«داعش» يقاوم «فرار» عناصره بأكاذيب «النبأ»

الجريدة احترفت التضليل وهاجمت التنظيمات الأخرى

أحد أغلفة جريدة «النبأ» التي تصدر عن «داعش» («الشرق الأوسط»)
أحد أغلفة جريدة «النبأ» التي تصدر عن «داعش» («الشرق الأوسط»)
TT

«داعش» يقاوم «فرار» عناصره بأكاذيب «النبأ»

أحد أغلفة جريدة «النبأ» التي تصدر عن «داعش» («الشرق الأوسط»)
أحد أغلفة جريدة «النبأ» التي تصدر عن «داعش» («الشرق الأوسط»)

يرى قطاع معتبر من المراقبين والباحثين، أن «المعركة الأولى للتنظيمات الإرهابية، كانت ولا تزال هي معركة الإعلام وصورة التنظيم أمام الرأي العام... واستخدام الصحافة هو السبيل الأمثل لكسب الحرب النفسية والدعاية وكسب العقول». وتعد جريدة «النبأ» الأسبوعية الصادرة عن ما يسمى «ديوان الإعلام المركزي» التابع لتنظيم داعش الإرهابي، أحد أهم الأدوات الدعائية التي استخدمها التنظيم في نشر أخباره وأفكاره المضللة. وأكدت دراسة مطولة حديثة في مصر، أن «الجريدة احترفت التضليل وهاجمت التنظيمات الأخرى، ويستخدمها التنظيم في مقاومة الانشقاقات و(فرار) عناصره عقب هزائم متتالية طالته في سوريا والعراق».
الدراسة أعدها مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تضمنت تحليلاً لمضمون أعداد «النبأ» خلال عام 2017... وكشفت عن اختلال خطاب الجريدة والحديث عن الهزائم، بعدما كانت أداة ساهمت في تجنيد الأتباع عام 2014. وقال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الدراسة اعتمدت على منهجية كمية وكيفية، فعرضت تصنيفاً للمحتوى الخبري وللمقالات؛ استكشافاً للمسكوت عنه الذي يحاول التنظيم إخفاءه، عندما يركز على إظهار سمة وتوجه ما، فعندما تركز الجريدة على ضرورة الثبات، فهي تخفي تزايداً في أعداد الفارين بغية مواجهة حالات الانشقاق».
و«النبأ» مرآة عاكسة لفكر وممارسة التنظيم، تحترف التضليل في أخبارها وافتتاحياتها ومقالاتها... كما أنها أداة إعلامية تنتهج استراتيجية التنظيم في الصدمة والرعب، فعناوينها تصدم متصفحها بـ«الدماء والأشلاء والتكفير».
وقال المراقبون: إن «داعش» يقاوم الآن للحفاظ على منصاته الإعلامية، التي وفر لها طاقات مالية وبشرية، منذ أول مرة صعد فيها أبو بكر البغدادي على منبر «الجامع الكبير» بالموصل عام 2014 ليعلن عن «دولته المزعومة» التي تهاوت بعد ذلك.

صحافة الدعاية
بلغت العينة التي عملت عليها الدراسة المصرية، التي جاءت بعنوان «التضليل المحترف»، 44 عدداً من الجريدة، شملت 331 خبراً، و223 مقالاً، و7 إنفوغرافات. ويشار إلى أن التنظيمات الإرهابية أدركت مبكراً أن استخدام الصحافة هو السبيل الأمثل لكسب الحرب النفسية والدعاية وكسب العقول؛ لذا ففي عام 1988 أنشأ زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن إدارة «إعلام القاعدة» بهدف نشر ما يقوم به التنظيم من عمليات في أفغانستان... واستخدم «داعش» كافة أشكال وسائل الإعلام، سواء التقليدية عبر جريدة «النبأ»، أو المتطورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الوكالات الإعلامية.
ويشار إلى أن «النبأ» عكست التطور الذي طرأ على الأداة الإعلامية لـ«داعش» وسعى التنظيم لتوظيف فكرة الجهاد من دون قائد، التي ظهرت مع «القاعدة»، وتقوم على أساس «الجهاد» عبر الإنترنت لأبو مصعب السوري، الذي وثّق لهذه الفكرة عبر مؤلف له بعنوان «الاستراتيجية اللامركزية للجماعات الجهادية»؛ وذلك لضمان استمرار التنظيمات حال مقتل قادتها... وتنظر الجماعات الإرهابية إلى أهمية التغطية الصحافية لما تقوم به على أساس أنه اعتراف صريح بوجودها وبمشروعية ما تقوم به من عنف؛ فظهور القيادات الإرهابية عبر حوارات أو أخبار يحقق لهم شهرة وانتشاراً، من وجهة نظرهم.

تداول إجباري
قالت دراسة الإفتاء: إن الصفحة الأولى لـ«النبأ» تعكس مرايا العدد، والكلمة الافتتاحية إذا كانت مهمة مثل أن تكون كلمة لأحد قيادات التنظيم أو كلمة صوتية تم تفريغها لأبو بكر البغدادي، والعدد يقع غالباً في 12 صفحة، ثم زاد إلى 16... وكانت توزع عقب صلاة الجمعة في النقاط الإعلامية وفي الأسواق والأماكن العامة... وتحتوي الصفحة الأولى على تحذير من إلقاء الجريدة؛ كونها تحتوي على آيات قرآنية وأحاديث، وهذا التحذير يهدف فقط إلى زيادة تداولها بين الأعضاء.
لغة الخبر في «النبأ»، بحسب الدراسة، يغلب عليها الطابع المركزي، الذي يعمل على تجميع الأخبار من مختلف أفرع التنظيم ويضعها في قالب دعائي يستثير حماسة أتباعه، ويقوم بتضخيم أعداد الضحايا في صفوف خصوم التنظيم... فمثلاً أعلنت «النبأ» عن مقتل 572 وجرح 393 في العراق خلال أغسطس (آب) الماضي، وبالرجوع إلى بيانات «منظمة ضحايا حرب العراق» وجد أن عدد القتلى 201، في حين رصدت «المنظمة الدولية» مقتل 90 شخصاً وإصابة 117؛ ما يؤكد أن «النبأ» تقوم بنشر أكاذيب عن عمليات وهمية، وتقوم بتضخيم أرقام الضحايا، في إطار الحرب النفسية التي يشنها التنظيم على دول المنطقة.
وتحتوي «النبأ» على عدد كبير من صور الغرافيك التي تبعث موضوعاتها دلالات كثيرة، جاءت أغلبها في الفترة الأخيرة عبارة عن رسائل إيمانية لمقاتلي التنظيم، كما حوت موضوعات ركزت على وجهة نظر التنظيم في «الانتخابات والديمقراطية».
وأكدت الدراسة، أن مجموعة المقالات التي اختصت بمنظومة القيم الدعوية مثلت أكثر من 25 في المائة من مجموع المقالات خلال عام؛ وهو ما يشير إلى أهميتها، حيث يسعى التنظيم إلى توظيفها لبث قيم تخدم الطابع التجنيدي القائم على «السمع والطاعة»، والحفاظ على هياكله الداخلية في مواجهة عمليات الانشقاقات وتثبيت عناصره في المواجهات... ومن بين هذه القيم «حفظ الأسرار، والصبر، والصمت، وتجنب المعاصي، والثبات».

نصيحة في مقال
تناولت أعداد الجريدة أيضاً مقالات حملت نصائح أمنية للعناصر، تمحورت حول مجموعة تقنيات تتعلق بتنفيذ العمليات. وأهمية «الصولات الهجومية» في إيقاع الخسائر التي تتم عن طريق مجموعات صغيرة من «الذئاب المنفردة». وآلية استخدام العبوات الناسفة. وطرق التصدي للحملات الأمنية.
وأشار مستشار مفتي مصر إلى «تناقض منظومة القيم التي يدعيها التنظيم بشكل كامل مع واقع ممارساته التي قامت على استباحة الدماء للأبرياء وارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية من نشر الرعب بمشاهد الذبح والحرق وقتل الرجال والنساء وتدمير ممتلكات المسلمين».
وكشف الباحثون، معدّو الدراسة، عن أن الجريدة ضمت في صفحاتها الأخيرة مجموعة من الفتاوى بمتوسط 2 في العدد... وركزت هذه الفتاوى على العبادات بمعدل 6 فتاوى خاصة بالصلاة والاعتكاف، و3 بالصيام، و4 بالأضحية والنذر، و2 بالزكاة. أما ما يتعلق بالمعاملات العائلية، فهي عبارة عن 3 فتاوى حول تعدد الزوجات، وعقوق الوالدين، وسفر المرأة، فضلاً عن فتاوى أقل حول «الجهاد ونيل الشهادة والديون».
وتظهر الأرقام، أن هناك اهتماماً أقل بفتاوى القتال لصالح المعاملات العائلية، وهو ما يبرز تركيزهم على قضايا الاختلاط والزواج، وأنهم يريدون التحكم في العلاقات الاجتماعية قسراً، وإشارة إلى الهوس الجنسي... كما أن تساوي عدد فتاوى الديون مع الجهاد يشير إلى أن المنضمين للتنظيم يعانون من الفقر، وهم ما يستهدفهم بخطابه.

خداع العناصر
أكد الباحثون، أن الجريدة لجأت إلى عرض سير بعض «الإرهابيين» الذين قتلوا أثناء تنفيذ عمليات انغماسية، أو في عمليات استهداف أوكار التنظيم، باعتبارهم أبطالاً؛ بهدف كسب تعاطف العناصر للإقدام على نيل الشهادة وتنفيذ عمليات خاصة.
وعن اعتراف «داعش» بهزائمه في جريدة «النبأ»، أكدت الدراسة، أن التنظيم يدرك أنه لم يعد هناك مجال للاستخفاف بعقول أنصاره... فلم تعد «دولته المزعومة» باقية وتتمدد، ومن هنا كانت هناك ضرورة للمصارحة والمكاشفة أمام عناصره لمحاولة استعادة الثقة المفقودة، مع الدعوة إلى الصبر. لكن خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة تحول خطاب الجريدة لتأكيد أن «داعش» دين ودولة، وأن ما يعاني منه التنظيم هو ضريبة للجهاد.
وقال الباحثون: إن ذلك الخطاب في ظل مساعي التنظيم لاستعادة نشاطه الميداني والإعلامي في العراق وسوريا والعودة إلى وضع ما قبل 2014، وهو ما ركز عليه البغدادي في خطاباته للحفاظ على معاقل التنظيم في سوريا، والقتال في جبهات مفتوحة واستخدام «الذئاب المنفردة» وبخاصة في أوروبا، وتوظيف «مهاجمة العدو البعيد»، وعلى رأسها أميركا وروسيا والدول الأوروبية لإعادة كسب ثقة الأنصار الفارين واستقطاب عناصر جديدة.

تجنيد {الإخوان}
وحول رؤية التنظيم نفسه في مرآة التنظيمات الإرهابية الأخرى، أشار الباحثون إلى سعي التنظيم من خلال الجريدة إلى تضليل عناصره بمحاولة إقناعهم بأنه التنظيم الأوحد الذي يسعى إلى إقامة الدولة – على حد زعمهم -، أما باقي الفصائل والجماعات التي لم تبايعه فهي لم تقدم للإسلام شيئاً. فهاجمت الجريدة «صحوات الشام»، و«الفصائل المسلحة في سوريا»، و«حراس الدين»، وجماعة «الإخوان» الذي سعى التنظيم لاستمالة عناصرها بانتقاد منهج الجماعة الفكري، كما اشتبكت الجريدة مع حركة طالبان وتنظيم القاعدة.
وكشفت الدراسة عن سبع أزمات هيكلية ضربت التنظيم وأظهرتها أعداد «النبأ»، هي، خسارة الرهان على الفروع الكبرى، ومنها «ولاية سيناء» في مصر بعد نجاح «العملية الشاملة في سيناء 2018»، وتزايد أعداد الفارين والمنشقين من التنظيم، فضلاً عن الانقسامات والخلافات الداخلية بين صفوفه عقب الهزائم التي لحقته في العراق وسوريا. وكذا تفكك العقيدة القتالية والدعوية لدى عناصره. والإفلاس القيمي والإعلامي. والتراجع الشديد في التخطيط المركزي وغياب الاستراتيجيات. وانتشار ضعف القوة الإيمانية والنفسية لدى العناصر وفقدانهم الثقة بالتنظيم. وانتشار المعاصي والانحرافات السلوكية بين عناصر «داعش».
وقدمت الدراسة المصرية توصيات للتصدي للدعاية السوداء التي تطلقها «النبأ»، أهمها، إيجاد آلية تضمن استبدال المحتوى العنيف بمحتوى آخر معتدل. وحظر الوجود العنيف على المنصات الإلكترونية والعمل على حذفها بشكل سريع وعاجل وملاحقتها في المنصات كافة المنتشرة في مختلف الدول. فضلاً عن العمل على إيجاد منصة عالمية تقوم بفضح الأكاذيب التي تتعلق بالعمليات الإرهابية وضحاياها. إضافة إلى البحث العلمي والأمني لإصدارات التنظيمات الإرهابية، والكشف عما إذا كانت تحتوي على رسائل «مشفرة» لأعضاء التنظيم بخصوص القيام بالعمليات الإرهابية.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.