المطبخ الكوري ينفتح على الغرب بوصفات تقليدية معدلة

مزيج من الطعام الملكي والبوذي

المطبخ الكوري ينفتح على الغرب بوصفات تقليدية معدلة
TT

المطبخ الكوري ينفتح على الغرب بوصفات تقليدية معدلة

المطبخ الكوري ينفتح على الغرب بوصفات تقليدية معدلة

يعرف الناس الكثير عن المطابخ الآسيوية، خصوصاً المطابخ الصينية واليابانية والهندية والتايلاندية، هذه الأيام، لكنهم لا يزالون يجهلون نسبياً المطبخ الكوري الذي يعد واحداً من المطابخ المهمة في تلك المنطقة من العالم بعيداً عن التعريف البسيط بطبق الكيمتشي أو الكيمخي.
وهو ليس مرآة للمطبخين الصيني والياباني رغم القواسم المشتركة معهما. وتحاول الحكومة الكورية الجنوبية تغيير هذا الوضع عبر التركيز على تعليم الكوريين خلال السنوات الماضية اللغات الغربية الرئيسية كالإنجليزية والإسبانية والفرنسية... وغيره، مما سيساعد الكوريين، وخصوصا الطباخين على افتتاح مطاعم خارج كوريا وفي العواصم الكبرى ونشر تقاليد الطبخ الكورية وتعريف العالم بأطباق هذا المطبخ الكبير ومذاقاته والتركيز على مفرداته.
ولهذا السبب أيضا يحاول الكوريون الجنوبيون في العاصمة سيول هذه الأيام تقديم الوصفات التقليدية بأسلوب غربي في محاولة للتكيف مع العالم والحداثة عبر لجوء بعض المطاعم إلى استخدام الشوكة والسكين بدلا من العيدان، وغيره من التقاليد الغربية.
المطبخ الكوري بشكل عام مطبخ صحي وغير مدهن؛ يعتمد كثيرا على المواد الطازجة، وبالتحديد الأرز والخضراوات والفاصوليا وشتى أنواع الشوربات؛ إذ نشأ هذا المطبخ من التقاليد الزراعية والبدوية القديمة في جنوب منشوريا وشبه الجزيرة الكورية. ورغم أن الأطباق تختلف من منطقة إلى أخرى، فإن المطبخ الكوري يعتمد بشكل أساسي على الأرز الذي يطبخ على البخار، والخضراوات، واللحوم؛ وبالتحديد زيت السمسم ومعجون الفاصوليا المخمر (دوينغانغ)، وصلصة الصويا، والملح، والثوم، والزنجبيل، والفلفل الأحمر المخمر، ومعجون (كوتشوغانغ)، والأعشاب، والخس، والقرفة، والسفرجل، والرمان، والأترج (نوع من الحمضيات)، والفاكهة، والجينسينغ، والبقوليات بشكل عام. وعادة ما تقدم أطباق المقبلات والأطباق الرئيسية والحلوى على الطاولة دفعة واحدة لا بالتدريج. كما يتمتع هذا المطبخ بكثير من أطباق المقبلات أو المازة أو الأطباق الجانبية التي يطلق عليها اسم «ألبانتشان»؛ ومنها طبق الكيمخي المعروف (ملفوف مخمر وحار).
وقد لعب المطبخ الملكي في القرون الماضية دورا كبيرا في تطوير المطبخ الكوري؛ إذ جلب إلى القصور الملكية خيرة الأطباق من كل المناطق والأقاليم، وأسس لتقاليد الطبخ، ونشر أفضل خبراتها ووصفاتها وأطباقها عبر الطباخين الذين أصبحوا رهبانا في المعابد البوذية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد. ولهذا يعدّ الخبراء أن أعمدة المطبخ الكوري تعود إلى المطابخ المحلية؛ المطبخ الملكي والمطبخ البوذي.
وقد ارتبط الجانب النباتي من المطبخ الكوري أيضا بالتقاليد البوذية أو المطبخ البوذي منذ حكم الملك تييجو عام 918.
وهناك المئات من المطاعم النباتية في البلاد التي تعد بعيدة عن أعين السياح. وتضم هذه المطاعم كثيراً من البوفيت والأطباق الباردة وأطباق التافو وأطباق الكيمخي (3 أنواع - ملفوف مخلل مع الفلفل الحار - مع الفجل المخلل والحار - الأبيض غير الحار). وعلى هذا يتم تناول جميع أنواع الطعام بعيدان من الصلب غير القابل للصدأ و«ملعقة ضحلة تمت معالجتها منذ فترة طويلة وتسمى (سوي سوجو)».
وتشير المعلومات المتوفرة عن المطبخ الملكي إلى أنه تم وضع مسؤولين عن الطعام وملحقاته فيما كان يعرف بالوزارات الست التي تدير حكم جوسون.
وكان هناك موظفون خاصون بالعناية بالأرز، وكان هناك أيضا مئات من الإماء (العبيد الإناث) في البلاط الملكي لصناعة وتحضير التافو والمشروبات وكعك الأرز المعروف بالـ«تيوك» والشاي... وغيرها.
وكان عمل العبيد منظما جدا، وكانوا يتلقون المساعدة والعون من طباخين من خارج القصر أثناء تحضير الوجبات الكبيرة خلال الاحتفالات والمناسبات المهمة.
وكان يتم تقديم 5 وجبات من الطعام في القصر في اليوم؛ 3 منها وجبات رئيسية كاملة، بينما كانت وجبات بعد الظهر والمساء خفيفة. الوجبة الأولى كانت تقدم عند الفجر، وتضم الكيمخي والمحار والفطر وعصيدة الأرز والصنوبر والسمسم وصلصة الصويا.
ولا بد هنا من ذكر أن فترة حكم جوسون في القرن الخامس عشر كانت حاسمة للمطبخ الكوري؛ إذ بدأت الحكومة بنشر كتب تقنيات الفلاحة والزراعة، وبدأ الاختلاط مع الثقافات الأخرى والانفتاح على الخارج خلال الحروب في تلك الفترة وبتشجيع من الحكومة نفسها. وإضافة إلى ذلك، بدأت تصل المحاصيل الجديدة من العالم الجديد؛ أي من أميركا، عبر الصين واليابان وأوروبا والفلبين؛ ومنها الذرة والبطاطا العادية والبطاطا الحلوة والفلفل والبندورة والفستق والقرع.
وطورت الحكومة آنذاك عالم الزراعة بفرض ضرائب منخفضة وتشجيع تكنولوجيا الزراعة الجديدة. وقد بنت الحكومة نظاما متطورا ومعقدا للري، مما مكن الفلاحين من إنتاج الخضراوات على نطاق واسع وبكميات كبيرة، ولهذا كان في كوريا ما لا يقل عن ألف سوق من أسواق المحاصيل في القرن التاسع عشر.
ولا عجب إذن أن يكون هناك مع المطبخين الملكي والبوذي، كثير من التقاليد في المطبخ الكوري، كما هي الحال في المطبخين الصيني والياباني، ويؤكد كثير من الخبراء أن هذه التقاليد تعود في أصولها إلى الفلسفة الكونفوشيوسية التي انتشرت أيام حكم جوسون وتختلف بالطبع من منطقة إلى أخرى.
ومن هذه التقاليد الرئيسية الكثيرة التي تشير إليها الموسوعة الحرة، أن «يقدم الطعام الساخن على الجانب الأيمن من الطاولة والطعام البارد على الجانب الأيسر». ويفترض أن يوضع الحساء على يمين الفرد بجانب اليخنة؛ «في حين يبقى الأرز والخضراوات على الجانب الأيسر، والكيمتشي في الخلف، وتبقى الصلصة في مقدمة الطاولة».
والأهم من ذلك، عدم الحديث عن الذبح عند رؤية الحيوان، وعدم الحديث عن أشياء مقززة أثناء الطعام، ويفضل عدم الحديث تماما أثناء تناول الطعام، وعدم إلقاء العيدان على الطاولة. وكما هي الحال في العادات الشرقية؛ يقدم الطعام إلى الرجل كبير السن قبل الصغير وقبل المرأة، وهناك فصل أحيانا بين مكان تناول الرجال للطعام ومكان تناول النساء له. وفي الفترة الكولونيالية؛ أي أيام حكم اليابان من عام 1910 و1945، سيطرت اليابان على عالم الزراعة في البلاد لدعم المجهود الحربي، وتم جمع المزارع الصغيرة في مزارع كبيرة لزيادة المنتج المحلي من الأرز والبقوليات.
ومع هذا؛ تراجع عدد الوجبات في النهار إلى وجبتين فقط، وانفتحت كوريا على العالم الغربي والخبز الأبيض والنودل الجاهز.


مقالات ذات صلة

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته على معتقداته.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».