انقسام عناصر «داعش» في جيبه الأخير بين القتال والاستسلام

TT

انقسام عناصر «داعش» في جيبه الأخير بين القتال والاستسلام

ينقسم مقاتلو تنظيم داعش المحاصرون داخل الجيب الأخير في شرق سوريا بين راغبين في القتال حتى الموت دفاعاً عن مناطق التنظيم، وآخرين يميلون إلى خيار الاستسلام أو محاولة الفرار من مصير محتوم.
وترجّح «قوات سوريا الديمقراطية» وجود المئات من المقاتلين المحاصرين في نصف كيلومتر مربع داخل بلدة الباغوز، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المدنيين، رغم إجلاء أكثر من 9 آلاف شخص في غضون أسبوع، غالبيتهم من عائلات الجهاديين.
في نقطة الفرز المخصصة لتفتيش الخارجين من الباغوز، يشكك أحمد الجورة (32 عاماً)، وهو من بين قلة من الرجال سمحت «قوات سوريا الديمقراطية» لوسائل الإعلام بالتحدث إليهم الثلاثاء الماضي، في قدرة مقاتلي التنظيم على الصمود لفترة طويلة.
ويقول أحمد (32 عاماً)، وهو يجلس على الأرض مرتدياً عباءة من الجوخ ويلفّ رأسه بشال بني اللون، لوكالة الصحافة الفرنسية: «هناك من يريد القتال، وآخرون لا يريدون، ومنهم من يريد الفرار».
ويدّعي الشاب المتحدر من محافظة حمص (وسط)، أنّه لم يقاتل يوماً معهم رغم أنهم «يعيشون معنا في مساحة صغيرة جداً».
ولم يعد لدى مقاتلي التنظيم، وفق أحمد، «مقومات للقتال». ويسأل: «لم يعد هناك من طعام فكيف تقاتل؟ السلاح يحتاج إلى قوة لحمله».
على غرار كثير من الخارجين مؤخراً، يشير أحمد إلى الظروف المعيشية الصعبة في الباغوز مع ندرة المواد الغذائية ومياه الشرب وسواها. ويقول إنه قرر الخروج مع عائلته لأنه «لم يبق لديّ عمل في الداخل، فالوضع سيئ جداً، وكنا نشرب مياهاً متسخة».
وأجلت «قوات سوريا الديمقراطية» منذ أسبوع 4 دفعات من الباغوز، غالبيتهم من النساء والأطفال من عائلات مقاتلي التنظيم. ويقول قياديون في صفوف هذه القوات إنهم ينتظرون انتهاء عملية الإجلاء لشن هجوم على جيب التنظيم المحاصر في حال عدم استسلام المقاتلين المتبقين.
ولم يبق للتنظيم، الذي سيطر في عام 2014 على مناطق واسعة في سوريا والعراق المجاور، كانت مساحتها تعادل بريطانياً، إلا عدد من المنازل السكنية في الباغوز وخيام يقيم فيها مقاتلوه إلى جانب المدنيين.
وأقلت نحو 30 شاحنة الثلاثاء الماضي المئات من الأشخاص من نساء ورجال وأطفال إلى نقطة الفرز، الواقعة على بعد 20 كيلومتراً شمال الباغوز.
ويروي عدد من النساء المنتقبات ويرتدين قفازات سوداء، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن سيارة تابعة لـ«الحسبة»، أي شرطة التنظيم، تجولت في المنطقة المحاصرة وأبلغت تحديداً العائلات والجرحى بأنّ لهم حرية الخيار في البقاء والخروج إلى نقاط «قوات سوريا الديمقراطية».
وتقول نور غروش (20 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية بينما تفترش الأرض مع زوجة شقيقها وإلى جانبها طفل تكفلت بتربيته بعد مقتل والديه مؤخراً: «المقاتلون موجودون في كل مكان».
وتضيف الشابة المتحدرة من محافظ الحسكة (شمالي شرق) لوكالة الصحافة الفرنسية: «يمشون في الشوارع بأسلحتهم وجعبهم وأحزمتهم الناسفة».
ولا يزال كثير من السوريين والعراقيين والأجانب موجودين داخل الجيب المحاصر وفق شهادات الخارجين حديثاً. ويبدو أن الأجانب منهم أو «المهاجرين» كما يسميهم التنظيم، يتمتعون بحظ أوفر من سواهم بسبب قدراتهم المادية.
وتوضح نور: «هناك (أنصار) و(مهاجرون)... يشترون ما يريدون، لكن نحن ويا لحسرتنا، لا شيء لدينا» مضيفة: «ثمّة أشخاص لم يتغير عليهم شيء في الحصار، بينما آخرون ماتوا» بسببه.
وتتحدث عائشة عبد العظيم، زوجة أخي نور، وهي في الثلاثينات من عمرها، بينما تصرخ ابنتها قربها: «ثمة كثير من العائلات في الداخل، أنشأنا خياماً من البطانيات وأقمنا فيها».
ومع عدم توفر «كثير من الحاجيات»؛ توضح عائشة، «فقط من لديه الأموال قادر على الشراء، أما نحن فنأكل يوماً وآخر لا».
وعلى وقع التقدم العسكري لـ«قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، فرّ نحو 50 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، من جيب التنظيم منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
بخلاف نور وعائشة، تصر إسراء (37 عاماً)، من بغداد، على أن الوضع «كان جيداً ولدينا طعام». لكنها، رغم ذلك، بادرت إلى الخروج فور سماعها دعوة مقاتلي التنظيم للراغبين بالمغادرة. وسرعان ما تناقض تصريحها عن توفر الطعام بعدما علا صراخ ابن أختها الرضيع وهزيل البنية. وتقول: «هو مريض جداً بسبب الجوع... وصف له الطبيب حليب بقر، ولكن لا بقر لدينا» في الجيب المحاصر. وبعد انتظار لساعات، تشقّ شاحنة طريقها إلى نقطة الفرز. يركض عدد من النسوة باتجاهها مع أطفالهن ويبدأن الصعود إليها خشية قضاء ليلتهن في العراء وسط الصحراء.
تحمل أسمهان، في الثلاثينات من العمر، كيس خبز بيد، وعلبة حليب وكيس حفاضات بيدها الأخرى. تحاول أن تلحق بالشاحنة قبل انطلاقها.
وتقول العراقية، وهي أم لثلاثة أطفال، لوكالة الصحافة الفرنسية بعبارة مقتضبة: «كان هناك جوع نعم، لكننا كنا مقتنعين بما نقوم به».


مقالات ذات صلة

مقتل 6 أشخاص جرَّاء هجوم انتحاري جنوب غربي باكستان

آسيا سائقو الشاحنات يتجمعون بجوار شاحنات إمدادات المساعدات المتوقفة على جانب الطريق في هانجو يوم 4 يناير 2025 بعد أن نصب مسلحون كميناً لقافلة مساعدات باكستانية (أ.ف.ب)

مقتل 6 أشخاص جرَّاء هجوم انتحاري جنوب غربي باكستان

لقي 6 أشخاص مصرعهم، وأصيب أكثر من أربعين بجروح، جراء هجوم انتحاري استهدف موكباً لقوات الأمن في منطقة تُربت، بإقليم بلوشستان، جنوب غربي باكستان.

الولايات المتحدة​ حاكم ولاية لويزيانا جيف لاندري (الثاني من اليمين) يتفقد شارع بوربون في الحي الفرنسي بنيو أورليانز بعد هجوم إرهابي في 1 يناير (أ.ف.ب)

منفذ هجوم الدهس في نيو أورليانز امتلك مواد تستخدم لصنع قنابل

أفاد مسؤولون في أجهزة الأمن بأن الرجل الذي صدم حشدا من المحتفلين برأس السنة في نيو أورليانز كان يمتلك في منزله مواد يشتبه في استخدامها لصنع قنابل.

«الشرق الأوسط» (نيو أورليانز)
أفريقيا وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)

تونس: إيقاف متهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي»

كشفت مصادر أمنية رسمية تونسية عن أن قوات مكافحة الإرهاب والحرس الوطني أوقفت مؤخراً مجموعة من المتهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي» في محافظات تونسية عدة.

كمال بن يونس (تونس)
الولايات المتحدة​ وقع الهجوم بعد الساعة الثالثة صباحاً بقليل في أحد أكثر الأحياء ازدحاماً في نيو أورليانز (نيويورك تايمز)

كيف يعكس هجوم نيو أورليانز نمطاً عالمياً لاستخدام السيارات أسلحةً إرهابيةً؟

قال خبراء لموقع «أكسيوس» إن الهجوم الذي شهدته مدينة نيو أورليانز الأميركية في ليلة رأس السنة الجديدة يعد جزءاً من اتجاه عالمي لاستخدام السيارات أسلحةً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي بايدن في البيت الأبيض يتحدث عن هجوم نيو أورليانز الإرهابي الخميس (د.ب.أ)

بايدن: منفّذ هجوم نيو أورليانز كان يحمل جهاز تفجير عن بُعد

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، إن المهاجم في حادثة دهس السيارات في نيو أورليانز كان يحمل جهاز تفجير عن بعد في سيارته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.