روبرت ردفورد يعلن اعتزاله وهو في القمة

جمع بين جاذبية الوسامة وموهبة التمثيل

لقطة من فيلمه المقبل «العجوز والمسدس»
لقطة من فيلمه المقبل «العجوز والمسدس»
TT

روبرت ردفورد يعلن اعتزاله وهو في القمة

لقطة من فيلمه المقبل «العجوز والمسدس»
لقطة من فيلمه المقبل «العجوز والمسدس»

نجوم الأرض تسطع ثم تأفل. البعض يرحل (كما بيرت رينولدز قبل أيام، وروجر مور وبن غازارا وبيتر أوتول قبل سنوات). البعض يعتزل (كما جين هاكمن وشون كونيري وجاك نيكولسون) أو يحاول ولا ينجح في البقاء على سدة مهنته (وورن بيتي، ودستن هوفمن).
روبرت ردفورد، الذي أعلن اعتزاله قبل أيام قليلة، كان مع كلينت إيستوود وبيرت رينولدز، أحد القلائل جداً الذين انطلقوا في مطلع ستينات القرن الماضي، وثابروا على العمل بلا توقف منذ أن كانوا في أوج الشباب.
في حين أن إيستوود (88 سنة) يعتبر أكبرهم (بدأ التمثيل قبل زميليه عندما كان ما زال في الخامسة والعشرين من عمره، أما بدايتا رينولدز (82 سنة) وردفورد (82 سنة أيضاً) فكانتا متقاربتين. الأول ظهر لأول مرّة سنة 1961، والثاني، ردفورد، ظهر قبله بعام واحد.
المشترك الآخر بين الثلاثة، إلى جانب انتمائهم إلى جيل واحد، هو أن الثلاثة اتجهوا للإخراج توسيعاً لبؤرة مفهوم العمل، كما لشق طريق مواز للتمثيل: إيستوود انبرى لدور الإخراج سنة 1971 بفيلم «Play Misty For Me» ورينولدز تبعه بعد خمس سنوات بفيلم «Gator» ثم التحق ردفورد بهما، فحقق فيلمه الأول «Ordinary People» سنة 1980.
يمكن إضافة وودي ألن (83 سنة) إلى هذه المجموعة، كونه ورد في الفترة ذاتها؛ لكنه لم ينتم إلى هوليوود؛ بل إلى نيويورك (ثم إلى أوروبا قبل عودته إلى نيويورك) على عكس هؤلاء الفرسان الذين تمتعوا بما يكفي من الكاريزما والموهبة معاً، ما جعلهم أبرز من خلانهم في كثير من الأصعدة والجوانب.
- أدوار بارعة
روبرت ردفورد أعلن، في حديث لمجلة «إنترتاينمنت ويكلي» قبل عدة أسابيع اعتزاله كل شيء: التمثيل والإخراج وقيادة مهرجان «صندانس» الشهير. قال: «كان عمري 21 سنة عندما دخلت التمثيل. هذا يكفي».
لم ينكب إعلام الوسائط الاجتماعية على هذا الإعلان، إلا بعد مرور نحو عشرة أيام، فتحول الأمر من خبر قصير إلى مقالات من مختلف الأطوال، بعضها حاول التحليل والتفسير، والبعض نبش في سيرة حياته، كما لو أن الممثل الشهير أعلن عن قرب وفاته.
بيننا، شدنا الاسم المحكم والسهل: روبرت ردفورد؛ لكن هذا ليس الجاذب وحده. روبرت ردفورد كان الأكثر وسامة من كل الذين ظهروا في مطلع الستينات، باستثناء وورن بيتي. أكثر وسامة من رينولدز وإيستوود وجاك نيكولسون، و(بالطبع) وودي ألن. الخطر المحدق كان أن يخفق النقاد في تقييمه، فيعتبرونه مجرد وجه جميل، وهو أدرك هذا الخطر باكراً، فأصر على أدوار درامية كاشفة للمكنونات، واستطاع بذلك أن يعبر الجسر ما بين الجاذبية الظاهرة والجاذبية الخفية التي نسميها الموهبة.
الدور الأول الذي أُتيح لروبرت ردفورد تمثيله، كان «حكاية عالية» (Tall Story) سنة 1960، وهو فيلم منسي اليوم، حققه كدراما حول لاعب رياضي (أنطوني بيركنز)، المخرج جوشوا لوغن الذي كان يود منح الدور الأول لوورن بيتي؛ لكن «وورنر» مانعت على أساس أن بيتي لم يكن مشهوراً ليحمل عبء فيلم من بطولته. هذا الفيلم الأول لردفورد كان كذلك الفيلم الأول لجين فوندا.
في أعقابه بعد عامين، فيلم حربي عنوانه «صيد حرب» (War Hunt). وبعد فيلم كوميدي – حربي، بعنوان «الوضع يائس»، انتقل ردفورد إلى الصف الثاني، فظهر مع كريستوفر بلامر ونتالي وود، في فيلم روبرت موليغن «داخل دايزي كلوفر» (Inside Daisy Clover).
الفيلم كان أفضل ما ظهر فيه ردفورد من أعمال حتى ذلك الحين، كذلك حال فيلمه اللاحق «المطاردة» (The Chase)، لآرثر بن (1966).
روبرت ردفورد شاب دخل السجن بتهمة مزوّرة، ويصل خبر هروبه وقرب عودته إلى القرية، ليفجّر مخاوف من يخشى كشف الحقيقة. مارلون براندو، الممثل الأول في هذا الفيلم التشويقي المتقن، هو شريف البلدة الذي يجد نفسه فجأة في مواجهة أربابها المندفعين بالحقد والعنصرية. هؤلاء يشكّلون شرذمة تنوي اصطياد الهارب، وفي سبيل ذلك تعتدي على رجل أسود يعتبره السجين الهارب صديقه، كما على براندو الذي يسعى للحد من نفوذ هذه النخبة الفاسدة.
في سنة 1966 أيضاً، اختاره المخرج الراحل سيدني بولاك، بطلاً لفيلمه «هذه المُلكية مُدانة» (This Property is Condemned) وكان ذلك بداية رحلة عمل مشتركة بينه وبين بولاك، شملت خمسة أفلام أخرى، هي «جيريميا جونسون» (1972)، و«كيف كنا» (1973)، و«ثلاثة أيام للكوندور» (1975)، و«الفارس الإلكتروني» (1979)، و«خارج أفريقيا» (1985).
اختلف كل واحد من هذه الأفلام عن الآخر اختلافاً شاسعاً. «جيريميا جونسون» كان «وسترن» حول رجل منعزل في بعض بقاع الغرب البعيد، يقاتل وحشة الطبيعة ووحوشها وخداع البيض وقساوة الهنود على حد سواء. «كيف كنا» جاء دراما عاطفية غير رومانسية، تعكس موقف الشاب المحافظ (ردفورد) وصديقته اليسارية (باربرا سترايسند) من سياسة أميركا الداخلية. «ثلاثة أيام للكوندور» تشويق سياسي، حول موظف في جهاز جمع معلومات، يجد نفسه طريد المخابرات الأميركية التي قتلت كل زملائه وتلاحقه الآن. بعده «الفارس الإلكتروني» (The Electric Horseman) هو نوستالجيا لرجل يحب العيش في الماضي وعلى ظهر حصانه، في مقابل الانتقال إلى المدينة، على الرغم من وقوع امرأة (جين فوندا) في حبه. أما «خارج أفريقيا» فهو عن بارون أوروبي واقع في حب امرأة (ميريل ستريب) واقعة في حب صيد الفيلة.
كل واحد من هذه الأفلام عكست نقداً لشخصية أو لوضع؛ لكن أبرزها (وأقواها) كان «ثلاثة أيام للكوندور» الذي تعامل، قبل عشرات الأفلام اللاحقة، مع فساد إداريين في وكالة المخابرات الأميركية، في سيناريو محكم وإخراج ممتاز، من بولاك.
- ردفورد مخرجاً
لكن أفلاماً كثيرة لردفورد في تلك الفترة (السبعينات والثمانينات) كانت أيضاً جيدة ولامعة وذات أهمية كبيرة. «بوتش كاسيدي وصندانس كِد» (1969) لجورج روي هِل، كان أحدها: «وسترن» مع الراحل بول نيومان، حول شريرين معروفين في الغرب الأميركي، يصقلهما الفيلم في تحية. «أخبرهم ويلي بوي هنا» (Tell Them Willie Boy is Here)، «وسترن» (حديث)، حول الهندي الهارب من مطارديه (روبرت بليك) من الشريف (ردفورد) ورجاله. في «الجوهرة الساخنة» (The Hot Rock) لبيتر ياتس (1972) هو لص المصارف الذي سيستولي بنجاح على تلك الجوهرة الثمينة رغم العراقيل. أما «المرشح» لمايكل ريتشي (1972)، فهو فيلم سياسي عن الانتخابات الرئاسية في أميركا، والثمن المطلوب من بطله (ردفورد) دفعه للنجاح.
«لدغة» هو لقاء آخر له مع نيومان والمخرج هِل، تلاه (لجانب أعمال أخرى) «كل رجال الرئيس» لألان ج. باكولا، لاعباً دور المحقق الصحافي بوب وودوورد، الذي كشف مع زميله كارل برنستين (دستن هوفمن) النقاب عن فضيحة «ووترغيت».
ثم عاد لطرح موضوع الفساد الإداري والسياسي في «بروباكر» لستيوارت روزنبيرغ، لاعباً شخصية محقق دخل أحد السجون كما لو كان سجيناً، حتى يكتشف ما يقع فيه من جرائم قتل وفساد قبل أن يتسلم إدارته.
في عام 1980، انتقل إلى الإخراج بدراما محاكة جيداً عنوانها «أناس عاديون». على جودة الفيلم آثر الانتظار ثمانية أعوام قبل عودته في فيلم جيد آخر من إخراجه، هو «حرب ميلاغرو بينفيلد». بعد ذلك قدّم واحداً من أنجح ما حققه، كمخرج، تجارياً «Quiz Show» سنة 1994، ثم واحداً من أرق وأفضل أفلامه (كمخرج أيضاً) وهو «The Horse Whisperer» سنة 1998 مع البريطانية كرستن سكوت توماس. وبعد عامين منه، أنجز «أسطورة باغر فانس» (2000)، وانتظر سبع سنوات قبل أن يحلل التدخل الأميركي في أفغانستان والعراق في «أسود كحملان». فيلمه السابع مخرجاً كان «المتآمرة» (2010)، وبعده فيلم رائع آخر عاد فيه إلى تأكيد خطه السياسي، هو «الصحبة التي تحتفظ بها» (2012)، لجانب جولي كريستي وسوزان ساراندون، وهما اثنتان من بين الممثلين الذين يشاركونه رؤيته السياسية.
الفيلم المقبل هو «العجوز والمسدس». يباشر بعرضه في منتصف الأسبوع القادم. هو فيلم مأخوذ عن مقال نشر قبل سنوات في مجلة «ذا نيويوركر» حول سارق مصارف هرب من السجن وهو في السبعين من العمر، وعاد إلى منواله. ردفورد يقود حفنة ممثلين بينهم داني غلوفر وتوم ويتس وسيسي سبايسك وكاسي أفلك، تحت إدارة المخرج ديفيد لاوري، كما يقوم بإنتاجه مع آخرين.


مقالات ذات صلة

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)
سينما بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

يأتي فيلم «سعود وينه؟» بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي.

«الشرق الأوسط» (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».