احتفاء مصري بزيارة ماكرون للمعالم الأثرية... دعاية سياحة مجانية

تفقد معبد أبو سمبل وزارت قرينته الأهرامات

قرينة ماكرون في منطقة أهرامات الجيزة  -  ماكرون وقرينته في معبد أبو سمبل (أ.ف.ب)
قرينة ماكرون في منطقة أهرامات الجيزة - ماكرون وقرينته في معبد أبو سمبل (أ.ف.ب)
TT

احتفاء مصري بزيارة ماكرون للمعالم الأثرية... دعاية سياحة مجانية

قرينة ماكرون في منطقة أهرامات الجيزة  -  ماكرون وقرينته في معبد أبو سمبل (أ.ف.ب)
قرينة ماكرون في منطقة أهرامات الجيزة - ماكرون وقرينته في معبد أبو سمبل (أ.ف.ب)

احتفى الكثير من المتابعين في مصر بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقرينته للمعالم الأثرية المصرية الشهيرة، (معبد أبو سمبل، والأهرامات)، معتبرين زيارته دعاية جديدة ومجانية للسياحة المصرية. وحرص رواد موقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في مصر على نشر صور ماكرون مع قرينته داخل معبد رمسيس الثاني ونفرتاري. بجانب تسليط الضوء على زيارة قرينته بمفردها لمنطقة الأهرامات في الجيزة.
وبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته إلى مصر أول من أمس الأحد، بالتوجه إلى معابد أبو سمبل جنوب البلاد، وهو أحد أبرز المعالم الأثرية المصرية قبل أن يتوجه إلى العاصمة المصرية القاهرة، لعقد لقاءات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكبار المسؤولين.
واستقبل وزير الآثار المصري الدكتور خالد العناني، ووزيرة السياحة رانيا المشاط، ومدير المعهد الفرنسي للآثار في مصر لوران بافاي ماكرون وزوجته في أبو سمبل.
وتعدّ هذه الزيارة واحدة من التحركات النادرة للرئيس الفرنسي خارج بلاده خلال الآونة الأخيرة، إذ يركّز اهتمامه منذ أكثر من شهرين على الأزمة الاجتماعية التي تفجرت مع انطلاق مظاهرات حركة «السترات الصفراء» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
من جانبه، قال الخبير السياحي عاطف بكر عجلان عضو غرفة شركات السياحة، في تصريحات صحافية، إن «زيارة الرئيس الفرنسي وقرينته لمعبد أبو سمبل للاحتفال بالذكرى الخمسين لإنقاذه من الغرق تحت مياه نهر النيل، يؤكد حب وعشق الفرنسيين للآثار المصرية والسياحة الثقافية بشكل عام». وأضاف أنّ «زيارته بمثابة رسالة صريحة ودعوة للفرنسيين لزيارة مصر ومعالمها الأثرية والتأكيد على تمتع مصر بالأمن والأمان». وتوقع عجلان زيادة معدلات السياحة الفرنسية إلى مصر في 2019 عن عام الذروة في 2010 الذي بلغ نحو 600 ألف سائح فرنسي.
وأوضح عجلان أنّ «الاكتشافات الأثرية الأخيرة، وافتتاح الكثير من المتاحف في مختلف المحافظات، وقرب افتتاح المتحف المصري الكبير بميدان الرماية بالجيزة، سيفتح شهية الفرنسيين لزيارة مصر، والتمتع بآثارها الجميلة خاصة المكتشفة حديثاً».
وطالب عجلان بضرورة «إعداد برامج سياحية تناسب احتياجات السائح الفرنسي الذي يعشق زيارة الآثار المصرية وذلك من خلال التسويق لمطار سفنكس الذي افتُتح مؤخراً، فيمكن من خلال التنسيق بين وزارتي السياحة والطيران إعداد برامج سياحية تجمع بين قضاء ليلة في القاهرة لزيارة المعالم الأثرية، ومن ثمّ السفر إلى الأقصر وأسوان عبر مطار سفنكس لقضاء باقي أيام البرنامج في زيارة المعالم الأثرية».
من جهته، قال شكري سيف الدين، نقيب المرشدين السياحيين في أسوان، لـ«الشرق الأوسط» إنّ «زيارة الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى معبد أبو سمبل تعتبر دعاية مباشرة للمعبد رغم شهرته، لأنّ الزيارة ستعمل على تنشيط السياحة في أسوان وكل أنحاء البلاد بشكل عام». وأضاف أنّ «زيارته للمعالم الأثرية تعطي مؤشراً قوياً بأنّ الوضع في البلاد آمن مما يساعد على الحركة السياحية، كما ستؤدي هذه الزيارة المهمة إلى تغيير الصورة الذهنية السلبية التي يعتقدها السائح الأوروبي بناء على متابعته لوسائل الإعلام الأجنبية حول الوضع الأمني في مصر».
وأوضح سيف الدين أنّ «السياحة في الأقصر وأسوان بدأت في التعافي بالشهور الأخيرة واقتربت من الذروة السياحية لعام 2009 التي وصل فيها عدد السياح الوافدين إلى مصر لنحو 14 مليون سائح»، لافتا إلى «أهمية إصدار منظمة السياحة العالمية بياناً قالت فيه إنّ مصر ضمن أفضل 10 وجهات سياحية في العالم، وهذه شهادة دولية بتمتع مصر بوضع سياحي جيد جداً». وتابع قائلا إنّ «معبد أبو سمبل مبهر لكل زائر له، حيث إنه يعتبر فيلما تمثيليا لحياة رمسيس الثاني يحتوي على حروبه ونقوش للعجلات الحربية، ومن الممكن القول إنّ المعبد يعد مكتبة عامة لهذه الفترة من التاريخ الفرعوني».
بدوره، قال السفير جمال بيومي، أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، إنّ زيارة ماكرون لمصر ستشجع المستثمرين الأجانب على الحضور لمصر، مضيفاً: «دعاية مجانية لبلادنا».
وانتقد «بيومي» في مداخلة تلفزيونية أول من أمس، الحديث بشكل متكرّر عن الأمن، قائلا إنّ «الإعلام يبالغ في حالة الأمن وينشرها بكثافة مما يخيف السّياح»، على حدّ قوله.
في السياق نفسه، زارت بريجيت ماكرون، قرينة الرئيس الفرنسي، منطقة الأهرامات بالجيزة أمس، لنحو ساعتين، بدأت بجولة حول الهرم الأكبر، ومتحف مركب الشمس، وتمثال أبو الهول، وانتهت ببانوراما أهرامات الجيزة، حيث استمعت خلالها لشرح مفصل عن تاريخ المنطقة الأثرية ومشروع تخفيض منسوب المياه الجوفية بالمنطقة ومشروع ترميم تمثال أبو الهول ومشروع تطوير منطقة الأهرامات، كما حرصت على التقاط الصور التذكارية لها في المنطقة أمام تمثال أبو الهول والبانوراما.


مقالات ذات صلة

اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

يوميات الشرق اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)

اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

أعلن عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس، الأربعاء، عن اكتشاف بقايا معبد الوادي للملكة حتشبسوت بالأقصر (جنوب مصر)، مع عدد من الاكتشافات الأثرية الأخرى.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق شكّلت العلا ملتقى للحضارات القديمة حيث ربطت بين ثقافات شبه الجزيرة العربية (الشرق الأوسط)

شراكة سعودية - صينية لتعزيز الحفاظ على التراث بالعلا

وقّعت الهيئة الملكية لمحافظة العلا وأكاديمية «دونهوانغ» الصينية شراكة استراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون الثقافي والسياحي والتراثي بين المملكة والصين.

«الشرق الأوسط» (العلا)
يوميات الشرق الغرابة (SWNS)

تمثال غريب الشكل في الكويت يُحيِّر علماء الآثار

اكتُشف رأسٌ غريب الشكل لكائن غير معروف، من الفخار، يعود إلى آلاف السنوات خلال عملية تنقيب في الكويت، مما أثار حيرة علماء الآثار بشأنه.

«الشرق الأوسط» (وارسو)
يوميات الشرق المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: اكتشاف مصطبة طبيب ملكي يبرز تاريخ الدولة القديمة

أعلنت مصر، الاثنين، اكتشافاً أثرياً جديداً في منطقة سقارة (غرب القاهرة)، يتمثّل في مصطبة لطبيب ملكي بالدولة المصرية القديمة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق مدخل مقبرة بسقارة

مصر: اكتشاف مصاطب ومقابر أثرية تبوح بأسرار جديدة عن سقارة

ما زالت منطقة سقارة الأثرية تبوح بأسرارها، حيث اكتشفت البعثة الأثرية المصرية اليابانية مصاطب ومقابر ودفنات تكشف مزيداً عن تاريخ هذه المنطقة الأثرية المهمة. …

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)