بين حين وآخر، تبرز قضية المساجد الأثرية في مصر، عقب حدوث وقائع إهمال أو سرقة بداخلها. وفي كل مرة يثار جدل كبير حول تبعية هذه المساجد، إذ تتبادل وزارتا الأوقاف والآثار الاتهامات، بينما ينتقد خبراء الآثار الوزارتين لسوء الإدارة والإهمال. تجدّدت حالة الجدل من جديد بعد الإعلان عن قرار تفكيك ونقل 55 منبراً أثرياً من مساجد القاهرة التاريخية، تعود إلى العصر المملوكي في القاهرة الإسلامية تمهيداً لعرضها بالمتاحف القومية، بحجة أنّها معرضة للسرقة. وقد ووجه هذا الإعلان بغضب واستياء من أوساط الأثريين والفنانين التشكيليين المصريين، معتبرين أنّ من شأنه تدمير الآثار الإسلامية الفريدة بسبب التفكيك والنقل والإهمال.
تجولت «الشرق الأوسط» في بعض مساجد القاهرة الفاطمية التي يزيد عمر بعضها عن ألف سنة، للوقوف على أوضاعها، ورصد تأمينها وحمايتها والإشراف عليها. وكانت المحطة الأولى في مسجد أبو بكر مزهر الكائن بحارة برجوان، المتفرعة من شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية الذي يرجع تاريخ بنائه إلى عام 1480. المسجد مُغلق من قِبل وزارة الآثار والأوقاف المصرية، لا يعرف قاطنو المنطقة اسمه. يذكرونه دائما بأنّه مسجد برجوان، إلا أن القليل منهم يعرف اسمه الحقيقي، حال المسجد من الخارج غير جيدة، أبوابه مغلقة في وجه مريديه، فضلاً عن بعض الشروخ التي اخترقت جدرانه. وعلى الجانب المواجه له يجلس الشاذلي محمد (70 سنة)، أحد سكان المنطقة القدامى وقد اعتاد الصلاة في المسجد منذ صغره، وعايش فترة إغلاقه عام 1992، بعد واقعة الزلزال الذي ضرب مصر آنذاك. حدثنا محمّد عن واقعة نقل المنبر من المسجد قائلاً: «إن فريقا من وزارة الآثار والأوقاف المصرية قدم إلى المسجد على مدار ثلاثة أيام، كانت مهمته تفكيك المنبر ونقله». وأضاف: «يأتون ويغلقون على أنفسهم باب المسجد، حتى ينتهوا من العمل، ثم يعودون في اليوم التالي، حتى فرغوا من تفكيك المنبر ونقله كاملا». مشيراً إلى أن المنبر تحفة فنية يحوي أشغالا خشبية وصدفية شديدة الدقة والجمال، ويتميز بضخامة حجمه ودقة صناعته.
ويضيف محمد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «المسجد مُغلق منذ شهر تقريباً، من جانب وزارة الآثار». لافتا إلى أنّه «أُغلق من قبل بدعوى ترميمه، لكنّهم يعاودون فتحه مجدداً من دون ترميم، وهذا نوع من الإهمال».
واقعة سرقة المنابر في مصر ليست جديدة، إذ تعرض نحو 17 منبراً من منابر مساجد القاهرة التاريخية لحوادث سرقة، أكثرها تم إبان أحداث الانفلات الأمني التي أعقبت انتفاضة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. وكان أبرزهم منبر مسجد «المؤيد شيخ» الذي بُني في عام 1415 على يد السلطان المؤيد أبو النصر سيف الدين الظاهري، وقد تعرّض للسرقة أكثر من مرة.
من جانبه، أكد الدكتور خالد العناني وزير الآثار المصرية في بيان صحافي، أنّ الوزارة بدأت بالفعل تسجيل الآثار والمقتنيات الإسلامية بداية من العام الماضي 2017، بعد عرضها على اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية، لتحديد الحاجة إلى نقله مِن عدمه، على ألا يُنقل أي منبر أثري إلّا في حال الضرورة القصوى التي تهدّد أمن المنبر وسلامته فقط، على أن يكون النقل تحت إشراف الإدارة المركزية للصيانة والترميم. موضحاً أنّ هناك 55 منبراً سيتم توثيقها وتسجيلها، ونقل ما يمكن نقله منها، مشيراً إلى أن منبرا واحدا فقط قد نُقل، وهو منبر مسجد «أبو بكر مزهر»، ومشكاوات منبر مسجد «الرفاعي».
ومن مسجد «أبو بكر مزهر» إلى مسجد «الرفاعي» الكائن في منطقة الخليفة، بمواجهة قلعة صلاح الدين الأيوبي، وبجوار مسجد السلطان حسن، ووسط مجموعة كبيرة من الآثار التي تؤرخ للعصور الإسلامية التي مرت بها مصر. المسجد الذي نقلت منه المشكاوات الأثرية بُني في عام 1880، على يد السيدة خوشيار هانم والدة الخديوي إسماعيل. ويعتبر مقصداً سياحياً مهما.
وعن واقعة سرقة مشكاوات المسجد، يقول حمدي إبراهيم (52 سنة)، وأحد مريدين المسجد لـ«الشرق الأوسط»: «فوجئنا في بداية عام 2017 بسرقة عدد من مشكاوات المسجد، وبلغنا شرطة الآثار بالواقعة، وحضرت الشرطة، وحرروا محضرا بالسرقة، وبعد فترة قصيرة لم تتعدّ الشهر ضبطوا المتهمين».
الجدير بالذكر أنّ المسجد تعرض في يناير2017، لسرقة 6 مشكاوات من أصل 15 كانت موجودة بحجرة الملك فؤاد والأميرة فريال وهي مصنوعة من الزجاج المموّه بالمنيا عليها «رنك» باسم الخديوي عباس حلمي الثاني، وكتابات بخط الثلث المملوكي.
تقول الدكتورة أمنية عبد البر عضو حملة «أنقذوا القاهرة التاريخية» لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحملة لديها مشروع ستقدمه لوزارة الآثار، بعد توثيق منبر مسجد «أبو بكر مزهر»، وبعدها ستصدر بيانا رسميا حول الأمر، مشيرة إلى أن المنبر تحفة جميلة بما يحويه من أشغال خشبية وصدفية شديدة الدقة والجمال، ويتميز أيضاً بضخامة حجمه ودقة صناعته، كما أنه بشكل عام يعتبر تحفة من تحف البناء، خاصة في استخدام السقوف الخشبية والأعمدة الرخامية، ومن الأمور النادرة في هذا المسجد أنّ اسم الصانع الذي قام بأعمال الزخرفة والنقوش للمحراب والمنبر كتب بجوارهما» عمل عبد القادر النقاش «ربما اعترافا بروعة ودقة العمل الذي قام به».
مساجد أثرية في مصر تعاني ضعف التأمين والإهمال
«الشرق الأوسط» رصدت أحوالها في القاهرة الفاطمية
مساجد أثرية في مصر تعاني ضعف التأمين والإهمال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة