صانع الأبطال الخارقين ستان لي

رحل متأخراً وترك إرثاً من كل نوع

ستان لي (يساراً) في دور شرف في «سبايدرمان» (2002) - ستان لي أحد أوائل مبتدعي شخصيات الأبطال الخارقين
ستان لي (يساراً) في دور شرف في «سبايدرمان» (2002) - ستان لي أحد أوائل مبتدعي شخصيات الأبطال الخارقين
TT

صانع الأبطال الخارقين ستان لي

ستان لي (يساراً) في دور شرف في «سبايدرمان» (2002) - ستان لي أحد أوائل مبتدعي شخصيات الأبطال الخارقين
ستان لي (يساراً) في دور شرف في «سبايدرمان» (2002) - ستان لي أحد أوائل مبتدعي شخصيات الأبطال الخارقين

في كل عرس كان له قرص. هذا هو ستان لي، أحد أوائل مبتدعي شخصيات «السوبرهيروز» التي تحارب وتواجه وتنتصر ولا تموت. هو بدوره حارب وواجه وانتصر، لكنه في نهاية المطاف مجرد بشريّ... والبشر يموتون.
يوم الاثنين، أول من أمس، مات ستان لي عن عمر ناهز 95 سنة، وترك وراءه ثروة كبيرة من الخيال وأخرى من المال. هو من ابتدع، أحياناً إلى جانب كتّـاب وفنانين آخرين من بينهم جاك ديربي دون هَك، وبل إيفريت، وجون روميتا، وستيف دتكو، الشخصيات التي تتراءى لنا الآن على شاشات السينما كل سنة، مثل باتمان، وسوبرمان، وذا هَلْك، ورجال إكس، من دون أن ننسى آيرون مان وثور وكابتن أميركا و«ذا أفنجرز».
شخصياته وُلدت لتبقى وتثير شجن وخيال كل من يتوق إلى بطل صنديد يقاتل وينتصر رغم الصعاب وأنواع المخاطر. هي نتاج تلك الأساطير التي تداعت في العصر الروماني مثل هركلس وماشيستي، ومثل محرر العبيد سبارتاكوس.

- بداية أقل من عادية
وُلد في نيويورك عام 1922 من عائلة من المهاجرين اليهود. اسمه الحقيقي ستانلي مارتن ليبر، وهو لجأ إلى اسمه الأول ستانلي فقسّمه إلى قسمين: ستان لي الذي بات اسم شهرته ومهنته.
في مطلع شبابه كان في حاجة إلى العمل وعمّه روبي وجد له عملاً في دار نشر كانت تصدر بعض مطبوعات «البالب فيكشن» (تلك الروايات الشعبية المطبوعة على ورق خشن)، وكان عمله لا يتجاوز التأكد من أن الحبر الذي يستخدمه الرّسّامون متوفر، وأنه كان حاضراً إذا ما طلب منه أحد الموظفين إحضار طعام غداء من المطعم القريب.
ستانلي كان صبوراً ولحوحاً في وقت واحد: صبر على عمله الوضيع وألحّ في طلب الخلاص منه. لكنّ عمله في تلك الدار جعله يعي أنه يريد أن يصبح مثل هؤلاء الكتاب والرسامين، وهو استطاع أن يثبت أنه قادر على ملء الفراغ إذا ما احتاجت إليه دار النشر في آخر لحظة لإتمام حكاية أو للحلول مكان كاتب لم يستطع تسليم مادته.
مع مطلع الأربعينات تعرّف على جاك ديربي وشكّلا معاً ثنائياً ناجحاً، لكن في حين أن جاك كان الكاتب والمنفّذ الفعلي، التزم «لي» بتصدير هذا العمل وابتداع شخصياته أو بعضها على الأقل.
كلاهما عملا بإخلاص لإنجاز شخصيات من تلك البطولات الخارقة، وكان أولها في الخمسينات، شخصيات «فانتاستيك فور» (كان كيربي كتب تلك الشخصيات منفرداً من قبل). من ثمّ توالت الشخصيات وتعدّدت وشهدت رواجاً كبيراً في ثلاث وسائط مهمّة: مجلات الكوميكس الشعبية والأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية.
البحث في أصول البطولات الخارقة سيحيلنا إلى موضوع يحتاج إلى كتاب، لكن ما فعله ستان لي، كما يقول في مقابلة أجريتها معه قبل عامين، هو أنه دائماً ما فكّر في شخصيات لا أحد يستطيع النيل منها: «كنت ضعيف البنية ومسالماً، وكان هناك أولاد ينهرونني ويعنفوني، ولم يكن لدي سبيل إلا الحلم بشخصية قوية تتغلب على أمثال هؤلاء. من هنا انطلقت رغبتي في خلق شخصيات قوية لا يستطيع أحد قهرها».
الشخصية الأولى التي جسّدت هذا التفكير بالنسبة إليه هي شخصية «كابتن أميركا» رجل القوة الذي لا يمكن قهره، والذي ينطلق لتحقيق العدالة وإنصاف المظلومين والتصدي للأشرار أينما كانوا. لكن لحظة... أليس هذا ما يفعله كذلك باتمان وسوبرمان وفلاش غوردون وسواهم؟
الفوارق هي في التفاصيل المتعلّقة بالنشأة والتاريخ الغامض لشخصياته. على الرغم من ذلك، فهناك تشابهات حتى في تلك الخلفيات، مثلاً «باتمان» اكتسب مزاياه من سقوطه في بئر مليئة بالوطاويط التي هاجمته. «ذا هلّك» تحوّل من رجل عادي إلى رجل بالغ القوة نتيجة حادث نووي. أما «سبايدرمان» فتعرض لعضة من عنكبوت نادر.
كذلك، فإن ملايين الأولاد لا بد شاركوا ستان لي الحلم بأبطال لا يقهرون. الفارق هو أن ستان لي نقل الحلم إلى واقع.
على كثرة الشخصيات والنجاح الكبير لها، وجد ستان لي نفسه في الستينات يكتفي بكتابة الحبكات ويترك الرسامين يستخرجون منها ما يلتقي وبطولاتها، أو ما يمكن استيحاؤه من مزاياها الخاصة. وهو عمل مع الشركتين المتنافستين إلى اليوم DC أولاً وMarvel بعد ذلك، هذا قبل أن يستقل ويدخل مهنة الانتقال كليّاً إلى العمل السينمائي منتجاً لأفلام شركة «مارفل ستديوز» التي تحتوي على معظم تلك الشخصيات البطولية.
هذا مكّـنه في السنوات العشرين الأخيرة من تسجيل أرباح كثيرة؛ كون كل هذه العناوين والشخصيات باتت الخبز اليومي لهواة السينما. كذلك وجد طريقه للظهور في أدوار شرف في عدد كبير من الأفلام التي أنتجها.
‫اسمه مرتبط حتى الآن، على نحو أو آخر، بأكثر من 130 فيلماً، لكن اسمه سيبقى متلألئاً في نحو عشرين فيلماً مدرجاً على إنتاجات شركات واستديوهات هوليوود حتى عام 2022.‬

- ثقافة عالمية
‫في عام 2016، وخلال قيامه بالترويج لفيلم «كابتن أميركا» قابلته في فندق «فور سيزنز» وتحدثنا طويلاً. وهو يحب الحديث. منفتح على إشراك محدّثية بما يعرفه وما يتذكره وكل تاريخه. بعد المقابلة دلفنا إلى مقابلة أخرى جمعت عدداً غفيراً من نقاد وصحافيي «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب». في الثالثة والتسعين من عمره آنذاك، لم يبد عليه أي إرهاق، ولا أبدى انزعاجاً أو ضجراً.
> لماذا في اعتقادك نحبّ الأبطال الخارقين؟
- في اعتقادي أننا نرغب دوماً فيما لا نملكه، مثل القدرة على الطيران فردياً وبلا أجنحة. القدرة على إزاحة جبل أو إيقاف قطار، أو التمتع بقدرة خارقة على إثارة العواصف أو الثّلوج. هذه بعض صفات شخصيات الكوميكس، وهذه أيضاً بعض ما يجول في عقول الجيل الشاب. جيلي ثم جيل آخر وبعده أجيال. لأن كل جيل يريد أن يتمتع بقوّة خارقة.
> ليس على نحو جماعي، بل على نحو منفرد. لكل منا أحلامه المنفصلة.
- صحيح.
> لكن ما كان ثقافة شعبية أميركية تغير وبات ثقافة شعبية حول العالم. لماذا؟
- شخصيات الكوميكس وكل الحكايات التي قرأناها في الأربعينات أو حتى ما قبل الأربعينات دارت حول مواقف بطولية، سواء كانت بطولات عادية أو خارقة. الولايات المتحدة مطبخ كبير للأفكار، وأنا هنا أفكّر بصوت عالٍ، كانت الشعوب أقل قدرة على التواصل فيما بينها؛ لذلك قد يكون هذا الانتشار راجعاً إلى أن التواصل بين الناس أذاب الفروقات، لكنه حافظ على تقدير البطولة الفردية.
> متى فكرت أول مرة في ابتداع شخصيات السوبرهيروز؟
- كنت ضعيف البنية ومسالماً، وكان هناك أولاد ينهرونني ويعنفوني، ولم يكن لدي سبيل إلا الحلم بشخصية قوية تتغلب على أمثال هؤلاء. من هنا انطلقت رغبتي في خلق شخصيات قوية لا يستطيع أحد قهرها. كنت مسالماً وطفولتي كنت مسالمة؛ لذلك كنت أتجنّب العراك الذي يقع عادة بين الأولاد. كنت أنجح في تغيير موقف الولد الذي يريد دخول النزاع معي. كنت أتكلّم كثيراً وطويلاً لدرجة أن خصمي كان يضجر مني ويقرر تركي وشأني (يضحك).
‫>‬ لكن إلى جانب الرغبة في أن تصبح بطلاً أو تخترع بطلاً يحلّ محلك، هل كان لديك أبطال في كتب الأدب؟
- طبعاً، وأشكرك على هذا السؤال. بالفعل كان هناك أبطال آتون من صفحات الكتب الأدبية. أحببت جداً شارلوك هولمز، وقرأت بشغف روايات تشارلز ديكنز ومارك تواين. أبطال هذه الروايات كانوا بالنسبة لي أبطالاً خارقين.
‫>‬ هل أبطال تشارلز ديكنز قادرون على إثارة خيالنا لدرجة تحويلهم إلى أبطال خارقين؟
- بالنسبة لي كان هذا ممكناً. لكن إذا كنت ستسألني أين وكيف ومتى داهمني الإلهام لكتابة تلك الشّخصيات، فأنا فعلاً لا أستطيع إعطاءك جواباً عليه. ما أتذكّره على نحو مؤكد هو أن شخصية «سبايدرمان» وُلدت عندما طلب مني الناشر التفكير بشخصية جديدة. كنت قد كتبت شخصيات «رجال إكس» و«فانتاستيك فور». بدأت أفكر في شخصية جديدة، وكنت أنظر في فضاء المكتب عندما لاحظت ذبابة تقف على حائط قريب. فكرت ماذا لو كانت هذه الذبابة إنساناً. لكن الذبابة لا تستطيع أن تثير الخيال على نحو جيد. فكرت في بضع حشرات أخرى من ثمّ استقررت على العنكبوت.

- سيادة الكوميكس
‫>‬ سبايدرمان يختلف عن باقي الأبطال بأنه شاب صغير السن.
- طبعاً. فكرت في ذلك عندما ابتدعته. كنت أريده مراهقاً من زاوية منحه المزيد من الاختلاف. فكّرت في منحه الكثير من المشكلات التي تقع عادة مع كل مراهق. الشخصيات الأخرى لا مشكلات شخصية لها، عندما استقر رأيي على الرجل العنكبوت هرعت إلى الناشر وقلت له «أملك فكرة رائعة» وذكرتها له. رد علي قائلاً: إنها أسوأ فكرة سمعها في حياته.
‫>‬ ما الذي لم يعجبه بالتحديد؟
- قال إن الناس تكره العناكب، فكيف ستحب بطلاً عنكبوتاً؟ قال إن البطل الشاب يصلح لكي يكون «سنيد» البطل وليس البطل نفسه. في النهاية وافقني على تجربة عدد واحد من هذه الشخصية، وطبعنا العدد وحقق نجاحاً كبيراً.
‫>‬ المنافسة بين مؤسستي DC وMarvel معروفة، لكني أريد سماع رأيك فيها؟
- نعم، هناك منافسة نشأت من قبل قيام الشركتين بإنتاج الأفلام ومن قبل قيامهما بنقل شخصياتهما إلى الشاشة. لكن المشكلة هي أننا في شركة «مارفل» امتلكنا خيالاً أوسع حتى عندما استغنينا عن كلمة «أطلس» التي كانت عنوان المؤسسة إلى كلمة «مارفل» وما تعنيه.
‫>‬ أفلام مارفل متقدمة تجارياً على أفلامDC ... هل يعود ذلك إلى المخيّلة أيضاً؟
- طبعاً. نحن نعرف كيف نكوّن أفلامنا بطريقة تنقل الخيال من الورق إلى الشاشة. تمنح أفلامنا الشخصيات حياتها وتصرفاتها المدهشة. هم يبدون لي في حاجة إلى بعض ما لدينا.
‫>‬ أي من أفلامك نجح أكثر من سواه في تجسيد هذا التكوين؟
- أعتقد أن كل أفلامنا جيدة في هذا المضمار. «آيرون مان» ربما في المقدمة.
‫>‬ لكن هذا النجاح مكلّف. باتت هوليوود تعيش فعلياً على هذا النوع من الأفلام. ذابت حياله الأنواع الأخرى ولم تعد تستطيع تحقيق النجاح الذي كان لها سابقاً. إلى أين تمضي هذه الأفلام والمسلسلات بنا؟
- آمل أن تمضي بنا بعيداً وألا تنتهي. أعتقد أن سبب النجاح هو ارتباط هذه الأفلام بشخصياتها بالرغبة الكامنة فينا لتلقي الحكايات الخيالية. وأعتقد أن هذه الحكايات تكبر فينا، ولا نستطيع أن نتجاوزها. في ذات كل منا حكاية يفضلها، وهذه الحكاية لها علاقة بالبطولة والرغبة في تحقيق فعل خير يحتاج إليه البطل لكي يؤكّد قيمته ويحقّق مبادئه.
‫>‬ لكن كيف تنظر إلى غياب أنواع سينمائية مقابل حضور أفلام الكوميكس الدائمة؟
- أعتقد أن هناك مكاناً لأفلام البطولة الخارقة ومكاناً للدراما العادية. أفلام حول أوضاع الناس العاديين ومشاغلهم الواقعية. الذي يبدو الآن أفلام السوبرهيروز هي التي تسود. وهذا ربما صحيح، لكنها ستخبو لاحقاً أو ستقل. هذا حدث مع نوع أفلام الوسترن. قبل سنوات لم تكن تستطيع أن تشاهد محطات التلفزيون من دون مسلسلات وسترن. الآن اختفت، وهذا ما قد يحدث لأفلام السوبرهيروز أيضاً ولو أنني لا أتمنى ذلك لأنني أعمل في مجالها.
‫>‬ هناك شخصيات لم تُنقل إلى الشاشة بعد. قيل لي إنك كتبت أكثر من 500 شخصية.
- ما قيل لك صحيح. هناك عدد كبير من الشخصيات لم تُنقل إلى السينما. وهناك شخصيات ستُنقل إلى الشاشة لأول مرة، مثل «دكتور سترانج» و«بلاك بانثر» (هذا قبل إنجاز فيلمين من هذه الشخصية خرجاً إلى الأسواق في العام الماضي ومطلع هذا العام).
‫>‬ شخصيات أبطالك تستند إلى خلفيات تتناول العلم وتكاد تتهمه، لكنها لا تذهب كثيراً في هذا الاتجاه، بل تكتفي بالتطرّق إليه. مثلاً «ذا هلْك» تحوّل من رجل عادي إلى رجل خارق عندما مسّـه شعاع نووي. كذلك الحال مع شخصياتك الأولى في «فانتاستيك فور»... كيف تنظر إلى العلم؟ هل هو مسؤول؟
- كل شخصية تحتاج إلى سبب ومنشأ، ووجدت أن بعض أسبابها لا بد أن يعود إلى خلل علمي أو وضع كان مقدّراً له أن يتم بنتائج سلبية. هذا لا يعني أنني ضدّ العلم، بل أستخدمه، علماً بأني لا أعرف الكثير عنه.


مقالات ذات صلة

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».