معاناة الموظفين الأمميين تتفاقم في سجون الحوثيين

الإرياني لـ«الشرق الأوسط»: الصمت لم يعد مقبولاً... والأمم المتحدة تأخرت كثيراً

الأمم المتحدة أجلت موظفيها الأجانب من صنعاء وتركت الموظفين المحليين (إعلام محلي)
الأمم المتحدة أجلت موظفيها الأجانب من صنعاء وتركت الموظفين المحليين (إعلام محلي)
TT

معاناة الموظفين الأمميين تتفاقم في سجون الحوثيين

الأمم المتحدة أجلت موظفيها الأجانب من صنعاء وتركت الموظفين المحليين (إعلام محلي)
الأمم المتحدة أجلت موظفيها الأجانب من صنعاء وتركت الموظفين المحليين (إعلام محلي)

يواجه عشرات من موظفي الأمم المتحدة اليمنيين مصيراً مجهولاً داخل سجون جماعة الحوثي المصنفة إرهابياً، في ظل استعداد الجماعة لبدء محاكمتهم بتهمٍ تتعلق بما تصفه بـ«أنشطة تجسسية»، وفق مزاعمها.

وقال مسؤول يمني رفيع لـ«الشرق الأوسط»، إن الأمم المتحدة «تأخرت كثيراً في اتخاذ موقف يتناسب مع حجم الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات الحوثية بحق موظفيها ووكالاتها العاملة في مناطق سيطرتها».

الأمم المتحدة أجلت موظفيها الأجانب من صنعاء وتركت الموظفين المحليين (إعلام محلي)

وأوضح معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، أن «ما أقدمت عليه ميليشيا الحوثي الإرهابية من إعلان نيتها محاكمة موظفي الأمم المتحدة بتهم التجسس، يمثل سابقة خطيرة وانتهاكاً سافراً للقانون الدولي الإنساني ولكل الأعراف والمواثيق الدولية».

وتؤكد الأمم المتحدة، من جانبها، أن الحوثيين يحتجزون ما لا يقل عن 59 من موظفيها المحليين، ووصفت الاعتقالات بأنها «تعسفية وغير قانونية»، مطالبةً بالإفراج الفوري عنهم، وعن العاملين في المنظمات الإنسانية المحلية والدولية الذين تم اعتقالهم في الأشهر الأخيرة.

وكانت الأمم المتحدة قامت في 23 أكتوبر (تشرين الأول)، بإجلاء 12 من موظفيها الأجانب في صنعاء بعدما احتجزهم الحوثيون إثر اقتحام المجمع الأممي.

من جهته، أقرَّ المتحدث باسم الحوثيين وكبير مفاوضيهم، محمد عبد السلام، بوجود الموظفين الأمميين في الاحتجاز، مجدداً مزاعم الجماعة بأنهم «متورطون في أنشطة تجسسية تحت غطاء العمل الإنساني»، وقال إن لدى جماعته «أدلة ووثائق» تثبت ذلك، لكنها «تحرص على إيجاد حلول عادلة بالتنسيق مع الأمم المتحدة».

موقف واضح

وقال معمر الإرياني إن «الحكومة اليمنية تنتظر من المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، ومكتبه، اتخاذ موقف واضح وحازم إزاء هذا التصعيد، والتحرك العاجل لضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختطفين، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات».

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني (سبأ)

من جهته، اكتفى مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن بالإشارة إلى تصريحات سابقة للمتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، رداً على استفسارات «الشرق الأوسط» حول القضية، التي أكد فيها أن الأمم المتحدة ستواصل المتابعة «مع الحوثيين ومع السلطات بحكم الأمر الواقع في صنعاء، إضافة إلى الدول الأعضاء والشركاء، لمواصلة الضغط من أجل إطلاق سراح زملائنا».

الإرياني كشف أن الحكومة اليمنية «حذّرت مراراً من استهداف ميليشيا الحوثي للعمل الإنساني، ومحاولاتها تحويل المنظمات إلى أدوات لابتزاز المجتمع الدولي، واليوم نرى هذه التحذيرات تتحقق أمام أعين الجميع».

ودعا المسؤول اليمني المبعوث الأممي إلى اليمن، «ألا يكتفي ببيانات القلق، أو يستمر في تجميل الوجه القبيح للميليشيا وشرعنة ممارساتها الإرهابية التي طالت حتى موظفي مكتبه، بل أن يمارس كل صلاحياته ومسؤولياته للضغط على الميليشيا، وإعادة الاعتبار للمنظومة الأممية وهيبتها في مناطق سيطرة الحوثيين».

الصمت غير مقبول

ورغم إقراره بأن الأمم المتحدة تعمل في «بيئة شديدة التعقيد»، شدد وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني على أن «الصمت لم يعد مقبولاً». وقال إن «حماية موظفي الأمم المتحدة، لا سيما اليمنيين الذين تُركوا لمصير مجهول في مناطق سيطرة الحوثي، واجبٌ أخلاقي وقانوني، ولا يجوز أن تواصل المنظمة تجاهل معاناتهم تحت رحمة جماعة إرهابية لا تعترف بالقانون الدولي ولا بحرمة العمل الإنساني».

موظفو الأمم المتحدة اليمنيون معرضون لمحاكمات حوثية قد تؤدي بهم للإعدام (إعلام محلي)

تحركات دبلوماسية

وأشار الإرياني إلى أن «الحكومة اليمنية تتابع هذا الملف باهتمام بالغ، وتنسق مع الأمم المتحدة والدول الشقيقة والصديقة، لضمان الإفراج عن جميع المختطفين من موظفيها».

وأوضح أن «هناك مسارات عدة يجري العمل عليها؛ تشمل التحرك عبر مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، ورفع دعاوى قانونية لدى الهيئات الدولية المختصة، باعتبار ما تقوم به الميليشيا جريمة احتجاز تعسفي وابتزاز سياسي يرقى إلى مستوى جرائم الحرب».

وزير الإعلام اليمني حذر من أن الصمت لم يعد مقبولاً (إعلام محلي)

وأضاف: «نعمل كذلك على حشد موقف دولي أكثر صرامة يفرض على الميليشيا كلفة سياسية وقانونية لهذا التصعيد الخطير، ويمنع تكرار مثل هذه الممارسات مستقبلاً»، مبيناً أن «التجربة أثبتت أن الصمت يشجع الحوثيين على التمادي، بينما الموقف الموحد والحازم وحده كفيل بوقف هذه الانتهاكات وإجبارهم على الامتثال للقانونين الدولي والإنساني».


مقالات ذات صلة

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العالم العربي العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

جدّد العليمي رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة اليمنية أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية مؤكداً حماية المركز القانوني للدولة

«الشرق الأوسط» (جدة)
خاص نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)

خاص «اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

يُشكّل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اليمنية في مسقط مع الحوثيين لتبادل 2900 محتجز من الطرفين اختباراً جديداً لمدى مصداقية الجماعة في إغلاق هذا الملف الإنساني

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أسرى يمنيون أفرج عنهم على متن طائرة للجنة الدولية للصليب الأحمر في مطار مأرب (أرشيفية - رويترز)

ترحيب عربي وإسلامي واسع بالاتفاق اليمني لتبادل المحتجزين

توالت بيانات الترحيب العربية والإسلامية غداة الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية في العاصمة العُمانية مسقط بشأن تبادل الأسرى والمحتجزين

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي معتقلون تحاكمهم الجماعة الحوثية في إجراءات تصفها الأوساط الحقوقية بغير العادلة (إ.ب.أ)

سجون الحوثيين ... تعذيب مميت ومقابر سرية

شهدت سجون الحوثيين وفيات جديدة بالتعذيب، والإهمال الطبي، بالتزامن مع مصادقة أحكام إعدام مسيّسة، والمختطفون يتحولون إلى أوراق ابتزاز، وتفاوض

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي صورة أرشيفية لاجتماع سابق لمجلس الأمن في شأن اليمن (الأمم المتحدة)

اليمن يرحب ببيان مجلس الأمن الداعم لمجلس القيادة والحكومة

مجلس الأمن يُجدد دعمه الشرعية اليمنية ومسار السلام، ويُدين احتجاز الحوثيين موظفي الأمم المتحدة، داعياً إلى خفض التصعيد والإفراج الفوري عن المحتجزين.

«الشرق الأوسط» (عدن)

القوات الإسرائيلية تنتشر في عدة قرى وتفتش المارة بجنوب سوريا

توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
TT

القوات الإسرائيلية تنتشر في عدة قرى وتفتش المارة بجنوب سوريا

توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)

توغلت القوات الإسرائيلية صباح اليوم (الخميس) في قرى عدة بريف القنيطرة الجنوبي في جنوب سوريا.

وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) أن «قوة للاحتلال مؤلفة من سيارتي (همر) توغلت في عدد من قرى ريف القنيطرة الجنوبي، انطلاقاً من تل أحمر غربي، وسلكت الطريق المؤدي إلى قرية كودنة وصولاً إلى قرية عين زيوان، ومنها إلى قرية سويسة وانتشرت داخل القرية، وقامت بتفتيش المارة وعرقلت الحركة».

وأشارت إلى أن «قوات الاحتلال الإسرائيلي توغلت مساء أمس في قرى عدة بريف القنيطرة الشمالي، وفي بلدة الجلمة بريف درعا الغربي، واعتقلت شابين».

ووفق الوكالة، «تواصل إسرائيل سياساتها العدوانية وخرقها اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، عبر التوغل في الجنوب السوري، والاعتداء على المواطنين».

وتطالب سوريا باستمرار بخروج القوات الإسرائيلية من أراضيها، مؤكدة أن جميع الإجراءات التي تتخذها في الجنوب السوري باطلة ولاغية، ولا ترتب أي أثر قانوني وفقاً للقانون الدولي، وتدعو المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته وردع ممارسات إسرائيل وإلزامها بالانسحاب الكامل من الجنوب السوري والعودة إلى اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.


إسرائيل تعتبر إدانة قرارها إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة «خطأ أخلاقياً»

مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز)
مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز)
TT

إسرائيل تعتبر إدانة قرارها إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة «خطأ أخلاقياً»

مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز)
مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز)

رفضت إسرائيل إدانة صادرة عن 14 دولة لقرارها إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، ووصفت الانتقادات بأنها تنطوي على «تمييز ضد اليهود».

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إن «الحكومات الأجنبية لن تقيّد حق اليهود في العيش في أرض إسرائيل، وإن أي دعوة من هذا القبيل خاطئة أخلاقياً وتمييز بحق اليهود»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

ووافق المجلس الأمني في إسرائيل، الأحد، على إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، في خطوة قال وزير المال اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش إنها تهدف إلى «منع إقامة دولة فلسطينية».

ووفق بيان صادر عن مكتب سموتريتش، فإنه وبموجب هذا الإعلان يرتفع عدد المستوطنات التي تمت الموافقة عليها خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى 69 مستوطنة.

وتأتي الموافقة الإسرائيلية بعد أيام على إعلان الأمم المتحدة تسارع وتيرة الاستيطان بالضفة الغربية بحيث بلغت أعلى مستوياتها منذ عام 2017 على الأقل، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأدانت 14 دولة، من بينها فرنسا وبريطانيا وكندا واليابان، الأربعاء، موافقة إسرائيل الأخيرة على إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، داعية الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عن القرار، وإلى الكفّ عن توسيع المستوطنات.

وجاء في بيان مشترك، نشرته وزارة الخارجية الفرنسية: «نحن ممثلي ألمانيا وبلجيكا وكندا والدنمارك وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وآيرلندا وآيسلندا واليابان ومالطا وهولندا والنرويج وبريطانيا، نندد بإقرار المجلس الوزاري الأمني للحكومة الإسرائيلية إنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة».

وأضاف ​البيان: «نذكر أن مثل هذه التحركات أحادية الجانب، في إطار تكثيف أشمل لسياسات الاستيطان في الضفة الغربية، لا تنتهك القانون الدولي فحسب، بل تؤجّج أيضاً انعدام الاستقرار».

ويعيش في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل وضمتها منذ عام 1967، نحو ثلاثة ملايين فلسطيني إلى جانب نحو 500 ألف إسرائيلي يقطنون في مستوطنات تعتبرها الأمم المتحدة غير قانونية بموجب القانون الدولي.

وتواصل الاستيطان في الضفة الغربية في ظل مختلف حكومات إسرائيل سواء يمينية أو يسارية.

واشتد هذا الاستيطان بشكل ملحوظ خلال فترة تولي الحكومة الحالية السلطة، لا سيما منذ اندلاع الحرب في غزة عقب هجوم غير مسبوق شنته حركة «حماس» في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.


ما مصير «اتفاق 10 آذار» والعام يسير إلى نهايته؟

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
TT

ما مصير «اتفاق 10 آذار» والعام يسير إلى نهايته؟

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)

وضعت مصادر في دمشق التصعيد العسكري الأخير في مدينة حلب شمال سوريا في إطار «الضغوط» المتزامنة مع اقتراب استحقاق «اتفاق 10 آذار» بين الحكومة السورية و«قوات سوريا الديمقراطية»، وقرب انتهاء مهلة تنفيذ الاتفاق، مع استبعاد الذهاب إلى مواجهة واسعة وتوقع تمديد المهلة لأشهر أخرى سيزداد فيها «الضغط» على «قسد» للاندماج في المؤسسات السورية، خصوصاً الأمنية والعسكرية.

ويقول الباحث في «مركز الحوار السوري» مكارم فتحي إن تركيا تريد استكمال مسار الإنجازات الكبيرة التي حققتها في الملف الكردي في الداخل التركي.

واعتبر، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن المباحثات التركية الأخيرة في دمشق «جزء من مسار الضغط وتعزيز موقف الحكومة السورية وإظهار المزيد من الحزم»، مع الإشارة إلى أن «التفاوض مع (قسد) يتزامن مع سخونة الأحداث على الأرض». ولفت إلى أن أحد المخارج المحتملة لمأزق اقتراب الاستحقاق هو «الإعلان عن إنجاز جزئي لاتفاق آذار»، وبدء التفاوض الفعلي وكسب المزيد من الوقت خلال عام 2026.

وأشار مكارم إلى أن هذا المخرج «يحفظ ماء الوجه للجميع» خاصة لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، التي تتعرض لـ«ضغوط غير مسبوقة»، لحسم الملف، دون استبعاد ظهور حل مفاجئ، وهو احتمال ضئيل.

وفد من «الإدارة الذاتية» في اجتماع مع مسؤولين في الحكومة السورية عُقد بدمشق يونيو الماضي (مواقع التواصل)

أما الباحث والمدير التنفيذي في مركز الدراسات «جسور» وائل علوان فيرى أن تمديد مهلة الاتفاق 6 أشهر أخرى احتمال ممكن، لأن جميع الأطراف المحلية والخارجية «حريصة على ألا ينهار الاتفاق»، مشدداً على أنه «يجب أن يحافظ على الاتفاق ليكون مستنداً لحل هذه الأزمة»، مرجحاً تزايد الضغوط على «قسد» من قبل الأطراف الدولية، مثل واشنطن ذات التأثير الأكبر في هذا الملف، وفرنسا أيضاً، لمنع «قسد» من فرصة الإخلال بالاتفاق المؤدي إلى انهياره.

ولفت علوان إلى احتمال ممارسة الحكومة السورية ضغوطاً «ميدانية» من خلال التواصل مع المكونات الاجتماعية في الجزيرة السورية. وفي حال تمديد المهلة، توقع علوان «زيادة الضغوطات، نسبياً»، ورأى أن «قسد» ليست في «طور الذهاب إلى اندماج حقيقي مع الحكومة السورية، وعلى الأرجح ستقدم بعض التنازلات والاستجابة المحدودة». لكن بعد 6 أشهر ستكون هناك «ضغوط أكبر من الأطراف المؤثرة، مع تجنب الوصول إلى حرب عسكرية مفتوحة».

الشرع مصافحاً عبدي عقب توقيع اتفاق دمج «قسد» في الجيش السوري 10 مارس الماضي (إ.ب.أ)

ورغم خطورة التصعيد الأخير في مدينة حلب، يعتبر الباحث المتخصص بالشؤون الكردية خورشيد دلي أنها عمليات «محدودة» وستكون في النهاية محكومة بتفاهمات والعودة من جديد إلى اتفاق 10 مارس (آذار)، الذي «بات ممراً إجبارياً لتحقيق تفاهمات على شكل الحكم في سوريا»، مشيراً إلى «المغالطة الجارية بخصوص موعد تنفيذ الاتفاق؛ إذ إن البند الثامن يشير إلى أن «اللجان ستسعى إلى تنفيذ بنود الاتفاق بحلول نهاية العام»، وليست هناك أي إشارة إلى أنه موعد نهائي ومن بعده ينتهي الاتفاق».

واستبعد دلي حصول مواجهة كبرى بين الطرفين، في ظل وجود قوات التحالف الدولي شرقي الفرات؛ حيث القواعد والمقار الأميركية، ومن جانب آخر، ستكون الحرب مدمرة للطرفين ولما تبقى من سوريا. لكن ذلك لا يعني عدم حصول مواجهات محدودة في مناطق التماس في حلب وريفها الشرقي ودير الزور.

وفي ضوء تبادل «قسد» ووزارة الدفاع السورية الخطط بشأن كيفية دمج قوات «قسد» والأسايش (قوات الأمن الداخلي) وكذلك المفاوضات غير المعلنة بين الجانبين، اعتبر الباحث دلي أن الأمور تبدو متجهة نحو «انفراجة»، أولاً لأن فيها مصلحة للطرفين ولسوريا عموماً، وثانياً لوجود «تفاهم عام» بين الطرفين على تجنب الصدام العسكري. وثالثاً لأن الدور الأميركي يقوم بتدوير الزوايا والخلافات. ورأى أن هذه الانفراجة «ستشكل مدخلاً لتعزيز الثقة بين الطرفين، بعد أن تأثرت بأحداث السويداء ومن قبل الساحل، دون أن يعني ما سبق التقليل من حجم الخلافات والاختلافات».

صورة نشرتها وزارة الداخلية للنزوح في حلب بعد الاشتباكات الأخيرة بين «قسد» والقوات السورية

احتمال توسع المواجهات بين «قسد» والحكومة السورية يستند، بحسب الكاتب والباحث السياسي ماهر التمران، إلى أن «المعطيات على الأرض لا توحي بوجود حشود عسكرية واسعة أو استعدادات ميدانية جدية من الطرفين، ويشدد على أن البيئة الإقليمية والدولية، وهي العامل الأكثر تأثيراً، لا تشجع على فتح جبهة جديدة في شمال سوريا وشرقها، خاصة في ظل حادثة تدمر وعودة نشاط تنظيم «داعش» في البادية، «ما يرفع منسوب القلق الأمني ويزيد الحاجة إلى تجنب أي فراغ أو انفلات قد يخلّ بتوازن هش قائم».

ورأى أن «خيار تمديد المهلة وإدارة الأزمة السيناريو الأكثر ترجيحاً». فمنذ توقيع الاتفاق، بقي إطاراً عاماً يفتقر إلى آليات تنفيذ واضحة وجداول زمنية ملزمة، ما جعل التعثر شبه حتمي.

وحسب المعطيات المتوفرة، يقول التمران إن المباحثات الجارية تتركز حصرياً على الجوانب العسكرية والأمنية كأولوية لدى الطرفين، باعتبارها مدخلاً لبناء الثقة وضبط التوازن الميداني قبل الانتقال إلى القضايا السياسية والإدارية الأكثر تعقيداً.

كما يشير مقترح الفرق العسكرية الثلاث إلى محاولة حكومية للبحث عن «صيغة وسطية تُبقي لـ(قسد) حضوراً عسكرياً منظماً في منطقة الجزيرة، مقابل تثبيت وجود رسمي للدولة ضمن الهيكل العسكري، بما قد يمهّد لاحقاً لإعادة ترتيب العلاقة بين الطرفين».

واعتبر ماهر التمران أن المرحلة المقبلة تبدو أقرب إلى مرحلة «إدارة وقت» منها إلى مرحلة حسم، ويُرجّح اللجوء إلى تمديد غير معلن أو إعادة صياغة للجدول الزمني للمفاوضات، بانتظار ظروف سياسية أكثر ملاءمة.

غير أن استمرار هذا النهج دون معالجة جذور الخلاف، بحسب رأيه، يحمل في طياته مخاطر تراكم الإحباط الشعبي، خاصة في المناطق المتأثرة مباشرة بغياب الحل، ما قد يمهّد لاحقاً لسيناريوهات أكثر تعقيداً إذا لم تُتخذ خطوات سياسية حقيقية تتجاوز المقاربة الأمنية وحدها.