موضوعات شديدة الحساسية تتماس مع الواقع العربي بكل تناقضاته، هي ما تعالجها العروض المسرحية المشاركة في الدورة الـ11 من مهرجان المسرح العربي، الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح في القاهرة. ففي ميلودراما «نساء بلا ملامح» للمخرج إياد شطناوي الذي عرض أخيراً في المسرح القومي بالعتبة، في إطار الدّورة الحالية، يتطرق العرض لسياط المجتمع المسلطة على النساء ومحاولة النساء للتّمرد على واقعهن في ظل مجتمع ذكوري يفرض سلطاته من ناحية، وفي ظل أحكام ظالمة تُطلقها أيضاً النساء على بعضهن.
العرض الأردني من بطولة: علي عليان، وأريج دبابنة، ورناد ثلجي، وحلا طوالبة، والنص من تأليف عبد الأمير شمخي. قدم معالجته الدرامية، علي عليان، وصمم السينوغرافيا، محمد المراشدة، فيما صممت الكريوغراف، أنى قرة ليان، والموسيقى من تأليف عبد الرزاق مطرية. ويتنافس العرض مع 8 عروض أخرى للحصول على جائزة الشيخ سلطان القاسمي لأفضل عرض مسرحي قيمتها 100 ألف درهم إماراتي.
النّص هنا هو بطل العرض المسرحي مع بعض الأداء الحركي البسيط من قبل الممثلات والجلاد، حيث يتطور الفعل المسرحي عبر الحكي المتدفق لسيرة كل منهنّ: «المحافظة الملتزمة» و«فتاة الليل» و«الفتاة الجامعية»، مستعرضاً شكل الظلم الذي وقع عليهن. يبدأ العرض بمشهد يجسد قسوة الجلاد (المجتمع) في التعامل مع النساء، والسجن هنا كناية عن حبسهن في قوالب صور نمطية يحكم بها على النساء، وتُعاقبن من دون ذنب اقترفنه، كما يوصمن بخطايا الرجال أيضاً. كلٌ منهن تحمل جنيناً ويعشن في صراع بين انتظار حدث سعيد وبين التخوف من المستقبل وتساؤلات في أي مستقبل ينتظر أبناءهن وبناتهن، وعلى الرّغم من كل القيود والجدران تحاول النساء الهرب من خلف الجدران في كناية عن محاولة كسر القيود المجتمعية الظالمة وتحطيم العادات البالية.
ويُظهر العرض بذكاء، تسلط المرأة على المرأة أيضاً، بمثال الزوجة الملتزمة التي يعاملها زوجها معاملة وحشية، معتبراً أنّها متساوية بالبقرة، لكنّها على الرّغم من كل القهر الذّكوري الذي عانت منه، تعتبر أنّها أفضل من فتاة الليل. وبعد كل ما تعرضن له في حياتهن يقول لهنّ الجلاد ستعدن للحياة، وسنعترف أنكنّ تعرضتن لـ«شوية مضايقات».
تتصاعد ذروة الفعل المسرحي حينما يُخيرهن «الجلاد» أو (المجتمع) بين أن يتخلصن من أجنتهن قبل ولادتهم، أو قتلهم بالسم في الحليب انتقاماً للشرف أو هرباً من مصير مظلم للأطفال، ولكي تعود كل منهن لحياتها الطبيعية من دون مضايقات أو تعذيب من المجتمع أو الموت.
حياة عصيبة ما بين الحياة والموت تعيشها بطلات «نساء بلا ملامح»، جعلت من حياتهن جحيماً، لكنهنّ يحاولن التمرد بضرب «البراميل» التي تمثل «القوالب النّمطية» التي يقولبهن بها المجتمع، ويخنق حياتهن الشخصية والأسرية والمهنية. ويختتم العرض بهذا المشهد واضعاً المتلقي أمام مواجهة مع ذاته إذا كان يتخذ دور الجلاد.
الفنان علي العليان الذي لعب دور الجلاد في «نساء بلا ملامح»، قال لـ«الشرق الأوسط»، إنّ العرض يرتكز على نص قوي يحاول أن يستفز الوعي الجماهيري ويحرّك مشاعره، ومن ثم تغيير الواقع المجتمعي في العالم العربي نحو قضايا النساء، وهذه رسالة المسرح. وكشف مؤلف النّص العراقي عبد الأمير الشّمخي، أنّه يسعى حالياً لإخراج النّص بنسخة إنجليزية لتقديمه مع فرقة كندية فهو في مضمونه نص إنساني لا يخاطب المرأة العربية فحسب، بل يروي ويجسد معاناة البشر الذين يعانون من الظلم وفقاً للنظرة المجتمعية وقانون القوة الذي يسود الحياة.
وعن العرض يقول المخرج إياد شطناوي لـ«الشرق الأوسط»، «نساء بلا ملامح» يمثّل مكاشفة للواقع الذي تعايشه المرأة بمختلف انتماءاتها الطبقية والاجتماعية في مختلف أنحاء العالم العربي، وقد نجح المؤلف الكاتب العراقي عبد الأمير الشمخي في تقديم المرأة محوراً للعرض. وأضاف: «العرض تجربة جديدة من تجارب المسرح الحر التي تحاول تقديم أساليب مركزة في التناول المسرحي».
ويشارك في الدورة الجارية من مهرجان المسرح العربي أكثر من 600 مسرحي عربي يقدّمون 27 عرضاً مسرحياً في أكبر تظاهرة مسرحية عربية تهدف لإعادة الوهج لخشبة المسرح.
«نساء بلا ملامح»... ميلودراما تستفز الوعي العربي تجاه قضايا النساء
ينافس على جائزة الشيخ سلطان القاسمي في مهرجان المسرح العربي
«نساء بلا ملامح»... ميلودراما تستفز الوعي العربي تجاه قضايا النساء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة