في الربيع الماضي، تناقل الملايين في العالم لقطات مسجلة بالهاتف لشاب أفريقي يتسلق بخفة متناهية وبيدين عاريتين عمارة في باريس ويلتقط طفلا كان يتدلى من الطابق الخامس ويوشك على السقوط. وسرعان ما تحول المهاجر المالي البالغ من العمر 22 عاما إلى بطل تحتفي به فرنسا. وآخر مبادرات التكريم جاءت، أمس، من موقع خرائط المدن والشوارع في محرك البحث العالمي «غوغل». وتقديرا لشجاعة المهاجر المالي تقرر تسجيل العمارة رقم 51 الواقعة في شارع «ماركس دورموا» على أنها موقع تاريخي يشار له باسم: «صالون شهرة مامادو غاساما».
لفتت شجاعة مامادو اهتمام الرئيس إيمانويل ماكرون الذي استقبل «البطل» في القصر الرئاسي وقرر تسوية وضعه كمهاجر غير شرعي وتوفير فرصة عمل له. كما تسلم ميدالية كبرى من بلدية باريس، ونال جائزة أميركية للعمل الإنساني تقلدها خلال حفل دعي إليه في لوس أنجليس. وبعد شهر من اللقاء في «الأليزيه» حصل مامادو على عقد عمل في الخدمة المدنية لوحدات النجدة والإطفاء. وفي 12 من الشهر الماضي، بعد أقل من 5 أشهر على الحادثة، نشرت الجريدة الرسمية مرسوما بمنحه الجنسية الفرنسية. وهو ليس أول مهاجر من مالي يحظى بهذا التكريم فقد سبق وأن حصل العامل الحسن باتيلي على الجنسية الفرنسية تقديرا لشجاعته في حادث احتجاز رهائن قام به إرهابي في باريس، قبل 3 سنوات. أما والد الطفل فقد جرى تقديمه إلى المحاكمة بتهمة إهمال واجباته كأب وتركه الولد وحيدا في الشقة، خصوصا أن زوجته كانت على سفر. وفي 25 من الشهر الماضي صدر عليه حكم بالسجن لمدة 3 أشهر مع وقف التنفيذ، على أن يلتحق بدورة، على نفقته الخاصة، لتعلم مبادئ المسؤولية العائلية.
ولد مامادو غاساما في قرية «ياغين» جنوب غربي مالي. وغادر بلده في عام 2013. مارا ببوركينا فاسو والنيجر، على أمل بلوغ أوروبا وتحصيل رزقه فيها. وعند وصوله إلى ليبيا جرى اعتقاله وتعذيبه. وحال خروجه من السجن بدأت محاولاته لبلوغ سواحل إيطاليا. وفشل في الأولى ونجح في الثانية حيث انتشلته من البحر دورية لناشطين في العمل الإنساني، تجوب سواحل المتوسط. وفي إيطاليا أقام مامادو في ملجأ لطالبي اللجوء قريب من روما، ودخل دورة للعمل في مطاعم «البيتزا». وفي صيف 2017 انتقل إلى باريس لملاقاة شقيق له سبقه إلى العاصمة الفرنسية، وأقام في سكن للمهاجرين وبدأ يشتغل في ورشات البناء من دون تصريح رسمي.
كان عائدا من عمله بحدود الساعة الثامنة من مساء 26 أيار- مايو (أيار) الماضي حين رأى أناسا يتجمعون على رصيف عمارة سكنية وهم يتطلعون إلى طفل متدل من شرفة في الطابق الخامس، بينما يحاول جار في شقة مجاورة أن ينتشله، دونما جدوى. ولم يفكر مامادو مرتين. هبّ مقتحما سياج العمارة وتمكن من تسلق شرفاتها طابقا بعد طابق، بقوة بدنية خارقة، وفي غضون 30 ثانية كان قد وصل إلى الطفل وأعاده إلى موقع آمن. وتصادف وجود عابر سبيل قام بتصوير الحادثة وتسرب الفيلم إلى مواقع التواصل وقنوات التلفزيون في العالم كله. وفي الصباح التالي خرجت الصحف الباريسية وهي تحمل على صفحاتها الأولى صور مامادو غاساما الذي استحق لقب «البطل» وصار اسمه على كل شفة ولسان. إثر ذلك، تلقى الشاب الفقير دعوة لزيارة بلده الأم، مالي، حيث جرى استقباله استقبال الأبطال.
في أسطوانته الصادرة حديثاً، خصص فريق «سنايبر» لموسيقى الراب أغنية لمامادو غاساما. وجرى إنتاج فيلم للرسوم المتحركة مأخوذ من حكايته، بعنوان «مهاجر جيد... مهاجر سيء»، نال جائزة أفضل فيلم في مهرجان للسينما في هولندا.
خرائط «غوغل» تدشن «صالون شهرة مامادو»
تكريماً للمهاجر الأفريقي الذي تسلق عمارة وأنقذ طفلاً فرنسياً
خرائط «غوغل» تدشن «صالون شهرة مامادو»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة