الوجود المسيحي في العراق... وأبرز رموزهم

TT

الوجود المسيحي في العراق... وأبرز رموزهم

تعد المسيحية ثانية كبرى الديانات في العراق من حيث عدد الأتباع، بعد الإسلام. وهي ديانة مُعترَف بها في الدستور العراقي، الذي يعترف بأربعة عشر طائفة مسيحية يتوزع أبناؤها على أنحاء مختلفة من البلاد، وتتكلم نسبة عالية منهم اللغة العربية، بجانب اللغات القديمة التي سادت في المنطقة إبان العصور القديمة. ومن أبرز هذه اللغات اللغة السريانية بلهجاتها العديدة.
ومن ناحية الأصول التاريخية والجغرافية والمذهبية، ينقسم المسيحيون العراقيون إلى 5 أقسام رئيسية:
> الكلدان: وهم يشكلون القسم الأكبر من المسيحيين العراقيين، وتقطن غالبيتهم في بلدات محيط الموصل (سهل نينوى) وعموم شمال العراق، مثل تلكيف والقوش وعينكاوا. كما أن لهم حضوراً واضحاً في بغداد والبصرة. وكان الكلدان في الأصل على المذهب النسطوري حتى القرن التاسع عشر، ولكنهم تحوّلوا إلى الكاثوليكية. وهم يتكلمون بلهجة خاصة قريبة إلى السريانية العراقية الفصحى.
> الآثوريون: وهم من أتباع الكنيسة النسطورية العراقية، وغالبيتهم نزحت إلى العراق من المناطق المحاذية للموصل في جنوب تركيا (جبال الهكارية)، والتابعة تاريخياً وسكانياً لبلاد النهرين. لكنهم اضطروا إلى النزوح بعد المذابح التي تعرضوا لها في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على أيادي الآغوات الأكراد والعسكر الأتراك، والتي كلفتهم مئات الآلاف من القتلى والمشردين. ويختلف الآثوريون عن الكلدان من ناحية المذهب، وكذلك من ناحية طبيعتهم الجبلية، بالإضافة إلى لهجتهم الخاصة المشتقة أيضاً من السريانية. وهنالك من يعتقد أن تسمية الآثوريين ليست لها علاقة بالآشوريين، بل هي مشتقة من التورانيين أي الجبليين بالسريانية.
> السريان الأرثوذكس (اليعاقبة): وهم أتباع الكنيسة السورية، ويقطنون مدينة الموصل، ويشكلون عموماً نخبة حضرية متميزة. وبعضهم تحول إلى الكاثوليكية في القرن التاسع عشر، وسموا أنفسهم السريان الكاثوليك.
> الأرمن: يعود أصلهم إلى بلاد أرمينيا في منطقة القفقاس التي تقع جغرافياً عند أعالي بلاد النهرين، ومنها ينبع نهرا دجلة والفرات. ولقد ظل الأرمن على علاقة تاريخية عميقة مع العراق وظلت هجراتهم إليه طيلة التاريخ. ولكن الأرمن تعرضوا في أثناء الحرب العالمية الأولى لمذابح في جنوب تركيا. وقد أُجبروا على الهجرة وانتشروا في سوريا وأقطار المشرق العربي ومنها العراق، وقدِّر عدد من دخل منهم العراق بـ350 ألف نسمة، لكنهم بمرور الزمن هاجروا إلى الخارج، ولم يتبقَّ منهم غير بضع عشرات من الآلاف يقطنون الموصل وبغداد والبصرة. وينتمي القسم الأكبر من أرمن العراق إلى المذهب الأرثوذكسي، مقابل أقلية تتبع المذهب الكاثوليكي.
> الكنائس البروتستانتية: الكنائس البروتستانتية متعددة مثل الكنيسة الإنجيلية والكنيسة المشيخية والكنيسة المعمدانية والكنيسة النظامية والكنيسة السبتية وغيرها. وأتباعها عموماً من السريان العراقيين الذين تحولوا إلى البروتستانتية في العصر الحديث، بتأثير الكنائس البروتستانتية الإنجليزية والأميركية. ووفق المصادر فإن هؤلاء يشكلون أقلية من النخب المدنية الفكرية المتميزة في الموصل وبغداد.
- شخصيات عراقية مسيحية لامعة
لمعت في العراق شخصيات في شتى المجالات، بل قامت في جنوب العراق، قبل الفتح الإسلامي مملكة لخم (المناذرة)، وكان من أشهر ملوكها المسيحيين النعمان بن المنذر.
كذلك اشتهر من الشعراء المسيحيين العراقيين عبد المسيح بن بُقيلة، صاحب القصة الشهيرة مع خالد بن الوليد، وتزعم الروايات التاريخية أنه عاش 350 سنة، والشاعر الكبير عديّ بن زيد العبادي، صاحب البيت الشهير:
عن المرء لا تسأل وسل قرينه
فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي
وفي مجالات الآداب والعلوم والطب، اشتهر آل بختيشوع، كما لمع العلامتان الطبيبان والباحثان والمترجمان حنين بن إسحق وابنه إسحق بن حنين.
وفي العصر الحديث، برز من أعلام المسيحيين العراقيين، في مختلف المجالات، العلامة والباحث واللغوي الأب إنستاس الكرملي، والأكاديمي والمربّي البروفسور متّى عقراوي أول رئيس لجامعة بغداد، والوزير والباحث والاقتصادي يوسف رزق الله غنيمة (تولى وزارة المالية) وابنه حارث يوسف غنيمة، وكوركيس عواد وميخائيل عواد في مجال التأليف والكتابة والأبحاث، والصحافي والسياسي روفائيل بطي (تولى الوزارة)، ويوسف سلمان يوسف «فهد» (أحد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي، وأحد أوائل من أُعدموا لأسباب سياسية)، والراهب المؤرخ ألبير أبونا، والأديب والشاعر يوسف الصائغ، ويعقوب سركيس مخطّط مدينة الناصرية، والمطربة الكبيرة عفيفة إسكندر، والموسيقاران منير بشير وجميل، ونجما كرة القدم الدوليان اللامعان عمو (عمانوئيل) بابا ودوغلاس عزيز... وأخيراً نائب رئيس الجمهورية العراقي السابق ووزير الخارجية السابق الراحل طارق عزيز.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة قلقة من حظر أوكرانيا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

أوروبا أعضاء فرع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية يحضرون اجتماعاً في دير القديس بانتيليمون في كييف يوم 27 مايو 2022 (رويترز)

الأمم المتحدة قلقة من حظر أوكرانيا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

أعلن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه يدرس حظر كييف للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المرتبطة بروسيا، قائلاً إنه يثير مخاوف جدية بشأن حرية المعتقد.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
آسيا البابا فرنسيس أثناء وصوله إلى مطار سوكارنو هاتا الدولي في جاكرتا (أ.ف.ب)

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في مستهل أطول رحلة خارجية خلال ولايته

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في محطة أولى ضمن جولة له على 4 دول. وتتمحور الزيارة بشكل خاص حول الحوار الإسلامي المسيحي.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
أميركا اللاتينية الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي خلال زيارته إلى القدس 6 فبراير 2024 (أ.ب)

كيف تحول تأييد الرئيس الأرجنتيني لإسرائيل واهتمامه المتزايد باليهودية مصدر قلق لبلاده؟

لقد أظهر الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، وهو كاثوليكي بالميلاد، اهتماماً عاماً متزايداً باليهودية، بل وأعرب حتى عن نيته في التحوّل إلى اليهودية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا رجال الشرطة يقفون للحراسة مع وصول المسلمين لأداء صلاة الجمعة في مسجد جيانفابي في فاراناسي 20 مايو 2022 (أ.ف.ب)

الهند: قوانين مقترحة للأحوال الشخصية تثير مخاوف المسلمين

من المقرر أن تطرح ولاية هندية يحكمها حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي قوانين الأحوال الشخصية العامة الجديدة المثيرة للجدل والتي ستطبَّق على جميع الأديان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
آسيا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال حفل الافتتاح (رويترز)

مودي يفتتح معبداً هندوسياً بُني على أنقاض مسجد تاريخي

افتتح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اليوم معبداً هندوسياً، بني على أنقاض مسجد تاريخي، في خطوة تكتسي أهمية كبيرة في سياسته القومية المحابية للهندوسية.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
TT

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا، كما أيّد تصدي المملكة العربية السعودية للمتمردين الحوثيين في اليمن.

في المقابل، أدان روبيو هجوم حركة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على غلاف قطاع غزة، وأعرب بقوة عن دعمه لإسرائيل و«عن حقها في الدفاع عن النفس»، داعياً إلى القضاء التام على «حماس» في القطاع الفلسطيني المحتل.

وعندما سُئل عما إذا كانت هناك طريقة ما لوقف «حماس» من دون التسبّب في خسائر بشرية جسيمة في صفوف مدنيي غزة، قال روبيو - بالحرف - إن إسرائيل لا تستطيع التعايش «مع هؤلاء المتوحشين... يجب القضاء عليهم». وتابع في الاتجاه نفسه ليقول: «إن (حماس) مسؤولة بنسبة 100 في المائة» عن الخسائر البشرية الفلسطينية في غزة.

أما فيما يتعلق بإيران فالمعروف عن روبيو أنه يدعم العقوبات الصارمة وإلغاء الاتفاق النووي معها. وإزاء هذه الخلفية يرى محللون أن اختياره لمنصب وزير الخارجية ربما يعني تطبيقاً أكثر صرامة للعقوبات النفطية على كلّ من إيران وفنزويلا.

ومن جهة ثانية، بصفة ماركو روبيو نائباً لرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وعضواً في لجنة العلاقات الخارجية، فإنه يناقش في الكثير من الأحيان التهديدات العسكرية والاقتصادية الأجنبية، ولعل من أبرزها ما تعدّه واشنطن تهديد الصين. وهو يحذّر بشدّة من أن كلاً من الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا تتعاون بشكل متزايد ضد الولايات المتحدة. وسبق له أن قال في خطاب ألقاه خلال مارس (آذار) الماضي: «إنهم جميعاً يشتركون في هدف واحد. إنهم يريدون إضعاف أميركا، وإضعاف تحالفاتنا، وإضعاف مكانتنا وقدراتنا وإرادتنا».

وحول الصين بالذات، فيما يتعلق بالأمن القومي وحقوق الإنسان، فإنه يحذر من الصين. وفي حين يأمل روبيو بنمو اقتصادي أكبر نتيجة للتجارة معها، فإنه يعتقد أن على واشنطن دعم الديمقراطية والحرية والاستقلال الحقيقي لشعب هونغ كونغ.

أما بالنسبة لروسيا، فقد أدان روبيو غزو روسيا لأوكرانيا، خلال فبراير (شباط) 2022، بيد أنه صوّت مع 15 جمهورياً في مجلس الشيوخ ضد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا وإسرائيل وشركاء آخرين جرى تمريرها في أبريل (نيسان).

ثم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وصف الأوكرانيين بأنهم «شجعان وأقوياء بشكل لا يصدق»، لكنه قال إن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى «طريق مسدود»، و«يجب إنهاؤها» عبر التفاوض لتجنب المزيد من الضحايا، بدلاً من التركيز على استعادة كل الأراضي التي استولت عليها موسكو.

في المقابل، يدعم وزير الخارجية المرشّح الشراكةَ التجارية والتعاون مع الحلفاء عبر المحيط الهادئ، ويدعو إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في تلك المنطقة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة «تخاطر بالاستبعاد من التجارة العالمية ما لم تكن أكثر انفتاحاً على التجارة».