتد برس».

وارتفع سعر الذهب بنسبة 0.8 في المائة ليصل إلى 4538.80 دولار للأونصة، فيما قفزت أسعار الفضة بنسبة 4.5 في المائة إلى 74.90 دولار للأونصة.

ويعكس هذا الصعود المتواصل في أسعار الذهب مخاوف الأسواق خلال فترة إغلاق الحكومة الأميركية، إلى جانب تنامي التوقعات بأن يتجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة بوتيرة أكبر خلال العام المقبل، ما قد يؤدي إلى إضعاف الدولار أمام العملات الأخرى، ويعزز جاذبية الذهب بوصفه أداة تحوّط.

وفي هذا السياق، قال ستيفن إينس من شركة «إس بي آي» لإدارة الأصول في تقرير حديث، إن الذهب يفعل ما يفعله دائماً عندما يفقد العالم مرساته، ليصبح هو المرساة. وأضاف أن الذهب ظل، على مرّ القرون، الأصل الوحيد الذي لا يتزعزع، فعندما تنحرف السياسات عن مسارها، وتتآكل العملات، ويتفاقم التضخم، يبقى الذهب الضمانة النهائية التي لا يزال العالم يثق بها.

وعلى صعيد الأسهم، ارتفع مؤشر «نيكي 225» في طوكيو بنسبة 0.8 في المائة ليصل إلى 50,822.25 نقطة، مدعوماً بموافقة مجلس الوزراء الياباني على خطة موازنة دفاعية قياسية تتجاوز 9 تريليونات ين، أي ما يعادل نحو 58 مليار دولار، للسنة المالية المقبلة.

وتهدف حكومة رئيسة الوزراء سناء تاكايتشي، إلى تعزيز قدرات الردع والدفاع الساحلي من خلال نشر صواريخ «كروز» وأنظمة أسلحة غير مأهولة، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية مع الصين، وهو ما دعم أسهم الصناعات الثقيلة وشركات التكنولوجيا المتقدمة.

وفي أسواق العملات، ارتفع الدولار إلى 156.09 ين ياباني من 155.83 ين، فيما صعد اليورو بشكل طفيف إلى 1.1787 دولار مقابل 1.1785 دولار.

في المقابل، تراجعت الأسواق الصينية، حيث انخفض مؤشر «شنغهاي» المركب بنسبة 0.2 في المائة إلى 3952.09 نقطة، بينما صعد مؤشر «كوسبي» في كوريا الجنوبية بنسبة 0.3 في المائة إلى 4120.04 نقطة، وقفز مؤشر «تايكس» التايواني بنسبة 0.6 في المائة. في حين تراجعت الأسهم في كل من تايلاند والهند.

أما في بقية المنطقة، فقد ظلت أسواق هونغ كونغ وأستراليا ونيوزيلندا وإندونيسيا مغلقة. كما يُتوقع أن يبقى معظم الأسواق الأوروبية مغلقاً يوم الجمعة، بينما تستأنف «وول ستريت» التداول ليوم كامل بعد عطلة عيد الميلاد، وسط توقعات باستمرار ضعف أحجام التداول مع إغلاق معظم المستثمرين مراكزهم مع نهاية العام.

أما في سوق العملات الرقمية، فقد ارتفع سعر البتكوين بنسبة 1.7 في المائة، ليصل إلى 89,300 دولار.