عرسال تستعيد أنفاسها بعد خروجها من ورطة حرب «داعش» و«النصرة»

أبناؤها بين فكّي كماشة بسبب عودة المخابرات السورية وتمدد «حزب الله»

مدخل عرسال
مدخل عرسال
TT

عرسال تستعيد أنفاسها بعد خروجها من ورطة حرب «داعش» و«النصرة»

مدخل عرسال
مدخل عرسال

تعلن صورة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الوصول إلى بلدة عرسال. هنا لا وجود لصور الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والخميني، ولافتات تحمل شعار «يا حسين»، التي ترافق زائر المنطقة من بعلبك إلى الهرمل على امتداد 38 كيلومتراً.
عدا صور الحريري، تشير إلى البلدة حدة الصعود عبر طرق يجتاحها الغبار، وسط جرود تحفرها المقالع والكسارات فهي ترتفع عن سطح البحر من 1400 إلى 2000 متر. يغلب التصحر على جغرافيتها ويسيطر الجفاف عليها، ما ينعكس على طبيعة أهلها، وطبيعة البناء العشوائي في وسط المدينة، الذي حولته حركة التجارة الناجمة عن وجود نحو مائة ألف نازح إلى أسواق شعبية بامتياز.
يقول أحد العرساليين إن «انتشار محلات السوريين يجعلنا نحسب أننا في القلمون السورية».
البلدة تواصل استعادة أنفاسها بعد الأحداث التي عاشتها. ففي نهاية عام 2011 بدأ الحديث عن وجود لمقاتلي تنظيم «القاعدة» في عرسال البقاعية، من مصادر النظام السوري، وأيدها في ذلك الحين وزير الدفاع اللبناني آنذاك فايز غصن، في حين نفى ذلك في حينه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ووزير الداخلية مروان شربل. «آنذاك لم يكن قد تم اختراع (داعش) وجبهة النصرة»، كما يقول لـ«الشرق الأوسط» أحد السكان.
وقام الجيش السوري بقصف البلدة مراراً، بحجة وجود قوات من المعارضة انسحبت إلى البلدة بعد معارك القلمون، لكن القصف كان يطال بالدرجة الأولى اللاجئين السوريين، كما توغل الجيش السوري في البلدة لأكثر من مرة وقام بزرع عدة ألغام واشتبك مع الأهالي وقتل وقَبض على عدة مواطنين لبنانيين، مما دفع الجيش اللبناني إلى الرد وقصف مواقع الجيش السوري.
في أغسطس (آب) 2014 اندلعت المعركة، فقام مقاتلو «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» بالسيطرة على البلدة واقتحام فصيلة درك عرسال وأسر 22 من قوى الأمن الداخلي وعناصر الجيش اللبناني، مما دفع الجيش اللبناني إلى استقدام التعزيزات إلى محيط البلدة، وأدى إلى أن يرفع «حزب الله» جهوزيته في المناطق الجرودية القريبة من الجرود.
أما معركة تحرير الجرود فقد شنها «حزب الله» في يوليو (تموز) 2017 وأسفرت عن انسحاب «جبهة النصرة» وتأمين حافلات مكيفة لنقل عناصر «داعش»، ولكن من دون معركة فعلية، كما يقول «علي» من عرسال. ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «حضور (النصرة) كان أكبر من حضور (داعش) في البلدة. و(النصرة) خرجت بالاتفاق، ولم يسأل أحد كيف دخلت وكيف خرجت، في حين سُلِّط الضوء على خروج الدواعش. كلهم مخابرات من أبو مالك التلي إلى أبو العدس ومن أدخلهم إلينا أخرجهم بالحفظ والأمان...». أحد أبناء الهرمل، من خارج بيئة «حزب الله»، يؤكد أن «الكارثة التي لحقت بعرسال هي صنيعة الحزب. فالصواريخ التي كانت تُطلق على القرى كانت تطلق من جرودنا وليس من جرود عرسال، كانت تُرمى دائماً حيث لا سكان في خارج القرى. كان من المطلوب خلق جو عدائي وحقد وتجييش واستفزاز.
ويَعتبر العرساليون أن طابوراً خامساً وُلد فجأة في القرية. وهو لعب لعبة وسخة بين السوريين واللبنانيين. الشيخ مصطفى الحجيري المعروف بـ(أبو طاقية) تحول من سائق شاحنة إلى مليونير بين ليلة وضحاها، ومثله كثر. أصبح لدينا أثرياء حرب وأصبحنا تحت رحمة الفتنة الطائفية التي تخنقنا وتضعنا بين فكّي كماشة».
بدوره، يتهم «علي» عناصر من «حزب الله» أيضاً بقتل خالد حميد، ما تسبب بفتنة ومعارك بين العرساليين والحزب. يروي: «سمعنا صوت رصاص. قال الشباب إن (حزب الله) هجم على القرية. واضح أنهم ثأروا منه فهو كان قد نفّذ عملية ضدهم في حمص وأوجعهم وقتل منهم من قتل. طلبوا رأسه، فتم غض النظر وسقطت ورقته. كان خارجاً إلى المسجد ليصلي. هجموا عليه ببدلات مدنية. لو أنه مطلوب كان يجب توقيفه وليس قتله بهذا الشكل. هجم الشباب واشتبكوا مع مطلقي النار. وبعد ذلك يقولون إن مخابرات الجيش هي التي قتلته. رئيس بلدية عرسال السابق علي الحجيري الملقب بـ(أبو عجينة) اتصل في حينه بمخابرات الجيش مستفسراً، فجاءه الرد بأنهم لم يرسلوا أحداً. يبدو أن الطاسة ضايعة. ومن ذهب ليتفرج على ما يجري قالوا إنه إرهابي. وألقوا القبض عليه».
يصر «علي» على أن «الحزب هو من ورَّط لبنان في الحرب السورية، إذ لم تكن لتفتح جبهات على الحدود اللبنانية لو لم يدخل الحزب بكل قواه العسكرية لينقذ نظام بشار الأسد، من دون أن يتوقف عند منسوب الحقد المرتفع الذي سبّبه بين اللبنانيين والسوريين من جهة وبين أهالي عرسال والقرى الشيعية المحيطة بالبلدة من جهة أخرى. وبعد انتهاء المعارك في عرسال تغيرت الأحوال، أصبح كل المتنفذين السوريين في عرسال مرتبطين بالنظام السوري. فقد عادت المخابرات السورية إلى البلدة. وسيطر الخوف على الجميع. أصبحنا نحسب حساب الكلمة التي نتلفظ بها».
ما يقوله «علي» لا يحتاج إلى أدلة، فالجلوس في ضيافة عائلة عرسالية يُظهر الصورة؛ ما إن يبدأ الأب في الكلام حتى تنهره الأم، وإذا استرسلت الأم يغضب الابن الأكبر المنتسب إلى الجيش اللبناني ليقاطعها بقوله: «نحن لم نرَ شيئاً»، أما إذا حاولت الأم نبذ النبرة المذهبية من حديثها، قد يهبّ ابنها الثاني وهو يحمل سبحة في يده، ليؤكد لها أن عناصر من «حزب الله» كانوا يغتالون من يزعجهم منتحلين صفة عسكرية في أحد الأجهزة الأمنية.
ويقول «أحمد» لـ«الشرق الأوسط»: «ما حصل أشبه بالفيلم الذي تم تدبيره، ليلبس ابن عرسال قميصاً ليس قميصه. مَن أدخل (حزب الله) ونظام الأسد إلينا من جديد؟ لماذا تدفق النازحون السوريون إلى بلدتنا دون غيرها؟ مَن فتح لهم الطريق من القلمون ومن القصير؟ مَن أخرج الدواعش عندما كان الجيش يريد أن يحاصرهم، لماذا هرّبوهم بالفانات المكيفة؟ أين الدولة اللبنانية؟ جبهة النصرة كانت تحصل على الطعام الطازج في المغاور. مَن كان يمرره لهم؟ الله العليم».
ويضيف: «أولادنا في الجيش اللبناني، مع هذا وضعونا بمواجهة آل النزال وآل حمية وتربطنا بهم مصاهرة (وهم من أبناء القرى الشيعية المحيطة بعرسال)، وقد أُعدم اثنان من أبناء هاتين العائلتين على يد جبهة النصرة و(داعش). والسبب هو أحداث الفتنة. أصبح هناك ثأر بين العشائر وأهل عرسال بعدما كنا كالأهل، علاقاتنا أخوية ويتزاوج بعضنا من بعض».
ويؤكد «أحمد» أن «ابن عرسال مظلوم وأُهين كثيراً. صرنا إذا أردنا الانتقال في شوارع البلدة تستوقفنا الحواجز ويطلبون هوياتنا. صرنا منطقة عسكرية من دون أن نعرف، وُجِّهت الاتهامات إلى الأبرياء بأنهم إرهابيون وهم مسالمون. معروف من هم الإرهابيون أما الناس العاديون فلا علاقة لهم بالإرهاب».
تقول «فريال»: «خطفوا ابني لأنه من عرسال، ودفعنا فدية ليطلقوا سراحه. وهم يتغنون بالانتصار على الإرهاب. اخترعوا عدواً ليخترعوا الانتصار. صرنا نخاف أن نقول: إننا من عرسال، تهجّرنا إلى تعلبايا. خرّبوا كل شيء. صار أزواجنا وأولادنا بلا عمل، لا نستطيع الوصول إلى بساتيننا في الجرود. لم يعد لابن عرسال إلا رب العالمين. أكثر من نصف بساتين الكرز جفّ، وقصّوا الشجر ليتدفأوا بخشبه. أكثر من ذلك لا ماء ولا كهرباء ولا شبكات للصرف الصحي في البلدة».
يصر «أحمد» على أن «هناك من تم توظيفهم ليبتزّونا ويهددونا بالدواعش وجبهة النصرة، فرضوا علينا الخوات. واليوم مع عودة المخابرات السورية إلى القرية هناك من يهددنا مستقوياً بهذه المخابرات. هددوا صاحب فرن ليدفع خوة وعندما رفض ألقوا قنبلة على فرنه. ثم أتى من يدّعي أنه وسيط ليرغمه على دفع الخوة حفاظاً على حياته وحياة عائلته».
«فريال» تحلم بعودة النازحين إلى بلدهم. تقول: «النظام السوري أخذ منا كل شيء. ومع هذا فتحنا بيوتنا للنازحين، لكن بعد كل ما جرى، الله يسعدهم ويبعدهم. لكن هناك من يريد لهم أن يبقوا لأنه يسترزق على ظهرهم، لو يقطعون المساعدات التي يسرقها كبار المستفيدين بينما لا يستفيد المستحقون إلا بنسبة قليلة، ربما يبدأ البحث الجدي بعودتهم إلى بلدهم. حالياً النساء والأطفال والمسنون يعودون، أما الشباب فيبقون خوفاً من التجنيد الإلزامي، أو لأن العمل هنا له مردود أكبر منه في سوريا، لكن هناك من النازحين من ندم على مغادرة أرضه وهو يلعن من شجعه على النزوح».
يعلق الابن: «صعب أن يغادر السوريون، هم يعملون طول النهار تحت حرارة الشمس مقابل نحو 15 دولاراً».
عدد سكان عرسال 50 ألفاً ومَن غادر بسبب الأحداث عاد. والعرسالي لا يحب أن يترك أرضه ولا يفكر بالاغتراب ليعمل. أقصى أمنيته أن يلتحق بمؤسسات الدولة، وتحديداً الأمنية منها. هو ابن دولة بامتياز.
لا ينكر العرساليون أن النزوح السوري أنعش الاقتصاد في بداياته. فقد نشطت حركة البناء لتأجير المنازل للسوريين النازحين، كذلك انتشرت محلات الهواتف الخلوية والإنترنت، ومتاجر الألبسة والمواد الغذائية التي يأتي معظمها تهريباً من سوريا. يبيعونها بأسعار منخفضة، والأمر يخفف عنا كاهل ارتفاع الأسعار، من جهة، لكنه يقطع رزق تجار البلدة من جهة أخرى.



ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.