منذ أن رُزقت المخرجة اللبنانية نادين لبكي بطفلها الأول وليد حصل تغيرٌ جذريٌ في طريقة تفكيرها واختيارها لموضوعات أفلامها. فالأمومة عزّزت لديها الشعور بالمسؤولية تجاه جميع الأطفال بالعالم، لا سيما في لبنان والعالم العربي، انطلاقاً من طفليها وليد (10 سنوات) وميرون (3 سنوات). وفي فيلم «كفرناحوم» المرشح إلى جائزة الأوسكار في فئة الأفلام الأجنبية، استطاعت لبكي أن تحاكي شرائح مختلفة من المجتمعات الغربية والعربية عارضة من خلاله معاناة أطفال يعيشون البؤس والعذاب في ظل قرارات سياسية تفوق قدراتهم الصغيرة.
«عندما شاهدت ذلك الطفل الصغير على قارعة الطريق وأنا عائدة من سهرة مع الأصدقاء في الواحدة بعد منتصف الليل، تساءلت في قرارة نفسي عن الحقوق الإنسانية لهذا الولد. ألا يستحق أن يكون الآن غافياً على وسادته في سريره بدل أن يأخذ من فسحة بين شارعين رئيسيين في بيروت غرفة نوم له؟» هكذا بدأت قصة «كفرناحوم» مع نادين لبكي فلحقت بخيوطها لمدى 4 سنوات متتالية لتنتهي بفيلم سينمائي. وتعلّق: «هذا الوضع الذي يعيشه بعض الأولاد في لبنان لا يقتصر على بلادنا والأخرى المحيطة بنا. ففي أميركا هناك ولد واحد من كل سبعة لا يأكل ما يكفي جسده الصغير. فهذه المعاناة عالمية بامتياز وحاولت في (كفرناحوم) أن أوصل للمشاهد طبيعة الأفكار التي يمكن أن تدور برؤوس أطفالنا المشرّدين». ففي المشهد الأخير من الفيلم تتوقف كاميرا نادين لبكي عن الدوران على وجه بطلها زين وهو يبتسم. «لقد رغبت في التعبير عما يخالجه من شعور، ومع هذه اللقطة الختامية بالذات للفيلم وكأنه يقول لأهله (أنتم لا تستحقونني). فهناك ملايين الأطفال الذين يتربّون في أجواء الغضب والضغينة»، تقول نادين موضحة الرسالة التي يحملها فيلمها «كفرناحوم».
وتدور أحداث الفيلم في أحياء بيروت الفقيرة، وتتناول قصة الطفل «زين» الذي يقاضي والديه اللذين أنجبا عدداً كبيراً من الأطفال دون أن يتحملا مسؤوليتهما اللازمة. كما يسلّط الضوء على سوء معاملة العمالة الأجنبية والعنف الأسري وزواج القاصرات وغيرها من الموضوعات المتعلقة بواقع معيوش في لبنان والعالم.
ويعد ترشيح «كفرناحوم» على جائزة الأوسكار في فئة الأفلام الأجنبية الوحيد من العالم العربي، إذ إن الأفلام الأخرى المرشحة للجائزة نفسها تعود لمخرجين من أوروبا والمكسيك وأميركا. وتتحدث نادين عن فيلم «روما» المكسيكي للمخرج الأميركي ألفونس كوارون. فهي تعتبره المنافس الأول لفيلمها كونه يتناول فكرة مشابهة لفيلمها. كما أنه مدعوم من قبل إحدى أهم المنصات الإلكترونية اليوم «نتفليكس»، التي تروج له في حملات مكثّفة صارفة مبالغ طائلة في هذا الخصوص. أما فيلم «كفرناحوم» الذي تتولّى شركة «سوني كلاسيك» العالمية توزيعه ودعمه في جائزة الأوسكار، فقد يفتقد الدعم المادي الذي تؤمنه الأولى في ظلّ إمكاناتها المادية التي لا يستهان بها.
و«كفرناحوم» ليس مرشحاً فقط لجائزة الأوسكار، بل ترشّح أيضاً لجوائز أخرى مرموقة كـ«غولدن غلوب» الذي سبق وحصل عليها أحد المخرجين العرب (هاني أبو أسعد) في عام 2005 عن فيلمه «الجنّة الآن». كما هو مرشح لجائزة «كريتيك تشويس» العالمية، الذي نال فيها عملها السابق «هلق لوين» تنويهاً. أما في لندن فهو مرشح لجائزة «بافتا»، وفي فرنسا إلى جائزة «سيزار». وفي هذه الأخيرة التي تجري وقائعها في 11 فبراير (شباط) المقبل لن تستطيع نادين لبكي أن تكون موجودة، وسيمثلها زوجها خالد مزنر أحد المشاركين في كتابة الفيلم وواضع الموسيقى الخاصة به. ومن الجوائز التي حصل عليها جائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان» السينمائي.
بيع فيلم «كفرناحوم» إلى نحو 60 بلداً عربياً وأجنبياً، وأول عروضه شهدها لبنان وتلته فرنسا وبلجيكا وسويسرا ومن ثم أميركا. وكانت المذيعة التلفزيونية أوبرا وينفري إحدى أعضاء لجنة جوائز الأوسكار قد عبّرت عن إعجابها بالفيلم اللبناني ناصحة الأميركيين بمشاهدته، وذلك عبر تغريدة لها على حسابها الخاص عبر الموقع الإلكتروني «تويتر». الأمر نفسه قامت به النجمة الهوليودية سلمى حايك فنشرت صورة للمخرجة اللبنانية نادين لبكي على حسابها في «إنستغرام». وباركت لها على ترشّح فيلمها «كفرناحوم» إلى نهائيات جوائز «الأوسكار» عن «فئة أفضل فيلم أجنبي». وأرفقت حايك الصورة بتعليق كتبت فيه: «تعلمين كم أنا من أشدّ المعجبين بعملك. سعيدة جداً لحصولك على تقدير عالمي لفيلمك الرائع. نادين هي أول مخرجة لبنانية يترشّح فيلمها للأوسكار». ولم تتوان منظمة المفوضية العامة للاجئين عن دعم لبكي أيضاً من خلال نشرها تنويهاً بالفيلم، لا سيما أن بطله زين الرافعي هو لاجئ سوري. واستطاعت نادين لبكي بمساعدة هذه المنظمة أن تؤمن له الهجرة مع أفراد عائلته إلى النرويج.
ويقول زينة صفير من الفريق الإعلامي لنادين لبكي «من المتوقع أن تكتمل عروض (كفرناحوم) في مختلف بلدان العالم ابتداءً من منتصف فبراير المقبل. فيتم عرضه في مختلف دول أوروبا ولتتبعها في منتصف مارس (آذار) العروض في دول الخليج العربي والأردن والكويت وسوريا وغيرها. حلمت نادين لبكي بجائزة الأوسكار منذ أن كانت في السابعة عشرة من عمرها، وهي اليوم في طور تحقيق هذا الحلم. فيكفيها أنه ترشّح للأوسكار، وهي اليوم مفعمة بالأمل لحصدها». وعن سؤال عن محتوى الكلمة التي ستتلوها على خشبة جوائز الأوسكار فيما لو فازت بها، كانت لبكي قد ردت مازحة في مقابلة تلفزيونية لها مؤخراً: «إنني أحضّر لهذه الكلمة منذ نحو سنتين، وإذا لم أوفّق في الحصول عليها فسأتلوها على إحدى شاشات التلفزة اللبنانية».
أحدث نشاطات نادين لبكي وجودها حالياً في لندن، حيث تم عرض «كفرناحوم» بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة هناك، وبحضور ومشاركة النجمة العالمية كيت بلانشيت. أما منافس «كفرناحوم»، فيلم «روما»، فهو ليس مرشحاً فقط عن فئة الأفلام الأجنبية، بل أيضاً يشارك مع أفلام أميركية أخرى عن فئات أفضل فيلم ومخرج وممثل، ولذلك تعتبر المنافسة بينهما ساخنة إلى حدّ كبير، خصوصاً أنه استطاع الفوز بجائزة «غولدن غلوب». ويعد «كفرناحوم» الفيلم السينمائي الروائي الطويل العربي الوحيد المرشح لجائزة الأوسكار عن فئة الأفلام الأجنبية. فيما الأفلام الأخرى تتنوع ما بين المكسيكي والألماني والياباني.
اللبنانيون ينتظرون بحماس موعد توزيع جوائز الأوسكار في 24 فبراير، التي ستجري على مسرح «دولبي» في هوليوود ولوس أنجليس وكاليفورنيا في أميركا. فهم يعتبرونه بمثابة تاريخ حاسم سيزوّدهم في حال فوز نادين لبكي بالأمل والإيجابية اللذين يفتقدانهما منذ فترة. فهل سيشكّل «كفرناحوم» مفترق طريق ومحطة مصيرية لهم ولنادين لبكي وينجح في هذا الامتحان الصعب؟ سؤال سيأتي الردّ عليه واضحاً بعد أقل من شهر، على أمل ألا يلاقي مصير الفيلم اللبناني «قضية رقم 23» لزياد الدويري، الذي ترشّح العام الماضي عن الجائزة نفسها.
24 فبراير قد يقلب المقاييس لدى نادين لبكي
بعد ترشيح فيلمها «كفرناحوم» لجائزة الأوسكار
24 فبراير قد يقلب المقاييس لدى نادين لبكي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة