راغب علامة لـ«الشرق الأوسط»: «طار البلد» صرخة من الشعب الى آذان السياسيين

الفنان اللبناني يتحداهم بأغنية

راغب علامة لـ«الشرق الأوسط»: «طار البلد» صرخة من الشعب الى آذان السياسيين
TT

راغب علامة لـ«الشرق الأوسط»: «طار البلد» صرخة من الشعب الى آذان السياسيين

راغب علامة لـ«الشرق الأوسط»: «طار البلد» صرخة من الشعب الى آذان السياسيين

السوبر ستار اللبناني راغب علامة، علامته الفارقة هي صوته الجميل وأداؤه المحبب على الأذن وأغنياته التي تعبر عن الحب بنبرات منبعها الحنان الراشح من صميم القلب. لكن صوت راغب اليوم في أغنيته الجديدة بعنوان «طار البلد» التي أحدثت صرخة وطنية مدوية في لبنان جاءت من صوت ملؤه الشجون وحرقة القلب والحزن، فكلماتها التي كتبها نزار فرنسيس عبرت عن حالة البلد وعن معاناة شعبه من انعدام القانون والأسى من الأوضاع الصعبة التي يعيشها لبنان، في خضم الأزمات السياسية والاقتصادية التي شلت الناس وحولت أحلامهم إلى باب الهجرة.
في اتصال مع الفنان راغب علامة الموجود حالياً في اليونان، كان الحزن والعتب جليين في صوته. فلم يكن يتكلم بصفة الفنان الذي أصدر عملاً فنياً جديداً، إنما كان يتكلم بصفته مواطناً لبنانياً تعب مما وصفه بـ«الذل في البلد الذي جعل الرشوة فيه هي القانون، والذل هو أيضاً القانون».
وبدأ راغب كلامه بالقول إن قصة الأغنية بدأت عن طريق حديث دار بينه وبين الشاعر نزار فرنسيس، ليشفي غليله كلبناني تعب من الوضع الراهن في لبنان، وكان جواب فرنسيس: «لديَّ ما يشفي غليلك. لديَّ الكلمات التي تعبر عن حزنك وغضبك». وسمع راغب كلمات أغنية «طار البلد» التي تقول: «صار الوقت... صار الوقت يا ناس... نصرخ على العالي... ما في وقت... طار البلد يا ناس وينيي العدالة...»، وقام الموزع الموسيقي جان ماري رياشي بتوزيع موسيقاها التي وصفها راغب بالرائعة لأنها تتناغم مع الكلمات من خلال اختيار الآلات الموسيقية وطريقة التوزيع.
ولفت راغب إلى أنه لم يقم بتسجيل الأغنية إلا مرة واحدة، وهذا الأمر غير مسبوق. فبعد سماع نزار فرنسيس المحاولة الأولى لأداء الأغنية طلب منه عدم تكرارها، لأن الأحاسيس كانت نابعة من القلب. والصوت كان صداه الوجع الحقيقي الذي يختلج قلب وعقل كل لبناني تعب من الوضع في لبنان، وتابع راغب موضحاً: «أديت الأغنية وسجلتها من المرة الأولى، ولم أكن حتى أعرف الكلمات عن ظهر قلب، ولكني سعيد بهذا الشيء لأن الأغنية فعلاً معبرة وصادقة ولا يدخل فيها التمثيل ولا التظاهر... فهي تعبر عن حالتنا المأساوية، وهي صرخة لا بد منها في وجه سياسيين نصبوا أنفسهم أولياء على البلد وعلى شعبه، وأجبروه على الهجرة والفرار من الواقع القبيح الذي لا ينذر بأي بصيص أمل في المستقبل لنا أو للأجيال القادمة».
هذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها راغب علامة أغنية وطنية بمغازٍ سياسية، إذ غنى في الماضي للجيش، كما غنى للطفل الفلسطيني الشهيد محمد الدرة. غير أن أغنية «الصرخة» هذه تتكلم عن الحالة التي يعيشها لبنان في ظل السياسيين المتفقين فقط على الاختلاف، ولا يجمعهم إلا التحامل على البلد وتجويع أهله وفرض الضرائب العشوائية عليه، كما يقول.
وتساءل راغب: «كيف يمكن لنائب لم يحصل على أكثر من 80 صوتاً للفوز بمقعده أن يقرر باسم الشعب؟ ومن يسمح له بأن يكبد البلد ديوناً لا يمكن تسديدها؟ ومن يعطيه الحق بنشر تغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي تزيد من الشعور بالغثيان لدى الشعب بسبب هذا الوضع الشاذ؟».
وشدد راغب، الذي لم يبخل في تصريحاته النابعة من حرقة قلبه على لبنان على عبارة، «حلم الأهل هربان هاجر مع ولادن»، وأردف: «الهجرة أصبحت حلم الفقير والمقتدر في لبنان، حتى ابني يفكر بالهجرة ولم يعد يستطيع العيش في لبنان، مع العلم أن وضعه أفضل بكثير من غيره من أبناء جيله، وهذا الأمر مؤلم للغاية».
وبرأي علامة، فإن الفلتان والتسيب السياسي يضعان الموظفين في الحكومة بالدرجة نفسها لسوء السياسيين المحسوبين عليهم، فيذلون الناس ويتآمرون عليهم ويُدفعونهم الثمن مرتين.
وتساءل: «هل يعقل أن يدفع الشعب ضريبة وضريبة مضافة عليها؟»، هذا الأمر لم يحصل في أي بلد في العالم، فحتى الحصول على رخصة قيادة تتطلب دفع رشوة، وهذا الأمر فظيع وبشع.
حتى الهبات التي يحصل عليها لبنان من دول الخليج توقفت بسبب السياسيين، لأنها لم تصل قط للشعب إنما كان خطها مباشراً إلى جيوب الزعماء، وقال: «تابعوا نشرات الأخبار لتعرفوا مدى الفساد في لبنان ووقاحة الزعماء في هذا البلد».
من المعروف عن راغب علامة أنه على علاقة جيدة بعدد من السياسيين من مختلف التيارات والفرقاء والطوائف في لبنان، إلا أن هذه الصداقات - على حد قوله - لا يمكن أن تجعله يغض الطرف عما يحصل في لبنان من مآسٍ وعذاب يومي يعيشه الشعب المسكين.
وعن صدى الأغنية التي جاءت في مقدمة نشرة الأخبار على قناتين تلفزيونيتين لبنانيتين، يرى راغب أن الصدى كان «نووياً» وقوياً، وأحدثت الأغنية صدمة إيجابية لدى الشعب للتصدي وعدم السكوت على الوضع للحفاظ على البلد قبل «أن يطير» بالكامل.
وعن ردات فعل السياسيين، يقول راغب إنه تلقى رسائل إيجابية ومساندة لصرخته من بعض النواب، من بينهم النائبة ديما جمالي والنائب هادي حبيش، وهما من «تيار المستقبل».
وفي نهاية الحديث، أراد علامة توصيل صوت الشعب إلى آذان الزعماء والمسؤولين من خلال أغنيته التي تحكي عن معاناته ومعاناة كل مواطن لبناني لا حول ولا قوة لديه، وختم بالقول: «كفى، إلى أين سيأخذ الزعماء هذا البلد، حولوا مواطنيه إلى رهائن على أرضه ويتصرفون وكأنه ملك لهم لوحدهم... كفى كفى».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».