لبنان يتنفس ثقافة عوضاً عن الاختناق السياسي

وفرة في النتاجات السينمائية والمسرحية وشيء من الفوضى

مشهد من مسرحية «ما طلت كوليت»
مشهد من مسرحية «ما طلت كوليت»
TT

لبنان يتنفس ثقافة عوضاً عن الاختناق السياسي

مشهد من مسرحية «ما طلت كوليت»
مشهد من مسرحية «ما طلت كوليت»

النبض الثقافي في لبنان يكاد يكون على العكس من الحياة السياسية المتهالكة. وإذا كان الفن، كي ينتعش، يحتاج في العادة اقتصاداً يدعمه، فلربما أن ما يحدث في لبنان هو غير ذلك. فبقدر ما تشحّ المداخيل، يبدو أن الفنانين يعثرون على مصادر للتمويل، ويخفضون في الوقت ذاته من تكاليفهم، ويبسّطون أدواتهم، ويحاولون العثور على وصفات تجتذب الجمهور. هذا على الأقل ما يحدث في المسرح. وإذا نظرنا إلى عدد المسرحيات التي قدمت هذا العام، سنجد أنها تفوق عدداً تلك التي كنا نراها قبل سنوات قلال، وأن الجمهور الذي كان يُستجدى لتبقى المسرحية الواحدة أسبوعاً على الخشبة، بات يحاول حجز مكان أحياناً فلا يجده. هذه السنة كان بمقدورك أن تحصي مسرحيات عدة تعرض في وقت واحد، وأن تختار بينها. صارت المسرحية الواحدة تعرض لأسابيع، وربما لأشهر، ويعاد عرضها، وتجد من يقبل عليها. مسرحيات صغيرة، في غالبية الأحيان، لكنها غير تلك التجريبية الحزينة السوداوية التي كان يصرّ عليها المسرحيون. شيء من النقد، مع فكاهة، ونصّ مسبوك، وممثل أو اثنين، تصحبهما موسيقى، قد تكون حية أحياناً، وسينوغرافيا ذكية، هي خلطة قد يستبدل بأحد عناصرها غيره، لكنها تبقى قريبة من مذاق متفرج يريد أن يذهب إلى المسرح، لا ليعمل التفكير ويغرف فلسفة، بل ليريح ذهنه من تفاصيل النهار الصعبة وظلامها الخانق.
هكذا، لم يتخلَ زياد عيتاني عن روح النكتة في مسرحيته «ما طلت كوليت»، رغم أنها تستلهم تجربته المروعة في السجن، حين اتهم بالتعامل مع إسرائيل، وسجن وشهّر به، ثم أخلى سبيله بعدما تبينت براءته. قصة من المفترض أنها مبكية، لكنه اضطر أن يمزج مرارتها بشيء من السخرية وهو يعرضها في «مترو المدينة».
في الوقت نفسه، كان زميله الذي انفصل عنه بعد تلك الحادثة، يحيى جابر، يقدم مسرحية أخرى، بعنوان «شوو هااا؟»، يمثلها حسين قاووق في «تياترو فردان». ولا بأس أيضاً من استعادة مسرحية كان قد قدمها جابر سابقاً، وهي «مجدرة حمرا»، المونودراما التي تقف فيها منفردة على المسرح «أنجو ريحان». وقبلهما بقليل، كانت مسرحية «لغم أرضي» قد بدأت عروضها على «مسرح المدينة»، للمخرج إيلي كمال، ومن تمثيل ندى أبو فرحات وعمار شلق. وتغلق السنة على مسرحية الموهوبة عايدة صبرا، مخرجة وكاتبة فقط هذه المرة، وهي تدير الممثلين إيلي نجيم ورودريغ سليمان في «طقس بيروت».
وليس هنا مجال لتعداد المسرحيات التي عرضت خلال السنة، إنما يكفي القول إن «المهرجان الوطني للمسرح اللبناني» ولد أخيراً، وشهد دورته الأولى، بفضل دعم إمارة الشارقة، ممثلة بـ«الهيئة العربية للمسرح»، وهذا بحد ذاته إنجاز. وقد عرضت ضمن اختيارات المهرجان مسرحيات سبق للجمهور أن رآها. ومع ذلك، شهدت العروض حضوراً مهماً، مما يعني أن الناس صاروا أكثر ألفة مع هذا الفن.
على أي حال، ما ينطبق على المسرح يصح على السينما. فإضافة إلى المهرجانين الرئيسيين في بيروت، صار للمناطق مهرجاناتها أيضاً، مثل طرابلس والبترون، ولكل موضوع مهرجان. فهناك مهرجان مسكون لأفلام الرعب، وآخر لحقوق الإنسان، وغيره للهجرة، أو للأفلام اللبنانية القصيرة أو الوثائقيات، غير ما تنظمه بعض السفارات الأجنبية من مهرجانات لأفلامها. ويترافق هذا مع تزايد لأعداد الأفلام اللبنانية التي توالى صدورها هذه السنة، وتجد جمهوراً ينتظرها. وإن كان من المتعذر ذكرها جميعها، فمن الإنصاف الحديث عن فيلمين اثنين، هما: فيلم زياد دويري «قضية رقم 23»، الذي صدر نهاية عام 2017، لكن ترشيح وزارة الثقافة له للأوسكار مطلع العام الحالي آثار لغطاً كبيراً نظراً لأن المخرج سبق له أن صور فيلماً في إسرائيل، وأقام هناك لشهور. النقاش كان حامي الوطيس، ولم يحصل الفيلم على الأوسكار، رغم وصوله إلى النهائيات. لكن فيلم نادين لبكي «كفرناحوم» حصد جائزة لجنة التحكيم في «مهرجان كان»، وكانت هذه المرة الثانية لفيلم لبناني منذ حصل على الجائزة نفسها مارون بغدادي عن فيلمه «خارج الحياة» عام 1991. وعلى مبعدة أيام من نهاية السنة، اختير فيلم لبكي على اللائحة القصيرة بين 9 أفلام مرشحة لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي. كثير من الأفلام الصغيرة التسلوية، أو التي تمر عابرة، لكن الكثرة التي باتت سمة لكل النتاجات الثقافية، وتخلق نوعاً من الفوضى، يتمخض عنها بعض الثمر النضيج الذي يوصل إلى مراتب مهمة، سواء في الفن التشكيلي أو فن التصميم الذي يبدو أن الاهتمام به يتزايد منذ اكتشف اللبنانيون أن بينهم من المواهب ما يلقى ترحاباً أبعد من المنطقة العربية. وانعقاد «بيروت ديزاين فير» للمرة الثانية، إلى جانب «بيروت آرت فير»، إضافة إلى أنشطة أخرى كثيرة حول هذا الفن، تؤكد أن الدرب تعبد باتجاه الأفضل.
الوفرة قد تصبح نقيض الجودة، فكما أن كثرة المسارح لا تعني أن المسرح يعيش عصره الذهبي، بقدر ما تعطي الأمل بأن فلترة لبعض الأعمال والأسماء والمواهب قد تحفر في الذاكرة، كذلك هي حال الإصدارات الأدبية؛ عشرات الروايات أبصرت النور هذا العام، ومثلها من الدواوين الشعرية، وهو ما ينطبق أيضاً على الدراسات. وأصبح من المحال غربلة هذا الكم من الكتابات، خصوصاً مع غياب صوت صفحات نقدية، وتقهقر وضع الصحف، وإغلاق صحف رئيسية منها. فإذا كان العام الماضي قد انتهى بوداع جريدة «السفير»، فقد انقضى العام الحالي مع انطفاء نجم جريدة أخرى لها تاريخ، هي «الأنوار». وإذ يتراجع النقد، ويكتفي غالبية من تبقى من صحافي المجال الثقافي بالعرض والتعريف، فنحن أمام تراكم أدبي يترك للقراء التعاطي معه كيفما اتفق. وكي لا نقع في فخ ذكر الأسماء، نقول في العموم إن ثمة كتباً، لا يمكن تصنيفها في خانة الأدب الكبير أو المتوسط، هي التي حازت العدد الأكبر من الشراة والقراء، لا بالضرورة من باب المجاملة، إنما لأن المؤلف يشاهد على التلفزيون، أو يضرب على وتر ضعيف عند القراء، أو يكتفي بدغدغة المشاعر. وبالعودة إلى ما حدث في معرض بيروت للكتاب، فإن حفلات التوقيع الكبرى لم تكن من نصيب النصوص الأهم، وإنما الكتّاب الأسهل قراءة، في الغالب. وإذا ما بقينا في مجال الأدب، فقد ودّع لبنان هذا العام الأديبة أملي نصر الله، وبعدها بأشهر تحقق حلمها بأن حول منزلها القديم الذي يعود عمره إلى ما يقارب المائة سنة في قريتها الكفير إلى ما سمي بيت «طيور أيلول»، على اسم روايتها الشهيرة، ليضم في مقبل الأيام مكتبة مفتوحة للزوار، كما صدرت مذكراتها التي كتبتها قبيل وفاتها في كتاب غاية في الأناقة، بتصميم فني بديع يحمل اسم «المكان». ومن الأماكن الجميلة التي افتتحت هذه السنة، ولا يمكن تغافلها، «متحف نابو» على شاطئ «رأس الشقعة»، شمال لبناني. والمبنى من تصميم الفنان العراقي ضياء العزاوي، فيما معروضاته تتنوع بين الأثرية التي تعود إلى ما قبل الميلاد، مروراً بتشكيليين كبار مثل شفيق عبود، وصليبا دويهي، وجبران خليل جبران، وأحمد المعلا، وغيرهم. ومما احتفي به مرور 110 سنوات على ولادة قاموس «المنجد» عن «دار المشرق»، وصدور مجموعة قصصية غير منشورة لنجيب محفوظ، بعنوان «همس النجوم»، عن «دار الآداب»، وهي المرة الثانية التي يصدر فيها كتاب لمحفوظ من لبنان، بعد «أولاد حارتنا»، وكان ذاك اختياره، بعد أن تعذر إصدارها في مصر يومها. كما احتفت «دار الآداب» بصدور «الديوان الكبير» لابن عربي، بعد 800 سنة على وفاته، وأغلقت «دار الجديد» عامها على تواقيع لكتاب «لوجه ما لا يلزم»، للمفكر الإيطالي نوتشيو أوردينه، مترجماً إلى العربية، و«في صحبة العربية»، الذي صنفته الأحسن مبيعاً بين إصدارتها، لأحمد بيضون، مع طبعة جديدة لكتابين شيقين: «قصة أسمهان»، بما يكتنفها من أسرار، كما يرويها فوميل حبيب، وديوان الشاعر غسان الخنيزي «أوهام صغيرة».
لبنان يكبو سياسياً ويتنفس جمالياً، تلك معادلة لا تزال قائمة، وهي المنفذ الوحيد الذي لا يزال يسمح لبصيص أمل أن يلوح في الأفق.



كلارا خوري: الأمومة والإنكار وهواجس المرأة جذبتني لـ«غرق»

كلارا خوري تعبر عن فخرها بمشاركتها في فيلم «صوت هند رجب» (الشرق الأوسط)
كلارا خوري تعبر عن فخرها بمشاركتها في فيلم «صوت هند رجب» (الشرق الأوسط)
TT

كلارا خوري: الأمومة والإنكار وهواجس المرأة جذبتني لـ«غرق»

كلارا خوري تعبر عن فخرها بمشاركتها في فيلم «صوت هند رجب» (الشرق الأوسط)
كلارا خوري تعبر عن فخرها بمشاركتها في فيلم «صوت هند رجب» (الشرق الأوسط)

قالت الممثلة الفلسطينية كلارا خوري إن شخصية «نادية» في الفيلم الأردني «غرق» جذبتها كثيراً، لكونها تلامس المرأة في مشاعرها، وإحباطاتها، والضغوط التي تواجهها، مؤكدة أن حالة الإنكار التي تعيشها البطلة شكّلت عنصراً مثيراً بالنسبة لها. وأضافت، في حديثها إلى «الشرق الأوسط»، أنها حرصت على ألا تعرف كثيراً عن المرض النفسي الذي يعانيه الابن، كي تحافظ على عفوية ردّة فعلها خلال التصوير، مشيرةً إلى فخرها بالمشاركة في فيلم «صوت هند رجب»، الذي أدّت فيه شخصية «نسرين قواص»، مسؤولة الصحة النفسية في مكتب الإسعاف الفلسطيني.

في فيلم «غرق»، تبدو حياة «نادية» مثالية وبراقة في نظر الآخرين، فيما تعاني المرأة الأربعينية من ضغوط ومشكلات داخلية، وشعور متزايد بفقدان ذاتها، ما يدفعها إلى الانعزال عاطفياً. غير أن الانهيار الحقيقي في حياتها يبدأ حين يتسبَّب السلوك العنيف لابنها في المدرسة بإيقافه عن الدراسة، إثر إصابته بمرض عقلي لم يُشخَّص بعد. ومع تدهور حالته، يتفاقم صراع «نادية» لإقناع من حولها بأن ابنها طبيعي.

شارك فيلم «غرق» في الدورة الخامسة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي»، ضمن مسابقة «الأفلام الروائية الطويلة»، مقدّماً نظرة حميمية إلى رابطة الأمومة، بوصفها صورة للحب غير المشروط في مواجهة الفوضى. ويشارك في بطولته محمد نزار ووسام طبيلة، وهو من تأليف زين دريعي وإخراجه، وإنتاج مشترك بين الأردن والسعودية وفرنسا وإستونيا. كما فاز الفيلم بجائزة «التانيت البرونزي» في «مهرجان قرطاج السينمائي»، وعُرض للمرة الأولى في «مهرجان تورونتو»، إضافة إلى مشاركته في «مهرجان لندن السينمائي».

تروي كلارا خوري تجربتها مع الفيلم قائلة: «حدّثتني صديقتي، المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر، عن العمل، وقالت إن المخرجة زين دريعي تمتلك سيناريو رائعاً، وتشعر أنني الأنسب لتجسيد شخصية (نادية). قرأت النص ووقعت في حب الشخصية والفيلم بأكمله، لأنه ليس عملاً عادياً؛ فنادراً ما أجد دور امرأة بعيداً عن النمطية، ينطوي على هذا القدر من العمق والتعقيد. (نادية) أمّ لثلاثة أطفال، تحمل عبء العائلة على كتفيها، فيما زوجها منشغل بأسفاره الدائمة، وتحاول تحقيق توازن صعب بين مسؤولياتها الأسرية».

وتظهر كلارا في مشاهد تعكس إحباط الشخصية واكتئابها، مبرّرة ذلك بقولها: «نادية امرأة تبدو كئيبة، تفتقد السعادة لأنها لم تحقق أحلامها. في مجتمعاتنا الشرقية، يُنظر إلى المرأة بعد الزواج والإنجاب على أنها مطالبة بالتخلي عن طموحاتها، لتصبح حياتها عطاءً فقط. لهذا جذبني الفيلم، وقلت: أريد هذا السيناريو».

لكن أكثر ما لمسها في العمل، حسب قولها، هو تقاطعه مع تجربتها الواقعية أمّاً: «أتمنى، كأي أم، أن ينجح أولادي ويحققوا أحلامهم، وهذا ما تريده (نادية) أيضاً. غير أن أكثر ما أدهشني هو حالة الإنكار التي تعيشها؛ إذ ترفض الاعتراف بمرض ابنها، فتتعقّد الأمور بين الحب والخوف والإنكار».

وعن استعدادها للدور، توضح: «حاولت أن أعيش اللحظة بصدق، وتعمدت ألا أعرف الكثير عن المرض النفسي، عن قصد. لم أكن أريد درس الحالة، بل الحفاظ على حيوية ردّة الفعل، لتخرج طبيعية، لا أقرب إلى التمثيل».

كلارا خوري تتوسط المخرجة زين دريعي والممثل محمد نزار (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

في تعاونها مع المخرجة زين دريعي في أول أفلامها الروائية الطويلة، ترى كلارا خوري أن زين «إنسانة محبوبة جداً»، مؤكدة أنها أحبتها وأحبت كتابتها للسيناريو. وتصف العمل قائلة: «وجدته يُغرِّد خارج المألوف، فقلَّما نجد من يتناول موضوع الصحة النفسية في مجتمع مغلق، يتعامل مع هذه القضايا بوصفها عيباً لا يرغب في كشفه».

وتتحدث عن ردود الفعل على الفيلم بين مهرجاني «تورونتو» و«البحر الأحمر»، موضحةً أنه «لم يكن هناك اختلاف في التلقي؛ لأن القصة عالمية تمسّ الشرق والغرب على حد سواء، وهذه هي عبقرية الفيلم؛ إذ يخلو من السياسة، وينحاز إلى العائلة، وإلى العلاقة بين الأم وابنها، وإلى جيل المراهقين الذين يبتعدون عن أسرهم بدعوى الاستقلالية، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى نوع من القطيعة مع العائلة».

وترى خوري أن قلبها يشكّل بوصلة اختياراتها الفنية، قائلة: «بصفتي ممثلة، أميل إلى الأعمال التي تلامسني إنسانياً وتحمل معنى ورسالة. أحب التحديات، وإذا لم يتضمن الدور صعوبة حقيقية فلا يجذبني، خصوصاً في ظل ندرة الأدوار التي تستهويني».

وعن علاقتها بالممثل الشاب محمد نزار، تقول إنهما شكّلا معاً علاقة صادقة بين أم وابنها على الشاشة: «حين التقيت نزار للمرة الأولى أحببته فوراً؛ لأنه يشبه ابني. ما يهمني دائماً هو المعاملة الإنسانية البسيطة التي تعكس حباً وعطاء. صرنا نتواصل من دون كلام، وسيظل ابني إلى الأبد».

وترى الفنانة الفلسطينية أن دورها في فيلم «غرق» من أصعب أدوارها، موضحة: «أعدّه من أكثر الأدوار تحدّياً في مسيرتي؛ لأن الشخصيات التي جسَّدتها سابقاً لم تكن بهذا القدر من العمق والتعقيد».

كما عبّرت كلارا عن فخرها بالمشاركة في الفيلم التونسي «صوت هند رجب»، الذي أدّت فيه شخصية «نسرين القواص»، المسؤولة عن الصحة النفسية للعاملين في مكتب الإسعاف الفلسطيني خلال حرب غزة، حيث تحاول حمايتهم من الانهيار العصبي والانفعالات الحادة، في خضم محاولاتهم إنقاذ الطفلة الفلسطينية هند رجب. ورأت في الفيلم «وثيقة إدانة مهمة لحرب الإبادة»، مؤكدة أنه من أهم أعمالها الفنية، ومعبّرة عن اعتزازها بالتعاون مع المخرجة كوثر بن هنية في «فيلم كان صوتنا إلى العالم»، على حد تعبيرها.


البترون إلى العالمية... بعد كسرها رقم «غينيس» لرسائل «سانتا كلوز»

مجموعة من الرسائل كتبها الأولاد لـ«سانتا كلوز» (بترونيات)
مجموعة من الرسائل كتبها الأولاد لـ«سانتا كلوز» (بترونيات)
TT

البترون إلى العالمية... بعد كسرها رقم «غينيس» لرسائل «سانتا كلوز»

مجموعة من الرسائل كتبها الأولاد لـ«سانتا كلوز» (بترونيات)
مجموعة من الرسائل كتبها الأولاد لـ«سانتا كلوز» (بترونيات)

مرة جديدة، تُثبت مدينة البترون الشمالية في لبنان حضورها على الخريطة العالمية، بعدما نجحت في تحطيم رقم قياسي جديد أُدرج في موسوعة «غينيس للأرقام القياسية» لفئة «أكبر عدد من الرسائل المرسلة إلى سانتا كلوز خلال 24 ساعة».

هذا الإنجاز ليس الأول للبلدة الساحلية، إذ سبق لها أن دخلت الموسوعة مرتين عبر تسجيلها «أكبر كوب ليموناضة» و«أطول مائدة سمك». كما شهدت عام 2020 حدثاً استثنائياً حين احتضنت الساحة الفاصلة بينها وبين بلدة شكا أكبر شجرة ميلاد مصنوعة من قناني البلاستيك. واستقطبت حينها ملايين الزوار، لتُلقَّب المنطقة يومها بـ«عاصمة الميلاد» في الشرق الأوسط.

الإنجاز طال الأولاد كما الكبار والمسنين (بترونيات)

وجاء الرقم القياسي الجديد ضمن فعاليات «بترونيات»، حيث شارك آلاف الأطفال وتلامذة المدارس في كتابة رسائلهم وتوجيهها إلى «سانتا كلوز». وخلال 12 ساعة فقط، امتدت من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً، جُمعت 2924 رسالة، كاسرة بذلك الرقم القياسي السابق الذي سجّلته دبي في 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، والبالغ 2144 رسالة خلال 24 ساعة.

وأشرف على إدارة المسابقة فريق مؤلف من 12 شخصاً توزَّعوا بين المدارس والمنازل والمراكز الاجتماعية في المنطقة. وتولت كارولين شبطيني مهمة التنسيق والتواصل مع موسوعة «غينيس»، مستندة إلى خبرتها الواسعة في هذا المجال. فهي سبق أن شاركت في إدخال 6 أرقام قياسية إلى الموسوعة.

وشاركت في الحدث 4 مدارس من شكا، و8 أخرى من البترون. ولاختصار الوقت، استُعين بمؤسسة «مغامرات الفيسبا». وتولّت دراجاتها النارية جمع الرسائل من مختلف الأحياء، ومن ثم نقلها إلى صندوق بريد ضخم أُقيم في ساحة البترون.

شهادة موسوعة «غينيس» تُوِّثق تحطيم البترون الرقم القياسي في عدد الرسائل المرسلة لـ«سانتا كلوز» (بترونيات)

وتروي كارولين لـ«الشرق الأوسط» أجواء هذا النشاط، قائلة: «واجهنا بعض الصعوبات لإنجاز المهمة ضمن الوقت المحدد، خصوصاً أن هدفنا الأساسي كان كسر الرقم الذي حققته دبي قبل أيام».

وعن مضمون الرسائل، توضح: «اللافت أن عدداً كبيراً من الأطفال لم يطلبوا لأنفسهم فقط، بل تذكروا العائلات الفقيرة. وتمحورت طلباتهم حول تأمين مسكن لائق، وأثاث، وسقف يحميهم. بينما طلب آخرون مبلغاً من المال لشراء هدايا لأصدقاء أو زملاء محتاجين».

كما شملت الطلبات ألعاباً إلكترونية مثل «بلاي ستيشن»، ودراجات «سكوتر»، إضافة إلى أسرّة، وورش دهان لمنازل قديمة تعاني من الرطوبة والعفن. وتضيف كارولين: «جمعنا نحو 500 تلميذ في مسرح إحدى المدارس لتسريع العملية. كما جابت الدراجات النارية الأزقة لنقل رسائل أشخاص تعذَّر عليهم الوصول إلى مكان المسابقة».

ولم تخلُ الرسائل من الطرافة، إذ طلبت بعض الصبايا من «سانتا كلوز» إيجاد العريس المناسب. في حين تمنى آخرون أن يستيقظوا عشية العيد على مبلغ من الدولارات تحت الوسادة.

يُذكر أن أصل شخصية «سانتا كلوز» يعود إلى القديس نيقولاوس، وهو أسقف مسيحي يوناني عاش في القرن الرابع الميلادي في مدينة ميرا (تقع اليوم في تركيا)، واشتهر بكرمه وتقديمه الهدايا سرّاً للفقراء، خصوصاً الأطفال. وانتقلت قصته عبر أوروبا، خصوصاً في هولندا حيث عُرف باسم «سينتر كلاوس»، قبل أن يحملها المهاجرون إلى أميركا، وتتبلور هناك شخصية «سانتا كلوز» بصورتها المعاصرة. ويُنسب تثبيت ملامحها البصرية إلى رسومات الفنان الأميركي توماس ناست في القرن الـ19.

أجواء احتفالية في شوارع البترون أثناء توزيع الهدايا على الأطفال (بترونيات)

وعن مصير هذه الطلبات، تقول كارولين: «سننظم يوماً ماراثونياً طويلاً بين عيدي الميلاد ورأس السنة في البترون، يشارك فيه عدد من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، فيجمعون التبرعات اللازمة ويعملون على تحقيق هذه الأمنيات على أرض الواقع».

ولم تكتفِ البترون، الملقبة بـ«عاصمة الميلاد»، بجمع الأمنيات فحسب، بل بادرت فور تسجيل الإنجاز إلى توزيع نحو 3000 هدية على جميع المشاركين، إضافة إلى إيصال هدايا إلى منازل مسنين وعائلات محتاجة، مؤكدة أن العطاء يبقى جوهر العيد ومعناه الأسمى.

وتختم كارولين شبطيني: «لقد حاولت فعاليات (بترونيات) من خلال هذا الحدث رسم الفرح على أكبر عدد من وجوه الأطفال. ونجحت في ذلك خصوصاً أن مشهد توزيع الهدايا تصدَّر وسائل التواصل الاجتماعي. وتصدرت صورة الشهادة الرسمية التي تلقيناها من موسوعة (غينيس) الترند».


متحف «بيمِيش» يفتح أرشيفه للجمهور بعد الإغلاق

عربة ترام قديمة في متحف «بيمِيش» تعيد أجواء الحياة في شمال شرق إنجلترا (شاترستوك)
عربة ترام قديمة في متحف «بيمِيش» تعيد أجواء الحياة في شمال شرق إنجلترا (شاترستوك)
TT

متحف «بيمِيش» يفتح أرشيفه للجمهور بعد الإغلاق

عربة ترام قديمة في متحف «بيمِيش» تعيد أجواء الحياة في شمال شرق إنجلترا (شاترستوك)
عربة ترام قديمة في متحف «بيمِيش» تعيد أجواء الحياة في شمال شرق إنجلترا (شاترستوك)

يستعد متحف «بيمِيش» (Beamish) في مقاطعة دورهام شمال شرقي إنجلترا لإعادة فتح أرشيفه أمام الجمهور بحلول أواخر عام 2026، بعد فترة من الإغلاق؛ وفق «بي بي سي». ويضم المتحف أكثر من 2.5 مليون قطعة تعكس حياة الناس في المنطقة بين عشرينات القرن الـ19 والخمسينات من القرن الـ20.

ويُعرض حالياً جزء صغير نسبياً فقط من هذه المجموعة الضخمة، التي تبرّع بها معظمها السكان المحليون، وفق ما أوضحت هيلين باركر، المسؤولة في المتحف؛ التي قالت: «تبرع الناس بهذه القطع لمساعدتنا على بناء المتحف، وأعتقد أن لدينا مسؤولية لجعلها متاحة للجمهور ليطَّلع عليها».

وأضافت باركر، مديرة مجموعات وبرامج المتحف، أن أجزاءً من أرشيف المتحف كانت متاحة سابقاً للزوار قبل جائحة كورونا. وأوضحت: «كنا نعلم أنها كانت تحظى بشعبية كبيرة بين الزوار، لذلك كنا دائماً نخطط لإعادة فتحها».

ويعمل الفريق حالياً على إعادة فتح أجزاء من الأرشيف للجمهور، ويأمل أن يحدث ذلك خلال عام. وأشارت باركر إلى أن الأرشيف يُشكِّل «لمحة فريدة» عن حياة الطبقة العاملة في المنطقة. وأضافت أن المتحف، بطريقة ما، «نُسِّق بمشاركة الجمهور»، مشيرة إلى أن المتبرعين قرَّروا ما هو مهم وما يرغبون في التبرع به.

وأكدت باركر أن إعادة فتح الأرشيف للجمهور أمر ضروري، لأنه لا جدوى من الاحتفاظ بالقطع التي لا يمكن مشاهدتها. وقالت: «نحتاج إلى جعل أكبر قدر ممكن من المجموعات متاحة، فهذا يساعدنا على فهم هويتنا ومكاننا في العالم».

يمثل هذا المشروع فرصة للجمهور لاكتشاف التاريخ المحلي بطريقة تفاعلية، والتعرف على حياة الناس اليومية في شمال شرقي إنجلترا على مدار أكثر من قرن من الزمن.