مطاعم اليوم لا تركز فقط على الطعام، إنما على الأجواء والموسيقى، وتحديداً موسيقى الـ«دي دجاي» الحية التي يتم توزيعها خصيصاً للمطعم لتكون صفة ملاصقة لمفرداته الأخرى. المنافسة ما بين المطاعم الكبرى قوية جداً، وفي ظل التكاثر والقلق اللذين أحدثهما «بريكست» في بريطانيا، والتخوفات الكبرى من الوضع المجهول، نرى المطاعم في لندن تفتح أبوابها، لكن بحذر كبير؛ لأن البقاء للأقوى، والقوة تأتي من التخطيط الجيد والرؤية الصائبة لجذب الزبائن.
من أحدث العناوين في لندن مطعم «رويا» Ruya الذي فتح أبوابه في «أبر غروفنر ستريت» في منطقة مايفير، واستطاع منذ البداية أن يضع بصمة جديدة من نوعها في مشهد الطعام اللندني؛ لأنه اختار أن يكون أول مطعم يقدم الأطباق التركية في قالب من العصرية، وبأسعار خيالية، وفي أجواء مميزة، وفي ديكورات لا تشبه تلك التي تجدها في أسلافه من المطاعم التركية التقليدية التي تجدها في أرجاء لندن كافة، التي ترتكز على الكباب والمشاوي، وفي الخلفية موسيقى تركية على غرار المطاعم الشرقية الأخرى.
«رويا» اختار عنواناً راقياً، ورسم لنفسه خطاً مختلفاً، في تصنيف أنيق ليكون على مستوى المطاعم العالمية الأخرى الموجودة في العاصمة والقريبة منه، مثل «روكا» و«نوبو»، وغيرهما من المطاعم ذائعة الصيت.
المطعم كبير الحجم، وتوزع طاولاته في طابق مسطح واحد، الألوان هادئة، لكن هناك تذكيراً بالنمط الشرقي من خلال استخدام البلاط بتصميم الأرابيسك، وهناك فرن تقليدي كبير يتوسط المطعم ويحضّر العجين أمام الزبائن، وتخبز فيه المعجنات على غرار اللحم بعجين، وما يشبه المناقيش المغطاة بالجبن أو الخضراوات.
الموسيقى جميلة تكمل صفات المكان، هناك حضور عربي قوي جداً في المطعم، والسبب يعود إلى نوعية الطعام وطريقة تقديمه؛ فالذواقة يبحثون دائماً في لندن تحديداً على عناوين أكل مميزة وجديدة، وهذا المطعم استطاع جذبهم من ناحية الطعام والمطبخ في المقام الأول؛ لأن الأكل التركي مألوف لديهم، لكنه في وضع «رويا»؛ فقد صمم الأطباق الشرقية المألوفة ووضعها في قالب من العصرية، فعلى سبيل المثال يقدم السمك في وعاء واسع من الفخار، أما الصلصة فتأتي في الركوة المخصصة عادة للقهوة التركية، وهناك أطباق عدة أخرى تقليدية طغى عليها الطابع المنمق والعصري مثل الكباب والباذنجان.
تبقى المشكلة الوحيدة هي الأسعار، فهذا المطعم مخصص لمحبي الطعام وأصحاب الميزانيات العالية، وأقول هذا لأن سعر الـ«لحم بعجين» وينطق Lahmacun، تلك العجينة البسيطة باللحم المفروم، هو 15 جنيهاً إسترلينياً، أي ما يعادل 22 دولاراً أميركياً، السعر خيالي نوعاً ما لطبق نتناوله في المطاعم الشرقية الأخرى بربع الثمن، إنما في «رويا» لا يأتي الزبائن بغية الأكل فقط، يأتون من أجل التمتع بالموسيقى والأجواء العامة التي تجمع ما بين تركيا والمتوسط.
وإذا ما أردنا التكلم عن الطعام، يجب أن ننصف النكهة؛ لأن الأطباق لذيذة، لكنها غالية الثمن؛ فالكباب المعروف في تركيا تأكله في «رويا» بسعر يتعدى الـ27 جنيهاً إسترلينياً، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على فرع «رويا» في دبي المطل على الخور بشرفته الجميلة، إنما يواجه المشكلة نفسها، ألا وهي الأسعار المرتفعة إذا ما قارناها بماهية الطعام بغض النظر عن الموقع والموسيقى الجميلة والجلسة الراقية.
لكن لا يمكن أن ننكر أن نوعية اللحم هي نخب أول، فعندما يختار الطاهي استخدام لحم «الواغو» الأغلى في العالم، فلا بد بأن ينعكس ذلك على الأسعار بشكل عام.
«رويا» ككثير من المطاعم الراقية الأخرى، قد يكون عنواناً لهؤلاء الباحثين عما هو جديد، لكن قد لا يكون العنوان الأول والأخير.
المطاعم الجيدة في لندن والعالم بشكل عام لا تحصى ولا تعد، لكن البقاء يبقى دائماً للأقوى ولمن يقدم الأفضل، وبمعنى آخر هناك المطاعم توضع في خانات عدة، منها المطاعم التي نذهب إليها لنشاهد المشاهير ونخبة المجتمع، وأخرى للأكل بغض النظر عن الديكورات.
وأعتقد أنه من الحري تصنيف «رويا» في خانة المطاعم التي يقصدها الزبون بهدف الاستكشاف وليس بحسب الشهية، فقد تدلك عيناك إليه، أما معدتك فقد تأخذك إلى مكان آخر.
«رويا»... رؤية تركية بمشاهد أوروبية
فيه تتناول أغلى «لحم بعجين» على أنغام الموسيقى
«رويا»... رؤية تركية بمشاهد أوروبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة