بينما يعمد البعض إلى التخلص من قطع المعادن البالية والمهملة، يبدع الفلسطيني وسيم البقاعي "فنان الخردة" في إحيائها وتحويلها إلى قطع فنيّة بأسلوب مبتكَر وصديق للبيئة.
وفي مهمة يراها ممتعة يدفعه إليها شغفه، يخرج وسيم ليتجول يوميا في الجليل الأعلى حيث يقطن، باحثا عن أجزاء السيارات وإطاراتها وقطع من حديد أو خشب لا قيمة لها، ليصنع منها منحوتات فنية في ورشته التي تزدحم بالخردة، موظفا في ذلك بعض آلات اللّحام المخصصة لهذا العمل الفنيّ. ومع أن وسيم لم يكمل مسيرته التعليمية ولم يدرس هذا الفن في مدارس أو معاهد فنيّة، استطاع أن يحقق نجاحا كبيرا وشهرة واسعة واكتسب لقب "مُليّن الحديد".
خطرت الفكرة لفنان الخردة قبل ثمانية أعوام عندما كان يعمل في إحدى ورش الحدادة المحلية. وبالملاحظة شاهد قطعة معدنيّة صغيرة على شكل فراشة داخل سيارة مهملة، فأخذها ونظّفها ونحتها، ثم حوّلها إلى تحفة فنية وضعها في منزله. ومن هنا اتّقدت شرارة النحت في نفسه، خصوصاً أن هذه القطعة أبهرت كل من رآها. وشجعته زوجته على شراء الأدوات اللازمة لعمله مفتتحا ورشته الصغيرة التي باتت معرضا فنيا بجوار فناء منزله.
يقول وسيم: "تعلمت فن الخردة ذاتيا من خلال تجارب قمت بها عبر تشكيل القطع المعدنية البالية، فكوّنت من لا شيء أشياء كثيرة، علماً أن إنجاز منحوتة حسب الشكل المطلوب يستغرق أشهراً".
أمام ورشته تمثال كبير يمثّل حصانا عربيا أصيلا يبلغ وزنه 600 كيلوغرام، صنعه من قطع معدنية مهمَلة، استغرقت عملية إعادة تدويرها ونحتها ثلاثة أشهر. وإضافة إلى هذا التمثال، هناك 300 قطعة فنية أخرى ذات أشكال متنوعة، إحداها مجسّم لديناصور ضخم، وأخرى على شكل طيور، حيوانات مختلفة، زخارف فنية، مجسمات لشخصيات بثّ الروح فيها.
يشرح وسيم أنّ هناك مئات الأطنان من الخردة التي تشكل مصدر إزعاج للناس وتلوّث البيئة، لذا شاء "التخلّص" منها فنيّا، مجسدا الواقع الفلسطيني وهمومه وناقلاً رسائل توعية للحفاظ على التراث، ونهي المواطنين عن بعض العادات المجتمعية السيئة بهدف بناء مجتمع حضاري.
لا يخلو عمل وسيم من تحديات وأخطار. وقد تعرض مرةً لحروق بينما كان يفكك قطعة معدنية تحتوي على مواد كيماوية فانفجرت وأحرقه رذاذها. يضاف إلى ذلك أن الناس كانوا ينظرون إلى عمله على أنه لا فائدة منه، غير أنه اجتهد وثابر حتى صار فنّه راسخاً ومعترفاً به. وهو يعرض بعض منحوتاته الفنيّة للبيع مقابل عائد مادي مجزٍ، لكنه يفضل أن يحتفظ ببعض القطع لنفسه بالنظر إلى قيمتها المعنوية. ويوضح وسيم أن أعماله نوعان، الأول يُصنع من قلب القطعة نفسها، والثاني يحتاج إلى بناء وتخطيط هيكلي وهندسي قبل إعادة التدوير.
ويأسف الفنان لأن أعماله الفنية لم تتلق أي احتضان أو رعاية من وزارة الثقافة الفلسطينية. ويتمنى على المؤسسات الفلسطينية المعنية تنظيم دورات تشجّع على ثقافة إعادة تدوير الخردة للحفاظ على البيئة بأسلوب فني إبداعي.
*من «مبادرة المراسل العربي»