كتاب «الخوف»... روايات متناقضة من داخل البيت الأبيض

مؤلفه بوب وودوارد لا يزال يعاني من «متلازمة ووترغيت»

الرئيس الأميركي (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي (إ.ب.أ)
TT

كتاب «الخوف»... روايات متناقضة من داخل البيت الأبيض

الرئيس الأميركي (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي (إ.ب.أ)

يوصَف كتاب بوب وودوارد الأخير الذي يحمل عنوان «الخوف: دونالد ترمب داخل البيت الأبيض»، والذي احتل قائمة أفضل الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة أخيراً، بأنه من الكتب الغريبة للغاية؛ فمن ناحية، يبدو الكتاب أقرب إلى الأدب القصصي (الرواية) في صورة السرد الغارق في الدراما الغالبة عليه لمحة الحوار المسرحي، لا سيما عندما يكون بطلا الرواية شخصين مختلفين تماماً تجمعهما مناقشة مفروض عليها غطاء من السرية. ومن ناحية أخرى، يطرح الكتاب ملخصات موجزة، وربما مقتضبة، للحوارات السياسية داخل إدارة الرئيس دونالد ترمب بأسلوب سهل للغاية لا تتيسر صياغته على هذا النحو إلا لدى صحافي مخضرم من أصحاب الخبرة الكبيرة، مثل السيد وودوارد نفسه.

صنع وودوارد اسمه الصحافي أول الأمر بوصفه جزءاً من فريق الإبلاغ الصحافي المكون من شخصين اثنين فقط، إبان فضيحة ووترغيت السياسية، ذائعة الصيت في سبعينات القرن الماضي. وبعد مرور ما يقرب من نصف قرن، لا يزال الرجل يعاني مما يمكن تسميته «متلازمة ووترغيت»، أو ما نعرفه نحن باسم «أعراض الصحافة الاستقصائية اللازمة»، التي تستند إلى الاعتقاد بأن المهمة الأولى والأخيرة للصحافي أو المراسل هي الكشف عن بعض الأسرار التي يمكنها العصف بأركان الأقوياء في مراكز الحكم.
وخلال فترة «ووترغيت» عجز وودوارد عن إدراك أنه، وزميله وقتذاك، كانا قيد الاستغلال من قبل مصدر مجهول يدير أجندة أعمال خفية وشديدة الخصوصية. وكانت الأسرار التي تمكَّنا من الكشف عنها عبر التقارير الصحافية قد تسربت إليهما، القطعة تلو الأخرى، بغية القضاء على إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون ورئاسته للبلاد. ومن دون مصدر التغذية «المعلوماتي» هذا، لم يكن للتحقيقات الصحافية الاستقصائية التي عكف عليها، رفقة زميله آنذاك، أن تقطع الشوط الطويل الذي قطعته بالفعل.
وعلى مرِّ العقود الماضية، استعان وودوارد بالأسلوب ذاته في عمله، وهو محاولة العثور على «مصادر» التغذية الصحافية التي ساعدته على إنتاج أكثر من اثني عشر كتاباً من المفترض لدى الجميع أنها تمكّنت من الكشف عن كثير من الأمور الخفية عن هذا الركن أو ذاك من الحياة السياسية الأميركية المفعمة بالغموض.
ومع ذلك، فإن العثور على «المصادر» الجاهزة، أو القادرة على إمدادك بما تريد صياغته في كتابك ليس بالأمر الهين على الدوام؛ فما من أحد لديه الرغبة الدائمة للإفصاح وتوزيع الأسرار العميقة المثيرة للغليان والغضب السياسي على غرار فضيحة «ووترغيت». لذا، ما الذي ينبغي فعله في حالة كهذه؟ إحدى السبل «اختراع» الأسرار اختراعاً، حتى وإن كان الأمر يعني اقتباس الحكايات والأقاصيص المثيرة للجماهير، وإعادة تغليفها بهالة من الغموض والريبة. وهناك أسلوب آخر يتمثل في الارتكان على عامل الإثارة والتشكك في كل شيء لدى القراء وصياغة الروايات المباشرة المستندة إلى «بعض» الحقائق.
وفي حالة السيد وودوارد، المراسل الصحافي المميَّز حال تعامله مع الحقائق الفعلية، فإن كل ما تقدَّم يبعث على الأسف والأسى. فهو يستطيع إنتاج المادة الصحافية الممتازة من دون اللجوء إلى الأسرار الحقيقية أو المتصوَّرة أو الاستعانة بالمصادر الحقيقية أو المفتعلة. ويشعر المرء بالحرج الشديد عندما يقرأ لوودوارد عبارة تقول: «تستند هذه المعلومات على مقابلات شخصية ذات خلفيات عميقة»، أو تراه يستخدم عبارات من شاكلة «وفقاً لمصادر عالية الاطلاع»، أو «مصادر قريبة من المسألة قيد التحقيق»، أو الأسوأ من كل ذلك، «الزميل الحائز على معرفة واطلاع بالأمر».
في بعض الأحيان، لا يمكن لأي مقياس من مقاييس «التوقف والإنكار» أن يحول دون إذعان القارئ للمزيد من الشكوك. ومن الأمثلة على ذلك، عندما يحيل وودوارد الكلام على محادثة سرية جرت بين جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، وألكسندر بورتنيكوف، مدير جهاز الاستخبارات الروسي.
وكتاب بوب وودوارد الأخير، الذي يقع في 420 صفحة، ينقسم إلى 42 فصلاً، في شكل مقالات صحافية موجزة يتمحور كل مقال منها حول قضية بعينها. وتتراوح هذه القضايا من العلاقات الشخصية داخل الإدارة الأميركية إلى مسائل تتعلق بالسياسات الخارجية، والاقتصادية، والاجتماعية.
وعنوان الكتاب «الخوف» لا يعبر بأي حال من الأحوال عن مضمون المقالات التي يحملها بين دفتيه، ويظهر دونالد جيه ترمب في صورة شخصية طفولية أكثر منها ناضجة، تنتابها نوبات غضب عارمة، بدلاً من الديكتاتور الاستبدادي من القرون الوسطى المخيف لحاشيته. كما يحاول الكتاب كذلك أن يطرح تصوراً للبيت الأبيض في عهد ترمب بأنه ساحة تغمرها الفوضى وعدم التنسيق وغياب الاتساق. ورغم ذلك، ينتهي الأمر بالسيد وودوارد متظاهراً بطرح رؤى مغايرة لكل ما تقدم بين يدينا.
فإننا نرى دونالد ترمب متشبثاً على الدوام بتنفيذ وعوده الانتخابية، وغالباً ما يفعل ذلك في مواجهة المعارضة القوية من بعض أقرب معاونيه في الإدارة. وفي حالة الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه باراك أوباما مع إيران، على سبيل المثال، تغلب دونالد ترمب في هذه المسألة على آراء وزير خارجيته السابق ريكس تيلرسون، ووزير دفاعه الحالي جيمس ماتيس، ومستشاره للأمن القومي ماكماستر. ولدى تناوله قضية التعامل مع الصين ومواجهة اختلالهم التجاري مقارنة مع الولايات المتحدة الأميركية، تجاهل ترمب عامداً آراء وزيره للخزانة ستيفن مينوشين، وكبير مستشاريه الاقتصاديين غاري كوهن.
ومن المثير للاهتمام، أن السيد وودوارد يصوِّر إدارة الرئيس ترمب بانفتاحها غير المعتاد على الحوار والمجادلات السياسية، على النقيض تماماً من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي كان الرئيس خلالها يتخذ القرارات أولاً ثم ينزع لمشاورة معاونيه فيما بعد. وتمثل الجانب السلبي في هذا الانفتاح على الحوار والمجادلات السياسية في ارتفاع معدل استبدال الموظفين داخل البيت الأبيض.
وقرّر الرئيس ترمب تغيير وزير خارجيته، ومستشاره للأمن القومي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش، بل وكبير مخططيه الاستراتيجيين حتى قبل أن يبلغ منتصف ولايته الرئاسية الأولى.
ويفتتح وودوارد كتابه باستهلال يثير الإعجاب يزعم بين سطوره أن بعض مساعدي دونالد ترمب يستخدمون تشكيلة متنوعة من أفعال المراوغة والحيل المتقنة للحيلولة دون تحويل الرئيس أفكاره إلى واقع ملموس في الحياة.
ويستشهد وودوارد على ذلك بمثال للمستشار الاقتصادي غاري كوهن الذي يسرق رسالة من على منضدة الرئيس في المكتب البيضاوي ويخفيها تماماً لمنع إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية، الأمر الذي يمكن أن يشكل خطراً داهماً على الأمن القومي للولايات المتحدة. وينقل وودوارد عن كوهن قوله: «لم يلحظ الرئيس قط اختفاء هذا الخطاب من على مكتبه».
وتكمن المشكلة في أنه بعد الولوج لمسافة 100 صفحة بين دفتي الكتاب، أي عند الصفحة 107 تحديداً، يتناسى السيد وودوارد استهلاله الافتتاحي تماماً ويخبرنا بأنه كانت هناك نسخ أخرى من الرسالة المختَلَسة، وأن حكومتي واشنطن وسيول قد شرعتا فعلياً في التفاوض بشأن اتفاقية التجارية الثنائية الجديدة. وبعبارة أخرى، فإن مقدمة الكتاب الدراماتيكية إما أنها كانت مقدمة كاذبة أو منبتة الصلة تماماً بموضوع الكتاب. ومع ذلك، يدعي السيد وودوارد أن بوب بورتر، وهو من مساعدي الرئيس ترمب، ومساعدين آخرين من الإدارة نفسها كانوا قد سرقوا بعض الوثائق وقالوا لزملائهم إنهم اضطروا لفعل ذلك من أجل وقف تنفيذ «الأفكار الخطيرة» التي تشتعل في رأس الرئيس ترمب.
يقول وودوارد إن كتابه الجديد مبني على مئات المقابلات الشخصية. وفي الكتب ذات النمط الصحافي، فإن لفظة «المئات» تعني في الواقع ما يتراوح بين 200 و1000 مقابلة. وإن أخذنا المتوسط لذلك، وهو 500 مقابلة، وخصصنا نحو ساعتين من الزمن لكل مقابلة، فسوف يكون بين أيدينا نحو 1000 ساعة تقريبا من المقابلات الشخصية. وهذا رقم كبير للغاية بالنسبة للمقابلات الشخصية التي يمكن إجراؤها قبل دخول دونالد ترمب عامه الثاني من الولاية الرئاسية.
وإن قبلنا ذلك، فإن الفصول الخمسة الأولى من الكتاب تغطي حملة ترمب الانتخابية، ويتناول فصلان آخران الزيارة التي كان من المفترض أن يقوم بها دونالد ترمب إلى موسكو في عام 2013، واستأجر لأجلها جناحاً فندقياً فاخراً نزل فيه قبله الرئيس أوباما برفقة قرينته.
وفي كتابه المعنون «الولاء الأرقى»، استشهد جيمس كومي، الرئيس السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية المُقال من منصبه في عهد الرئيس ترمب، بمصادر تزعم أن دونالد ترمب استخدم الجناح الفندقي المشار إليه في ترتيب حفلة من الحفلات الماجنة على الفراش ذاته الذي استلقى عليه الرئيس الأسبق وقرينته إبان زيارتهما الرسمية السابقة إلى العاصمة الروسية. ومع ذلك، يرفض بوب وودوارد قصة جيمس كومي بأكملها ويصفها بـ«القمامة الصحافية»، تاركاً القارئ متسائلاً عن السبب الحقيقي لإفراد هذا القدر من الكتاب لذكر القصة التي يرفضها في المقام الأول!
ويظهر وودوارد مدى تمسك ترمب بأدواته وأسلحته، وفرض وعوده الانتخابية فرضاً، بل وتحويلها إلى سياسات لازمة التنفيذ. لقد عصف بالاتفاق النووي مع إيران، ونقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وانسحب تماماً من اتفاق باريس للتغييرات المناخية، وفرض إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية مع المكسيك وكندا، وفرض الرسوم الجمركية على واردات السلع من الصين والاتحاد الأوروبي، وأجبر حلف شمال الأطلسي على زيادة الإنفاق الدفاعي، وأخيراً وليس آخراً، كما يبدو، استحدث أكبر خطة لخفض الضرائب في تاريخ الولايات المتحدة.
وهناك بطبيعة الحال مجالات لم يحالف دونالد ترمب النجاح فيها، ومن أبرزها تدشين المشروع الطموح للبنية التحتية في البلاد، وتشييد الجدار العازل على الحدود الجنوبية مع المكسيك، والقضاء الكامل على برنامج الرعاية الصحية الوطني المعروف إعلامياً باسم برنامج «أوباما كير».
يوصف أداء الرئيس ترمب في ملفات السياسة الخارجية بأنه أداء مختلط؛ فلقد نجح في جلب كوريا الشمالية، المارقة بكل امتياز، إلى عملية تفاوضية قلَّلت كثيراً من حدة التوترات في شمال شرقي آسيا، وربما تسفر عن نزع حقيقي للسلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية التي مزقتها حروب الماضي الضروس.
ويكشف وودوارد في كتابه أن دونالد ترمب، عندما كان لا يزال مواطناً يتمتع بقدر من الخصوصية، قد حض على إجراء المباحثات مع كوريا الشمالية بدءاً من عام 1999، في الوقت الذي فتح فيه حوارا بنّاءً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان قد أفضى، أو لم يُفضِ، إلى تعديلات معينة في السلوكيات الروسية في بعض المجالات ذات الحساسية السياسية مثل أوروبا والشرق الأوسط.
ويخصص وودوارد فصلاً كاملاً من الكتاب لتغطية استراتيجية دونالد ترمب لتكوين علاقة خاصة مع المملكة العربية السعودية، باعتبارها جوهراً لاستراتيجية أكبر تهدف إلى تعزيز الاستقرار في ربوع الشرق الأوسط. وتجاهل ترمب أقرب مساعديه، تيلرسون، وماتيس، ودعا الأمير محمد بن سلمان، الذي كان ولي ولي العهد في ذلك الوقت، إلى مأدبة غداء رئاسية رسمية، ضارباً عرض الحائط بالبروتوكولات الرئاسية الراسخة.
وفي معرض النزاع القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي وإحدى الدول الأعضاء في المجلس، قطر، أُزيل على نحو سريع من واجهة الأحداث أحد الاتفاقات التي كان قد أبرمها كل من ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس مع إمارة قطر جراء ذلك.
وكان الرئيس ترمب مصرّاً وبشدة على إدراج اسم إيران على رأس قائمة «الدول المثيرة للقلق» مع الأنشطة الخارجية التي تمارسها خارج حدودها الوطنية.
وفي تقرير خاص من إعداد وزارة الدفاع الأميركية بشأن الفرع اللبناني من تنظيم حزب الله الشيعي الموالي لإيران، وصف التقرير التنظيم بأنه أكبر الشبكات الإرهابية في العالم، مشيراً إلى ضرورة وضع سيناريوهات عاجلة للتعامل معه. وبحسب ما ورد من تقارير، يتلقى تنظيم «حزب الله» نحو مليار دولار من إيران سنوياً لتغطية تكاليف قوته القتالية التي يبلغ قوامها نحو 48 ألف مقاتل في لبنان إلى جانب 8 آلاف مقاتل آخرين في سوريا. ويتحكم القادة الإيرانيون، في كل الحالات تقريبا، في آلة الحرب التي يديرها التنظيم. وأقام التنظيم كذلك مكاتب تمثيل خارجية غير رسمية في كل من كولومبيا، وفنزويلا، وجنوب أفريقيا، وموزمبيق، وكينيا، في حين حافظ على عدد من الخلايا النائمة في كثير من البلدان الأوروبية.
ويتولى «حزب الله» أيضاً إمداد الجماعات الموالية في العراق، والبحرين، واليمن بالأموال والسلاح، في الوقت الذي ينفق فيه المبالغ الطائلة على شراء ولاءات الشخصيات البارزة في جميع مناحي المجتمع اللبناني.
وفي حين أن التقرير الأميركي يعتبر «حزب الله» تهديداً قائماً بذاته، فإن تحليل السيد ترمب يقول إن «محرك الدمية» هي طهران، التي ينبغي أن تكون هي الهدف الحقيقي. وإذا كان هناك تغيير في طهران، فمن شأن «حزب الله» والجماعات الإرهابية المصغرة في كل مكان أن تتبخر وتتلاشى تلقائياً تماماً كما اختفت كل الأحزاب الشيوعية من الوجود بمجرد انهيار العائل الوحيد لها، أي الاتحاد السوفياتي القديم.
ومن أجل كل ذلك، توضح رواية وودوارد أن منهج دونالد ترمب «الشخصوي» للغاية حيال السياسات الخارجية للولايات المتحدة، وولعه بإبرام الصفقات السياسية هنا وهناك، لم يسفرا عن صياغة استراتيجية عالمية ملموسة ومتماسكة. وبعد سنوات من التراخي والخمول، التي فرضتها رئاسة باراك أوباما فرضاً، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية أكثر نشاطاً على المسرح الدولي من دون تحقيق أي نتائج حقيقية وملموسة. وقد يرجع ذلك في جزء منه إلى الازدواجية والتناقض اللتين يعاني منهما دونالد ترمب نفسه.
ففي بعض الأوقات تراه يتحدث مثل الدعاة التقليديين المناهضين للحرب، وهو يقول عن أفغانستان، على سبيل المثال: «إنها كارثة، لن تكون هناك ديمقراطية ناجحة أبداً. لا بد أن ننسحب منها فحسب». ولكن في اجتماعه مع القادة العسكريين الذين يطالبون بنشر المزيد من القوات في أفغانستان، يسأل الرئيس: «كم عدد الوفيات؟ وكم عدد الأطراف المفقودة لقواتنا؟».
ومع ذلك، فهو يوافق في وقت لاحق على زيادة الوجود العسكري الأميركي هناك ويغير من مهمة الجنرال جون نيكلسون، قائد القوات الأميركية في أفغانستان، من: «استمر هناك»، الأمر الذي تلقاه من باراك أوباما، إلى: «اكسب هذه الحرب»!
ويكرِّس وودوارد العديد من فصول كتابه للتحقيقات التي يجريها المستشار الخاص روبرت موللر بشأن المحاولات الروسية المزعومة للتدخل في (والتأثير في) مجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي بعض الأحيان تبدو هذه الفصول مثل روايات الجاسوسية المسلية للبعض. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن تحقيقات موللر الواسعة لم تسفر عن إثبات أي شيء على الإطلاق يتعلق بالتدخل الروسي الفعلي في الانتخابات، ناهيكم بأي تدخل من هذا القبيل كان قد أثَّر في نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية من الأساس.
ويحوي كتاب وودوارد بعض الرؤى التي، إن تم التحقق منها، قد تكون ذات أهمية على المدى البعيد. على سبيل المثال، يزعم أنه في مرحلة من المراحل، فكر ترمب في اغتيال الرئيس السوري بشار الأسد. وإن صح القول في ذلك، فسوف يعني أن ترمب كان على استعداد لخرق القانون الأميركي، الصادر في سبعينات القرن الماضي، الذي يقضي بحظر اغتيال زعماء الدول الأجنبية.
ومن الرؤى الأخرى التي طرحها وودوارد في كتابه أن الرئيس الصيني شي جينبينغ قد هاتف الرئيس دونالد ترمب لدعم عملية إطلاق الصواريخ ضد قواعد بشار الأسد العسكرية في رده على استخدام الأخير للأسلحة الكيميائية ضد شعبه. وإن كان ذلك صحيحاً، فسوف يعني استياء الصين من السياسات الروسية المتمثلة في إبقاء بشار الأسد على رأس السلطة في بعض أجزاء سوريا. ووفقاً إلى وودوارد، فإن هناك أكثر من 100 رئيس أجنبي آخر قد أجروا مكالمات هاتفية مع دونالد ترمب بشأن الإعراب عن دعمهم للضربات الصاروخية ضد قواعد بشار الأسد، الأمر الذي يُعد دليلاً على أن السياسة الروسية إزاء سوريا تفتقر إلى الدعم الموثوق فيه على الساحة الدولية.
ويكشف وودوارد في كتابه أيضاً أن ترمب قد أصدر الأوامر لوزير الدفاع جيمس ماتيس بمعرفة كيفية حصول المتمردين الحوثيين في اليمن على الأسلحة، واتخاذ الخطوات الجادة لوقف تدفقات الأسلحة إليهم. وينقل وودوارد عن ماتيس رده الغامض: «إن السواحل اليمنية طويلة للغاية!».
وهذا يدعو للمزيد من الاستغراب لأن المتمردين الحوثيين لا يسيطرون إلا على شريط محدود المساحة من الساحل اليمني إلى الغرب من خليج عدن على مقربة من مضيق باب المندب. والقناة الوحيدة الأخرى التي يمكن تهريب الأسلحة إليهم من خلالها هي سلطنة عمان عبر خليج هوف. وفي كلتا الحالتين، فإن إيقاف تدفق الأسلحة إلى الحوثيين لا يبدو مهمةً يستحيل تنفيذها من الناحية العسكرية بأي حال من الأحوال.
وفي بعض الأحيان، يتساءل وودوارد: لماذا يتصرف دونالد ترمب بهذه الطريقة؟! مما يعني أنه على خلاف الرؤساء السبعة السابقين عليه الذين خبرهم المراسل الكبير وتقابل معهم في غير مناسبة بشأن كتبه ومقالاته المختلفة. ولقد رفض ترمب، رغم كل شيء، منح بوب وودوارد الحق في إجراء مقابلة شخصية معه، إذ يعتبره من الناحية الضمنية عنصراً معادياً في وسائل الإعلام السائدة التي أعلنت الحرب على رئاسة ترمب للبلاد.
وهذا أمر، كما أعتقد، يجانب الإنصاف إذ إن كتاب وودوارد الأخير ينتهي به المطاف لأن يشي بلمحة إيجابية حول ترمب نفسه، ويكشف عن أنه سياسي نادر التكرر ذلك الذي يصر على احترام تعهداته أمام جمهور الناخبين. وعقد المقارنات التاريخية دائماً ما يسفر عن إشكاليات سياسية كبيرة. ومع ذلك، يمكن مقارنة شخصية ترمب إلى شخصية الرئيس الراحل ثيودور روزفلت، الذي أعرب عن مخاوف كثير من المواطنين الأميركيين المتأثرين بسرعة وتيرة التصنيع في بداية القرن الماضي، تماماً كما يعبر ترمب عن آمال، ومخاوف، وتطلعات، وربما تحيزات أولئك الذين يعانون كثيراً من فيضان العولمة الذي أغرق العالم بأسره.
وفي مشهد واحد يؤكد على الإيجابية، يذكر بوب وودوارد الحوار بين ترمب وكبار مستشاريه الاقتصاديين، الذين اتضح أنهم جميعهم من كبار المصرفيين السابقين، بشأن التجارة الدولية. ويستشهد المعاونون للرئيس ترمب بكل كلمة وعبارة حول كيف أن الاقتصاد العالمي الآن موجَّه تماماً نحو الخدمات، وكيف أن المتاجر التقليدية، والمصانع القديمة قد حلت محلها وحدات «خدمية» حديثة على غرار مقاهي «ستاربكس»، وصالونات تصفيف الشعر للرجال والنساء. كما أنهم يقولون إن الولايات المتحدة في حاجة ماسَّة إلى المزيد والمزيد من المهاجرين من أجل توفير الأيدي العاملة الرخيصة حتى تتمكن الشركات من تقليل النفقات والتكاليف وزيادة الأرباح.
ومن الواضح أن المستشارين الاقتصاديين يعتبرون أن الغاية الحتمية والأكيدة لأي اقتصاد هي جني المزيد من الأموال، لا سيما من خلال التجارة الدولية، حتى وإن كان ذلك يعني تفكيك النمط الكامل لحياة البشر في وقت موجز وقصير. ومن خلال الاستماع إلى هذه المناقشات، كان دونالد ترمب يسجل هذه الملاحظات على مذكرة ورقية أمامه تحت عنوان مريع: «التجارة سيئة للغاية»!
وبعبارة أخرى، يدرك القطب الرأسمالي العقاري الكبير أن الاقتصاد لا بد أن يتعلق بأكثر من مجرد كسب الأموال، بيد أن وودوارد لا يذكر ذلك على نحو صريح في كتابه. ولكن هذا هو السبب الحقيقي في التناقض الذي تمثله شخصية دونالد ترمب الحقيقية.


مقالات ذات صلة

توم براك حاول إقناع نتنياهو بقبول تركيا في غزة

شؤون إقليمية المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقاء يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية) play-circle

توم براك حاول إقناع نتنياهو بقبول تركيا في غزة

تطابقت التقارير العبرية على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تلقى رسائل أميركية «حادة وخاصة» نقلها المبعوث الأميركي الخاص لسوريا توم برّاك.

نظير مجلي (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ طفل يمر قرب مصفحة معروضة في كاراكاس بفنزويلا (أ.ب)

الديمقراطيون الأميركيون يرفضون التورط في عمل بري بفنزويلا

غداة قول الرئيس دونالد ترمب إن العمليات البريّة ستبدأ «قريباً جداً» في الكاريبي، عبّر السيناتور الديمقراطي مارك وارنر عن شكوك حيال أهداف ترمب في فنزويلا.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ علم أميركا على مجلس الشيوخ في العاصمة واشنطن (رويترز)

أميركا تدشن حملة لتعيين مهندسي ذكاء اصطناعي بمناصب اتحادية

دشنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب حملة لتعيين ألف مهندس في وظائف حكومية اتحادية لمدة عامين، وفقاً لموقع إلكتروني حكومي اطلعت عليه «رويترز» اليوم الاثنين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جيفري إبستين في صورة التُقطت لسجل مرتكبي الجرائم الجنسية التابع لإدارة خدمات العدالة الجنائية في ولاية نيويورك بتاريخ 28 مارس 2017 (رويترز)

هل تلتزم إدارة ترمب بنشر ملفات إبستين كاملة؟

مع اقتراب الموعد النهائي في 19 ديسمبر (كانون الأول)... تواصل إدارة الرئيس الأميركي ترمب التحضيرات لنشر الملفات المتعلقة بشبكة الاتجار الجنسي التي أدارها إبستين.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة وزعتها لجنة الرقابة بمجلس النواب الأميركي تُظهر الرئيس ترمب مع جيفري إبستين وقد نشرها الديمقراطيون في اللجنة في واشنطن (رويترز) play-circle

بعد مماطلة طويلة... إدارة ترمب تستعد لنشر وثائق إبستين

من المرتقب أن تنشر الإدارة الأميركية بحلول الجمعة، ما يُعرف بـ«ملف إبستين»، بعد أشهر من التأجيل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

مفوض الأمم المتحدة للاجئين يندد بالتقليص «غير المسؤول» للمساعدات الإنسانية

المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي يدلي ببيانه خلال افتتاح المنتدى العالمي لاستعراض التقدم المحرز الذي أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين... في جنيف بسويسرا 15 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي يدلي ببيانه خلال افتتاح المنتدى العالمي لاستعراض التقدم المحرز الذي أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين... في جنيف بسويسرا 15 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
TT

مفوض الأمم المتحدة للاجئين يندد بالتقليص «غير المسؤول» للمساعدات الإنسانية

المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي يدلي ببيانه خلال افتتاح المنتدى العالمي لاستعراض التقدم المحرز الذي أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين... في جنيف بسويسرا 15 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي يدلي ببيانه خلال افتتاح المنتدى العالمي لاستعراض التقدم المحرز الذي أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين... في جنيف بسويسرا 15 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

ندد المفوض السامي للاجئين في الأمم المتحدة، اليوم (الاثنين)، بالاقتطاعات في المساعدات الإنسانية هذا العام، معتبراً أنها «غير مسؤولة».

وقال فيليبو غراندي في مستهل اجتماع متابعة للمنتدى العالمي حول اللاجئين في جنيف: «طبعت العام الفائت سلسلة من الأزمات: إنها عاصفة فعلية»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأشار إلى «الفظائع اللامتناهية التي ترتكب في السودان وأوكرانيا وغزة وبورما (ميانمار)»، مندداً كذلك ﺑ«الانهيار المفاجئ وغير المسؤول والذي يفتقر إلى رؤية بعيدة المدى للمساعدة الدولية».

مأوى لعائلة فلسطينية نازحة في مخيم الشاطئ للاجئين في مدينة غزة... 14 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وخفّض تمويل مفوضية اللاجئين بنسبة 35 في المائة منذ بداية العام. وتواجه العديد من المنظمات الدولية الأخرى تقليصاً كبيراً للمساعدة الدولية، وخصوصاً منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، علماً بأن الولايات المتحدة كانت أكبر ممول للمساعدة الإنسانية.

ولاحظ غراندي أن هذا الوضع «يدمر القطاع الإنساني ويتسبب بقدر كبير ومن دون طائل من المعاناة».

وأوضح أن 2025 كان عاماً «تعرّض فيه اللاجئون غالبا لتشويه صورتهم واعتُبروا بمثابة كبش فداء في أماكن عدة».

أشخاص يتجمعون للحصول على هدايا خيرية بعد فرارهم من منطقة متنازع عليها في مخيم للاجئين في مقاطعة أودار مينتشي... كمبوديا 11 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وأضاف غراندي الذي تنتهي ولايته مع نهاية العام بعدما أمضى عشرة أعوام في منصبه: «يستغل المتاجرون بالبشر معاناتهم لتحقيق الربح، ويستغل السياسيون وضعهم لكسب الأصوات في الانتخابات».

وأشار أيضاً إلى «سياق عالمي يجاز فيه للكراهية أن تنشر في شكل متزايد الانقسامات العنصرية».

ويرتقب أن يعلن المانحون التزامات في هذا الاجتماع في وقت تواجه مفوضية اللاجئين أزمة عميقة، علماً أن عدد النازحين قسرا في العالم والذي قُدّر في منتصف 2025 ﺑ117.3 مليون شخص، تضاعف في عشرة أعوام.

لاجئون من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وصلوا حديثاً بعد اندلاع قتال جديد يصطفون في نقطة توزيع الطعام في مخيم نياروشيشي للعبور في مقاطعة روسيزي في رواندا... 11 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

وبسبب اقتطاعات واشنطن التي كانت تؤمن 40 في المائة من موازنة المفوضية، وقيود مالية فرضتها دول مانحة أخرى، أُجبرت المنظمة على إلغاء أكثر من ربع وظائفها منذ بداية العام، واستغنت عن نحو خمسة آلاف من المتعاونين معها.

ويأتي اجتماع جنيف بعيد تعيين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الرئيس العراقي الأسبق برهم صالح على رأس المفوضية. ويحتاج تعيينه إلى موافقة الجمعية العامة للمنظمة الأممية.


أحمد الأحمد يخضع لعملية جراحية بعدما أصيب خلال تصديه لمهاجم شاطئ بوندي

TT

أحمد الأحمد يخضع لعملية جراحية بعدما أصيب خلال تصديه لمهاجم شاطئ بوندي

كريس مينز حاكم نيو ساوث ويلز خلال زيارة لأحمد الأحمد في المستشفى (حساب مينز عبر منصة «إكس»)
كريس مينز حاكم نيو ساوث ويلز خلال زيارة لأحمد الأحمد في المستشفى (حساب مينز عبر منصة «إكس»)

وصف والدا أحمد الأحمد، صاحب متجر الفواكه الذي كبّل وصارع أحد مهاجمي شاطئ بوندي، ونزع سلاحه، ابنهما بأنه بطل، في وقت تدفقت فيه التبرعات على ابنهما خلال تعافيه في المستشفى.

وقال والدا أحمد، لشبكة «إيه بي سي»، إن ابنهما أُصيب بأربع إلى خمس رصاصات في كتفه، ولا تزال عدة رصاصات مستقرة داخل جسده.

وأوضح محمد فاتح الأحمد وملكة حسن الأحمد أنهما وصلا إلى سيدني من سوريا قبل بضعة أشهر فقط، وكانا منفصلين عن ابنهما منذ قدومه إلى أستراليا عام 2006.

وتحدث ابن عمه هوزاي الكنج، لوسائل الإعلام بعد ظهر يوم الاثنين، مؤكداً أن أحمد الأحمد خضع لأول عملية جراحية بنجاح.

وأوضح: «لقد أجرى الجراحة الأولى، وأعتقد أن أمامه جراحتين، أو ثلاثاً، هذا يعتمد على حالته».

عائلة الأحمد تطلب مساعدة رئيس الوزراء

وأعرب والدا أحمد الأحمد عن خشيتهما من عدم قدرتهما على مساعدة ابنهما المصاب في تعافيه بسبب سنهما المتقدمة. وطالبا حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي بمساعدة شقيقيه، أحدهما في ألمانيا، والآخر في روسيا، للسفر إلى أستراليا لدعم العائلة.

محمد فاتح الأحمد والد أحمد الأحمد الذي كبّل وصارع أحد مهاجمي شاطئ بوندي ونزع سلاحه (لقطة من فيديو)

وقالت والدة أحمد: «إنه بحاجة للمساعدة الآن لأنه أصبح معاقاً. نحتاج أن يأتي أبناؤنا الآخرون إلى هنا للمساعدة». وأضافت: «لقد رأى أحمد الناس يموتون، وعندما نفدت ذخيرة ذلك الرجل (المسلح)، انتزع السلاح منه، لكنه أُصيب».

وقال رئيس الوزراء الأسترالي إن شجاعة أحمد أنقذت أرواحاً.

ووصف الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أحمد بأنه «شخص شجاع جداً جداً» أنقذ حياة الكثيرين.

التبرعات تتدفق على «البطل»

ووفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء، تدفقت التبرعات على الرجل المسلم، البالغ من العمر 43 عاماً، لتصل لنحو 750 ألف دولار أميركي، خلال تعافيه في المستشفى بعد إجراء عملية جراحية.

وجمعت حملة عبر موقع «جو فاند مي» تم إطلاقها من أجل أحمد أكثر من 1.1 مليون دولار أسترالي (744 ألف دولار أميركي) خلال يوم واحد.

كان أحمد الأحمد يتناول القهوة مع صديق في بوندي عندما سمع دوي طلقات نارية، وفقاً لوالديه. ولاحظ أحد المسلحين محتمياً خلف شجرة، وعندما نفدت ذخيرته، اقترب منه أحمد الأحمد من الخلف، وتمكن من انتزاع السلاح من يديه.

ولقي ما لا يقل عن 15 شخصاً مصرعهم عندما أطلق نافيد أكرم (24 عاماً) ووالده ساجد أكرم (50 عاماً) النار على رواد يهود كانوا يحضرون مهرجاناً لعيد حانوكا يوم الأحد. ونُقل 42 شخصاً آخرون إلى المستشفى تتراوح حالاتهم بين المستقرة والحرجة.

وأجرى كريس مينز حاكم نيو ساوث ويلز زيارة لأحمد الأحمد في المستشفى الذي يتلقى به العلاج. وقال: «أحمد بطل حقيقي».

وأضاف، في منشور عبر منصة «إكس»، اليوم الاثنين، «شجاعته المذهلة الليلة الماضية أنقذت بلا شك أرواحاً لا تحصى، عندما قام بنزع سلاح إرهابي، وخاطر بحياته بشكل كبير. كان شرفاً لي أن أقضي معه بعض الوقت، وأنقل له شكر الناس من جميع أنحاء نيو ساوث ويلز».

وأظهرت لقطات أحمد الأحمد (43 عاماً) وهو يركض نحو أحد المسلحين من الخلف قبل أن ينتزع منه بندقية ذات سبطانة طويلة.

تم بث هذه اللقطات من قبل وسائل إعلامية حول العالم، وشوهدت أكثر من 22 مليون مرة على وسائل التواصل الاجتماعي.


كيف فقدت «سي آي إيه» جهازاً نووياً في جبال الهيمالايا الهندية؟

جبال الهيمالايا (أرشيفية- رويترز)
جبال الهيمالايا (أرشيفية- رويترز)
TT

كيف فقدت «سي آي إيه» جهازاً نووياً في جبال الهيمالايا الهندية؟

جبال الهيمالايا (أرشيفية- رويترز)
جبال الهيمالايا (أرشيفية- رويترز)

انتهت مهمة سرِّية لـ«وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية (CIA) خلال الحرب الباردة بالفشل، بعدما فُقد جهاز مراقبة يعمل بالطاقة النووية في أعالي جبال الهيمالايا الهندية، في لغز لا يزال دون حل بعد 6 عقود، ويقول ناشطون بيئيون ومسؤولون هنود إنه قد يشكِّل تهديداً مستمراً لملايين الأشخاص.

وحسب تحقيق نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، جنَّدت «وكالة الاستخبارات المركزية» في عام 1965 فريقاً من متسلقي الجبال النخبة من الأميركيين والهنود، لتركيب جهاز تنصُّت بعيد المدى قرب قمة جبل ناندا ديفي، أحد أعلى وأبعد القمم الجبلية في العالم. وكان الهدف من العملية مراقبة اختبارات الصواريخ الصينية، عقب أول تفجير نووي أجرته الصين.

وكان الهوائي الذي يعمل بواسطة مولِّد يزن نحو 50 رطلاً ويحتوي على البلوتونيوم- 238، والبلوتونيوم- 239، مُصمما للعمل سراً لسنوات طويلة من دون اكتشافه؛ غير أن عاصفة ثلجية مفاجئة أجبرت الفريق على الانسحاب قبل استكمال عملية التركيب. وبناءً على أوامر قائد المهمة الهندي الكابتن إم. إس. كوهلي، قام المتسلقون بتثبيت الجهاز على رفٍّ جليدي، ثم نزلوا من الجبل. وعندما عادوا في ربيع العام التالي، كان الجهاز قد اختفى.

وقال كوهلي لاحقاً: «كل ما وجدته كان بقايا حبال». وأضاف أن مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية أصيبوا بالذعر؛ إذ قالوا: «هذه كبسولات بلوتونيوم... سيكون الأمر خطيراً للغاية». ولم يُعثر على الجهاز حتى اليوم.

ويُخشى أن يشكِّل مولِّد البلوتونيوم المفقود، المعروف باسم «SNAP-19C»، خطراً على مئات الملايين من الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الواقعة أسفل الأنهار؛ إذ يُعتقد أنه مدفون في مكان ما داخل الأنهار الجليدية التي تغذِّي نهر الغانج.

وقال جيم مكارثي، آخر متسلِّق أميركي لا يزال على قيد الحياة شارك في المهمة: «لا يمكنك ترك البلوتونيوم قرب نهر جليدي يصبُّ في الغانج! هل تعلم كم عدد الأشخاص الذين يعتمدون على هذا النهر؟».

وفي حين يرى بعض العلماء أن التدفق الهائل لمياه النهر قد يخفف أي تلوث إشعاعي محتمل، يحذِّر آخرون من أنه في حال تضرر الجهاز أو العثور عليه، فقد يُستخدم في تصنيع «قنبلة قذرة».

ويُعدُّ البلوتونيوم مادة شديدة الخطورة؛ إذ يمكن أن يؤدي استنشاقه أو ابتلاعه إلى الإصابة بالسرطان وفشل الأعضاء.

وكشفت وثائق عُثر عليها في الأرشيف الشخصي لباري بيشوب، مصوِّر «ناشيونال جيوغرافيك» الذي ساهم في تنظيم المهمة، عن قصة تغطية موسَّعة أُعدَّت للعملية، شملت شهادات علمية مزوَّرة، ورسائل دعم، وحتى قوائم طعام للمتسلِّقين. كما تؤكد ملفات من أجهزة الاستخبارات الأميركية والهندية أن الحملة نُظِّمت على أعلى المستويات في حكومتَي البلدين.

وظلت القصة سرية لأكثر من عقد، إلى أن كشفها الصحافي هوارد كوهن عام 1978. وطالب مشرِّعون هنود حينها بإجابات، بينما تعهد رئيس الوزراء مورارجي ديساي بفتح تحقيق. وتُظهر برقيات دبلوماسية سرية، استشهدت بها صحيفة «نيويورك تايمز»، أن الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر شكر ديساي سراً على مساعدته في احتواء تداعيات القضية.

وفي الهند، لا يزال الجهاز مصدر قلق عام. ففي عام 2021، أدى انهيار أرضي مميت قرب جبل ناندا ديفي إلى مقتل أكثر من 200 شخص، ما غذَّى تكهنات بأن حرارة المولِّد المدفون قد تكون ساهمت في زعزعة استقرار النهر الجليدي. ورغم عدم وجود أدلة تربط الكارثة بالجهاز المفقود، دعا مسؤولون في ولاية أوتاراخاند رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الإذن بإجراء عملية بحث. وقال وزير السياحة في الولاية ساتبال مهراج: «يجب استخراج هذا الجهاز مرة واحدة وإلى الأبد، ووضع حد لهذه المخاوف».

ومع تسارع ذوبان الأنهار الجليدية بفعل الاحتباس الحراري، يحذِّر بعض العلماء من أن المولِّد قد يظهر في نهاية المطاف من تحت الجليد. وحسب تعبير أحد قدامى العاملين في الاستخبارات الهندية: «إنه خطر جسيم يرقد هناك مهدداً البشرية جمعاء».