عاصفة ترابية شديدة تضرب مصر وتوقع خسائر بشرية ومادية

«الصحة» حذرت المواطنين من الخروج إلى الشارع

وزارة الصحة المصرية طالبت المواطنين بتوخي الحذر وعدم الخروج من المنازل (إ.ب.أ)
وزارة الصحة المصرية طالبت المواطنين بتوخي الحذر وعدم الخروج من المنازل (إ.ب.أ)
TT

عاصفة ترابية شديدة تضرب مصر وتوقع خسائر بشرية ومادية

وزارة الصحة المصرية طالبت المواطنين بتوخي الحذر وعدم الخروج من المنازل (إ.ب.أ)
وزارة الصحة المصرية طالبت المواطنين بتوخي الحذر وعدم الخروج من المنازل (إ.ب.أ)

ضربت عاصفة ترابية شديدة، المدن المصرية، أمس، وأدت إلى سقوط عدد من الأشجار وقطع أسلاك الكهرباء، وسقوط بعض شرفات المنازل، وسقوط لافتات الإعلانات على بعض الطرق الرئيسية، بالإضافة إلى إغلاق عدد من الموانئ المصرية، وحدائق الحيوان، وبعض الحدائق العامة في المحافظات المصرية. وأدت العاصفة الترابية إلى حجب الرؤية على الطرق الرئيسية، وتعطل حركة المرور.
بدورها، ذكرت وسائل إعلام محلية، أمس، أن لوحة إعلانات سقطت بطريق (الإسماعيلية - القاهرة) الصحراوية، وأخرى بمحيط مدينة الرحاب، بالإضافة إلى سقوط أشجار بمناطق متفرقة بالقاهرة والجيزة، بسبب العاصفة الترابية، كما وقع حادث مروري أعلى «محور 26 يوليو»، بالجيزة، بسبب سوء الأحوال الجوية. ولقي 4 أشخاص مصرعهم في حادث انقلاب سيارة تاكسي على طريق (المحلة - كفر الشيخ)؛ بسبب الطقس السيئ، كما شهدت مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية أيضاً سقوط أشجار أمام مستشفى الصدر بالمدينة.
وفي قرية النزل التابعة لمركز منية النصر بمحافظة الدقهلية، لقي 3 أشخاص من أسرة واحدة مصرعهم، في حادث سيارة. كما تسببت العاصفة الترابية بوقوع عدد من الأشجار وأعمدة الإنارة أيضاً بمناطق مختلفة بمدن المحافظة الواقعة شمالي القاهرة.
فيما تعرضت مدينة الإسكندرية (شمالي مصر) إلى موجة شديدة من الطقس السيئ والعواصف، تسببت أمس في سقوط أجزاء من عقار بشارع العيسوي بمنطقة «المنتزه» (شرق الإسكندرية). وفي المدينة ذاتها، استمر إغلاق بوغاز ميناء الإسكندرية لليوم الرابع على التوالي. ووفق تصريحات اللواء بحري مدحت عطية، رئيس هيئة ميناء الإسكندرية، لصحف مصرية، فإن سرعة الرياح وصلت أمس إلى 35 عقدة، وارتفعت الأمواج لأكثر من 4 أمتار، كما بلغ عدد السفن الموجودة بالمخطاف الخارجي 39 سفينة.
من جهتها كثفت الإدارة العامة للمرور من وجودها على الطرق السريعة للإغاثة المرورية، وخصصت رقماً ساخناً للإغاثة، وطالبت قائدي المركبات بمضاعفة مسافة الأمان بين السيارات على الطرق، لتفادي وقوع حوادث. ونصحتهم أيضاً بعدم استخدام «التليفون المحمول» (الجوال)؛ لأنه يؤدي إلى فقدان التركيز في أثناء القيادة.
من جهته، قال الدكتور أحمد عبد العال، رئيس الهيئة العامة للأرصاد الجوية، في تصريحات تلفزيونية، أمس، إن «مصر تتعرض لموجة من التقلبات الجوية، ونشاط ملحوظ للرياح المثيرة للرمال والأتربة، مع ارتفاع في أمواج البحر المتوسط حتى نهاية الأسبوع الجاري».
إلى ذلك، تسببت العاصفة الترابية للمرة الثانية خلال الأسبوع الجاري، في إغلاق حديقة حيوان الجيزة، وإغلاق جميع حدائق الحيوان، التابعة للهيئة العامة للخدمات البيطرية بالمحافظات، خوفاً من سقوط أشجار على الزائرين، وتعرض الحيوانات والطيور إلى مخاطر صحية.
في السياق ذاته، حذرت وزارة الصحة المصرية المواطنين، أمس، وطالبتهم بتوخي الحذر، وعدم الخروج من المنزل مع استمرار التقلبات الجوية وسوء أحوال الطقس، والذي يكون سبباً في ارتفاع نسب الإصابة بأمراض الشتاء، كنزلات البرد والالتهابات الرئوية والأمراض المناعية.
وأكدت وزارة الصحة في بيان لها أمس، ضرورة عدم التعرض لتيارات الهواء البارد بشكل مباشر، وتجنب الانتقال المفاجئ من الأجواء الدافئة إلى الباردة، والعكس، مشيرة إلى أهمية الحفاظ على التنفس من خلال الأنف؛ لأنه بمثابة «فلتر» طبيعي للهواء.
وطالبت الوزارة المواطنين بعدم الخروج من المنازل في الأيام التي تنتشر بها العواصف والأتربة، إلا لظروف قهرية، وعند الحاجة، على أن تتم تغطية الأنف وارتداء الملابس الثقيلة.


مقالات ذات صلة

15 ظاهرة تجسّد واقع التغيرات المناخية في السعودية

ظواهر جوية حادة أثّرت على مناطق السعودية خلال عام 2024 (الأرصاد)

15 ظاهرة تجسّد واقع التغيرات المناخية في السعودية

كشف المركز السعودي للأرصاد عن 15 ظاهرة جوية حادة أثّرت على مناطق المملكة خلال عام 2024 وتجسّد بوضوح تأثير التغيرات المناخية التي تشهدها البلاد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
الولايات المتحدة​ طائرة تتبع خدمة الشحن «يو بي إس» في مطار محمد علي الدولي في لويسفيل خلال عاصفة شتوية (أ.ف.ب)

شركات طيران أميركية تلغي أكثر من 1300 رحلة بسبب عاصفة شتوية

ألغت شركات الطيران في الولايات المتحدة أكثر من 1300 رحلة بسبب عاصفة شتوية مصحوبة بالثلوج والجليد ودرجات حرارة تصل إلى الصفر في مناطق شاسعة بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق محافظة طريف سجّلت أدنى درجة مئوية في السعودية السبت عند واحدة تحت الصفر (واس)

السعودية: استمرار انخفاض درجات الحرارة... وأمطار على معظم المناطق

سجّلت محافظة طريف (شمال السعودية) درجة مئوية واحدة تحت الصفر، هي الأدنى في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق التقرير المناخي المعني بفصل الشتاء في السعودية يُشير إلى اعتدال نسبي هذا العام (واس)

موجة باردة تؤثر على دول الخليج... والحرارة تصل للصفر

موجة باردة تشهدها دول الخليج تسببت في مزيد من الانخفاض لدرجات الحرارة، لتقترب من درجة صفر مئوية في عدد من المناطق.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق استمرت أقوى موجة برد شهدتها السعودية 7 أيام متواصلة (واس)

متى شهدت السعودية أقوى موجة برد تاريخياً؟

شهدت السعودية قبل 33 عاماً أقوى موجة برد في تاريخها، واستمرت 7 أيام متواصلة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)