«مورين» فيلم لبناني يغرد خارج السرب

تم تنفيذه في استوديوهات بنيت خصيصاً على الحدود الشمالية لفلسطين

الممثلة كارمن بصيبص تجسد دور «مورين» في الفيلم
الممثلة كارمن بصيبص تجسد دور «مورين» في الفيلم
TT

«مورين» فيلم لبناني يغرد خارج السرب

الممثلة كارمن بصيبص تجسد دور «مورين» في الفيلم
الممثلة كارمن بصيبص تجسد دور «مورين» في الفيلم

واجه فيلم «مورين» صعوبات كثيرة من أجل تنفيذه. فعدا صعوبة الحصول على التمويل اللازم، فإن مشكلة إيجاد مواقع تصوير تتلاءم مع مجرياته دفعت بمنتجيه (الأكاديمية اللبنانية للسينما) إلى بناء استوديوهات خاصة لتنفيذه. فهذا العمل السينمائي اللبناني بامتياز، الذي انطلق أخيراً في الصالات، يعد من النوع الروائي التاريخي الطويل، وقد لفت مشاهديه بعناصره التقنية من ناحية، والبشرية من ناحية أخرى. أما قصته، فهي تدور في فلك القرية اللبنانية البدائية، وهو أمر لم يسبق أن شاهدوه في أعمال أخرى.
وبدءاً من طبيعة مواقع التصوير التي تطلب البحث عنها نحو سنة، إلى أن حالف المخرج الحظ بالعثور على بلدة «طير حرفا»، الواقعة على حدود فلسطين الشمالية، ومروراً بأزيائه والإكسسوارات المستخدمة فيه (من أوان وفخاريات وغيرها)، وصولاً إلى المشاركين فيه من أسماء عريقة في عالم التمثيل في لبنان (منير معاصري ومنير كسرواني وتقلا شيمعون)، يشكل هذا العمل علامة فارقة في صناعة السينما اللبنانية، يصفها مخرجه طوني فرج الله بحلم وتحقق.
ويحكي الفيلم الذي يستغرق نحو 90 دقيقة قصة فتاة لبنانية مسيحية كرست حياتها للتقرب من الله، تاركة وراءها كل ملذات الدنيا ومغرياتها، ولم تتوانَ عن تنكرها في زي رجل للوصول إلى هدفها. «القصة روحانية تخاطبنا دون تفرقة، كون جميع الأديان ترسو على هذا المبدأ، وهدفنا هو تعزيز هذه الناحية المزروعة لدى اللبنانيين من جميع الأطياف»، تقول تقلا شيمعون، إحدى بطلات الفيلم والمشاركة الأساسية في تنفيذه وإنتاجه، وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نتمنى ألا يكون هذا الفيلم محاولة يتيمة في عالم صناعة السينما اللبنانية، بل بداية واعدة للارتقاء بأعمالنا نحو الأفضل».
وتطلب الفيلم مواقع تصوير تنطوي على معالم وأماكن قديمة، ووجد مخرجه صعوبة في إيجاد بقعة لبنانية غير مخروقة بالعمارات الحديثة وبيوت الإسمنت. وعلى تلة عذراء في بلدة «طير حرفا»، استحدث الخان الذي تدور فيه غالبية مجريات الفيلم، إلى جانب مواقع أخرى، اختيرت قرب قلعة المسيلحة البترونية، بالتعاون مع وزارة الثقافة في لبنان، وخلايا سكن قديمة مصنوعة من الحجر شبيهة إلى حد كبير بتلك الموجودة في دير وادي قنوبين (شمال لبنان)، إضافة إلى آخر مهجور يقع على علو 16 متراً في بلدة «طير حرفا»؛ شكلت المواقع التصويرية الرئيسية للفيلم. وبدت البيوت حقيقية مبنية من الحجر، بعد أن تم تعتيق نوافذها وأبوابها لتتناسب مع الزمن الذي تجري خلاله أحداث الفيلم (في عام 620). كما أضفت طبيعة لبنان المتأثرة بعوامل طقس حقيقية (برودة وصقيع وثلوج) على الفيلم مصداقية بعيدة عن المشاهد المفبركة المعتاد عليها، لا سيما أن المخرج كان ينتظر حدوثها من يوم لآخر على أرض الواقع لتصوير مشاهد تتطلبها.
وكان اللافت «ظهور جميع الممثلين على طبيعتهم في قالب بعيد كل البعد عن الجمال المعدل والمحدث والمتفشي في أعمالنا الدرامية والسينمائية: اللحى الطويلة، وملامح وجه متقدمة في العمر، مع تجاعيد بارزة وعيون تعبة، وأخرى نضرة شابة لم يمسها مبضع جراحة تجميلية، إضافة إلى أزياء مصنوعة من أقمشة حيكت خصيصاً للفيلم، تعود بنا إلى حقبة تاريخية ماضية (في عام 620)، ألفت جميعها عناصر جمالية للعمل. وقد انخرط الممثلون بشغف لتجسيد مشاهد أظهرت قدرتهم على التحمل إلى حد الذوبان في مهنتهم، كي يساهموا في ولادة عمل لا يشبه غيره»، تقول شيمعون في سياق حديثها. وتلعب كارمن بصيبص دور «مورين»، وتصفه بتحد لم يسبق أن خاضته قبلاً، فقد كان دوراً صعباً يتطلب مسؤولية كبيرة، ولكنه بكل بساطة واحد من أجمل أدوارها.
وبالنسبة للممثل المخضرم منير معاصري، فقد نجح مرة أخرى في إنجاز علامة فارقة في عالم التمثيل، من ناحية أدائه المحترف الذي كان وقعه بالغاً على المشاهد، حتى في تلك اللقطات التي ارتكزت على تمثيله الصامت المترجم بحركة جسده الهرم، كما يتطلب الدور.
وما يقال عن معاصري ينطبق أيضاً على المسرحي الكبير منير كسرواني، وعلى الممثلين القديرين أويس مخللاتي وحسن فرحات وغسان مسعود وغيرهم، الذين تفوقوا على أنفسهم ضمن أداء تمثيلي راقٍ غني بالمصداقية.
ويشير كاتب ومخرج العمل، طوني فرج الله، الأستاذ في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، الذي يعد هذا الفيلم باكورة أعماله السينمائية، إلى أن السينما وسيلة تعبير تعكس مجتمعاً كاملاً، وهو ما حاول تقديمه في «مورين»، ويقول: «هي قصة حقيقية ومميّزة، وقد عملنا على تمويله ذاتياً عبر أموال خاصة وقروض، وبمساعدة بعض المبادرات الشخصية لأنّنا لم نستطع الحصول على تمويل عربي أو أجنبي». وعن عملية توزيع الفيلم، يقول: «حتى الآن، لم نستطع التواصل مع موزعين في عالم الغرب، ولكن الفيلم سيعرض في الأردن ودبي وبلدان عربية أخرى، ونتمنى أن نتوصل إلى عرضه في بلاد الاغتراب، حيث توجد جاليات لبنانية كبيرة تتوق إلى مشاهدة قصة لبنانية حقيقية».


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».