أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الجمعة، اكتشاف مجموعة من المقابر الأثرية ومخازن للعسل وزيت الزيتون، تعود إلى عصر الانتقال الثالث (747-1069 قبل الميلاد)، خلال أعمال الحفائر التي تنفذها البعثة الأثرية المصرية - الفرنسية المشتركة في محيط معبد الرامسيوم بالبر الغربي في محافظة الأقصر (جنوب مصر).
ومعبد الرامسيوم كان «بمثابة مؤسّسات ملكية أُقيمت فيها الطقوس الدينية لتقديس الملك حتى في أثناء حياته، كما لعبت دوراً إدارياً واقتصادياً مهماً»، وفق وزارة السياحة والآثار.
وكشفت الحفائر في المنطقة الشمالية الشرقية من المعبد عن «عدد كبير من المقابر التي تعود إلى عصر الانتقال الثالث، تحتوي معظمها على حجرات وآبار للدفن، فيها أوانٍ كانوبية وأدوات جنائزية بحالة جيدة من الحفظ، بالإضافة إلى توابيت موضوعة داخل بعضها البعض، و401 تمثال من الأوشابتي المنحوت من الفخار ومجموعة من العظام المتناثرة».
وعدَّ وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، الكشف «إسهاماً في توضيح أسرار جديدة من تاريخ معبد الرامسيوم والدور الديني والمجتمعي الذي لعبه في مصر القديمة»، وفق بيان للوزارة.
وتعمل البعثة الأثرية المصرية - الفرنسية في معبد الرامسيوم منذ عام 1991، بالشراكة بين قطاع حفظ الآثار وتسجيلها في المجلس الأعلى للآثار بمصر، والمركز القومي الفرنسي للبحوث وجامعة السوربون.

واستطاعت الحفائر الكشف عن «ورشات للنسيج والأعمال الحجرية، إضافة إلى مطابخ ومخابز، كما عثرت على مجموعة أخرى من المباني في الجهة الشرقية للمعبد يُرجح أنها كانت تستخدم مكاتبَ إدارية».
وأوضحت الدراسات التي أجريت على المباني والأقبية الموجودة في الجهة الشمالية من المعبد أنها «كانت تُستخدم مخازنَ لحفظ زيت الزيتون والعسل والدهون، إلى جانب الأقبية التي استُخدمت لتخزين النبيذ؛ إذ وُجدت فيها ملصقات جرار النبيذ بكثرة»، وفق البيان.
وكشفت أعمال الحفائر داخل معبد الرامسيوم عن «بيت الحياة»؛ وهو «مدرسة علمية مُلحَقة بالمعابد الكبرى»، وهو ما عدّته وزارة السياحة والآثار، «اكتشافاً استثنائياً»، لا سيما أنه «لم يُظهر فقط التخطيط المعماري لهذه المؤسسة التعليمية، وإنما كشف أيضاً عن مجموعة أثرية غنية شملت بقايا رسومات وألعاباً مدرسية؛ مما يجعله أول دليل على وجود مدرسة داخل الرامسيوم المعروف أيضاً باسم (معبد ملايين السنوات)».

من جهته، أكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، الدكتور محمد إسماعيل، «أهمية هذه الاكتشافات كونها تُضيء على التاريخ الطويل والمعقّد للمعبد، وتفتح آفاقاً جديدة لفهم دوره في مصر القديمة، كما تُسهم في تعزيز المعرفة بالمعبد العائد تاريخه إلى عصر الدولة الحديثة، وخصوصاً عصر (الرعامسة)».
وقال إنّ «هذه الاكتشافات تشير إلى وجود نظام هرمي كامل للموظفين المدنيين داخل المعبد؛ إذ لم يكن مجرد مكان للعبادة، وإنما كان أيضاً مركزاً لإعادة توزيع المنتجات المخزّنة أو المصنَّعة، التي استفاد منها سكان المنطقة، بمَن فيهم الحرفيون في دير المدينة، الذين كانوا يخضعون للسلطة الملكية ضمن نظام المقاطعات».
وأظهرت الدراسات العلمية أنّ معبد الرامسيوم كان موقعاً مشغولاً قبل بناء رمسيس الثاني لمعبده، وأعيد استخدامه في فترات لاحقة، وتحوَّل إلى مقبرة كهنوتية ضخمة بعد تعرضه للنهب، قبل أن يستخدمه عمال المحاجر في العصرين البطلمي والروماني.
بدوره، أوضح رئيس قطاع حفظ وتسجيل الآثار بالمجلس الأعلى للآثار ورئيس البعثة من الجانب المصري، الدكتور هشام الليثي، أنّ البعثة أعادت اكتشاف مقبرة «سحتب أيب رع» الواقعة في الجانب الشمالي الغربي من المعبد، والتي كان قد اكتشفها عالم الآثار الإنجليزي كويبل عام 1896، وتعود إلى عصر الدولة الوسطى، وتتميّز جدرانها بمناظر جنازة صاحب المقبرة.

وأشار إلى أنّ «البعثة مستمرّة في العمل في محاولة للكشف عن مزيد خلال الفترة المقبلة»، موضحاً أنها «انتهت خلال الفترة الماضية من ترميم الجهة الجنوبية من قاعة الأعمدة إلى منطقة قدس الأقداس بالمعبد إلى جانب أعمال الترميم التي شملت فناءه الأول». وتضمنت أعمال الترميم «تجميع كل القطع الأثرية لتمثال (تويا)، والدة الملك رمسيس الثاني، ونقلها إلى موقعها الأصلي جنوب تمثال الملك رمسيس الثاني، كما جُمِعت كل الأجزاء التي جرى التعرُّف إليها من تمثال الملك رمسيس الثاني معاً على مصطبة، وترميم الأرجل وإعادتها إلى مكانها على القاعدة التي رُمِّمَت أيضاً، بالإضافة إلى إجراء دراسة على حالة التمثال عينه».
ولفت رئيس البعثة من الجانب الفرنسي، الدكتور كرسيتيان لوبلان، إلى أنّ «البعثة رمَّمت أيضاً القصر الملكي المجاور للفناء الأول للمعبد، بهدف التعرُّف إلى تخطيطه الأصلي»، موضحاً أنّ «أعمال البعثة أسفرت عن الكشف عن جميع الجدران المصنوعة من الطوب اللبن، التي شكلت في البداية تخطيطَ القصر المكوَّن من قاعة استقبال وغرفة العرش؛ إذ كان الملك يجري المقابلات خلال وجوده في الرامسيوم».
وفي منطقة باب الصرح الثاني، كُشف عن جزء من العتب الغرانيتي للباب يمثّل الملك رمسيس الثاني «متألهاً» أمام المعبود «آمون رع»، وبقايا الكورنيش الذي كان يقف عليه في الأصل إفريز من القرود.
وخلال أعمال رفع الرديم من طريق المواكب الشمالية والجنوبية والشمالية، «عُثر على عدد من الاكتشافات من عصر الانتقال الثالث، كما جرى التعرُّف إلى أنّ هذا الجزء من المعبد كان طريقاً تصطف على جانبيها تماثيل حيوانية على صورة أنوبيس متكئاً على مقصورة صغيرة؛ وقد جُمع عدد من بقايا التماثيل وجرى ترميمها»، وفق البيان.