«روما» كوارون غير «روما» فيليني والبطولة للمرأة

فاز بـ88 جائزة والموسم في بدايته

ألفونسو كوارون صغيراً مع الخادمة كليو
ألفونسو كوارون صغيراً مع الخادمة كليو
TT

«روما» كوارون غير «روما» فيليني والبطولة للمرأة

ألفونسو كوارون صغيراً مع الخادمة كليو
ألفونسو كوارون صغيراً مع الخادمة كليو

«روما» لألفونسو كوارون فيلم عائلي بالدرجة الأولى. تقع أحداثه في رحى أسرة ميسورة لديها خادمتان وتعيش في حي باسم روما يقع في العاصمة المكسيكية في مطلع سبعينات القرن الماضي. العائلة هي عائلة المخرج المولود هناك الذي يسرد عاماً في حياة تلك الأسرة عندما كان لا يزال صغيراً. اليوم بعض أفراد الأسرة مات. والده توفي قبل ثلاث سنوات. والدته فارقت الحياة قبل انتهاء التصوير. بعض أقاربه شاهدوا الفيلم مرّة واحدة (غالباً في العروض التجارية). الشخص الوحيد الذي انتمى إلى تلك الأسرة وشاهده ثلاث مرات هي بطلة الفيلم ياليتزا أبارثيو التي تؤدي دور الخادمة كليو. استعان بها المخرج من دون خبرة تمثيل ووضعها في البطولة. هي شاهدت الفيلم ثلاث مرات حتى الآن و، حسب تصريح المخرج، بكت في كل مرّة.
أكثر من ذلك، هذه الفتاة الآتية من قبيلة هندية (وليست من المواطنين ذوي الأصول الإسبانية كحال كوارون)، مرشحة في مسابقات المؤسسات السينمائية كأفضل ممثلة أولى. جنباً إلى جنب الممثلات المحترفات نيكول كدمان وإميلي بلنت وغلن كلوز وسواهن الساعيات للفوز بجوائز الغولدن غلوبس و«لندن فيلم سيركل» وسواهما. الفيلم نفسه رُشح حتى الآن لـ105 جائزة نال منها 88 جائزة. صحيح أن معظمها جوائز مؤسسات نقدية وأخرى قلما نسمع عنها، لكن هذا لا يمنع من القول إن هذه المؤسسات جميعاً منحت «روما» ثقتها وتصويتها. الجوائز هي مثل المال. كل جزء منها يساهم في بناء ثروة و88 جائزة ليست نكتة، بل كنز ينتظر التاج الكبير إما في سباق الغولدن غلوبس أو في سباق الأوسكار… أو في كليهما.
- بين كوارون وفيليني
ما فعله ألفونسو كوارون يختلف عما يقوم به معظم المخرجين الآخرين حين يسردون نتف حياتهم الشخصية. فعوض أن يسرد حكاية يكون هو بطلها ومن خلاله يعرض لما يراه ذلك البطل من أحداث تمر أمامه وحوله (طريقة فرنسوا غودار مثلاً في «400 نفخة» أو رباعية يوسف شاهين المعروفة)، يسرد حكاية الخادمة كليو التي اشتغلت في كنف العائلة معظم حياتها الشابة وما بعد. تكاد لا تدرك، لولا التمهيد الإعلامي الذي صاحب الفيلم، أن ألفونسو كوارون هو ذلك الصبي الذي نراه (مع شقيقيه) كأحد أفراد العائلة. في الواقع، تبدو الحكاية مناسبة لأي خادمة في أي بيت بظروفها الاجتماعية والعاطفية. بكلمات أخرى، تبدو الحكاية الواقعية المغزولة بحنين الأبيض والأسود، خيالية ولو أنها ليست كذلك.
الفكرة ليست جديدة. لم يستيقظ كوارون من النوم قبل سنتين أو ثلاثة وفي باله تحقيق هذا الفيلم، بل زارته الحاجة لتحقيقه قبل أكثر من عشر سنوات عندما كان يعمل على إنجاز فيلم Harry Potter and the Prisoner of Azkaban سنة 2004. ذلك الفيلم بدوره كان - ولا يزال - من بين أفضل أفلام تلك السلسلة الشهيرة. يحمل شغفاً خاصّـاً ودراية إبداعية تتجاوز الرغبة في تنفيذ حكاية هاري بوتر وصحبه ومغامراته.
كون «روما» اسم الضاحية التي أمضى فيها كوارون حياته صغيراً شيء واستخدام الكلمة في العنوان شيء آخر. «روما» عنوان مقرون بعنوان آخر ذائع الشهرة هو «فيليني روما» (1972)، الذي كان بدوره انعكاس رؤية المخرج فديريكو فيليني للعاصمة الإيطالية وشخصياتها وظروفها الاجتماعية. بعده على التوالي حقق «أماركورد» («أتذكر») الذي نقل إليه مرحلته حين كان شاباً صغيراً في بلدة ريميني.
رغم ذلك، نفى فديريكو على أن أحد فيلميه هذين (وبالأخص «أماركورد») فيلم سيرة ذاتية. وهذا ينطبق، إلى حد، مع روما - كوارون. ليس فقط أن الحكاية تبدو مكتملة ومتحررة من الانتماء الذاتي للمخرج فقط، بل كوارون صبياً ليس بطلها مخصصاً معظم المشاهد للخادمة كليو التي عانت قدراً لا بأس به من مشاق الحياة.
نتعرّف عليها في شبابها. مرتاحة، بالمقارنة ربما، في كنف عائلة تعاملها كخادمة خلال النهار وشريكة في سهراتها على شاشة التلفزيون في الليل. مشهد دال لها وهي تجلس لجانب ألفونسو الصغير وتحنو عليه كما لو كان ابنها. قليلة هي المرّات التي توجه لها الأم نبرة غاضبة. وعندما تكتشف كليو أنها حامل (تخبر الخادمة الأخرى الأكبر منها أولاً) لا تبدي الأم امتعاضا ولا تغير طريقتها في معاملة كليو. على العكس تساعدها في طرح الجنين وتصحبها إلى المستشفى لتكون إلى جانبها.
مشكلة كليو ليست هنا بل في أن الشاب (من المواطنين الأصليين أيضاً) الذي عاشرها تركها في ذلك المأزق وعاد إلى قريته خارج العاصمة. تذهب كليو إليه فيصرفها. تعود محبطة وذلك يدفعها لكي تزداد التصاقاً بالعائلة «البيضاء» كونها الكنف الوحيد لها.
وهناك ذلك الفصل المهم من المشاهد عندما تدخل بصحبة الأم وبعض أفراد العائلة متجراً كبيراً لبيع الأثاث. الغاية هي شراء سرير للطفل الذي ستنجبه كليو. تتوقف السيارة (يقودها سائق خاص) قرب المتجر ويصعد الجميع إلى الدور الأول. هناك في الشارع مظاهرة طلابية (صدى لمظاهرة فعلية وقعت فعلياً). بعد دخول العائلة إلى المتجر تسمع (لجانب أصوات المتظاهرين) أصوات طلقات نارية، ثم ها هو أحد المتظاهرين الشبّـان يقتحم المكان طالباً اللجوء هرباً من مطارديه من رجال البوليس. الأم وكليو والآخرون (كما باقي الزبائن والموظفين) يصابون بالهلع وهم يرون اعتداء البوليس على ذلك الشاب.
- جدارة
يوظف كوارون هذه المشاهد لتدلي بدلوها السياسي. الفيلم مرسوم على لوحة أحداث فعلية سنة 1971 ليبث ضوءاً سياسيا لكنه ليس الضوء السياسي الفاقع فالحدث يتوقف عملياً بانتهاء الحاجة إليه ونعود إلى تكملة حكاية كليو التي ستدخل المستشفى وتلد طفلاً ميتاً. لكن ما يأتي به ذلك الفصل من المشاهد وتلك التي تقع في القرية الهندية الفقيرة والمهمّشة ليس عبثياً أو مجرد صدفة بل هو تعبير عن وضع اجتماعي خاص. هذا الوضع مدمج بالعنصرية حيال المواطنين وبالطبقية بين الأسياد والخدم ولو أن عائلة كوارون لا تبدي أي مشاعر عنصرية أو تتعامل طبقياً مع كليو (أو الخادمة الأخرى).
لكن من اللافت جداً أن ما يبثه الفيلم في هذه الشؤون متوفر إلى اليوم. وقبل أشهر قليلة عندما قامت مجلة «فوغ» النسائية بوضع صورة الممثلة ياليتزا أبارثيو على غلاف أحد أعدادها، انشغلت وسائط التواصل الاجتماعي برسالات عنصرية ضد الممثلة مصدر معظمها من المكسيكيين البيض. وفي عرف المخرج، كما يقول في بعض أحاديثه، أن الوضع العنصري لم يتبدل عما كان عليه، بل ربما ازداد سوءاً.
في فصل آخر، يستخدم فيه المخرج كاميرا منسابة في «تراكينغ شوت» طويل، نشاهد كليو وهي تترك الشاطئ الرملي وتتجه صوب البحر الهادر بالأمواج العاتية لإنقاذ ابنة العائلة من الغرق علماً بأن كليو لا تعرف السباحة. هذا المشهد الاحتفائي بكليو وجدارتها هو أيضا احتفاء باللحمة القوية التي تربط كليو بالعائلة والعائلة بها.
الفيلم، كما ذكرت، بالأبيض والأسود لكن التصوير لم يتم بكاميرا 35 مم تيمناً بتقنيات السينما السابقة، بل استخدم الدجيتال في التصوير (كاميرا Alexa 65 مع عدسات 65 مم لاستخراج نسخة للشاشة العريضة). رمزياً على الأقل، ربط المخرج الماضي بالحاضر سارداً بعض رؤيته وذكرياته التي ما زالت حيّـة في باله والآن باتت مطبوعة على الشاشة ومتاحة للجميع.


مقالات ذات صلة

«بادينغتون في البيرو»... الدب الأشهر يحفّز البشر على مغادرة منطقة الراحة

يوميات الشرق في فيلمه السينمائي الثالث ينتقل الدب بادينغتون من لندن إلى البيرو (استوديو كانال)

«بادينغتون في البيرو»... الدب الأشهر يحفّز البشر على مغادرة منطقة الراحة

الدب البريطاني المحبوب «بادينغتون» يعود إلى صالات السينما ويأخذ المشاهدين، صغاراً وكباراً، في مغامرة بصريّة ممتعة لا تخلو من الرسائل الإنسانية.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق المخرج العالمي ديفيد لينش (أ.ف.ب)

رحيل ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة

هل مات ديڤيد لينش حسرة على ما احترق في منزله من أرشيفات وأفلام ولوحات ونوتات موسيقية كتبها؟ أم أن جسمه لم يتحمّل معاناة الحياة بسبب تعرضه لـ«كورونا» قبل سنوات؟

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))
يوميات الشرق أحمد مالك وآية سماحة خلال العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

«6 أيام»... رهان سينمائي متجدد على الرومانسية

يجدد فيلم «6 أيام» الرهان على السينما الرومانسية، ويقتصر على بطلين فقط، مع مشاركة ممثلين كضيوف شرف في بعض المشاهد، مستعرضاً قصة حب في 6 أيام فقط.

انتصار دردير (القاهرة)
سينما النجم الهندي سيف علي خان (رويترز)

سيف علي خان يصاب بست طعنات في منزله

تعرض نجم بوليوود الهندي سيف علي خان للطعن من متسلل في منزله في مومباي، اليوم الخميس، ثم خضع لعملية جراحية في المستشفى، وفقاً لتقارير إعلامية.

«الشرق الأوسط» (مومباي)
سينما لقطة لبطلي «زوبعة» (وورنر)

أفلام الكوارث جواً وبحراً وبرّاً

مع استمرار حرائق لوس أنجليس الكارثية يتناهى إلى هواة السينما عشرات الأفلام التي تداولت موضوع الكوارث المختلفة.

محمد رُضا (بالم سبرينغز)

سيف علي خان يصاب بست طعنات في منزله

النجم الهندي سيف علي خان (رويترز)
النجم الهندي سيف علي خان (رويترز)
TT

سيف علي خان يصاب بست طعنات في منزله

النجم الهندي سيف علي خان (رويترز)
النجم الهندي سيف علي خان (رويترز)

تعرض نجم بوليوود الهندي سيف علي خان للطعن من متسلل في منزله في مومباي، اليوم الخميس، ثم خضع لعملية جراحية في المستشفى، وفقاً لتقارير إعلامية.

ونقل النجم البالغ من العمر (54 عاماً) إلى المستشفى من منزله في مومباي، حيث يعيش مع زوجته الممثلة كارينا كابور وولديهما.

وأفادت وكالة «برس ترست أوف إنديا»، نقلاً عن طبيب بمستشفى ليلافاتي، بأن جرحين من الجروح الستة كانا عميقين، وأحدهما كان بالقرب من عموده الفقري.

وذكرت وسائل إعلام هندية، نقلاً عن الشرطة، أن المتسلل اقتحم المنزل نحو الساعة 2:30 صباحاً (بالتوقيت المحلي)، وهرب بعد طعن خان، وأصاب موظفة في المنزل خلال الهجوم.

وقالت كارينا كابور، زوجة خان، في بيان، إن عائلتها بخير وطلبت «من وسائل الإعلام والمعجبين التحلي بالصبر وعدم إطلاق التكهنات، لأن الشرطة تقوم بالتحقيق».

ويعمل سيف علي خان منتجاً للأفلام، وشارك بالتمثيل في نحو 70 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً. هو ابن قائد فريق الكريكيت الهندي السابق منصور علي خان باتودي والممثلة البوليوودية شرميلا تاجور.

حصل سيف على جوائز متعددة لأدواره في السينما الهندية، بما في ذلك سبع جوائز «فيلم فير». وفي عام 2010، حصل على جائزة «بادما شري»، وهي رابع أعلى جائزة مدنية هندية.