«شمس بيضاء باردة»... محاكمة السلطة الأبوية والسياسية

من روايات «القائمة القصيرة» لجائزة «بوكر» العربية

كفى الزعبي وروايتها
كفى الزعبي وروايتها
TT

«شمس بيضاء باردة»... محاكمة السلطة الأبوية والسياسية

كفى الزعبي وروايتها
كفى الزعبي وروايتها

تتعلق رواية «شمس بيضاء باردة» لكفى الزعبي الصادرة عن «دار الآداب» ببيروت مع «ملحمة جلجامش» وتستحضرها نصا دراميا موازيا بثيماته وشخصياته الرئيسية، كما تتلاقح مع كتب أخرى يعرفها القارئ المتابع مثل «تاريخ الجنون» لميشيل فوكو، و«أسطورة سيزيف» لألبير كامو، و«الجريمة والعقاب» لديستويفسكي وغيرها من الكتب الأدبية والفكرية التي تركت بصمتها الواضحة على القرّاء والمتلقّين في مختلف أرجاء العالم، لكن هذه التعالقات الأسطورية، والتلاقحات الفكرية برمتها لم تمنع من تدفق النص السردي الذي اجترحته الروائية كفى الزعبي من الواقع الأردني الذي لا يختلف كثيرا عن واقع الدول العربية الأخرى.
حين صدرت هذه الرواية عام 2018 منعتها الرقابة الأردنية لكنها سرعان ما تداركت الأمر وسمحت بنزولها إلى المكتبات لأنها تعرف جيدا أنّ وسائل التواصل الاجتماعي كفيلة بإيصالها إلى كل القرّاء الذين يتحرّقون شوقا لقراءة الكتب والروايات المحظورة التي تحجبها الدولة وتمنع تداولها في الأسواق.
قبل الولوج في تضاعيف هذا النص السردي الجريء لا بد من الإشارة إلى أنّ كفى الزعبي قد أصدرت خمس روايات ناقشت فيها ثيمات حسّاسة، ففي رواية «سقف من طين» تعود إلى سيرتها الذاتية لتنهل من سنوات الطفولة والصبا والشباب أفكارا لما تزل تتردد في كتاباتها. وفي رواية «عُد إلى البيت يا خليل» تتناول معاناة الإنسان الفلسطيني الذي يرزح تحت ظل الاحتلال الإسرائيلي، أما في رواية «ليلى والثلج ولودميلا» فقد تناولت فيها الأنا العربية والآخر الروسي، بينما ركّزت في «ابن الحرام» على السلطة الأبوية والسياسية، فيما تمحورت رواية «س» على الصورة النمطية للمرأة التي يرى فيها المجتمع العربي كائناً هشاً، وضعيفا، وناقصا لا يكتمل إلاّ بوجود الرجل.
لم تبتعد روايتها السادسة هذه عن مجمل الثيمات والمفاهيم والأفكار التي وردت في رواياتها السابقة لكنها ركزت على البطل السلبي، المأزوم الذي تُفضي به حياته السوداوية إلى الجنون، كما يدفع الفقر، واليأس، وشظف العيش، بصديقه أحمد إلى الانتحار بطريقة مروّعة حين ينحر نفسه بسكين حادة يقطع بها رقبته من الوريد إلى الوريد.
لم تتبّع الروائية نسقا تصاعديا في السرد وإنما تبدأ من نهاية الحكاية تقريبا، إذ تقدِّم لنا بطلها الإشكالي بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى، فهو قروي من أصول بدوية يسكن في قرية لم تُسمّها الكاتبة كي توسّع دلالتها إلى كل القرى الأردنية، ولديه أسرة تتألف من أمه وأبيه اللذين لم تُسمّهما أيضا، وشقيقه الأكبر فهد، وأخته نوال. لو تتبعنا البطل «راعي» لوجدناه يحب القراءة، ويقتني كثيرا من الكتب التي أفسدته لأنها جعلته «مُلحدا وزنديقا وفاشلا» كما يعتقد الوالد، وأكثر من ذلك فقد جعلته معزولاً ومتوحداً لا يشبه الناس الآخرين فهو يعتقد أنه ولِد من أجل تحقيق غايات عظيمة كما تصوِّر له مخيلته المجنّحة لكنه في واقع الحال ليس أكثر من متشرّد، بائس، يقترض النقود من أصدقائه القليلين، ويعاقر الخمر، ويبحث عن أجوبة شافية لأسئلته الوجودية لكنه لم يعثر عليها في الكتب الأدبية والفلسفية التي يقرأها.
لعل أول تعالقات هذه الرواية يحدث مع ملحمة جلجامش، فـ «راعي» يتقمص شخصية «أنكيدو»، و«عائشة» الفتاة المسكينة البلهاء تمثّل دور «البغي المقدسة»، وزوجة صديقه أحمد تلعب دور «عشتار»، وصاحبة الحانة تُحيلنا إلى «سيدوري»، أما الأب المستبد فهو مهموم بنهب ممتلكات الآخرين والسيطرة عليها خلافا لمنظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية التي تربّى عليها في القرية أو استمدها من البادية. وعلى الرغم من التناقض الصارخ بين الابن وأبيه، فإن كليهما يقترف أخطاء جسيمة حين تزورهما عائشة وأمها التي تذهب ضحية حادث سير وتترك ابنتها البلهاء نهبا للأقدار، وبينما ينهمك الأب في سرقة مصاغها الذهبي، والاستيلاء على حقها الشرعي في البيت والأرض الزراعية، يستجيب «راعي» لإغراءاتها فيزرع جنينه فيها ليضع العائلة أمام محنة لا منجاة منها إلاّ بإسقاط الجنين أو التخلّص من عائشة، فيُوسعها الأب المتوحش ضربا مبرحا حتى يموت الجنين في بطنها فتفارق الحياة.
تتفاقم الأحداث حين يبدأ «راعي» بارتياد المكتبة العامة في جبل عمّان ويقع في حُب امرأة جميلة وسوف يكتشف لاحقا أنها زوجة صديقه أحمد الذي انتحر، لأنه لم يعد قادرا على تلبية احتياجات الأسرة ودفع إيجار المنزل لضيق ذات اليد، فيضع حدا لحياته تاركا زوجته الجميلة في مواجهة عبث الأقدار في مجتمع لا يوفّر فرص العمل لأبنائه الخُلّص الذين يملأون المقاهي والحانات.
يُنقَل «راعي» من عمّان إلى مدرسة أخرى في محافظة الزرقاء القابعة على حافة الصحراء، ويستأجر بمساعدة صديقه أحمد غرفة في شقة المهندس مازن، فتتشظى الأحداث وتأخذ أبعادا فلسفية جديدة بفضل هذا البدوي السُريالي المثقف الذي يثير تعاطف صاحبة الحانة، ويستميل بعض المشرّدين الذين يربضون أمام الحانات المتوارية في الأحياء الشعبية بعد أن خسروا في المعركة الدائرة بين الأرض والسماء منذ الأزل. لم تُسفر اللقاءات المتكررة بين «راعي» وزوجة أحمد عن شيء مهم سوى الاتهامات التي كان يوجهها إليها وكأنها كانت السبب الأول والأخير في انتحاره، الأمر الذي يدفعها للانتقال إلى مكان مجهول. وحين يعجز «راعي» عن الوصول إليها مُجددا يسقط في دوّامة الجنون التي كان يقف عند حافتها سابقا. تتمحور الرواية برمتها حول سؤال جوهري مفاده: مَنْ أنا؟ أو ما الإنسان؟ ولم يجد جوابه في معظم الكتب التي قرأها لكن حين تُدهمه مجموعة أشخاص وهو يهذي في غرفته المتعفِّنة والخالية من النوافذ ويسألونه السؤال نفسه الذي أرّقه طويلاً: «أتعرف منْ أنت؟» فيجيب من فوره: «أنا كاتب عظيم وخالد، وإن اسمي سيحظى بقدسية حتى أبد الدهر».
لا يمكن قراءة «شمس بيضاء باردة» قراءة واقعية فقط، لأن هدفها الأساسي يكمن في القراءة المجازية التي تبتغيها الروائية كفى الزعبي، فهي لا تجد ضيرا في أن تكتب نصا جريئا قد يعرّضها للمساءلة القانونية، لأن الثيمات الرئيسية والفرعية في هذا النص المشاكس تتجاوز حدود تشريح البنية الأسرية والمجتمعية وتتعداهما إلى مقاصصة السلطة السياسية.



«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
TT

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

حظي مسلسل «رقم سري»، الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق، بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط إشادة بسرعة إيقاع العمل وتصاعد الأحداث رغم حلقاته الثلاثين.

ويُعرض المسلسل حالياً عبر قناتي «dmc» و«dmc drama» المصريتين، إلى جانب منصة «Watch IT» من السبت إلى الأربعاء من كل أسبوع، وهو من إخراج محمود عبد التواب، وتأليف محمد سليمان عبد الملك، وبطولة ياسمين رئيس، وصدقي صخر، وعمرو وهبة، وأحمد الرافعي.

ويعد «رقم سري» بمنزلة الجزء الثاني من مسلسل «صوت وصورة» الذي عُرض العام الماضي بطولة حنان مطاوع، للمخرج والمؤلف نفسيهما. وينسج الجزء الجديد على منوال الجزء الأول نفسه من حيث كشف الوجه الآخر «المخيف» للتكنولوجيا، لا سيما تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن تورط الأبرياء في جرائم تبدو مكتملة الأركان.

السيناريو تميز بسرعة الإيقاع (الشركة المنتجة)

وتقوم الحبكة الأساسية للجزء الجديد على قصة موظفة بأحد البنوك تتسم بالذكاء والطموح والجمال على نحو يثير حقد زميلاتها، لا سيما حين تصل إلى منصب نائب رئيس البنك. تجد تلك الموظفة نفسها فجأة ومن دون مقدمات في مأزق لم يكن بالحسبان حين توكل إليها مهمة تحويل مبلغ من حساب فنان شهير إلى حساب آخر.

ويتعرض «السيستم» بالبنك إلى عطل طارئ فيوقّع الفنان للموظفة في المكان المخصص بأوراق التحويل وينصرف تاركاً إياها لتكمل بقية الإجراءات لاحقاً. يُفاجَأ الجميع فيما بعد أنه تم تحويل مبلغ يقدر بمليون دولار من حساب الفنان، وهو أكبر بكثير مما وقع عليه وأراد تحويله، لتجد الموظفة نفسها عالقة في خضم عملية احتيال معقدة وغير مسبوقة.

وعَدّ الناقد الفني والأستاذ بأكاديمية الفنون د. خالد عاشور السيناريو أحد الأسباب الرئيسية وراء تميز العمل «حيث جاء البناءان الدرامي والتصاعدي غاية في الإيجاز الخاطف دون اللجوء إلى الإطالة غير المبررة أو الثرثرة الفارغة، فما يقال في كلمة لا يقال في صفحة».

بطولة نسائية لافتة لياسمين رئيس (الشركة المنتجة)

وقال عاشور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المخرج محمود عبد التواب نجح في أن ينفخ الروح في السيناريو من خلال كاميرا رشيقة تجعل المشاهد مشدوداً للأحداث دون ملل أو تشتت، كما أن مقدمة كل حلقة جاءت بمثابة جرعة تشويقية تمزج بين ما مضى من أحداث وما هو قادم منها في بناء دائري رائع».

وأشادت تعليقات على منصات التواصل بالمسلسل باعتباره «تتويجاً لظاهرة متنامية في الدراما المصرية مؤخراً وهي البطولات النسائية التي كان آخرها مسلسل (برغم القانون) لإيمان العاصي، و(لحظة غضب) لصبا مبارك؛ وقد سبق (رقم سري) العديد من الأعمال اللافتة في هذا السياق مثل (نعمة الأفوكاتو) لمي عمر، و(فراولة) لنيللي كريم، و(صيد العقارب) لغادة عبد الرازق، و(بـ100 راجل) لسمية الخشاب».

إشادة بتجسيد صدقي صخر لشخصية المحامي (الشركة المنتجة)

وهو ما يعلق عليه عاشور، قائلاً: «ياسمين رئيس قدمت بطولة نسائية لافتة بالفعل، لكن البطولة في العمل لم تكن مطلقة لها أو فردية، بل جماعية وتشهد مساحة جيدة من التأثير لعدد من الممثلين الذين لعبوا أدوارهم بفهم ونضج»، موضحاً أن «الفنان صدقي صخر أبدع في دور المحامي (لطفي عبود)، وهو ما تكرر مع الفنانة نادين في شخصية (ندى عشماوي)، وكذلك محمد عبده في دور موظف البنك».