«سكريات حليب الأم» تغذي الطفل قبل ولادته

اكتشافها لأول مرة ضمن مكونات السائل الأمنيوسي

«سكريات حليب الأم» تغذي الطفل قبل ولادته
TT

«سكريات حليب الأم» تغذي الطفل قبل ولادته

«سكريات حليب الأم» تغذي الطفل قبل ولادته

توصلت مجموعة باحثين من الولايات المتحدة وفنلندا إلى اكتشاف غير مسبوق في تأكيد احتواء السائل الأمنيوسي Amniotic Fluid، الذي يسبح فيه الجنين طوال فترة الحمل داخل رحم الأم، على «سُكريات الحليب البشري قليلة التعدد».
ويأتي هذا الاكتشاف الحديث ليؤكد أن هناك الكثير مما لا يزال الباحثون الطبيون يُحاولون معرفته عن وظائف السائل الأمنيوسي المحيط بالجنين، كما أن هناك الكثير مما لا يزال بحاجة إلى مزيد من البحث حول تغذية الجنين وهو في داخل الرحم وحول دور حليب الأم في تغذية الطفل بعد ولادته، وكيفية حصول تهيئة الجنين لتقبل الرضاعة الطبيعية من حليب الأم وتهيئة جسم الأم الحامل لقدرة إنتاج الحليب بعد الولادة.
- سكريات الحليب
«سُكريات الحليب البشري قليلة التعدد «Human Milk Oligosaccharides». هي سكريات كربوهيدراتية معقدة التركيب، ولا تُوجد إلا في الحليب البشري، وبعض من تلك السكريات تم تصنيعه ويُضاف إلى الحليب الصناعي Formula - Feeding لتغذية الأطفال الرّضع.
وكانت دراسات طبية سابقة قد أظهرت في نتائجها وجود هذه النوعية الفريدة من السكريات في دم وبول الأم الحامل خلال فترة الحمل. وهو ما عبّر عنه الباحثون بالقول: «وأظهرت الدراسات التي صدرت في السبعينات الماضية أن سُكريات الحليب البشري قليلة التعدد تظهر بالفعل في البول والدم أثناء الحمل وفي وقت مبكر من الأشهر الثلاثة الأولى».
كما أوضحت نتائج كثير من الدراسات الطبية السابقة جوانب مختلفة عن الدور المباشر والطويل الأمد لتناول الطفل الرضيع هذه النوعية الفريدة من السكريات، التي لا تُوجد إلا في حليب الأم. وما تطرحه لأول مرة نتائج هذه الدراسة الحديثة أن السائل الأمنيوسي يحتوي بالفعل على سكريات حليب الأم هذه، وأن الطفل وهو في مرحلة الجنين داخل رحم الأم، يبدأ في تناول تلك السكريات الفريدة مع ابتلاعه للسائل الأمنيوسي الذي يسبح فيه.
ووفق ما تم نشره ضمن عدد 2 أكتوبر (تشرين الأول) من مجلة «الحديث جداً في طب الأطفال وحديثي الولادة» Frontiers in Pediatrics - Neonatology، قام باحثون من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة وجامعة توركو في فنلندا بإجراء تحاليل كيميائية معقدة ودقيقة لمكونات السائل الأمنيوسي، وتبين من خلالها وجود «سُكريات الحليب البشري قليلة التعدد فيه».
وعلق الدكتور لارس بود، الباحث الرئيسي في الدراسة والأستاذ المساعد في طب الأطفال بكلية الطب في جامعة كاليفورنيا بسان دييغو ومدير مركز لارسون روزينكوست للأم والرضاعة والرضع من التميز البحثي، بالقول: «حتى الآن، تركزت الأبحاث حول دور سُكريات الحليب البشري في الرضاعة الطبيعية للطفل بعد ولادته، لكن اكتشافنا الأخير يشير إلى أن استفادة الجنين من سُكريات الحليب البشري تبدأ بالفعل قبل ذلك بكثير وتؤثر على تطور نمو الجنين».
وأضاف الدكتور بودي: «من المحتمل أن تشارك سُكريات الحليب البشري قليلة التعدد أيضاً في تطور الرئة أو الدماغ قبل الولادة. ولا نعرف حتى الآن متى يبدأ هذا الوجود المبكّر لهذه السكريات في السائل الأمنيوسي. وهذا الاكتشاف الأول من نوعه يستدعي إجراء بحوث إضافية حول كيفية تأثير سُكريات الحليب البشري قليلة التعدد على صحة الأم وصحة الرضيع في مرحلة ما قبل الولادة وحديثي الولادة، بما في ذلك التحقق من عواقبها المحتملة مدى الحياة».
- مكونات حليب الأم
و«سُكريات الحليب البشري قليلة التعدد» هي أحد المكونات الرئيسية الثلاث في حليب الأم، ولذا توجد فيه بتركيزات عالية على هيئة سكريات ذائبة أو مستحلبة برفقة الدهون أو كسكريات عالقة في مزيج حليب الأم. وللتوضيح، فإنه وبالإضافة إلى الماء يتكون حليب الأم من ثلاث مكونات رئيسية، هي: أولاً الدهون، وثانياً سكر لاكتوز الحليب، وكلاهما يُوجد في أي نوع من الحليب، بشري وغير بشري.
أما المكون الثالث في حليب الأم فهو «سُكريات الحليب البشري قليلة التعدد» التي توجد فقط في الحليب البشري للأم.
ووفق ما تشير إليه المصادر الطبية، ثمة أكثر من 200 نوع لهذه السكريات. ولذا يختلف حليب أم مُرضعة عن حليب أم مرضعة أخرى بحسب مزيج نسبة وأنواع السكريات تلك. وعلى الرغم من قدرة الجهاز الهضمي للطفل الرضيع حديث الولادة على هضم الدهون وسكر لاكتوز الحليب، فإنه في بداية فترة الرضاعة لا يقوى على هضم أنواع «سُكريات الحليب البشري قليلة التعدد».
والواقع أن عدم قدرة الطفل حديث الولادة على هضم تلك السكريات هو شيء جيدٌ صحياً له، لأنها آنذاك تصبح غذاء للبكتيريا المعوية التي توجد بشكل طبيعي في الأمعاء كي تكون بيئة «ميكروبات أمعاء الرضيع» Infant Gut Microbiome، وبالتالي ينمو نشاطها وتُساهم في مساعدة جهاز مناعة جسم الطفل الرضيع على مقاومة وجود البكتيريا والفيروسات الضارة في أمعاء الطفل الصغير، وهو ما يحمي الطفل من الإصابة بحالات الإسهال وحالات التهابات الجهاز التنفسي والربو والحساسية، وحتى تحميه في مراحل تالية من العمر من الإصابة بالبدانة وزيادة الوزن.
وأوضح الباحثون أنه، وعلى غرار التأثيرات المعروفة لتلك السكريات في المرحلة التالية للولادة، فإنها قد تؤثر بوجودها في السائل الأمنيوسي على الميكروبات المبكرة داخل الجنين، كما قد تمنع العدوى وتنظم الاستجابات المناعية التي من شأنها أن تزيد من خطر الولادة قبل الأوان الطبيعي Preterm Delivery.
- «بروبيوتيك الحليب»
أوضح الباحثون بالقول: «توضح الأدلة العلمية المتراكمة أن سُكريات الحليب البشري قليلة التعدد هي عبارة عن بروبيوتيك Prebiotics الحليب البشري، وتعمل بمثابة ركائز استقلابية لميكروبات محددة ومفيدة بشكل محتمل جداً. كما أن تلك السكريات تمتلك قدرات مضادة Bacteriostatic ومبيدةBactericidal للميكروبات الضارة، وأيضاً تمتلك قدرات تمنع التصاق الميكروبات على أسطح خلايا بطانة الأمعاء وغيرها. وتساهم مجموعة هذه التأثيرات المشتركة، كمضادات حيوية ومضادات للميكروبات ومضادة لالتصاق الميكروبات، في تشكيل بيئة الميكروبات الصديقة بالأمعاء في مرحلة مبكرة من العمر، مما يقلل من خطر الإصابة بأمراض حادة بما في ذلك الإسهال المعدي أو التهاب الأمعاء، ويحتمل أيضاً أن يكون لها تأثير واقٍ من الإصابة بالأمراض غير المعدية مثل الربو وأمراض الحساسية والسكري والبدانة. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم هذه السكريات بتنشيط نضوج ونوعية تفاعلات جهاز مناعة الطفل الرضيع، ولذا فإن تناول الطفل الرضيع لها في فترة ما بعد الولادة له آثار فورية وآثار طويلة الأجل على صحته ونموه».
- السائل الأمنيوسي والجنين
> السائل الأمنيوسي عبارة عن سائل صافٍ يميل لونه نحو الأصفر الفاتح، وهو موجود في الكيس الأمنيوسي. ويحيط السائل الأمنيوسي بالجنين أثناء فترة الحمل، ولذا يسبح الطفل فيه طوال الوقت.
ويبدأ السائل الأمنيوسي في التكون من الأسابيع الأولى للحمل، وتحديداً من الأسبوع الثاني للحمل. ثم يصل إلى الذروة في الكمية مع بلوغ الأسبوع 34 من عمر الحمل، أي نحو 800 ملليلتر. ثم تنخفض تلك الكمية إلى نحو 600 ملليلتر مع بلوغ عمر الأسبوع 40 من الحمل. ويتم تغيير السائل الأمنيوسي باستمرار. ويتكون هذا السائل من الماء والبروتينات والدهون ومجموعة من المعادن والأملاح وخلايا من الجنين.
ويساعد السائل الأمنيوسي الجنين على:
> حرية التحرك في الرحم، مما يسمح له بالنمو السليم في الأعضاء والأطراف والعظام.
> يساعد الرئتين على التطور بشكل صحيح.
> يساعد في الحافظ على درجة حرارة ثابتة حول الطفل، والحماية من فقدان الحرارة.
> يساعد في حماية الطفل من الإصابة الخارجية للضربات أو الحركات مفاجئة.
والجنين يبتلع ويستنشق هذا السائل، ثم يطلقه. ويبدأ الجنين في بلع جرعات من السائل الأمنيوسي وهو في عمر نحو 12 أسبوعاً. وهذا يساعد على نمو الرئتين، ويساعد في عمل الكليتين على إنتاج البول.
كما يساعد بلع السائل الأمنيوسي على تكون ما يُعرف بـ«العقى» Meconium، وهو أول براز يتبرزه الطفل بعد الولادة وقبل تناوله لأي حليب.
وبحلول عمر 28 أسبوعاً، يبدأ الجنين في الشعور بشكل قوي بالرائحة، ومنها رائحة السائل الأمنيوسي. ولذا يُقبل المولود على الثديين الذين تم دهنهما بالسائل الأمنيوسي، وهو ما لاحظته دراسة الدكتور فارندي المنشورة عام 1996 في مجلة «أكتا بيدياتريكا» لطب الأطفال Acta Paediatrica والتي كانت بعنوان «جاذبية رائحة السائل الأمنيوسي: دليل على تعلّم الرائحة ما قبل الولادة». ثم يبدأ الطفل بفقد تفضيل رائحة السائل الأمنيوسي في غضون بضعة أيام بعد الولادة.

- استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
TT

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

أحياناً، لا يستطيع بعضنا النوم، رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد؛ وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا، وفقاً لما توصلت إليه دراسة جديدة.

وكل ليلة، ومع غروب الشمس، تبدأ بعض ميكروبات الأمعاء، المعروفة بميكروبات الليل، التكاثر والازدهار، بينما تموت ميكروبات أخرى، وتتغير المواد الكيميائية التي تفرزها هذه الميكروبات أيضاً، مما يسهم في النعاس، وفق ما نقله موقع «سايكولوجي توداي» عن مؤلفي الدراسة الجديدة.

ويصل بعض هذه المواد الكيميائية إلى منطقة تحت المهاد، وهي جزء من دماغك يساعدك على البقاء هادئاً في أوقات التوتر.

وقال الباحثون في الدراسة الجديدة: «من المدهش أن الميكروبات التي تحكم أمعاءك لها إيقاعات يومية، فهي تنتظر الإفطار بفارغ الصبر في الصباح، وفي الليل تحب أن تأخذ قسطاً من الراحة، لذا فإن تناول وجبة خفيفة، في وقت متأخر من الليل، يؤثر إيجاباً بشكل عميق على ميكروبات الأمعاء لديك، ومن ثم على نومك ومدى شعورك بالتوتر».

وأضافوا أن عدم التفات الشخص لما يأكله في نهاية يومه ربما يؤثر بالسلب على نومه، حتى وإن كان يشعر بالتعب الشديد.

كما أن هذا الأمر يزيد من شعوره بالتوتر، وهذا الشعور يؤثر سلباً أيضاً على النوم.

ولفت الفريق، التابع لجامعة كوليدج كورك، إلى أنه توصّل لهذه النتائج بعد إجراء اختبارات على عدد من الفئران لدراسة تأثير الميكروبيوم على الإجهاد والإيقاعات اليومية لديهم.

وقد حددوا بكتيريا واحدة على وجه الخصوص؛ وهي «L. reuteri»، والتي يبدو أنها تهدئ الأمعاء وتؤثر إيجاباً على الإيقاعات اليومية والنوم.

ويقول الباحثون إن دراستهم تقدم «دليلاً دامغاً على أن ميكروبات الأمعاء لها تأثير عميق على التوتر وجودة النوم».

ونصح الباحثون بعدم تناول الأطعمة والمشروبات السكرية ليلاً، أو الوجبات السريعة، وتلك المليئة بالدهون، واستبدال الأطعمة الخفيفة والمليئة بالألياف، بها.