المطبخ الكوري ينفتح على الغرب بوصفات تقليدية معدلة

مزيج من الطعام الملكي والبوذي

المطبخ الكوري ينفتح على الغرب بوصفات تقليدية معدلة
TT
20

المطبخ الكوري ينفتح على الغرب بوصفات تقليدية معدلة

المطبخ الكوري ينفتح على الغرب بوصفات تقليدية معدلة

يعرف الناس الكثير عن المطابخ الآسيوية، خصوصاً المطابخ الصينية واليابانية والهندية والتايلاندية، هذه الأيام، لكنهم لا يزالون يجهلون نسبياً المطبخ الكوري الذي يعد واحداً من المطابخ المهمة في تلك المنطقة من العالم بعيداً عن التعريف البسيط بطبق الكيمتشي أو الكيمخي.
وهو ليس مرآة للمطبخين الصيني والياباني رغم القواسم المشتركة معهما. وتحاول الحكومة الكورية الجنوبية تغيير هذا الوضع عبر التركيز على تعليم الكوريين خلال السنوات الماضية اللغات الغربية الرئيسية كالإنجليزية والإسبانية والفرنسية... وغيره، مما سيساعد الكوريين، وخصوصا الطباخين على افتتاح مطاعم خارج كوريا وفي العواصم الكبرى ونشر تقاليد الطبخ الكورية وتعريف العالم بأطباق هذا المطبخ الكبير ومذاقاته والتركيز على مفرداته.
ولهذا السبب أيضا يحاول الكوريون الجنوبيون في العاصمة سيول هذه الأيام تقديم الوصفات التقليدية بأسلوب غربي في محاولة للتكيف مع العالم والحداثة عبر لجوء بعض المطاعم إلى استخدام الشوكة والسكين بدلا من العيدان، وغيره من التقاليد الغربية.
المطبخ الكوري بشكل عام مطبخ صحي وغير مدهن؛ يعتمد كثيرا على المواد الطازجة، وبالتحديد الأرز والخضراوات والفاصوليا وشتى أنواع الشوربات؛ إذ نشأ هذا المطبخ من التقاليد الزراعية والبدوية القديمة في جنوب منشوريا وشبه الجزيرة الكورية. ورغم أن الأطباق تختلف من منطقة إلى أخرى، فإن المطبخ الكوري يعتمد بشكل أساسي على الأرز الذي يطبخ على البخار، والخضراوات، واللحوم؛ وبالتحديد زيت السمسم ومعجون الفاصوليا المخمر (دوينغانغ)، وصلصة الصويا، والملح، والثوم، والزنجبيل، والفلفل الأحمر المخمر، ومعجون (كوتشوغانغ)، والأعشاب، والخس، والقرفة، والسفرجل، والرمان، والأترج (نوع من الحمضيات)، والفاكهة، والجينسينغ، والبقوليات بشكل عام. وعادة ما تقدم أطباق المقبلات والأطباق الرئيسية والحلوى على الطاولة دفعة واحدة لا بالتدريج. كما يتمتع هذا المطبخ بكثير من أطباق المقبلات أو المازة أو الأطباق الجانبية التي يطلق عليها اسم «ألبانتشان»؛ ومنها طبق الكيمخي المعروف (ملفوف مخمر وحار).
وقد لعب المطبخ الملكي في القرون الماضية دورا كبيرا في تطوير المطبخ الكوري؛ إذ جلب إلى القصور الملكية خيرة الأطباق من كل المناطق والأقاليم، وأسس لتقاليد الطبخ، ونشر أفضل خبراتها ووصفاتها وأطباقها عبر الطباخين الذين أصبحوا رهبانا في المعابد البوذية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد. ولهذا يعدّ الخبراء أن أعمدة المطبخ الكوري تعود إلى المطابخ المحلية؛ المطبخ الملكي والمطبخ البوذي.
وقد ارتبط الجانب النباتي من المطبخ الكوري أيضا بالتقاليد البوذية أو المطبخ البوذي منذ حكم الملك تييجو عام 918.
وهناك المئات من المطاعم النباتية في البلاد التي تعد بعيدة عن أعين السياح. وتضم هذه المطاعم كثيراً من البوفيت والأطباق الباردة وأطباق التافو وأطباق الكيمخي (3 أنواع - ملفوف مخلل مع الفلفل الحار - مع الفجل المخلل والحار - الأبيض غير الحار). وعلى هذا يتم تناول جميع أنواع الطعام بعيدان من الصلب غير القابل للصدأ و«ملعقة ضحلة تمت معالجتها منذ فترة طويلة وتسمى (سوي سوجو)».
وتشير المعلومات المتوفرة عن المطبخ الملكي إلى أنه تم وضع مسؤولين عن الطعام وملحقاته فيما كان يعرف بالوزارات الست التي تدير حكم جوسون.
وكان هناك موظفون خاصون بالعناية بالأرز، وكان هناك أيضا مئات من الإماء (العبيد الإناث) في البلاط الملكي لصناعة وتحضير التافو والمشروبات وكعك الأرز المعروف بالـ«تيوك» والشاي... وغيرها.
وكان عمل العبيد منظما جدا، وكانوا يتلقون المساعدة والعون من طباخين من خارج القصر أثناء تحضير الوجبات الكبيرة خلال الاحتفالات والمناسبات المهمة.
وكان يتم تقديم 5 وجبات من الطعام في القصر في اليوم؛ 3 منها وجبات رئيسية كاملة، بينما كانت وجبات بعد الظهر والمساء خفيفة. الوجبة الأولى كانت تقدم عند الفجر، وتضم الكيمخي والمحار والفطر وعصيدة الأرز والصنوبر والسمسم وصلصة الصويا.
ولا بد هنا من ذكر أن فترة حكم جوسون في القرن الخامس عشر كانت حاسمة للمطبخ الكوري؛ إذ بدأت الحكومة بنشر كتب تقنيات الفلاحة والزراعة، وبدأ الاختلاط مع الثقافات الأخرى والانفتاح على الخارج خلال الحروب في تلك الفترة وبتشجيع من الحكومة نفسها. وإضافة إلى ذلك، بدأت تصل المحاصيل الجديدة من العالم الجديد؛ أي من أميركا، عبر الصين واليابان وأوروبا والفلبين؛ ومنها الذرة والبطاطا العادية والبطاطا الحلوة والفلفل والبندورة والفستق والقرع.
وطورت الحكومة آنذاك عالم الزراعة بفرض ضرائب منخفضة وتشجيع تكنولوجيا الزراعة الجديدة. وقد بنت الحكومة نظاما متطورا ومعقدا للري، مما مكن الفلاحين من إنتاج الخضراوات على نطاق واسع وبكميات كبيرة، ولهذا كان في كوريا ما لا يقل عن ألف سوق من أسواق المحاصيل في القرن التاسع عشر.
ولا عجب إذن أن يكون هناك مع المطبخين الملكي والبوذي، كثير من التقاليد في المطبخ الكوري، كما هي الحال في المطبخين الصيني والياباني، ويؤكد كثير من الخبراء أن هذه التقاليد تعود في أصولها إلى الفلسفة الكونفوشيوسية التي انتشرت أيام حكم جوسون وتختلف بالطبع من منطقة إلى أخرى.
ومن هذه التقاليد الرئيسية الكثيرة التي تشير إليها الموسوعة الحرة، أن «يقدم الطعام الساخن على الجانب الأيمن من الطاولة والطعام البارد على الجانب الأيسر». ويفترض أن يوضع الحساء على يمين الفرد بجانب اليخنة؛ «في حين يبقى الأرز والخضراوات على الجانب الأيسر، والكيمتشي في الخلف، وتبقى الصلصة في مقدمة الطاولة».
والأهم من ذلك، عدم الحديث عن الذبح عند رؤية الحيوان، وعدم الحديث عن أشياء مقززة أثناء الطعام، ويفضل عدم الحديث تماما أثناء تناول الطعام، وعدم إلقاء العيدان على الطاولة. وكما هي الحال في العادات الشرقية؛ يقدم الطعام إلى الرجل كبير السن قبل الصغير وقبل المرأة، وهناك فصل أحيانا بين مكان تناول الرجال للطعام ومكان تناول النساء له. وفي الفترة الكولونيالية؛ أي أيام حكم اليابان من عام 1910 و1945، سيطرت اليابان على عالم الزراعة في البلاد لدعم المجهود الحربي، وتم جمع المزارع الصغيرة في مزارع كبيرة لزيادة المنتج المحلي من الأرز والبقوليات.
ومع هذا؛ تراجع عدد الوجبات في النهار إلى وجبتين فقط، وانفتحت كوريا على العالم الغربي والخبز الأبيض والنودل الجاهز.


مقالات ذات صلة

دراسة تحذر: تناول هذه الكمية من الدجاج أسبوعيا يزيد خطر الوفاة بـ27%

صحتك الدراسة كشفت عن صلة مُقلقة بين استهلاك الدجاج ومعدل الوفيات الإجمالي وسرطان الجهاز الهضمي (أ.ب)

دراسة تحذر: تناول هذه الكمية من الدجاج أسبوعيا يزيد خطر الوفاة بـ27%

لطالما أُشيد بالدجاج كبديل صحي للحوم الحمراء والمصنعة، التي رُبطت بمرض السكري وأمراض القلب والعديد من أنواع السرطان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك شوكولاته مصنوعة يدوياً في بريطانيا (رويترز)

بينها الشوكولاته... أفضل 10 وجبات خفيفة لشيخوخة صحية ومنع التدهور المعرفي

نرغب جميعنا في الحفاظ على صحتنا ونشاطنا لأطول فترة ممكنة، وإحدى طرق مكافحة الشيخوخة هي تناول أطعمة تدعم الصحة على المستوى الخلوي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك السبانخ لها فوائد صحية جمة وقد تساعد حتى في الحد من الجوع (رويترز)

هل تساعدنا السبانخ النيئة على الحد من تناول الوجبات الخفيفة؟

يتناول بعض مستخدمي منصة «تيك توك» كميات كبيرة من أوراق السبانخ النيئة، ويزعم الكثيرون أن تناول السبانخ في الصباح الباكر يُعيد تدريب براعم التذوق لدينا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك الأطعمة شديدة المعالجة وعالية السعرات الحرارية تلعب دوراً مهماً في تطور السمنة (رويترز)

كيف تؤثر 5 أيام فقط من تناول الوجبات السريعة على دماغك؟

بعد يوم عمل طويل ومجهد، أو عند ضيق الوقت، قد يكون تناول وجبة خفيفة سريعة ومشبعة - مثل رقائق البطاطس أو لوح الشوكولاته - حلاً لذيذاً ومرضياً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق من خشبة المسرح إلى خشبة تقطيع اللحم... 9 مشاهير أبدعوا في المطبخ

من خشبة المسرح إلى خشبة تقطيع اللحم... 9 مشاهير أبدعوا في المطبخ

ليست ميغان ماركل وحدها من بين المشاهير الذين يمتلكون مواهب مطبخيّة على ما استعرضت في برنامجها التلفزيوني الجديد. فقد سبقتها إلى ذلك كيت ميدلتون وغيرها من النجوم

كريستين حبيب (بيروت)

المعمول... حلوى الأعياد وبهجتها

معمول بالفستق (إنستغرام)
معمول بالفستق (إنستغرام)
TT
20

المعمول... حلوى الأعياد وبهجتها

معمول بالفستق (إنستغرام)
معمول بالفستق (إنستغرام)

يعدّ المعمول من أهم المظاهر الاحتفالية بالأعياد. هذا التقليد اللبناني العريق الذي يطبّق في القرى كما في المدن يواكب مناسبات عديدة وأهمها عيد الفصح عند المسيحيين وعيد الفطر عند المسلمين.

وتتألّف أنواع المعمول من أربعة مكونات يتم حشو عجينته بها. وهي الجوز واللوز والفستق الحلبي والتمر، والعجينة تمزج بماء الزهر وماء الورد حسب الرغبة. ومن ثم يتم حشوها وخبزها لتقدّم ضيافةً محببةً في العيدين المذكورين.

كانت ربة المنزل تصنع المعمول بكميات كبيرة (إنستغرام)
كانت ربة المنزل تصنع المعمول بكميات كبيرة (إنستغرام)

ذكريات المعمول

لدى اللبنانيين ذكريات كثيرة حول هذه الحلوى. فبعضهم وما إن يشتم رائحتها تفوح من مطابخ أمهاتهم حتى يستعيدوا شريط طفولتهم السعيدة. فمشهدية اللمّة النسائية حول طاولة كبيرة يحضّرن فيها المعمول لا تبارح أذهانهم. أما صوت قالب المعمول الخشبي والمزخرف برسوم تخص حشوة كل نوع فتذكّرهم باللحظات التي تسبق وصول العيد بأيام قليلة. ويقول نادر المرّ في هذا الإطار: «كانت مهمتي أن أرش السكّر الناعم على هذه الحلوى بعد خبزها مباشرة. فكانت لحظات أشعر فيها بالفرح لا يمكنني نسيانها».

معمول بالتمر (إنستغرام)
معمول بالتمر (إنستغرام)

أما آمال العاجوري، فتقول لـ«الشرق الأوسط»: «تحضير المعمول في يوم الخميس الذي يسبق أحد الفصح يشكّل عادة سنوية في منزلنا. وكانت جدّتي تحرص على وضع هذه الحلوى في وعاء كبير من الألمنيوم نسميّه (اللكن). فتضعه تحت سريرها كي لا نتناوله من دون إذنها».

أما سهى البعدراني، فتتذكر تحضيره عشية عيد الفطر: «كنا نسهر حتى ساعة متأخرة مع والدتي والجيران نحضّر هذه الحلوى. وكانت والدتي تتمسّك بهذه العادة لأنها برأيها تجلب البركة في البيوت».

معمول حديث بنكهات متجددة

لم تبق أصناف حلوى المعمول على حالها عبر الزمن. ولم يكتف أصحاب محلات الحلوى بصنع التقليدي منها. فأضافوا إلى المعمول المحشو بالجوز واللوز والتمر والفستق الحلبي مكونات أخرى، ومن بينها القشدة والجبنة ومربى البوصفير أو مربى البرتقال. ومن ثم تم إدخال عدة أنواع مربات في حشوتها كالفريز والتين والتوت والكرز.

المعمول بحشوات مختلفة (إنستغرام)
المعمول بحشوات مختلفة (إنستغرام)

وتتبع مطاعم معروفة في لبنان ضيافة زبائنها في الأعياد بالمعمول المحشو بالقشدة والجبن. ويقدّم ساخناً بحيث تسيل هذه المكونات من قطعة الحلوى مباشرة مع أول قضمة. ولم يتوانَ بعض الطبّاخين في إدراج الشوكولاته على مكونات حشوة المعمول. حتى صارت هذه الحلوى هي الفضلى لبث البهجة في قلوب الصغار والكبار.

أحجام حلوى المعمول وعملية تقديمها

كانت محلات الحلوى في الماضي القريب تصنع قطع المعمول في قوالب خشبية كبيرة. وكانت من ثم تغلّفها بورق شفاف مطبوع عليه اسم المحل وعنوانه. ومع بداية التسعينات بدأت هذه التغليفة تضمحل. وركن أصحاب تلك المحلات إلى تصغير أحجام قطع حلوى المعمول. ويشير منير أحد العاملين في محلات حلوى مشهورة في بيروت لـ«الشرق الأوسط»: «المعمول المغلّف بالورق صار نادراً ما نجده في محلات الحلوى في بيروت. بينما لا تزال مدن أخرى كصيدا وصور وطرابلس تحافظ عليها. فالرائج اليوم في العاصمة قطع المعمول «اللقمة». ويمكن تناولها من دون قضمها نظراً لصغر حجمها. وهي تباع بالكيلو غرام أو بالدرزن. وتوضّب في علب كرتون كما أي نوع حلوى آخر». ويتابع: «يتراوح سعر الكيلوغرام المشكّل من المعمول ما بين المليونين و4 ملايين ليرة (40 دولاراً). ويرتفع هذا السعر في محلات حلوى مشهورة بصنع المعمول حسب الطلب فقط. فلا تحضّرها من دون موعد سابق، ولا في باقي أيام السنة. وتكتفي بصنعها فقط أيام عيد الفصح أو عيد الفطر».

المعمول التقليدي الذي يقدم في الاعياد (إنستغرام)
المعمول التقليدي الذي يقدم في الاعياد (إنستغرام)

المعمول الضيافة الأشهر في الأعياد

كانت في الماضي تصنع ربّات المنازل حلوى المعمول بكميات كبيرة. فيصنعن من 5 إلى 7 كيلوغرامات منها، حيث يحسب حساب الضيوف والزوار في مناسبة الأعياد. وكذلك تأخذن بعين الاعتبار توزيع كميات منها إلى الأصدقاء والأحباب. ولكن هذه الكميات بدأت تتضاءل مع الوقت. وذلك بسبب اختصار الزيارات بين الناس والجيران. فغابت عن روزنامة الاحتفالات بالعيد. فغالبية اللبنانيين باتوا لا يزورون بعضهم بعضاً في الأعياد. واكتفوا بإرسال عبارات التهنئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وكذلك في رسائل إلكترونية قصيرة وموجزة.

وتقول أم هاني، وهي في العقد السابع من عمرها: «اختفت بهجة العيد ولمّة الناس في البيوت للقيام بواجبات التهنئة في الأعياد. وصارت كمية المعمول التي نصنعها لا تتجاوز الكيلوغراماً. والأسوأ هو أن تناولها بات يقتصر على أفراد العائلة الواحدة. وهذا الأمر ينطبق على ضيافة الشوكولاته في مثل هذه المناسبات. فصار من غير الضروري شراؤها لأن الناس انقطعت عن زيارة بعضها بعضاً منذ زمن طويل».