عرض آثار يونانية في الإسكندرية حجبتها المياه 119 سنة

مصر والولايات المتحدة نفذتا مشروعاً لإنقاذها

TT

عرض آثار يونانية في الإسكندرية حجبتها المياه 119 سنة

أعلنت وزارة الآثار المصرية، أمس، الانتهاء من مشروع تخفيض منسوب المياه الجوفية في منطقة آثار كوم الشقافة (شرق الإسكندرية)، بتكلفة 5.7 مليون دولار، ليُفتتح المستوى السفلي في مقابر «كتاكومب» للزيارة السياحية للمرة الأولى منذ اكتشافها قبل 119 سنة.
وقال الدكتور خالد العناني، وزير الآثار، في مؤتمر صحافي بالإسكندرية أمس، إن «ارتفاع منسوب المياه الجوفية في منطقة آثار كوم الشقافة بدأ منذ اكتشافها»، مشيراً إلى أنه «كانت هناك عدة محاولات لتخفيض منسوب المياه الجوفية، أبرزها كانت خلال منتصف تسعينات القرن الماضي، تحديداً في عام 1995؛ حيث عمل المجلس الأعلى للآثار آنذاك طلمبات (مضخّات) لشفط وسحب المياه».
وأضاف العناني: «مع استمرار رشح مياه ترعة المحمودية، والتمدد العمراني في المنطقة السكنية المجاورة للمنطقة الأثرية، ارتفع منسوب المياه الجوفية مرة أخرى، ما دفع الوزارة إلى عمل آبار مؤقتة لسحب المياه». كما أشار إلى أن «فكرة المشروع بدأت في مايو (أيار) 2016 عندما وقع جزء، نحو 2 سم، من جدران مقبرة كوم الشقافة، بسبب المياه الجوفية»، موضحاً أن «المياه تهدد المنطقة منذ 100 سنة، وهذه أول مرة نرى فيها الطابق السفلي جافاً منذ العام 1900»، لافتاً إلى أنه «عند تحليل المياه تبين أن ثلثيها من ترعة المحمودية، والباقي من تسريبات مياه الأمطار والزراعة والتوسع العمراني».
وقد نُفذ المشروع بالتعاون بين وزارة الآثار والوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، والهيئة القومية المصرية لمياه الشرب والصرف الصحي، ووجّه العناني الشكر لهيئة المعونة الأميركية «التي تكفلت بتنفيذ المشروع، بمنحة قدرها 5.7 مليون دولار، أي ما يعادل 100 مليون جنيه».
بدوره، أشار توم نيكلسون، استشاري مشروع تخفيض منسوب المياه الجوفية في كوم الشقافة، في كلمته خلال المؤتمر، إلى أن «مقابر الكتاكومب في كوم الشقافة كانت غارقة دائماً في المياه، وظلت كذلك مئات السنين»، وتابع أن «ارتفاع منسوب المياه الجوفية يرجع إلى ارتفاع مستوى البحر، وقناة المحمودية، والسكان المجاورين للمنطقة»، لافتاً أن «وزارة الآثار كانت تحلم بحل هذه المشكلة، ونجحنا في ذلك، والموقع جاف الآن». كما أوضح أنه «بُنيت 6 آبار ومضخات مادة (ستانلس ستيل) لتجميع المياه، وضخها أسفل ترعة المحمودية، ومن ثم إلى البحر الأبيض المتوسط»، مستطرداً أن «التحكم بالمضخات يكون عبر غرفة تحكم، ونظام مراقبة يعمل منذ شهر ونصف الآن، وقد خُفض منسوب المياه إلى عمق متر تحت مستوى سطح البحر، لضمان عدم تكرار المشكلة».
وأفاد نيكلسون بأن «هذا المشروع هو خطوة أولى، لا بد أن تتبعها خطوات أخرى لترميم المقبرة وإزالة الأتربة، فهو مجرد بداية لعمل مقبل».
من جانبه، قال تشارلز كوبلاند، خبير دعم البرامج والتوعية العامة بهيئة المعونة الأميركية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «خطر المياه الجوفية مستمر، لذلك لا بد من أن نستمر في ضخ المياه حتى لا تتكرر المشكلة مرة أخرى».
ومقابر كوم الشقافة أحد أهم أمثلة العمارة الجنائزية الرومانية من طراز «الكتاكومب» المحفور في الصخر؛ حيث حفرت بعمق 3 طوابق تحت الأرض، واستخدمت الجبانة في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، واستمر استخدامها حتى القرن الرابع الميلادي؛ حيث أضيف إليها كثير من الدهاليز وفتحات الدفن.
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها السياح من زيارة المستوى الثالث بالمقبرة». وأوضح أن «المشروع بدأ في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017، بهدف تجفيف وحماية المنطقة الأثرية والمقابر من خطر التآكل والتلف بسبب تسرب المياه الجوفية عن طريق إنشاء نظام لتخفيض منسوب المياه الجوفية إلى منسوب أسفل الدور الثالث»، مشيراً إلى أن «مشروع التطوير شمل الاهتمام بمسار الزيارة للمقبرة الرئيسية، والمسار المحيط بها من الخارج؛ حيث أضيفت قطع أحجار كبيرة الحجم منتظمة الشكل لتأمين مسار الزائر بعد سحب المياه الجوفية، كما أُعيد ترتيب قطع العرض بالحديقة المتحفية، التي تضم كثيراً من التوابيت والمذابح وتماثيل سفنكس».
وتعاني منطقة مقابر كوم الشقافة من ارتفاع منسوب المياه الجوفية منذ اكتشافها، وكان المستوى السفلي لها مغموراً كلياً بالمياه، ما دفع وزارة الآثار إلى تنفيذ مشروع خفض منسوب المياه الجوفية إلى المستوى الثاني، وعمل آبار سحب على عمق 20 متراً، كحل مبدئي.
من جانبه، قال القائم بأعمال السفير الأميركي في القاهرة توماس غولدبرغر، إن «السفارة الأميركية في القاهرة تعمل بشراكة مع وزارة الآثار في هذا المشروع، ونحن فخورون بكوننا جزءاً من هذا المشروع لحماية التراث المصري»، مشيراً إلى أن «هيئة المعونة الأميركية أنفقت أكثر من 100 مليون دولار على مشروعات لحماية التراث المصري ودعم السياحة، كان كثير منها مشروعات لتخفيض منسوب المياه الجوفية أسفل أبو الهول، وفي معابد الكرنك، ومعبد كوم أمبو بأسوان».
في السياق نفسه، أعلنت وزارة الآثار المصرية أمس، الانتهاء من ترميم وإعادة تجميع مقبرتي الورديان، اللتين كانتا معروضتين في حديقة المتحف اليوناني الروماني منذ عام 1925 في الإسكندرية.
وقال غريب سنبل، رئيس الإدارة المركزية للصيانة والترميم في وزارة الآثار، إن «أعمال إعادة التركيب والترميم تمت طبقاً للأساليب العلمية المتبعة، بعد توثيق الوضع الراهن، والاطلاع على تقارير الفك، وجميع أعمال التوثيق التي اتبعت وقت فك المقبرتين، سواء من جبل الورديان والمتحف اليوناني الروماني، مع استخدام مواد بناء غير ضارة بالمادة الأثرية».


مقالات ذات صلة

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق طريقة بناء الأهرامات تُمثل لغزاً كبيراً (الشرق الأوسط)

فيديو مولد بالذكاء الاصطناعي يُجدد الجدل بشأن طريقة بناء الأهرامات المصرية

جدّد مقطع فيديو قصير مُولد بالذكاء الاصطناعي، يشرح طريقة بناء الأهرامات، الجدلَ بشأن نظريات تشييد هذه الآثار الضخمة.

عبد الفتاح فرج (القاهرة)
يوميات الشرق اكتشاف عدد من اللقى الأثرية والأدوات الشخصية للجنود (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة أثرية بالدلتا

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الخميس، عن اكتشاف «ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة» أثرية تعود لعصر الدولة الحديثة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».