العالم في 2019: 2019... سنة الأزمات المدورة في العراق

توقعات باستمرار التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية

الرؤساء الثلاثة الجدد عبد المهدي والحلبوسي وصالح خلال اداء الأخير اليمين الدستورية أمام البرلمان في أكتوبر الماضي (رئاسة البرلمان العراقي)
الرؤساء الثلاثة الجدد عبد المهدي والحلبوسي وصالح خلال اداء الأخير اليمين الدستورية أمام البرلمان في أكتوبر الماضي (رئاسة البرلمان العراقي)
TT

العالم في 2019: 2019... سنة الأزمات المدورة في العراق

الرؤساء الثلاثة الجدد عبد المهدي والحلبوسي وصالح خلال اداء الأخير اليمين الدستورية أمام البرلمان في أكتوبر الماضي (رئاسة البرلمان العراقي)
الرؤساء الثلاثة الجدد عبد المهدي والحلبوسي وصالح خلال اداء الأخير اليمين الدستورية أمام البرلمان في أكتوبر الماضي (رئاسة البرلمان العراقي)

لن يكون عام 2019 أفضل من الأعوام التي سبقته بالنسبة للعراق إنْ كان على مستوى الاستقرار السياسي أو الأمني أو الخدمات. التحديات هي نفسها التي سبق للعراق أن عاناها خلال السنوات الماضية؛ باستثناء هزيمة تنظيم داعش عسكرياً أواخر عام 2017.
خلال عام 2018 أجرى العراق الانتخابات البرلمانية، بادئا بذلك الدورة الرابعة للبرلمان العراقي منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، مع الحكومة السادسة برئاسة عادل عبد المهدي التي لا تزال عرجاء. وبسبب تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية والخدمية التي فجرت المظاهرات التي بدأت في محافظة البصرة خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، وامتدت إلى محافظات الوسط والجنوب ذي الأغلبية الشيعية حتى العاصمة بغداد، أطلقت على حكومة عبد المهدي تسمية حكومة «الفرصة الأخيرة». لكن حتى هذه الحكومة، التي تعترف كل الكتل السياسية بأن فشلها يعني دخول البلاد في نفق مظلم من الأزمات، فكل المؤشرات بشأن مسار المائة يوم الأولى التي منحت لها، تدل على أنها لن تحقق ما وعدت به على صعيد منهاجها الوزاري الذي بدت طموحاته فوق سقف كل التوقعات.
ويوضح السياسي والقيادي في «تحالف القرار» أثيل النجيفي لـ«الشرق الأوسط» أن «الوضع في العراق ضعيف في كل الاتجاهات، ففي الوقت الذي تعد فيه الحكومة ضعيفة وغير قادرة على مواجهة الكتل السياسية، فإن الكتل السياسية هي الأخرى ضعيفة وغير قادرة على إسقاط الحكومة». ويضيف النجيفي أن «الوضع لن يتغير على صعيد الوضع السياسي الرسمي، وسيبقى الضعف هو السمة البارزة لهذا الوضع، كما أتوقع أن الأزمات ستتفاقم وتبدأ من البصرة وستأخذ شكلا مختلفا في كركوك». ويتابع النجيفي أن «الأمر لن يكون بأفضل حالا في المحافظات الغربية من البلاد؛ حيث من المتوقع أن يعود الاضطراب الأمني، ولكنه لن يصل إلى انهيار المدن كما حدث عام 2014 إلا في حالة واحدة؛ وهي رغبة بعض الأطراف للخروج من أزماتها في افتعال أزمة أكبر في المناطق الغربية التي ما زالت تعد ضعيفة وهشة ويسهل التلاعب بمصيرها».
من جهته، فإن الناطق الأسبق باسم الحكومة العراقية الدكتور علي الدباغ يرصد رؤيته لمسارات عام 2019 في العراق في حديثه لـ«الشرق الأوسط»؛ قائلا إن «العراق مدمن أزمات سياسية، ويبدو أنها مستدامة بسبب النظام التوافقي الذي يستوجب موافقة كل اللاعبين أو عدم اعتراضهم، وهذا نظام يولد عقبات كثيرة ومنها أزمة استكمال التشكيلة الوزارية».
ويضيف الدباغ: «ليس بوسع أحد أن يفكر بتعريض حكومة عادل عبد المهدي لسحب الثقة لأن الجميع يدرك أن الصعوبة تكمن في ترشيح شخص جديد لرئاسة مجلس الوزراء متوافق عليه»، مبينا أن «القبول سيكون هو سيد الموقف، وقد تعرض سلف عبد المهدي، العبادي، للامتحان ذاته، وتم تطبيق التخوف ذاته على فكرة إقالته من منصبه».
وبشأن التحديات الخارجية، وبالذات الإقليمية منها، خصوصا العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، يقول الدباغ إن «الحكومة ستتمكن من مواجهة التحديات الإقليمية وبالذات التجاذب الإقليمي العنيف مع إيران وأيضا الأميركي، في حين أن التحديات المحلية، وهي الأصعب، تحتاج لجهد يظهر فوق الأرض؛ من توفير فرص العمل، وتحسين الخدمات، وهما أكبر تحدٍ يواجه عبد المهدي وحكومته». ويشير الدباغ إلى أن «تحديات المنافسين والخصوم السياسيين تبقى قائمة وحاضرة حتى في حالات النجاح؛ حيث إنها تنشط لئلا يستحوذ القادم الجديد على جمهور انتخابي يزداد التنافس والصراع عليه بشدة بين الفرقاء السياسيين».
وحيث إن خريطة التنافس السياسي والحزبي تتمحور الآن حول الحكومة لجهة مطالبة كل طرف بحصته سواء من الحقائب الوزارية اليوم أو الهيئات المستقلة أو الوكالات أو السفارات أو المواقع الأخرى في الدولة في المستقبل القريب، فإنه في ضوء أزمة الموازنة المالية، خصوصا بعد تراجع أسعار النفط، سيستمر العجز في الموازنة كبيرا في وقت لا توجد فيه مؤشرات على انتعاش اقتصادي سواء بسبب الفساد المالي والإداري أو عدم توفير البيئة الآمنة بعد للاستثمار. ويضاف إلى ذلك ديون العراق التي بلغت حسب التقديرات الرسمية إلى أكثر من 100 مليار دولار.
وتبقى المشكلة التي لا تزال تشكل تحديا هي «الإرهاب». فالعراق تمكن من إحراز نصر عسكري على تنظيم داعش نتج عنه فقدانه السيطرة على الأراضي، لكن خلاياه النائمة بالإضافة إلى حرية حركته بين العراق وسوريا عبر الحدود المفتوحة؛ لا تزال تمثل تحديا يصعب التكهن بنتائجه المستقبلية.
وفي هذا السياق يقول الخبير المختص في شؤون الجماعات المتطرفة الدكتور هشام الهاشمي لـ«الشرق الأوسط» إن «القوات العراقية أعلنت النصر على تنظيم داعش عسكريا، وهو ما يعني خسارة التنظيم ما يسميها (أرض التمكين) وقدرته على رفع رايته على أي بناية حكومية أو عسكرية على أرض العراق»، مضيفا: «لكن التنظيم تحول فلولا تسكن الصحارى والجبال والتلال والوديان والمناطق الوعرة؛ حيث بدأ تمويل نفسه بنفسه، مع العمل على إنهاك القوات العراقية».
وبشأن ما يمكن أن يمثله هذا التنظيم من مخاطر مع هزيمته العسكرية، يقول الهاشمي إن «هذا التنظيم بدأ يستهدف المواطن العراقي؛ على الهوية مرة، وعلى الولاء السياسي والمذهبي مرة أخرى، عبر ترهيب المواطنين العزل وفرض الإتاوات وتسليط الضوء على عدم قدرة الحكومة العراقية على إيجاد حلول أمنية لأبناء تلك المناطق التي يوجد فيها هذا التنظيم».
وطبقا لهذه الرؤية التي يقدمها الهاشمي، فإن التحديات، سواء على صعيد الاستقرار السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، لا تزال كبيرة في المناطق الغربية في ظل مدن لا تزال شبه مدمرة بينما تحتاج عشرات مليارات الدولارات لإعمارها.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».