سخط عشائري من قرار مصادرة ممتلكات عناصر النظام العراقي السابق

الإجراء شمل ضابطاً أعدمه صدام وآخر قتل في حرب «داعش»

TT

سخط عشائري من قرار مصادرة ممتلكات عناصر النظام العراقي السابق

رفضت وزارة الداخلية العراقية القرار الصادر عن هيئة المساءلة والعدالة بمصادرة وحجز أموال قائد شرطة الأنبار الأسبق اللواء الركن أحمد صداك الدليمي، الذي كان قد قتل في أثناء إحدى المعارك مع تنظيم داعش عام 2014، بينما أثار القرار بمصادرة وحجز الآلاف من قيادات سياسية وعسكرية انخرطت في العملية السياسية بعد عام 2003 سخط كثير من القيادات السياسية والعشائرية في العراق.
وفي بيان لها، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، قالت وزارة الداخلية إن اللواء الركن أحمد الدليمي «استشهد في أثناء المنازلة الكبرى ضد (داعش) الإرهابي»، داعية «هيئة المساءلة والعدالة إلى إعادة النظر في قرارها المجحف بحق الشهيد أحمد صداك»، ومؤكدة أنها «ستلجأ إلى القضاء العراقي دفاعاً عن حقوق شهداء العراق».
من جانبها، قالت هيئة المساءلة والعدالة، في بيان، إن «دور الهيئة كان منذ البداية قائم على أنها مؤسسة كاشفة، وليست تنفيذية، وهذا أساس مهمتها المنوطة بها، إذ إننا تابعنا التصريحات الصادرة عن وزارة الداخلية الأخيرة، التي ترفض فيه الإجراءات الخاصة التي شملت الشهيد اللواء الركن أحمد صداك بطاح الدليمي (بقرار الحجز، وليس المصادرة)، فإننا نؤكد على التزامنا الكامل بتطبيق أحكام وبنود القانون 72، الذي شرعه البرلمان وصادق عليه مجلس الرئاسة، والذي نص على شمول المحافظين ومدراء الأمن وأعضاء الفروع فما فوق، ومن كان بدرجة عميد في الأجهزة القمعية في زمن النظام المخلوع»، مبينة أن «واجب الهيئة أن تزود الجهات ذات العلاقة بتلكم الأسماء التزاماً بالقانون المذكور»، وأنه إذا «كان هناك اعتراض، فيجب أن يكون على أصل تشريع القانون، وليس على تطبيقاته»، منوهة بأن الأمانة العامة لمجلس الوزراء «قد شكلت لجنة مختصة لغرض النظر بالطلبات الخاصة بهذا القانون لحل أي إشكال قد يطرأ مستقبلاً».
ومن المفارقات التي لفتت الأنظار في القرار المذكور أنه شمل قائداً عسكرياً عراقياً كبيراً، هو اللواء الركن ثابت سلطان، قائد الفيلق الثالث خلال الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1988)، الذي كان قد أعدمه الرئيس العراقي السابق صدام حسين بتهمة التآمر على نظامه، في حين صدر أمر بحجز أموال اللواء الركن أحمد صداك الدليمي، الذي قتل في المعارك ضد تنظيم داعش، على خلفية كونه يحمل رتبة عميد ركن على عهد النظام السابق في جهاز «فدائيي صدام».
وفي هذا السياق، أكد الشيخ أحمد أبو ريشة، رئيس مؤتمر صحوة العراق في الأنبار، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنظيم داعش، ومن سخريات القدر، سبق المساءلة والعدالة العراقية في التعامل مع اللواء الركن أحمد صداك الدليمي قائد شرطة الأنبار الأسبق، حيث قام بتفجير داره أولاً، ومن ثم قتل أثناء إحدى المعارك التي خاضها الجيش العراقي في منطقة الجزيرة عام 2014».
وتساءل أبو ريشة: «لماذا لا تتم مصادرة أموال الضباط والقادة الذين نزعوا رتبهم العسكرية، وهربوا من أرض المعركة، وسلموا المحافظات العراقية إلى (داعش)؟»، في إشارة إلى معركة الموصل التي شهدت هروب عدد كبير من كبار القادة العسكريين، مما مكن تنظيم داعش من احتلال نينوى وصلاح الدين في وقت قياسي.
بدوره، أكد اللواء الركن المتقاعد حقي إسماعيل الفهداوي، الذي كان أستاذ اللواء أحمد صداك في كلية الأركان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «اللواء الركن أحمد الدليمي له تاريخ مشرف منذ أن كان تلميذاً في كلية الأركان. ومن بعدها، حين تسلم مواقع عسكرية مهمة في الجيش العراقي»، مبيناً أن «الدليمي كان ضابطاً شجاعاً، وقف ضد كل محاولات التطرف والإرهاب، وكانت له صولات في مقاتلة (القاعدة) من قبل، ومن بعدها (داعش)، بالإضافة إلى موقفه الرافض لكل محاولات التصعيد خلال الاعتصامات»، مبيناً أن «صدور مثل هذا القرار أمر لا يستند إلى العدالة والإنصاف».
من جانبه، أكد محمد الكربولي، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي القيادي في ائتلاف «الأنبار هويتنا»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذا القرار، سواء من حيث الآليات أو التوقيت، محبط وجائر، ويصادر جهود وتضحيات من دافع عن العراق».
وأضاف الكربولي أن «القرار ينسف، وبشكل متعمد، كل جهود المصالحة الوطنية، وطي صفحة الماضي، ويعيد المجتمع إلى المربع الأول، بعد 15 عاماً من الجهود التي بذلت باتجاه تصحيح مسار العملية السياسية».
وأوضح الكربولي أن «تضمين قوائم الحجز والمصادرة لقادة وضباط انخرطوا في العملية السياسية، وساهموا في إعادة بناء المؤسسة العسكرية، وتصدوا ببسالة لقوى الإرهاب الداعشي إنما يمثل استهانة غير مبررة بأرواحهم وتضحياتهم».



تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
TT

تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

بعيداً عن تعثر مسار التسوية في اليمن بسبب هجمات الحوثيين البحرية، أشاع الإعلان الأممي اتفاقاً بين الحكومة والحوثيين حول المصارف والطيران أجواءً من الأمل لدى قطاع عريض من اليمنيين، مثلما زرع حالة من الإحباط لدى مناهضي الجماعة المدعومة من إيران.

ومع إعلان غروندبرغ اتفاق خفض التصعيد بين الحكومة والحوثيين بشأن التعامل مع البنوك التجارية وشركة «الخطوط الجوية اليمنية»، فإن المبعوث لم يحدد موعداً لبدء هذه المحادثات ولا مكان انعقادها، واكتفى بالقول إن الطرفين اتفقا على البدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والإنسانية بناء على خريطة الطريق.

غروندبرغ يسعى إلى تحقيق أي اختراق في مسار السلام اليمني بعد إعاقة الحوثيين خريطة الطريق (الأمم المتحدة)

بدت آراء يمنيين في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي متباينة في كل مضامين اتفاق التهدئة، باستثناء تمنياتهم بنجاح محادثات الملف الاقتصادي لأن من شأنها أن تعالج وفق تقديرهم جذور الأزمة الاقتصادية والانقسام المالي وانقطاع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين منذ ثمانية أعوام.

في المقابل، ناقضت تقارير يمنية نفسها، مثل ما ورد في تقرير لمركز صنعاء للدراسات كتبه نيد والي، ففي حين حاول توجيه السبب الأساسي للاتفاق نحو ضغوطات من دول في التحالف على الحكومة لصالح الحوثيين، عاد واقتبس من المبعوث الأممي قوله في رسالة لمجلس القيادة: «الانقسام الاقتصادي والمالي الذي تشهده البلاد ستترتب عليه تبعات خطيرة وربما مدمرة، وعزل البنوك وشركات الصرافة عن النظام المالي العالمي سيؤثر سلباً على الأعمال التجارية وعلى تدفق التحويلات المالية».

وكتب الباحث في التقرير نفسه: «عانى الاقتصاد اليمني من الشلل نتيجة عقد من الصراع، وأي ضغوط إضافية لن تجلب سوى أوضاع إنسانية وخيمة، ليس أقلها تعطيل القدرة على تقديم المساعدات. يتم تداول عملتين في الأسواق المالية اليمنية بسعري صرف متباينين، ورغم أن الانقسام الدائم في النظام المصرفي ومؤسسات الدولة قد يصبح أمراً لا مفر منه في نهاية المطاف، لا ينبغي التشكيك بأن تداعيات ذلك على الاقتصاد ستكون وخيمة وأليمة بصورة استثنائية».

وقالت مصادر غربية لـ«الشرق الأوسط»: «إن السعودية دعمت خريطة الطريق ومشروع إنهاء الأزمة اليمنية، والخلافات والعراقيل ليست طريقة للوصول إلى السلام في كل الأحوال».

ومن خلال تعليقات حصلت عليها «الشرق الأوسط» عبر استمزاج يمنيين في قطاعات تجارية وتربوية، تتجنب المعلمة نجاة التي اكتفت بذكر اسمها الأول الخوض في الجدال المتواصل بين المؤيدين والمعارضين لاتفاق التهدئة وتعتقد أن الذهاب للمحادثات الاقتصادية بنيات صادقة ونجاحها هو البشرى الحقيقية لمئات الآلاف من الموظفين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون الذين حرموا من رواتبهم منذ نهاية العام 2016، ولكل سكان البلاد الذين يدفعون ثمن الانقسام المالي والمواجهة الاقتصادية.

وتتمنى المعلمة على ممثلي الجانبين الحكومي والحوثيين استشعار المعاناة الكبيرة للملايين من اليمنيين الذين يقاسون نتيجة الظروف الاقتصادية وتوقف المرتبات ووجود عملتين محليتين، والحرص على التوافق والخروج باتفاق على استئناف تصدير النفط والغاز ووضع آلية مرضية لصرف المرتبات، وإنهاء الانقسام المالي لأن ذلك في تقديرها سيكون المنفذ الحقيقي للسلام.

الرواتب وتوحيد العملة

يقول الموظف الحكومي رضوان عبد الله إن الأهم لديه، ومعه كثيرون، هو صرف الرواتب وإنهاء انقسام العملة، لأنهم فقدوا مصدر دخلهم الوحيد ويعيشون على المساعدات والتي توقفت منذ ستة أشهر وأصبحوا يواجهون المجاعة وغير قادرين على إلحاق بناتهم وأبنائهم في المدارس لأنهم لا يمتلكون الرسوم التي فرضها الحوثيون ولا قيمة الكتب الدراسية ومستلزمات المدارس ولا المصروف اليومي.

تعنّت الحوثيين أفشل جولات متعددة من أجل السلام في اليمن (إعلام محلي)

ويؤيده في ذلك الموظف المتقاعد عبد الحميد أحمد، إذ يقول إن الناس تريد السلام ولم يعد أحد يريد الحرب وإن السكان في مناطق سيطرة الحوثيين يواجهون مجاعة فعلية. ويزيد بالقول إن صرف المرتبات وتوحيد العملة أهم من أي اتفاق سياسي ويطلب من الحكومة والحوثيين ترحيل خلافاتهم السياسية إلى ما بعد الاتفاق الاقتصادي.

ولا يختلف الأمر لدى السكان في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية والذين يعبر أغلبيتهم عن سخطهم من الموافقة على إلغاء الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في حق البنوك التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ يرى عادل محمد أن إنهاء انقسام العملة واستئناف تصدير النفط سيؤدي إلى وقف تراجع سعر الريال مقابل الدولار الأميركي وسيوقف الارتفاع الكبير في أسعار السلع لأن ذلك أضر بالكثير من السكان لأن المرتبات بسبب التضخم لم تعد تكفي لشيء.

ويتفق مع هذه الرؤية الموظف في القطاع التجاري سامي محمود ويقول إن توحيد العملة واستئناف تصدير النفط سيكون له مردود إيجابي على الناس وموازنة الدولة، لأنه سيحد من انهيار الريال اليمني (حالياً الدولار بنحو 1990 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة) كما أن الموظفين والعمال الذين تعيش أسرهم في مناطق سيطرة الحوثيين سيكونون قادرين على إرسال مساعدات شهرية، لكن في ظل الانقسام وفرض الحوثيين سعراً مختلفاً فإن ما يرسلونه يساوي نصف رواتبهم.

مصلحة مشتركة

يرى الصحافي رشيد الحداد المقيم في مناطق سيطرة الحوثيين أن التوصل إلى اتفاق في هذا الملف فيه مصلحة مشتركة وإعادة تصدير النفط والغاز سيسهم في عودة أحد مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة، كما أن استئناف صرف مرتبات الموظفين سوف يسهم في الحد من معاناة مئات الآلاف من الموظفين.

ملايين اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين تتهددهم المجاعة (الأمم المتحدة)

ويشدد الحداد على ضرورة أن يتوجه ممثلو الجانبين إلى هذه المحادثات بصدق ومسؤولية لمفاوضات تحسم هذا الملف، ورأى أن أي اختراق يحدث في هذا الجانب سيعزز بناء الثقة وسيقود نحو تفاهمات أخرى، و سيكون له انعكاسات إيجابية على حياة كل اليمنيين.

لكن الجانب الحكومي لا يظهر الكثير من التفاؤل ويعتقد اثنان من المسؤولين سألتهم «الشرق الأوسط» أن الحوثيين غير جادين ويريدون تحقيق مكاسب اقتصادية فقط من خلال هذه الجولة، لأنهم يريدون الحصول على رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم لامتصاص النقمة الشعبية الواسعة، ويرغبون في الحصول على حصة من عائدات تصدير النفط، دون أن يكون هناك مقابل أو تقديم تنازلات فعليه تخدم مسار السلام، فيما يتعلق بتوحيد العملة والبنك المركزي.

ووفق ما أكده المسؤولان فإن الجانب الحكومي الذي قدم الكثير من التنازلات من أجل السكان في مناطق سيطرة الحوثيين بحكم مسؤوليته عن الجميع، سيشارك بإيجابية في المحادثات الاقتصادية وسيكون حريصاً على إنجاحها والتوصل إلى اتفاقات بشأنها استناداً إلى مضامين خريطة طريق السلام التي كانت حصيلة جهود وساطة قادتها السعودية وعُمان طوال العام الماضي وحتى الآن.