منذ عرفت مصر الدستور للمرة الأولى قبل 140 سنة تقريباً، دارت من حوله وباستخدام مواده معارك سياسية عدة، تركت أثرها في وجه البلاد حتى اليوم، وسجلت فصول التاريخ قصصاً سياسية ومآلات درامية، وأحياناً مأساوية، تتعلق جميعها بنصوص الوثيقة الأهم، والمرجع الوحيد لحكم الدولة.
وتبدو الظروف المحيطة بإقرار النسخة الأولى من دستور 1879 كاشفة إلى حد بعيد، للملابسات اللافتة التي تحيط بالدساتير في مصر، إذ إن حاكم مصر حينها، الخديوي إسماعيل، لم تعرض عليه نصوصه، إذ تواكب إقراره مع أزمة خلعه من منصبه بموجب قرار من السلطان العثماني، الذي كانت مصر تخضع لولايته آنذاك. وصدر الدستور بموجب قرار من مجلس النواب الذي عُد الجمعية التأسيسية للدستور، وبات المجلس بموجبه مالكاً لسلطة التشريع.
في عام 1882، عرفت مصر صورة جديدة من الدستور، وكان ذلك في أعقاب التحركات التي قادها الزعيم المصري أحمد عرابي، وعرفت فيما بعد بـ«الثورة العرابية». وكذلك جاء دستور 1923 بعد ثورة 1919، التي استجاب الملك فؤاد لمطالبها بتشكيل لجنة لصياغة دستور. وتباينت النصوص بين توسعة بعض سلطات الملك في مواد، ومنها منحه سلطة حل البرلمان، وتقييد سلطات أخرى.
وبسبب التفاعلات السياسية المختلفة في مصر آنذاك، والخلافات بين الملك فؤاد وحكومات الأغلبية، قرر حاكم مصر صياغة دستور جديد، عدّه المؤرخون ارتداداً عن النسخة السابقة، خصوصاً أنه قلص من صلاحيات مجلس النواب، ورفع نسبة الأعضاء المعينين فيه إلى ما فوق الأغلبية، وازدادت حمى الرفض والمعارضة لتلك النصوص، إلى أن أجبروا الملك عام 1935 على استئناف العمل بدستور 1923.
في صورتها الجديدة كجمهورية في أعقاب «ثورة 23 يوليو (تموز) 1952»، باتت مصر على موعد مع دستور 1956. وبموجب التوجهات القومية العربية للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وإعلان قيام الوحدة بين مصر وسوريا، جاء دستور جديد في عام 1958، وهو ما عُرف بـ«دستور الوحدة».
وبعد انهيار تجربة الوحدة بين القاهرة ودمشق، جاءت تجربة دستور 1964 المؤقت، الذي ظل قائماً إلى أن تولى الرئيس المصري الراحل أنور السادات سدة الحكم، فبدأ عهده بدستور جديد عرف بدستور 1971، أو «الدستور الدائم» الذي ظل سارياً لنحو 40 عاماً، وإن أجريت عليه تعديلات مختلفة، وكانت المرة الأولى عندما طرح السادات في مايو (أيار) 1980 على المواطنين الاستفتاء على التعديل الدستوري، الذي تم بموجبه إلغاء القيد على حظر ترشيحه لأكثر من فترتين رئاسيتين. وحظي التعديل بموافقة بلغت 98 في المائة، غير أن واقعة اغتياله في أكتوبر (تشرين الأول) 1981 حالت دون خوضه استفتاءً آخر، واستفاد سلفه حسني مبارك من التعديل، ما مكنه من دخول استفتاءات مختلفة للبقاء في السلطة.
في السنوات الأخيرة من عهد مبارك، طرح في عام 2005 تعديل الدستور لينظم اختيار رئيس الجمهورية بانتخابات مباشرة، شمل تعديلات للمادة 76 التي جرت على إثرها أول انتخابات رئاسية في مصر، ثم أجري استفتاء عليها في عام 2007، وشملت التعديلات حذف الإشارات إلى النظام الاشتراكي للدولة، وغيرها من التعديلات المتعلقة بانتخاب الرئيس.
وفي أعقاب «ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011»، أجريت بعض التعديلات الدستورية، ونالت موافقة المواطنين، ثم صدر إعلان دستوري، وتم تعطيل العمل بدستور 1971. ومع تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي للسلطة، أصدر إعلاناً دستورياً مثيراً للجدل، منحه سلطات غير مسبوقة، لكن سرعان ما تم إصدار دستور جديد عُرف بدستور 2012، تم إقراره بموافقة نحو 64 في المائة، واعتراض 36 في المائة.
وبخروج الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان من الحكم، بدأت مصر في إجراء تعديلات على الدستور الذي أقر في عهده. وقدمت لجنة التعديل 42 مادة مستحدثة، حتى بات الأمر أشبه بدستور جديد، وعرف جراء ذلك بدستور 2014، رغم أنه كان تعديلاً على دستور كُتب قبل ذلك بعامين.
برلمان مصر يخطو باتجاه زيادة مدة حكم السيسي