كارين كنايسل... وزيرة «مستعربة» تدافع عن نهج اليمين النمسوي ضد اللاجئين

علاقتها بموسكو تثير حفيظة خصومها داخل البلاد وخارجها

كارين كنايسل... وزيرة «مستعربة» تدافع عن نهج اليمين النمسوي ضد اللاجئين
TT

كارين كنايسل... وزيرة «مستعربة» تدافع عن نهج اليمين النمسوي ضد اللاجئين

كارين كنايسل... وزيرة «مستعربة» تدافع عن نهج اليمين النمسوي ضد اللاجئين

بالكثير من الحميمية والقليل من الدبلوماسية، رقصت وزيرة الخارجية النمساوية كارين كنايسل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حفل زفافها. وتمايلت الوزيرة اليمينية بين ذراعي «سيد الكرملين» أمام عدسات الكاميرات و200 مدعو. ولم تتردد، في اختتام الرقصة التقليدية بالانحناء أمامه انحناءة عميقة وطويلة، في تقليد تؤديه عادة الراقصات في النمسا... متناسية أنها و«شريكها» ليسا مجرد راقصين. فهي وزيرة خارجية دولة في الاتحاد الأوروبي تشغل حالياً رئاسة الاتحاد، أي تمثل أوروبا، وهو رئيس دولة عزلتها أوروبا في السنوات الماضية بسبب «تصرفاتها العدائية» في أوكرانيا بشكل أساسي. وبالتالي، التقطت الكاميرا الانحناءة وترجمتها الصحافة، ومعها، المعارضة السياسية بأنها دليل على «خضوعها» لسياسات موسكو.
الصور التي خرجت أخيراً من حفل زفاف وزيرة الخارجية النمساوية اليمينية كارين كنايسل تسببت في ضجة كبيرة، وانتقادات قاسية، ليس فقط من الأحزاب المعارضة في النمسا، لكن من الصحافة المحلية والأوروبية أيضاً. أما أوكرانيا فقد علّقت فوراً بأن «أي وساطة قد تريد النمسا أن تلعبها، بينها وبين روسيا، قد انتهت قبل أن تبدأ؛ لأنها لم تعد دولة حيادية».
ما زاد من غرابة هذا الزفاف أن كنايسل ليست صديقة مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ذلك أن علاقتها به فتية لا تتعدى الأشهر القليلة منذ تسلمها منصبها نهاية العام الماضي. وزفافها من المفترض أنه خاص وحميم. وهي لم تحوّله إلى «مهرجان سياسي»، ولم تدعُ من الزعماء الأجانب إلا بوتين، كما أن عدد المدعوين لم يتخط المائتين. فما سر هذه الحميمية مع بوتين؟ وما الضرر الذي تسببت فيه؟
الواقع، أن كنايسل لا تنتمي رسمياً إلى أي حزب سياسي، لكن حزب الحرية اليميني المتطرف، الشريك في الائتلاف الحكومي الحالي، هو الذي سماها لمنصب وزيرة الخارجية. قبول كنايسل هذه التسمية بدا للبعض بأنه يتناقض مع شخصيتها وتاريخها، فهي تعتبر نفسها «مستعربة»، تفهم العرب والمسلمين وتعرف تاريخهم جيداً. إذ عاشت الوزيرة طفولتها في الأردن، حيث كان والدها طياراً مع العاهل الراحل الملك حسين، ويقال إنه لعب دوراً بإنشاء الطيران الملكي الأردني. وهي تتحدث العربية بطلاقة، وسبق لها أن حاضرت لفترة في جامعة القديس يوسف (اليسوعية) في العاصمة اللبنانية بيروت. وهي تقول عن علاقتها بالشرق الأوسط، إنها «لم تكن لتصبح الشخص الذي هي عليه اليوم» لو لم تعش طفولتها هناك. ومن هنا، كان قبلوها تمثيل حزب متطرّف يعادي المسلمين واللاجئين السوريين ويرفض استقبالهم، أمراً مستغرباً عند كثيرين.

طفولة في عمّان
لكن الحقيقة، أن كنايسل، رغم أنها تربّت في الأردن وتنقّلت بين عمّان وبيروت والقدس لسنوات طويلة، وتتحدث العربية بطلاقة من بين لغات أخرى، تحمل أفكاراً قريبة جداً من أفكار اليمين المتطرّف.
وبعد قبولها تولي حقيبة الخارجية في حكومة المستشار النمساوي اليميني سيباستيان كورتز، أجرت معها مجلة «در شبيغل» الألمانية مقابلة في فبراير (شباط) من العام الحالي، وسألتها عن سبب قبولها تمثيل حزب متطرّف. فردّت بأن قرارها لم يكن سهلاً. لكن قلقها وتردّدها، أو تفكيرها الطويل قبل قبول المنصب، لم يكن له علاقة بسياسة الحزب، بل بعملها الذي كانت تؤديها. وأضافت إنها «تحب ما تفعله»، أي الصحافة والتعليم، ولم تكن تريد التغيير.
وعندما سألتها «در شبيغل» عن رأيها بالهجرة، وتقاربها في ذلك من موقف حزب الحرية، قالت «في خريف عام 2015 عندما كان الجميع في أوروبا يتكلّم عن سياسة الترحيب (باللاجئين) عبّرت أنا عن آراء مختلفة، وقلت حينذاك أن انتبهوا لأن الأمر أكثر تعقيداً!». وأضافت تروي، أنها هي شخصياً أوت عائلات سورية لاجئة، وساعدت أفرادها على الانتقال إلى ملجأ. وتابعت تقول «الواقع أن هناك كماً كبيراً من الشبان الغاضبين تركوا بلادهم لعجزهم عن إيجاد وظائف ومن دون أي رؤية لمستقبلهم». وبهذا حذفت كنايسل الهدف الأساسي الذي دفع مئات آلاف السوريين إلى المخاطرة بحياتهم وعبور البحار والغابات للوصول إلى أوروبا طلباً للحماية من نظام يقتلهم ويدمّر منازلهم.
لكن لعل تصريحاتها تلك في عام 2015 كانت مفتاح دخولها إلى الحكومة. إذ اتصل بها حزب الحرية الذي أعجبته أفكارها المعادية للمهاجرين على الرغم من خلفيتها الشرق أوسطية، وطلب منها إلقاء محاضرات. وهكذا بدأت علاقتها بالحزب المتطرّف، ومن ثم توثّقت، لتنتهي بأن يطلب منها تمثيله في الحكومة.

العرب واللاجئون
في مقابلة كنايسل مع «در شبيغل» تفصح الوزيرة النمساوية أكثر من ذلك عن طريقة تفكيرها ورأيها بالعرب واللاجئين. إذ بدأت بأنها تدعو لاستقبال مهاجرين «يحملون الأموال» وليس من هم في حاجة إلى حماية. وقالت عندما سُئلت إذا ما كانت تريد إغلاق حدود النمسا كما فعلت المجر لمنع دخول اللاجئين «بالطبع، أوروبا في حاجة إلى مهاجرين يغطّون النقص في سوق العمل. لكن مهندس برامج كومبيوتر هندياً لن يأتي إلى النمسا؛ لأنه يفضل الذهاب إلى دول تتكلم الإنجليزية. إضافة إلى ذلك، فإن هناك أشخاصاً من الشرق الأوسط أعرفهم يقولون لي إن البيروقراطية والقوانين الزائدة تضيف علينا عبئاً، وتجعل من الصعب نقل أعمالنا إلى دولتكم. إنهم يفضلون الذهاب إلى أماكن أخرى. خذوا مثلاً الملياردير (المكسيكي) كارلوس سليم: إنه من قرية في جنوب لبنان وذهب إلى المكسيك مع عائلته حاملين بضعة أكياس بلاستيكية. بالتأكيد علينا أن نغير شيئاً ما في أوروبا…».
إجابتها هذه تخلط بين اللاجئين والمهاجرين، وهو ما سارع محدّثها الصحافي إلى لفت نظرها إليه، فقال لها «لكننا في الوقت الحالي نتحدث عن لاجئين لا عن مهاجرين يبحثون عن فرص عمل». فكان ردها «النمسا لطالما كانت دولة مرحبة. لكن علينا أن نسأل أنفسنا أي أشخاص نرحب بهم!».
وتابعت «أذكر عندما تم إعلان حالة الطوارئ في بولندا وجدنا في صفنا بالمدرسة فجأة 5 تلاميذ من بولندا أتوا بمفردهم. وصلوا إلى النمسا من دون ذويهم... أعرف أيضاً الأمر نفسه حصل مع أشخاص من تشيكوسلوفاكيا والمجر... حافلات محمّلة بأشخاص من كل الأعمار، كبار السن... أطفال... مرضى... ليس فقط رجال يعانون الكبت الجنسي (!). بل أشخاص من دول مجاورة يشاركونا ثقافتنا!».
وبعدما انتقدت سياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لقرارها السماح بدخول ما يزيد على مليون لاجئ سوري، أنهت كنايسل حديثها بالإجابة عن سؤال أثار ضجة كبيرة في ألمانيا حول ما إذا كان الإسلام ينتمي للنمسا، فقالت «ليس الإسلام، لكن المسلمين النمساويين هم جزء من النمسا».

سوريا والكيماوي
آراء وزيرة الخارجية النمساوية حول الحرب في سوريا متقاربة أيضاً من الموقف الروسي. إذ كتب فلوريان ماركل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيينا سابقاً ومدير معهد «مينا ووتش» في النمسا، في معرض انتقاده لاختيارها وزيرة للخارجية «بعد أسبوع من الاعتداء الكيماوي المدمّر على ضواحي دمشق، في أغسطس (آب) 2013، أجرت كنايسل مقابلة مع قناة (أو آر أف) تشرح فيها لماذا قرّر (الرئيس الأميركي حينها) أوباما توجيه (تهديد) للنظام السوري. ولم تقتنع كنايسل بأن الاعتداء بالغاز السام الذي وقع ضحيته أكثر من ألف مدني… كان هو السبب». وأضاف أن كنايسل راحت تتحدث «بنظرية بعيدة كل البعد عما حصل، وتقول إن الولايات المتحدة تريد أن تنشط في سوريا لأن هذا سيرفع أسعار النفط وهذا سيفيدها…». وتابع ماركل مستهزئاً برأيها «إذا كان (اعتداء الغوطة) عملية اخترعت لمصالح أميركية… وبهذا التحليل تكون كنايسل قد برّأت الأسد الديكتاتور من أي مسؤولية».
وأضاف ماركل أن وزيرة الخارجية اعتمدت أيضاً موقفاً شبيهاً بعدما رفضت تحميل الأسد مسؤولية اعتداء كيماوي ثانٍ وقع في أبريل (نيسان) 2017، فكتب «نقلت كنايسل في حوار تلفزيوني عن صحافي تركي اسمه كان دوندار عن وجود أدلة تشير إلى أن الاستخبارات التركية هي وراء الاعتداء، وأنها زوّدت (جبهة النصرة) بالأسلحة، وهي التي نفذت الهجوم الكيماوي». وأضاف أن «المثير في رواية كنايسل أن الصحافي دوندار نفسه نفى ما نقل عنه، ووصف الرواية بأنها هراء تام». ورأى الكاتب بأن كنايسل متأثرة بالبروباغندا الروسية - السورية التي تحاول إخفاء الحقيقة.
بطاقة تعريف

- ولدت كارين كنايسل في فيينا عام 1965، وعاشت جزءاً من طفولتها في عمّان، حيث كان والدها يعمل طياراً خاصاً للملك حسين.
- عام 1982 سكنت لفترة لدى عائلة فرنسية أثناء دراستها تساعد في الاهتمام بالأطفال، وكانت تتابع أخبار الحرب اللبنانية بتفاصيلها. ويقال أنها كتبت رسالة للرئيس – آنذاك – أمين الجميل وأنه رد عليها.
- درست القانون واللغة العربية في جامعة فيينا بين عامي 1983 و1987.
- درست العلاقات الدولية في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة وفي الجامعة الأردنية في عمّان.
- حصلت على دكتوراه في شؤون الشرق الأوسط بعدما أجرت أبحاثها في مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون بواشنطن.
- تتحدث إلى جانب الألمانية الإنجليزية والفرنسية والعربية والعبرية والإيطالية والإسبانية والمجرية.
- درّست في جامعة القديس يوسف في بيروت، وجامعة فيينا من بين جامعات أخرى، وعلمت صحافية لفترة، وكتبت لعدد من الصحف النمساوية.
- بين عامي 1990 و1998 عملت في مكتب القانون الدولي لمجلس الوزراء النمساوي قبل أن تترك السياسة وتنتقل إلى التعليم والصحافة.
- عادت إلى السياسة عام 2005 عضواً مستقلاً في مجلس بلدية سيبرسدورف.
- بين عامي 2011 و2015 كانت نائباً لرئيس الجمعية النمساوية للدراسات السياسية العسكرية.
- عام 2015 قالت في مقابلة تلفزيونية إن موجة اللجوء التي تشهدها أوروبا أسبابها اقتصادية.
- انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشدة بسبب سياستها الإيجابية إزاء اللجوء، ووصفت صورها «السيلفي» مع اللاجئين بأنها «إهمال فظيع».
- عام 2016 كان زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف هاينز كريستيان شتراخا على وشك أن يسميها مرشحته للرئاسة، لكنه عاد فاختار نوربرت هوفر الذي خسر أمام البيئي اليساري الكسندر فان دير بيلين.
- وجهت انتقادات لاذعة للرئيس النمساوي فان دير بيلين تتعلق بشخصية، ومشككة بذكائه. وانتقدت أيضاً البابا فرنسيس لتشبيهه معسكرات اللجوء بمعسكرات الاعتقال النازية.
- عُينت وزيرة للخارجية النمساوية في ديسمبر (كانون الأول) 2017 بعدما سماها حزب الحرية اليميني المتطرف لتمثله.
- تزوجت أخيراً رجل الأعمال وولفغاغ ميلينغر (54 سنة) في حفل في قرية صغيرة على الحدود مع سلوفينيا.


مقالات ذات صلة

يهود يمنعون رئيس البرلمان النمسوي من تكريم ضحايا الهولوكوست

أوروبا رئيس البرلمان النمسوي فالتر روزنكرانتس (أ.ف.ب)

يهود يمنعون رئيس البرلمان النمسوي من تكريم ضحايا الهولوكوست

منع طلاب يهود، الجمعة، أول رئيس للبرلمان النمسوي من اليمين المتطرف، من وضع إكليل من الزهور على نصب تذكاري لضحايا الهولوكوست، واتهموه بـ«البصق في وجوه أسلافنا».

«الشرق الأوسط» (فيينا)
يوميات الشرق المغنية الأميركية تايلور سويفت (أ.ب)

تايلور سويفت شعرت بـ«الخوف والذنب» بعد إحباط خطة لتفجير بإحدى حفلاتها

قالت المغنية الأميركية تايلور سويفت إنها شعرت بـ«الخوف» و«الذنب»، أمس (الأربعاء)، بعد إلغاء حفلاتها الثلاث في فيينا بسبب اكتشاف خطة لتفجير انتحاري خلال إحداها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا أعلنت السلطات النمسوية توقيف رجل ثالث بعد الكشف عن خطة لتنفيذ هجوم انتحاري خلال إحدى حفلات سويفت في فيينا (ا.ب)

واشنطن تؤكد تزويد النمسا بمعلومات استخبارية لإحباط هجوم ضد حفلات سويفت

أعلن البيت الأبيض، الجمعة، أن الولايات المتحدة زودت النمسا معلومات استخبارية للمساعدة في إحباط هجوم جهادي» كان سيستهدف حفلات لنجمة البوب الأميركية تايلور سويفت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا المغنية تايلور سويفت في نيو جيرسي بالولايات المتحدة في 28 أغسطس 2022 (رويترز)

الشرطة النمساوية: المشتبه به الرئيسي في «المؤامرة الإرهابية» لعروض تايلور سويفت أدلى باعترافات كاملة

أفادت الشرطة النمساوية بأن المشتبه به الرئيسي في المؤامرة الإرهابية المزعومة التي كانت تستهدف عروضاً للمغنية تايلور سويفت في فيينا، أدلى باعترافات كاملة.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
أوروبا تايلور سويفت خلال حفل بفرنسا في 2 يونيو 2024 (أ.ب)

إلغاء حفلات تايلور سويفت في فيينا بعد كشف مخطط هجوم إرهابي

ألغيت ثلاث حفلات للنجمة الأميركية تايلور سويفت كانت مقرّرة في فيينا هذا الأسبوع، وفق ما أعلن المنظمون الأربعاء، بعد إعلان الشرطة كشف مخطط لهجوم إرهابي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».