ربما لم تحظ مادة طبيعية بأهمية علمية مثلما حظيت مادة «الكيتوزان»، التي تتمتّع بخصائص جعلتها تدخل في مجالات تنوعت بين الاستخدامات الطبية والزراعية والصناعية.
تتميز هذه المادة، التي تستخلص من الهيكل الخارجي للصدفيات والمحار والأسماك الصدفية البحرية مثل الجمبري، بمقاومتها للبكتيريا وانعدام السمية وقابليتها للتّحلل، وهي مواصفات جعلتها من المرونة بحيث يسهل توظيفها في أكثر من استخدام، حتى إنّ البعض بات يطلق عليها اسم «المادة السحرية».
وإذا كانت إحصائيات سابقة ذهبت لوجود أكثر من خمسة ملايين بحث في هذه المادة، فإنّ اللافت أنّ ذلك لم يكن كافيا لسبر أغوارها، فيكفي أن تكتب اسمها على محرك البحث الخاص بالدوريات العلمية التي تصدرها دار النشر العلمية الشهيرة «Elsevier»، لتجد نفسك أمام أكثر من 19 ألف بحث خلال أعوام 2017 و2018. ومطلع عام 2019 الجاري، وهو عدد مرشح للزيادة.
يقول دكتور إبراهيم الشربيني، المدير المشارك لمركز علوم المواد في مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا لـ«الشرق الأوسط»، إنّ الكيتوزان مادة تتكون أساسا من الكايتين chitin، وهي سلسلة من الكربوهيدرات (السكريات) المتصلة، وبالتالي هي مادة طبيعية قابلة للتحلّل، وهذا يجعلها ملائمة للاستخدامات الغذائية والطبية.
وحملت دراسة نشرتها دورية «International Journal of Biological Macromolecules» في فبراير (شباط) 2019 خبراً عن توصّل فريق بحثي صيني لإعداد أغلفة لحفظ الأغذية باستخدام هذه المادة مع جزيئات أكسيد الزنك في حجم النانو، لتعظيم فوائد الكيتوزان كمادة مثبطة للنشاط البكتيري.
وأوضح الفريق البحثي الصيني أنّ الكيتوزان، بوليمر طبيعي، ومن ثمّ فهو لن يتفاعل مع المواد الغذائية ويسبب أخطارا، وكانت الخاصية ذاتها دافعا للدكتور الشربيني لتوظيف الكيتوزان، لكن في استخدام طبي.
يقول الشربيني: إنّ «الاتجاه العالمي الآن هو تصميم الدّواء بطريقة تجعله يصل إلى الهدف من دون إحداث أي أضرار جانبية، وساعدنا الكيتوزان في تحقيق ذلك بأحد أبحاثنا المنشورة في فبراير 2018، بدورية «Drug Development and Industrial Pharmacy».
ووظف الفريق البحثي عقار «الميتفورمين» Metformin، المستخدم لخفض سكر الدم، في علاج سرطانات القولون والبروستاتا والثّدي، للتّغلب على مشكلة الآثار الجانبية التي يحدثها العلاج الكيماوي، إذ قاموا بتحميله على حاملات دواء نانوية محضرة من بوليمرات طبيعية أبرزها الكيتوزان.
وكانت تجارب أجريت على أنواع مختلفة من السرطانات، وجد خلالها الباحثون أنّ البوليمر الذي حُمّل عليه الدواء لا يحدث له التحلل الذي يطلق الدواء منه ببطء إلّا في مستوى القلوية الخاص بالقولون. وكما كان تحميل الدواء على بوليمر الكيتوزان مفيداً في إطلاقه ببطء للمكان المستهدف في تجربة الشربيني، فقد كانت الخاصية ذاتها مفيدة في تغليف أسمدة النيتروز المستخدمة مع محصول القمح، ما ساعد على إطلاقها ببطء في الأرض، لا سيما الرملية منها، فأدى لزيادة الإنتاج.
ووفق دراسة منشورة في مجلة مصرية للنباتات في يناير (كانون الثاني) 2018، فقد تمكّن فريق بحثي من قسم النبات في كلية العلوم جامعة المنصورة بمصر، من تحميل السّماد على بوليمر الكيتوزان مما سمح باستخدامه في التربة الرملية التي لا تسمح مسامها بالاحتفاظ بالسماد.
وتوجد عدة تطبيقات صناعية للكيتوزان، منها استخدامها في إزالة الملوثات، وهو ما تمكن منه فريق بحثي مصري من معهد بحوث البترول عام 2017.
وحصل الفريق على براءة اختراع لتركيبة من المواد دخل في إعدادها بشكل رئيسي بوليمر الكيتوزان، استخدمت في إزالة الملوثات الميكروبية والعناصر الثّقيلة والملوثات. ووفق أوراق براءة الاختراع، فإنّ التركيبة تشكّلت من الكيتوزان في حجم النانو مع تطعيمها بنسب من عنصري الفضة والنحاس، من ثمّ إضافة الكربون الأنبوبي النانوي متعدد الطبقات.
العلم يسبر أغوار «الكيتوزان» بأكثر من 19 ألف بحث
فوائد «المادة السحرية» تتنوّع بين الطّب والزّراعة والصّناعة والغذاء
العلم يسبر أغوار «الكيتوزان» بأكثر من 19 ألف بحث
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة