نائب كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي: «استراتيجية 2030» ساهمت في تنويع مصادر دخل السعودية

ليدرمان أكد لـ «الشرق الأوسط» الاستعداد للمساهمة في إعادة إعمار اليمن

نائب كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي دانيال ليدرمان (الشرق الأوسط)
نائب كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي دانيال ليدرمان (الشرق الأوسط)
TT

نائب كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي: «استراتيجية 2030» ساهمت في تنويع مصادر دخل السعودية

نائب كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي دانيال ليدرمان (الشرق الأوسط)
نائب كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي دانيال ليدرمان (الشرق الأوسط)

في الوقت الذي تبدو فيه منطقة الشرق الأوسط تعاني من صعوبات اقتصادية لأسباب متعددة، يتعلق بعضها بالوضع السياسي، والبعض الآخر بسبب فشل السياسات الحكومية في بعض الدول، أصدر البنك الدولي تقريره السنوي عن آفاق الاقتصاد في هذه المنطقة. وتضمن التقرير توقعات تبدو متفائلة إلى حدٍّ كبير، خصوصاً فيما يتعلق بدول مثل العراق واليمن، ودول أخرى صغيرة مثل جيبوتي.
وعلى قدر وفرة المعلومات التي قدمها التقرير، على قدر ما أثار من أسئلة تتعلق بكيفية تحقيق هذه التنبؤات الإيجابية، وأهم التحديات التي تواجه دول المنطقة. «الشرق الأوسط» تحدثت إلى نائب كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي دانيال ليدرمان، في محاولة لمعرفة الأسس التي بنى عليها البنك الدولي نظرته إلى اقتصادات دول المنطقة ومستقبل العمالة فيها في ظل زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
وإلى نص الحوار...
> كيف ترى مستقبل السعودية فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية التي تجري حالياً في ظل «استراتيجية المملكة 2030»؟
- أولاً، يجب إدراك أن «استراتيجية 2030» هي وثيقة طموحة ومعقدة في الوقت نفسه، لأنها تغطي تقريباً كل جوانب الاقتصاد السعودي. وما نعرفه حتى الآن أن الإصلاحات التي تم تبنيها ويتم تطبيقها من قِبل الحكومة السعودية، في إطار هذه الاستراتيجية، ساهمت بشكل كبير في تنويع مصادر الدخل في الاقتصاد السعودي. وأهم هذه الإصلاحات على الإطلاق هو تقليل الاعتماد على قطاع النفط كمصدر أساسي للدخل، خصوصاً أن هذا القطاع يتسم بعدم الاستقرار نظراً إلى التقلبات المستمرة في أسعار برميل النفط.
على جانب آخر، فإن التغيرات الهيكلية التي يتم تطبيقها في اقتصاد المملكة، وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تهدف بشكل أساسي إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل، أدت إلى تراجع حصة هذه الدول من صادرات النفط العالمية، وهو ما جعل الولايات المتحدة المنتج الأكبر للنفط على مستوى العالم، متخطية بذلك السعودية. وأدى ذلك أيضاً إلى تراجع سيطرة الدول المصدرة للنفط على الأسعار. وطبقاً لتوقعات البنك الدولي، فمن المرجح أن تتراوح أسعار برميل النفط ما بين 55 و60 دولاراً في المتوسط خلال السنوات الثلاث المقبلة. وعلى الرغم من اختلاف التوقعات بشأن أسعار النفط، فإنه يمكنني القول إن فترة الـ100 دولار للبرميل قد انتهت.
> في ظل العقوبات الأميركية على إيران وما يحدث حالياً في فنزويلا، بات من الصعب على الدول المصدرة للبترول أن تضع ميزانيات دقيقة، كيف يتعامل البنك مع هذه المسألة فيما يتعلق بتوقعات أسعار النفط؟
- حسناً، من الصعب على أي مؤسسة مالية أن تضع توقعات دقيقة بشأن الفترة الزمنية التي تستقر فيها أسعار برميل النفط، نظراً إلى الأسباب التي ذكرتها وغيرها. وإذا لاحظنا مدى التباين في أسعار النفط خلال عام 2018، خصوصاً في آخر ثلاثة أشهر، سنجد أن التوقعات بشأن أسعار النفط دائماً تتسم بعدم الاستقرار، نظراً إلى حساسية هذا المنتج بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي. ولذلك فإن البنك الدولي يكون حذراً في وضع توقعاته بشأن أسعار النفط خلال الأعوام المقبلة. ولكن بشكل عام، يمكنني القول إن الديناميكية التي تعمل بها سوق النفط حالياً ترتبط بشكل وثيق بقياس مدى الارتفاع في أسعار البرميل، بحيث لا تتعدى سقفاً معيناً. ولذلك من الصعب في الوقت الحالي أن نشهد قفزات في أسعار النفط.
> يتوقع البنك الدولي أن يصبح العراق من النجوم البازغة في النمو في المنطقة، على أيِّ أساس بنيتم هذا التوقع؟
- نحن نتوقع بشكل كبير أن يحقق العراق نمواً اقتصادياً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة، ولكنّ ذلك مرهون بكفاءة الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة العراقية، والوقت المستغرق لتطبيق تلك الإصلاحات. ونحن نرى أن الحكومة الجديدة تمثل فرصة لإعطاء دفعة قوية لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي، بما يمكّنه من تحقيق معدل نمو يصل إلى 8%، ونتوقع أن يحدث ذلك في عام 2020. وبطبيعة الحال، سوف يتوقف ذلك بشكل كبير على الوضع السياسي وبدء عملية إعادة إعمار العراق. وستكون له آثار إيجابية على الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم يمكن للحكومة تطبيق الإصلاحات الهيكلية خلال العام الجاري، حتى يبدأ النمو في الصعود بدءاً من العام المقبل.
> ما المقومات الإيجابية التي تراها في الاقتصاد العراقي؟
- نحن نرى أن قطاع النفط والطاقة في العراق بدأ يعود إلى نشاطه الطبيعي، ونتوقع أن تتم إعادة إعمار معظم قطاعات الاقتصاد العراقي وقطاع البنية التحتية بشكل عام، خلال وقت قصير. ومن شأن ذلك أن يشجع التجارة الداخلية بشكل كبير، ويخلق مزيداً من فرص العمل، ويزيد من حركة النشاط التجاري. كما نأمل أن يستعيد قطاع السياحة عافيته مرة أخرى في وقت قريب، خصوصاً في ظل توجه الحكومة العراقية إلى زيادة اندماج في الاقتصاد العالمي.
> برأيك، ما التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد العراقي في الفترة الحالية؟
- التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد العراقي في الوقت الراهن هو تطبيق إصلاحات هيكلية قادرة على خلق مصادر دخل ذاتية، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية. وتجب ملاحظة أن عملية إعادة إعمار العراق لن تعني تجديد قطاعات الاقتصاد التي كانت موجودة قبل 2003، بل إنها ستخلق اقتصاداً جديداً قائماً على معايير جديدة. ورغم أن هذه الإصلاحات معقدة، فإن اقتصادات المنطقة، بما في ذلك العراق، لديها فرص ومقومات كبيرة، تتمثل في توافر العنصر البشري والعمالة الماهرة من الجنسين. ودور الحكومة العراقية في هذه المرحلة هو غرس بذور الإصلاح الاقتصادي الذي يسمح بتحقيق التقدم في المدى الطويل.
> هل توقعاتكم بشأن نمو الاقتصاد العراقي مبنية بشكل أساسي على عوائد قطاع النفط فقط، أم هناك عوامل أخرى؟
- بالطبع قطاع النفط يشكل جزءاً أساسياً من توقعاتنا، ولكنه جزء من توليفة من العوامل، حيث إن العراق لديه أيضاً مصادر خارجية للدخل، منها المساعدات التي يتلقاها من البنك الدولي، ومؤسسات مالية أخرى. وهذه المصادر تخلق شيئاً من التنوع في مصادر الدخل العراقي.
> دعنا ننتقل إلى اليمن، حيث يتوقع البنك الدولي أن يحقق تعافياً اقتصادياً سريعاً، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
- أعتقد أننا يمكننا الاتفاق على أن الصراعات موجودة في جميع أنحاء العالم، ومنطقة الشرق الأوسط لا تحتكر إيواء هذه الصراعات، ولكنها موجودة بشكل مكثف بعض الشيء. كما أننا يجب أن نتفق على أن العوائد الاقتصادية من السلام في اليمن ستكون كبيرة وفورية، خصوصاً إذا كان هناك تنظيم جيد للاستفادة من فرص السلام في حالة وقوعه. على الجانب الآخر، فإننا حذرون في توقعاتنا بشأن تعافي الاقتصاد اليمني، وهي مرهونة باحتواء العنف وإنهاء الصراع في هذه المنطقة. ولأننا مستعدون للمساعدة في إعادة الإعمار الذكي لليمن، فإننا نشعر بالتفاؤل بشأن ما يمكن تحقيقه للاقتصاد اليمني في حالة تحقق السلام.
> عندما تذكر التعافي السريع لليمن، هل تعني تعافياً خلال عام أم شهور؟
- لتحقيق تعافٍ للاقتصاد نحتاج إلى تحقيق ثلاثة شروط: سلام، رخاء، توفير بيئة تعرض فرص عمل متساوية. ويسعى البنك بشكل كبير للعمل على هذه العوامل الثلاثة في الوقت نفسه. فيما يتعلق بتحقيق السلام، فهذا ليس زراً يمكن للبنك الدولي الضغط عليه حتى يتحقق. لكن بالنسبة إلى هؤلاء الذين بيدهم هذا الأمر، فعليهم إدراك أن تحقيق السلام سيفتح باباً واسعاً من الفرص والاستثمارات والعوائد الاقتصادية.
> ما معدل النمو الذي تتوقعونه لليمن في حالة تحقق السلام؟ وما التحديات لتحقيق ذلك؟
- نحن نتوقع معدل نمو يتراوح ما بين 4 و5%، وربما أعلى من ذلك. والتحدي الأكبر الذي سيواجه اليمن خلال الفترة المقبلة هو جذب الاستثمارات الأجنبية، لإيجاد مصادر دخل خارجية. ونظراً إلى صعوبة التغلب على ذلك، خصوصاً في الأجل القريب، فهناك بدائل أخرى يمكن لليمن الاعتماد عليها، وهي اللجوء إلى المساعدات والقروض من مؤسسات التمويل الدولية، مثل البنك الدولي والمتبرعين الدوليين.
> هل تعتقد أن الإصلاحات الحالية في مصر كافية لتحقيق نمو احتوائي يستفيد منه جميع المواطنين؟
- حسناً، الإصلاحات الحالية واسعة وشاملة، وأعتقد أن الحكومة المصرية عليها الآن الانتقال من مرحلة وضع الإصلاحات إلى مرحلة زيادة الشفافية مع الجمهور. وعلى الرغم من أن هذه الخطوات تبدو صغيرة في الوقت الحالي فإنها ستحمل أهمية كبيرة جداً مع مرور الوقت. أما فيما يتعلق باحتواء النمو جميع المواطنين، فدعني أعطك مثالاً حياً. عندما قررت الحكومة رفع الدعم عن الطاقة ساهم ذلك بشكل كبير في منع استغلال بعض الشركات الكبيرة التي تعتمد صناعاتها على الوقود، لمزايا الدعم الذي من المفترض أن يستهدف بالأساس الطبقة الفقيرة، كما ساهم ذلك في توفير فرص متساوية لرواد الأعمال والشركات الصغيرة في الحصول على الطاقة بأسعار مناسبة. وهذا ما نسميه الإصلاح الذكي الذي يركز على إصلاح الجانب المالي في الموازنة العامة وفي الوقت نفسه يراعي الفئات الأكثر عرضة للتوابع السلبية للإصلاح الاقتصادي.
> ما التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد اللبناني في الوقت الحالي؟
- حتى الآن، تمثل زيادة الدين العام أكبر التحديات التي تواجه الحكومة اللبنانية، حيث إنه وصل إلى معدلات غير مسبوقة. وقد ازدادت أعباء خدمة الدين خلال الفترة الماضية مع زيادة أسعار الفائدة العالمية في الولايات المتحدة. إلا أن قرار «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي التريث في زيادة أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة يمثل أمراً جيداً لدول مثل لبنان ومصر، حيث إنه يقلل تكلفة الاقتراض الخارجي عندما ترغب الدول في طرح سندات سيادية في السوق العالمية.
> هل هناك سبب وراء الركود في الاقتصاد الإيراني، بخلاف العقوبات الأميركية؟
- حقيقة الأمر أن العقوبات الأميركية هي السبب الرئيسي وراء الركود الذي يعانيه الاقتصاد الإيراني حالياً، ورغم وجود أسباب داخلية وراء هذا الركود فإنني أرى أن الأسباب الخارجية لها التأثير الأكبر.
> كيف تمكنت جيبوتي من الدفع باقتصادها الوطني رغم تاريخ الصراعات التي مرت بها؟
- هذا سؤال جيد، على الرغم من أن جيبوتي دولة صغيرة واقتصادها صغير نسبياً، فإن الكفاءة التي تتبعها الحكومة في تطبيق الإصلاحات جعلها تؤتي بثمار كبيرة في وقت قليل. كما أنها زادت من عوائد الاقتصاد المحلي ورفعت من كفاءته، ويتوقع البنك أن يصل معدل النمو في جيبوتي إلى 8%.
> كيف ترى معدل المساواة في الدخل للمواطنين في دول المنطقة؟
- نحن نقيس معدل عدم المساواة في الدخل بناءً على معيار المساواة في الاستهلاك. وطبقاً للمعايير الحالية فإن معدل عدم المساواة في الدخل في مصر وباقي دول المنطقة قليل نسبياً. كما أن أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم المساواة هو التنوع الجغرافي داخل كل دولة.
> هل يقلق البنك الدولي على مستقبل العمالة في المنطقة في ظل التقدم الهائل في الذكاء الاصطناعي؟
- نحن متفائلون بحذر بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على العمالة في المنطقة لسببين، أولاً أننا لدينا نمو متواصل في عدد السكان في سن صغيرة، ونتوقع أن يتم خلق 300 مليون وظيفة للشباب بحلول عام 2050. ثانياً، نحن نرى أن منطقة الشرق الأوسط بها أكبر تطوير للتغطية التعليمية، وما نراه هو عمالة متعلمة وماهرة بشكل كبير نسبياً. ولتأمين مستقبل العمالة في هذه المنطقة، يجب البدء في تطبيق إصلاحات هيكلية في الاقتصاد وبدء تعديل أنظمة العمل، حيث إن مستقبل الاقتصاد في هذه المنطقة من العالم سوف يختلف عن الاقتصاد الذي شهدته في الماضي.
> إلى أي مدى يمكن أن يؤثر التباطؤ الاقتصادي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على اقتصاد المنطقة، وما الذي يجب فعله لتجنب هذه الآثار؟
- بلا شك هناك تأثير كبير على اقتصاد دول المنطقة بسبب التباطؤ الاقتصادي في كل من الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ويعد قطاع التصدير في منطقة الشرق الأوسط هو الخاسر الأكبر من ذلك. ولهذا يجب على جميع دول المنطقة أن تدرك أن الجزء الأكبر من مصادر دخلها من الصادرات يجب أن يأتي من داخل المنطقة من خلال زيادة التجارة البينية، حتى تستطيع تقليل اعتمادها على الأسواق الكبرى في حالة وقوع أزمات اقتصادية.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد الجولة الأولى من المفاوضات التي قادتها السعودية بين دول الخليج واليابان (واس)

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

ناقشت الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان عدداً من المواضيع في مجالات السلع، والخدمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».