تحديات توحيد المعارضة الإيرانية وموقف البيت الأبيض

لم يكن مفاجئاً تصريح وزير الاستخبارات الإيراني، محمود علوي، الذي حذّر فيه يوم الثلاثاء الماضي، من تكثيف الجهود والمشاورات والتحركات التي تقوم بها أحزاب القوميات والمعارضة الإيرانية من أجل توحيد صفوفها للإطاحة بنظام ولاية الفقيه.
كما يلاحظ الجميع فإن إران تعيش في الوقت الراهن حالة ملتهبة نظراً إلى تصاعد وتيرة المظاهرات الشعبية والاحتجاجات العمالية في الداخل، وكذلك تحرك قوى المعارضة في الخارج تزامناً مع تزايد الضغوط الدولية والأميركية على النظام الإيراني لوقف أعماله الإرهابية في المنطقة والعالم وقمع شعبه في الداخل.
وبناءً على هذه التطورات، فقد أصبحت قضية رحيل أو بقاء نظام الملالي في إيران واحتمال تفجّر الأوضاع من الداخل محتملين في أي لحظة، حيث أصبحت الأوضاع مصدر قلق للمجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص في البيت الأبيض وبين قادة الدول الغربية في أوروبا.
وتتجه الأنظار حول الداخل الإيراني بسبب اتساع رقعة الاحتجاجات والمظاهرات والتحركات الشعبية في معظم الأقاليم، خصوصاً المظاهرات العمالية التي بدأت الشهر الماضي من قبل عمال مصانع السكر في مدينة السوس شمال إقليم الأهواز، ثم إلى عمال مجموعة الفولاذ (الصلب) في مدينة الأهواز، وفي مصفاة عبادان، والصناعات البتروكيماوية في مدينة معشور بسبب عدم دفع رواتب العمال لعدة أشهر. كما شهدنا في أنحاء إيران حملات ومظاهرات تضامنية لدعم مطالب العمال لطلاب جامعة طهران وجامعة شريف.
حدث كل هذا بعد 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، أي الجولة الثانية من العقوبات الأميركية التي أسهمت في تدهور وضع الاقتصاد الإيراني، وبات النظام يواجه مأزقاً في السياستين الداخلية والخارجية. ودفع هذا الوضع الإيراني المتأزم بزعماء وقادة الولايات المتحدة وأوروبا نحو البحث بجدية عن تطورات هذا الوضع ومآلاته.
وفي الأسبوع الماضي، أقام معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ندوة في واشنطن بحضور رضا بهلوي، ابن الشاه الذي أطاحت به الثورة.
وفي قسم الأسئلة والأجوبة، سألته إحدى الصحافيات المشهورات والمتخصصة في شؤون إيران بمعهد الأطلسي، السيدة باربارا أسلاون، عما إذا كان قد قابل الرئيس ترمب أو البيت الأبيض حول الإطاحة بالنظام في طهران؟ كما سألته: كيف يتم تمويلكم؟ من أميركا أو من أي مكان آخر؟
وسأله صحافي آخر: ما علاقتك بمنظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية؟ وهل تتعاون أو تعمل معهم أم تختلف معهم؟
وأجاب رضا بهلوي بأنه لم يقابل الرئيس ترمب أو أي شخص آخر في البيت الأبيض، لكنه مستعدّ لذلك. كما قال إنه ليس لديه أي نوع من الدعم أو التمويل، وطالب الأميركيين بتجميد ثروات الملالي وعوائلهم في أميركا ونقلها لحسابات المعارضة الإيرانية. وفي ما يخص منظمة «مجاهدين خلق»، قال إنهم يرفضونه وليسوا مستعدين للجلوس والتعاون معه أو مع أي شخص أو تنظيم آخر من المعارضة.
وهنا تُطرح عدة نقاط وتساؤلات؛ أولها أنه على الرغم من أن النقاش الدائر حول إمكانية الإطاحة بالنظام الإيراني في أي لحظة وطبعاً لدى الغرب مصالح واسعة في ذلك وفي نفس الوقت لديه مخاوف وقلق استراتيجي.
فلماذا لا تقوم الولايات المتحدة بالتعاون مع قيادة القوات المعارضة سواء الملكيين أو غيرهم؟ ولماذا لا تسهل واشنطن الأمر للانتقال السلمي من نظام ديكتاتورية الجمهورية الإسلامية إلى نظام ديمقراطي، للحيلولة دون حدوث فوضى في إيران؟
وأستطيع أن أقول: إن استنتاجي هو أن الأميركيين لا يرغبون في هذا التغيير في الوقت الحاضر رغم أنهم لا يستبعدون فكرة الإطاحة بالنظام.
وفي رأيي، تعود أسباب ذلك إلى تحليل البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي المبنيّ على عدم بلورة بديل شامل ليحل محل نظام ولاية الفقيه، فهم يعتقدون أن النظام الملكي في إيران قد انقرض ولم يعد الشعب الإيراني يقبل به ولن تكون هناك عودة إلى الوراء، رغم كره الناس لنظام الجمهورية الإسلامية.
وبالنسبة إليّ شخصياً فقد قلت لرضا بهلوي مرات عديدة هذه النقطة بوضوح، وأكدت ذلك خلال دعوات خاصة وجّهها إليّ للتباحث حول تنسيق جهود المعارضة ضد النظام، في منزله في مريلاند، بأطراف واشنطن.
كما أنني أضفت إلى ذلك «إننا مستعدون للتعاون مع الجميع من أجل إسقاط الملالي، بمن فيهم أنت، على الرغم من أن والدك سجنني وعذبني لسنوات، لكنني أقبلك كجهة معارضة وكشخص ديمقراطي لا كشاه لإيران، أما غير ذلك، لا أنا ولا المنظمات والأحزاب التي أتعاون معها، ولا شعبنا العربي الأهوازي، ينسى التاريخ الأسود للشاه والسافاك، ولا يتقبلون قطعاً عودة أي نظام وراثي، لكننا سنعمل على إيجاد أرضية تعاون مشتركة بهدف إسقاط الجمهورية الإسلامية وإحلال نظام جمهوري ديمقراطي فيدرالي يوفر حقوق وحريات جميع المواطنين والشعوب والقوميات والأقليات والمكونات في إيران المستقبل».
من ناحية أخرى، لدى أنصار النظام الملكي مجموعات قوية ومؤثرة تعمل حول رضا بهلوي، ويتواصلون بشكل مكثف مع الكونغرس والبيت الأبيض ووزارة الخارجية، ويبثون دعاية معادية ضد منظمة «مجاهدين خلق»، كما ينشرون دعاية مشابهة حول أحزاب ومنظمات القوميات غير الفارسية ويقولون للأميركيين إن هذه جهات انفصالية.
أما بالنسبة إلى قوى اليسار الفارسية في إيران، فلسوء الحظ ورغم أنهم جمهوريون، لكنهم في نفس الوقت قوميون متطرفون، غير مستعدين للتعاون مع الملكيين ولا مع «مجاهدين خلق» بسبب تعاون المنظمة مع صدام كما يدّعون، ولا مستعدين للعمل مع أحزاب ومنظمات الشعوب غير الفارسية.
للأسف يقع معظم اليسار الإيراني تحت تأثير القوميين المتطرفين الفرس الذي يُخيفون الإيرانيين من الفيدرالية تحت ذريعة أنها تمهد لتفكك إيران وانفصال الشعوب غير الفارسية، حيث ما زالوا يصرون على الرؤية الأحادية المتطرفة التي تصر ضمن خطاب دوغمائي بأن إيران بلد ذو لغة وثقافة وهوية واحدة وهي الفارسية وليس بلداً لكل قومياته ومكوناته.
لكن في المقابل، قطعت القوى السياسية للشعوب غير الفارسية أشواطاً كبيرة في الإنجازات السياسية وتحقيق ائتلافات حقيقية بهدف إسقاط النظام وإحلال نظام تعددي فيدرالي ديمقراطي.
أما بالنسبة إلى الموقف الأميركي تجاه قوى المعارضة، فبدأ يتضح من المواقف والتصريحات الرسمية خلال عام مضى سواء في الكونغرس ومن قبل الحزبين، أو البيت الأبيض ووزارة الخارجية التي عقدت اجتماعات مختلفة مع جماعات المعارضة، فهناك نوع من الاتفاق حول التغيير السلمي التدريجي من خلال الحراك الداخلي ودعم القوى الديمقراطية في الداخل والخارج.
هذا بينما الأحزاب والتنظيمات التابعة للقوميات التي لا تطالب بالانفصال وتدعو لتطبيق نظام فيدرالي ديمقراطي لتتمكن من إنشاء أقاليم وحكومات محلية ضمن نظام تعددي على أنقاض نظام ولاية الفقيه، شكّلت ائتلافات حقيقية خلال السنوات الأخيرة.
لقد بدأت هذه الائتلافات بـ«مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية» الذي يضم 14 حزباً وتنظيماً من القوميات المنظمة ويتخذ من السويد مركزاً له، إلى «مجلس القوى الديمقراطية في إيران» والذي يتكون من 12 منظمة عربية وكردية وتركية وبلوشية وتركمانية ولورية وبعض الأحزاب والقوى التقدمية الفارسية مثل الجبهة الديمقراطية الإيرانية، ومركزه في ألمانيا، إلى تحالف أوسع تشكل مؤخراً ضم 11 تنظيماً بما فيها منظمات اليسار الإيراني والليبراليون وأحزاب القوميات ومقره في باريس.
وبالطبع هناك تحديات وصعوبات لتوحيد كل قوى وأطراف المعارضة الإيرانية كما اعترف بذلك رضا بهلوي، والتحدي الأكبر هو موقف الرئيس ترمب حيال النظام الإيراني، وما إذا كان فعلاً يريد التخلص من هذا النظام الذي قال عدة مرات إنه الراعي الأكبر للإرهاب في العالم وبات يشكّل تهديداً للأمن والسلام العالميين.
كما أن نشاط اللوبي الإيراني الممول من نظام طهران والذي يتعاون معه القوميون الفرس المتعصبون في الغرب، يعد تحدياً آخر، حيث إن جزءاً من جهوده ينصب في سبيل عدم توحيد المعارضة.
لكن رغم كل ذلك، هناك تحرك جدي وواسع في واشنطن من قبل أطراف مهمة من المعارضة الإيرانية لإقناع إدارة ترمب بضرورة اتخاذ خطوات جادة لدعم عملية التغيير في إيران من خلال دعم القوى الديمقراطية لإيجاد بديل حقيقي وشامل لنظام ولاية الفقيه.